أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وإذا ما لاحظنا جيداً حقيقة التخبط الفكري العربي في العقد الأخير من القرن العشرين ـ على الأقل ـ ولاحظنا الهبوط العام في سويات الإبداع الأدبي العربي، حيث بتنا نرى غالبية النتاجات الجديدة تقوم على الهتك الذي يعوم على الفراغ من كل مايمكن أن يكون ذا قيمة جمالية ودلالية جوهرية في الكتابة الأدبية، وينبني على تقطيع الأواصر التي تربط بين هذا (الجديد!) وبين الأصول التي يفترض أنه قد نبت منها وتأسس على ما هو ذو قيمة فيها، ثم حاول أن يتجاوزها..إذا ما لاحظنا ذلك كله، أفلا يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يعنيه الاحتفاء بكتابة ما يسمى (القصة القصيرة جداً)؟!…. وما يسمى (قصيدة الومضة)؟!.. وذلك الهذر الذي يدرج بسهولة تحت تسمية (قصيدة النثر)؟!..وأخيراً، هل يحق لنا أن نتساءل عن صلةٍ مابين هذا كله وبين (منعكسات عولمية) تتجلى فيه دونما قصد، وبسبب من (تسليع الثقافة)، والاستهانة بها، وبدرس بنياننا الثقافي العام: في أصوله وفي تطوراته التاريخية؟!سنضرب صفحاً هنا عن الاهتمام بمسألة (الأدب النسوي) وعسف التقسيم الذي قام عليه، وهو تقسيم جرى أساساً على زيف النظر إلى أدبنا ـ قديمهِ وجديدهِ ـ حيث لا ينظر إلى إنتاجه في السياقات التاريخية ومفرداتها ومضمراتها المحدِّدة لهذا الإنتاج ولطبيعته وسماته العامة. كما سنضرب صفحاً عن مسألة ذلكِ (الاختراع الغريب!!) /الفانتازيا التاريخية / رغم ترابطها مع أسوأ ما يطلب من العرب كي (يساهموا بأيديهم!). في تضييع هويتهم، ورغم خطورته المباشرة بسبب قوة انتشار التلفزة الهابطة، واتساع تلقيها في مختلف أرجاء الوطن العربي من قبل عموم الناس الذين (ينعمون!) بنسبة أميةٍ ثقافيةٍ عاليةٍ، وبانشداد ممتاز إلى (الخرافي)، الذي يلغي العقل، ويشكل استبدالاً (محموداً)، للمشكلات الكثيفة المتزايدة والمتفاقمة، والتي لا يزال الإنسان العربي ينطمر فيها منذ زمن طويل!وسنصب جهدنا هنا على هذه (القصة القصيرة جداً) وعلى (قصيدة الومضة) وعلى جديد ما يسمى (قصيدة النثر) باعتبارها (زبدة الأشكال الأدبية) التي يراد لها أن تعمم في زمان مابعد البنيوية والسيميولوجية… زمان التفكيك، زمان انفلاش الحداثة الثالثة أو مابعد الحداثة… إلى آخره، حيث يتراكض شباب الكتاب وراء تلك (الزبدة) المريحة من تعب الإبداع الحق، جاهلين ـ أو متجاهلين ـ إنها تنتمي إلى تفكيك لأبجديات بعض من أهم فنون الكتابة التي هي عماد ثقافتنا القومية في المحصلة الأخيرة، وأن التفكيكية ليست مجرد مذهب نقدي اخترعه جاك دريدا، بل هي عملية شاملة (ضد حضارية) تقوم بها قوى التدمير العالمي ضد مختلف الثقافات البشرية تحت راية (العولمة) التي لا نرى فيها إلا محاولة التحقيق الفعلي للامبراطورية التلمودية/ الصهيونية بعد انتهاء (صراع الحضارات) على طريقة السيد صاموئيل هنتنغتون!..وقد يرى كثيرون أن في هذا الربط مبالغة وقسراً.. ولكن، من هو المثقف الوطني الذي يحق له أن يجهل الآن أهمية تفتيت الخصوصية في كل ثقافة ـ من داخلها كلها بالهجوم عليها من خارجها لتتهاوى جميعاً ـ بالنسبة (للعولميين)؟!… ولست أرمي هنا إلى اتهام أحد حتى بالتعاطف ـ مجرد التعاطف ـ مع تفكيك ثقافتنا بتفكيك صيغ إبداعها… بتاتاً! لكن فتح ملفات النتاجات الجديدة ضروري: لاستكشاف قيمتها في إطار كونها إضافة حقيقية أم لا من جهة، وللتنبيه إلى خطورة الانجراف في هدر أنظمة اللغة، حيث تبتسر طرق الأداء الإبلاغي ودلالات الإبلاغ، ويصبح التجريب الذي هو حق مشروع نوعاً من اللعب المجاني المتجرد من وظيفته الحيوية في هذه الظروف المفروضة (عولمياً)، من جهة أخرى.