أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وربما من هنا جاء فشل مشروعات (النهضة ـ نهضتنا) في هذا القرن. ومن هنا أيضاً جاء التوجه الحداثي لجماعة (مجلة شعر) قائماً على استبدال (ثورة الواقع) بثورة الكلمة، في أشد صيغ الوهم إشكالية وتبعية وتبديداً لطاقات الروح والعقل و اللغة معاً. إن إزاحة لغة لم تكن قادرة على الانزياح إلا قليلاً جداً قد قاد إلى انفلاش تعبيري له الصيغة الآتية:1 ـ العودة إلى البدائية السحرية للغة (مفهوم الكلمة الخالقة) حيث يضيع الواقع الموضوعي كلياً.2 ـ صناعة (المستقبل؟!!)، بما أسسته تلك العودة الإلغائية.وهنا يمكن للمتأمل جيداً في ذلك أن يتبين حجم القفزة الواسعة الواهمة فوق التاريخ من جهة، وفوق الواقع المعيش من جهة أخرى.ونظراً لهذا الانخلاع المزدوج تشعر (الذات الشاعرة) بالغربة والضياع والتصدع والتشتت وتغرقها أوهامها، حيث لا تجد إلا التقليد التابع (للآخر) مهرباً مما ابتكرته من خدع (لذاتها) بسبب سوء تقديرها للواقع الموضوعي وتوجهاته وحركته وموقعها فيه.وبالطبع كان على هذا (التيار اللغوي) أن يبتكر نقداً متلائماً مع اختياراته واختباراته الواهمة. ولكن هذا لا يهمنا هنا.وبالمقابل، يجب أن يرى التيار المرتبط بأيديولوجيات أخرى كالقومية العربية والماركسية، حيث كان الخطاب الأدبي والفكري يتحول تلقائياً إلى (خطابية سياسية) تحول اللغة إلى بيانات، وتعتبر ذلك تطويراً لها وتطوراً فيها، وقد أثبتت حركة التاريخ ومعطياته اللاحقة المستجدة مدى الوهم في ذلك، ومدى وهم أن البيانات لا تعبر عن أي واقع: لا منجز ولا قيد الإنجاز. وقد بات على (الثقافي)، أن يكتشف مدى محاصرته (بالسياسي) الذي ـ عبر هزائمه التحديثية والأيديولوجية والعسكرية أيضاً ـ رأى أنه مرغم على التواطؤ، بهذه الدرجة أو تلك مع (الفقهية الانحطاطية)، وحتى مع النوستالجية التزمتية ضد حليفه (الثقافي) السابق ذاته.. هذا الذي كان يتوهم أيضاً أنه (بالكلمة) يخلق وينجز واقعاً معصرنا مادام بها يحرض و(يُثور) ويثوّر!… ثم صار لزاماً عليه أن يكتشف عمق الفراغ الذي كان خطابه الإبداعي والفكري يعوم فوقه!!