تختلف المسألة ـ بالنسبة لمعالجة قصيدة النثر هنا ـ عنها بالنسبة للقصة القصيرة جداً ولقصيدة الومضة، فقصيدة النثر هذه أصبحت ظاهرة أدبية مستمرة منذ بدايات مرحلة الحداثة الشعرية العربية المعاصرة، بل إنها تعود في أصولها إلى العشرينيات من هذا القرن.ومعالجة نماذج جديدة منها لن تقدم الكثير، إذ مثل هذه الظاهرة تحتاج إلى دراسة مطولة ومتشعبة ليس مكانها هنا، ولكن، ثمة ملاحظات عامة يمكن إيرادها الآن:أـ التسمية: ففي كل آداب العالم ـ وفي أدبنا تحديداً ـ القصيدة نظام، والنثر إلغاء النظام والقفز عليه إلى اللا نظام، وجميع هذين المتناقضين في مصطلحٍ واحدٍ ليس وحسب إشارة إلى غياب فاعلية النقد فعلاً، بل هو أيضاً دليل على الاستهتار بالنظام الأدبي وبحرية الخروج عليه في آن معاً.التسمية دليل شذوذ الذائقة نحو بعثرة القيم الجمالية، أو بالأحرى: دليل رغبة تحطيم السائد منها من دون إيجاد البديل المناسب الذي لا يخترعه النص وحده بل تخترعه الحياة، أو تطوره في سياق تحولاتها المستمرة.ب ـ الهيكلية: لا هيكلية مقترحة لنصوص قصيدة النثر، بخلاف قصيدة التفعيلة التي لم تكن إلا تطويراً نوعياً في الشكل والمضمون للنمط الموروث، حيث اقترحت هذه ـ أي قصيدة التفعيلة ـ جملة هيكليات منها: المقطعية، والملحمية.إن التداعي في قصيدة النثر مفتوح بعشوائية ـ خصوصاً بالنسبة لكتابها الجدد الذين تزايدوا بنسب مضطردة عكسياً مع الانخفاضات الحادة في مستويات "الدخول" القومية!! ـ وانفتاح التداعي تحت شعار (الحرية في التعبير)، والذي هو زائف بإطلاق لعدم ارتباطه بحرية فعلية في الواقع، يقود إلى مالا يحصر من هذر وتخريف تعبيري في النماذج الجديدة، على الأقل.