أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وتحملنا على إنتاج حال موازية في دواخلنا. ونحن هنا لا نجد رموزاً كبرى بل نجد ما يشير إلى طريقة صياغتها للنفس العربية، حيث هي كامنة وراء ذلك في الرؤيا الخاصة بمعنى الحياة… بينما كل لفظة -في سياق استعمالها- تحمل بُعداً رمزياً مؤثراً، وتشير إلى جزء من نمط تكوين، في الوقت ذاته التي هي فيه رمز تفريعي محدد داخل هذا السياق الاستعمالي.ويشبه ذلك ما قاله البدوي عن همومه في القصيدة الموجهة إلى روح الثائر البطل إبراهيم هنانو عام 1950، حيث أراد أن يقول: إن همومه هي هموم وطنية.. هموم البطولة وفتنة الأداء الشعري.. هموم الشباب، حيث صاحبها فرح بالمجد الذي اتسمت به حياة صديقه.. إلى آخره. وهذا كله يفهم في إطار المتابعة لسياق البناء النصي. يقول البدوي في ص 105 من الديوان:أساهُ ويهنَأُ الوجدانُمن همومي ما يَنعَمُ العقل في دنياومنها المدله السكرانُمن همومي ما لا يفيق على البعثومنها مزاهر وقيانُمن همومي ما يغمر الكون بالعطرمن شبابي الطموح والريعانُوهمومي معطراتٌ عليهاقَ بشتى عطوره البستانُلم أضق بالهموم قلباً وهل ضاما تفعل الغواني الحسانُوالهموم الحسان تفعل بالأنفسِئي همومُ الحياة والأشجانُوأنا الوالد الرحيم وأبناوتنطبق قضية البناء المشهدي في الأبيات الأربعة السابقة على البناء المشهدي في هذه الأبيات الثمانية، مثلما ينطبق القول في تلك على هذه، لكننا هنا لن نعرف لماذا اختار الشاعر إعلان مثل هذه الحالة في مشهد له هذا الإيقاع الفرح الراقِص، الذي باطنه شجى وأسى في غاية التخفي، ما لم نعرف أن البدوي كان مغترباً قسراً عن وطنه وكان الوطن محكوماً بطغيان عابر لحاكم انقلابيّ عابر. فأتى هذا المشهد في سياق رثاء هنانو تعبيراً عن التعالي على ذلك الواقع، وإشارة استخفافٍ بالطاغية، عبر توكيد قوة الذات داخل سياق ذلك الرثاء لرجل كانت حياته شهادةً على الطغيان، ونقيضاً للحياة الخاملة التي دفعت بذلك المستولي على الحكم إلى سدّته.