أوراق مشاکسة نسخه متنی

ومن هنا نكتشف حيدان الشعر (الثوري سابقاً ) نحو الإشراقية، أو نحو الرومانسية الندابة، أو نحو خطابية معارضة ولو بخفوت.

فإذا قرنّا كل الذي سبق ذكره إلى ما استجد بقوة، وسرعة غرائبية في وتيرة التغير والتقلب في أوضاع ومنجزات (الآخر/ الغرب الامبريالي المهيمن)، أدركنا ـ ولو بصورة مهتزة ـ حجم المأزق الذي تعانيه (لغة الكتابة) اليوم حتى وهي تحاول إجراء المثاقفة مع ما يقدمه ذلك الآخر عن تصوراته للعالم..

وبالطبع، لنا أن نتخيل فداحة انهيارات اللغة بالنسبة إلى جيل يبدأ الكتابة الآن، حيث هي لم تعد مقنعة بترسيماتها المتوارثة، مثلما هي غير قادرة على الاستجابة لتعبيرات (ذوات) طموحة، لكنها عاجزة أمام آفاق عصر مقبل لا تبدو جديدة برمتها وحسب بل أيضاً مثقلة بسديم التغيرات المستمرة المفاجئة خالقة بذلك مزيداً من المشكلات الجديدة لهذه (الذوات) إضافة إلى المشكلات الموروثة من هذا القرن والتي تحولت بالتراكم إلى ما يشبه المعضلات.

هدر اللغة: طرائق الكبار

ربما صار على (الكبار) أن يعترفوا بوصول كثير من تجاربهم في (الكتابة) إلى بدايات الختام على الأقل، فغالبية أعمال الكثيرين منهم أخذت تصبح تكرارات لمعطيات نصية سابقة. ومع التكرار، وبالضرورة، يترافق التسطيح وهشاشة البناء العام وبعثرة البنيات الداخلية.. فكأنها تهدر اللغة في استنساخات نصية ـ خصوصاً في الشعر ـ لا تحيل بالنتيجة إلا إلى انتفاخ الذات وادعاءاتها، مع كامل ما يترتب على ذلك بخصوصها.

ومع ملاحظة أن ذلك كله ليس جديداً تماماً كظاهرة، في الشعر على الأقل، إذ أنه بتقدم التجربة يصبح للشاعر قاموسه، وأساليب أدائه المحددة، وحتى بعض الرواسم التعبيرية الخاصة به (كليشيهات)، إلا أن ما نعنيه هنا بخصوص التكرار هو أكثر عمقاً واختلافاً عن ذلك. إنه مؤشر الافتقار المتزايد للصلة الفاعلة بين الذات والعالم: افتقاراً تجريبياً واقعياً أو تأملياً أنطولوجياً. ولأننا هنا لا نستطيع إيراد النصوص وإجراء المقارنات فإننا سنكتفي بالإشارة إلى عدد من الأسماء الكبيرة المتداولة، بالأساليب الخاصة لكل منها مع طلب ملاحظة التكرار وملحقاته في أعمالها الأخيرة خلال السنوات القليلة الماضية على الأقل.