أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وإسرائيل شاحاك كان أستاذاً للعلوم الطبيعية في "الجامعة العبرية"، وهو الآن متقاعد، ولكن الرجل يمتلك من الجرأة والمصداقية مع نفسه ومع الحقيقة ما جعله يفضح، دون مواربة طبيعة ما صار يسمى "المجتمع الإسرائيلي" وحقيقة المعتقدات اليهودية والسلوك اليهودي "الأرثوذكسي" المقيد تقييداً تاماً بفهم الحاخامات للتعاليم التلمودية. إنه يكشف بمنتهى الصدق، عن الفظاظة الوحشية التي يتعامل بها اليهودي مع الآخرين من (الغوييم= الأقوام الأخرى من غير اليهود) وبموجب التعاليم التلمودية التي يحرص الحاخامات على إلزام المتدينين بها إلزاماً صارماً وحرفياً. وبالطبع، قلة قليلة لا تُخضع نفسها لذلك الإلزام فاليهودي لا يكون يهودياً إلا إذا قام بشعائر دينه ونفذ ما يأمره الحاخامات بتنفيذه!.والبروفيسور شاحاك يشير إلى أن تلك القلة لا تأثير لها على الحياة المجتمعية أو السياسية في "الدولة العبرية".. بل أكثر من ذلك. هو يؤكد أن الديانة اليهودية ليست ديانة توحيدية، ويستشهد على ذلك بنصوص توراتية وتلمودية لا مجال لدحضها. إن تشريح السلوكية الدينية، أي السلوكية المأمور بها نصياً في كتب اليهود المقدسة، والتي هي ما تميز بين اليهودي الحقيقي وبين غيره، حتى لو كان مولوداً لأبوين يهوديين، والتي هي سلوكية الأكثرية في ما صار يسمى "المجتمع الإسرائيلي"، وشرط أساسي ليكون المرء هناك من أفراد النخب الحاكمة على اختلاف تسمياتها.. ذاك التشريح يؤكد أن "اليهودية" هي دين، بصرف النظر عن طبيعته وتعاليمه، وليست ديناً وقومية في آن معاً، حسبما يدعي السيد نتنياهو في كتابه (مكان تحت الشمس) زاعماً أن قصر اليهودية على كونها ديناً فقط هو مجرد "اختراع عربي!!" وفقاً لادعاءاته.وفي الواقع، يسقط البروفيسور شاحاك، بتحليلاته تلك في كتابه، المذكور أعلاه، جملة من الأسس الأيديولوجية للصهيونية إسقاطاً لا هوادة فيه ولا تردد، مثلما يدحض، دون أن يشير إلى ذلك، زيف الادعاءات التي يروجها كبار الصهاينة والمتصهينين منذ ما قبل هرتزل وحتى الآن.ولو كنت مسؤولاً عن تعليم أجيالنا: (ما هو هذا الغرب الذي أوصلنا أخيراً إلى ما وصلنا إليه؟ وكيف؟) لقررت أن يدرس في مناهجنا الجامعية كتاب البروفسور الباحث إدوارد سعيد: (الاستشراق) كمادة أساسية في مختلف الكليات الجامعية على اختلافها.إن كتاب الاستشراق يقدم للقارئ تشريحاً تحليلياً واسع الطيف لتلك الصورة التي كوّنها الغرب عن ذاته، ولكن عبر رؤيته لنا كصورة مضادة، بشكل أساسي، وسلبية إلغائية في عمقها وجوهرها وغايتها.