أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
3ً- قامت "الحداثة" الأوربية على نمو العلم الوضعي، وتطبيقاته التكنولوجية، وجملة التغيرات المختلفة المتعلقة بذلك. وكان لابد (للإنسان، صانع تأريخه!) أن يؤمن إيماناً مطلقاً بهذا العلم وتلك التطبيقات.. وبالتالي: يبرز الإيمان "بالمادة" بما هي "مقولة فلسفية" لكنها تجد سندها في تشكيلها التقني المصوغ للاستهلاك. وهنا نجد عماء التطور التقني وتواتر الإنتاج الضخم- توكيداً لموجودية الإنسان الرأسمالي- الأمر الذي يحفز الاستعمار المباشر بحثاً عن المواد الأولية وعن (السوق) التي تستهلك.. وبالتالي: تحقق مزيداً من الربح، أي مزيداً من الملكية المؤكدة لموجودية الرابحين!!.. ويتفاعل "النظام القيمي" الناشئ عن حركة السوق ومستجراتها مع ذلك الناشئ عن "انتقاد الإنسان" لصالح ملكيته الرأسمالية ويشكلان نظاماً ابتذالياً واحداً. وعلى المستوى المعرفي الذي يخلقه "الإيمان بالمادة" يتماهى (الكوني) علمياً بما هو (أرضي)، أي إن العلم الذي يندفع -في جملة اندفاعاته الكثيرة- لاستكناه طبيعة الكون وأسراره وبدئه وتحولاته.. يظل مرتبطاً -رغم كل ما يقال- بتجليات القوانين الكونية في كوكبنا الصغير، وبمقدرة عقولنا ووسائلنا الأرضية على ذلك الاستكناه، ويجري إسقاط غير مرئي أو محسوس "لمحصلات" تجربتنا الأرضية على الكون كله، فيشتد الإيمان (بالعلم /خادم السوق) بصرف النظر عما صار يتردد من إقرار بعجز هذا العلم عن مطاولة أكثر من نزر شديد اليسر من أسرار الخلق الكوني، وبصرف النظر عما صار صداه يتردد أيضاً بخصوص (نظرية الفوضى) في العلوم الرياضية المجردة.. إلى آخره.4ً- بالطبع، كان على أمم العالم غير الأوربية أن تدفع الضريبة الأكبر (لحداثةِ) أوربا هذه، رغم أن الشعوب الأوربية دفعت بدورها أثماناً غير قليلة للتنافس الرأسمالي والتناحر الامبريالي، سواء في (الحروب) أو (الأزمات الدورية) للرساميل، وطرائق دفع الضريبة من قبل غير الأوربيين تمت بصورة كارثية: من الإبادة الشاملة إلى النهب الابتزازي الذي لا حدود له. لكن ما يهمنا هنا هو (الغطاء الأيديولوجي) أو المعرفي الذي اصطنعه الرأسماليون لذلك.فلقد تمّ حصر تاريخ العالم بتاريخ أوربا، وَوُضعتْ "تخطيطة" غربية فقيرة ومفقرة للتاريخ البشري. فقد اعتبر مفكرو نهضة أوربا أن هذا التاريخ -في جانبه الدنيوي-يبدأ بالإغريق، ويتدرج نزولاً إلى روما، فأوربا الإقطاعية في القرون، الوسطى.. وصولاً إلى (أوربا الحديثة). فهم إذاً ورثة (المعجزة الإغريقية!!) في العلوم والفلسفة، والتي أنجزتها عبقرية العرق الآري المبدع من عدمٍ معرفي كامل!.. أما في الجانب الديني لذاك التاريخ فكانت (المعجزة العبرانية!!) في التوحيد، والتي اعتبرت "أصل!" مسيحية الغرب التثليثية. ويلاحظ في هذا الجانب تناقضه الذاتي من جهة، مثلما يلاحظ تناقضه مع علمانية الجانب الدنيوي من جهة أخرى. ولكن، على المرء ألا ينسى أن (المعجزة العبرانية!!) كانت -ولا تزال- مدججة بقوة المال (الشايلوكيّ).. و(بالقيم!!) التلمودية المتوافقة بفرادة غريبة مع قيم السوق الرأسمالية ووحشيتها.وبهذا الاختزال تمّ إنجاز (المركزية الأوربية)، حيث كل ثقافة غير ثقافة (أوربا الحديثة) هي (شيء قبل -ثقافي) تجب (أوربته) كي يصبح متحققاً، وكل تاريخ خارج التاريخ الأوربي المصطنع في (الخطاطة) السابقة هو (شيء قبل -تاريخي) ولابد من إدخاله في ذلك التاريخ الأوربي -عبر الاستعمار- كي يصير تاريخاً!!.ومن هذا التمركز على الذات الرأسمالية الاستعمارية نشأت العرقية ومستجراتها، وأنجزت معرفياً (شرقنة الشرق) العربي الإسلامي -كما شرّحها إدوار سعيد في كتابه الهام "الاستشراق"- ثم جرى تعميقها بصور مختلفة على كثير من بلدان آسيا وأفريقيا وأميركا الجنوبية كمسوّغ للاستعمار، وضامن لاستمرار الهيمنة.. والتبعية