أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وإذا كنا نوافق على أن "المحكية" مشتقة داخلياً من الفصحى وأنها ممارسة للحياة اليومية… إلى آخره… فنحن لا نوافق على أنها "لغات" ونعتبر هذه التسمية إحدى أغلاط الدكتور أبو ديب التي سببها الاستعجال لا القناعة!! ولكن لنحاول أن نرى ما يجده هو من (أنهاج التوليد) كما يسميها، وكيف يمارس بها "التفجير" أو التوسيع ـ على حد تعبيره ـ :(لنتأمل الصيغتين الصرفيتين التاليتين: تقول العامة "بيتزعرن الولد" وتقول "بيتشيطن الصبي". وما يحدث هنا بالغ الأهمية إن "تشيطن" تجري على نسق صرفي مألوف في العربية، مستخدمة عملية القياس أساساً جوهرياً من أسس اللغة العربية والثقافة العربية ـ لاحظ أهمية القياس في الفقه، مثلاً ـ فهي ترصد الثلاثي "شطن" وتشتق منه على نسق محدد. والعربية تفعل ذلك بكثير من الألفاظ لكن الجدير بالذكر أنها تفعل ذلك بما تكون فيه النون أصلاً في الفعل أو الجذر الثلاثي.غير أن العامية تمضي خطوة أبعد، فتستخدم آلية الاشتقاق هذه من جذور ثلاثية، ليست النون أصلاً فيها، أو ليست موجودة أبداً مثل "زعر" فتشتق منها، بمقايسةٍ على قدر كبير من المغامرة والجرأة والبساطة والحدسية واللا افتعال في آن واحد، "تزعرن" لتجسيد آلية إنتاج للدلالة واحدة في كلتا العمليتين "تشيطن وتزعرن". وهي دلالة على الممارسة المؤدية إلى تلبس نمط سلوكي تعرف به ذاتٌ أخرى تعتبر نموذجاً أعلى لهذا السلوك. ويمكن استخدام هذه الآلية لإنتاج أفعال مثل "تغربن" "تشرقن" "تألمن" لكن يمكن بذلك توليد المتعدي مثل: غربن، شرقن، شرعن، صدقن، علمن، أيضاً. وما يجعل هذه الصيغة مقبولة فوراً هو أنها تتجاوز مع، وترجّع، رنين بنى قائمة في اللغة فعلاً، مثل "هيمن وبرهن"، أو مولّدة ومستقرة مثل "سلطن ودوزن" أي أننا هنا أمام قانون بنيوي يفعل فعله، وهو جوهري في العربية كما لاحظت في دراسة للإيقاع، هو أن ورود مكوّن ما، في سلسلة ما، يسمح بتوليد مقاييسٍ له في سلسلة مختلفة تماماً).وإذا كنا نعتذر عن طول هذا المقبوس، فلأنه لا بد لنا من ملاحظة الخلط في الأصول الصرفية لكثير مما يورده الأستاذ أبو ديب، وصلة كل من العامية والفصحى بكل أصل، كما أنه لابد من الاعتراف بصحة ما يتعلق (بالقانون البنيوي) وما يبنيه عليه في نهاية المقبوس السابق من استنتاج.فكلمة "تشيطن " ليست من الفعل "شطن" وإنما هي مأخوذة من كلمة (شيطان). والألف والنون مزيدتان فيها شأن كثير من الألفاظ والأسماء العربية، ولكن "شيطان" هنا ليست اسم علم ليمنع من الصرف. وأصل الكلمة، كما تدل عليها المعاني في آيات القرآن الكريم الذي يعترف أبو ديب بدوره في إنقاذ العربية من السقوط في الفقرة /17/ هو "شطَّ" بمعنى بَعُدَ ونأى عن الصواب، أو "شت" بمعنى بعثر وبدّد وفرق، مع قلب التاء طاء وفقاً لأسلوب معروف جداً في العربية هو أسلوب إبدال الأحرف المتقاربة. و"تشيطن" بمعنى تبع الشيطان في النأي عن الصواب إذا نسب الفعل للولد كما في مثال أبو ديب، أو بمعنى : تبعة في التفرقة وتبديد الأنفس، إذا نسب الفعل لرجل فاسد أو ما يشاكله. وتشيطن هو من وزن (تفيعل) وهو معروف جداً في الفصحى. فالنون مزيدة هي والألف ـ كما قلنا ـ على الأصل الثلاثي الذي اشتق منه الاسم ثم جرى اشتقاق الفعل من الاسم. وهذا خلاف مع قوله (العربية تفعل ذلك بكثير من الألفاظ ولكن الجدير بالذكر أنها تفعل ذلك بما تكون فيه النون أصلاً في الفعل أو الجذر الثلاثي).