أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
إن مفردات: النور- الخمر (معتقة) -جناح القدرة- جناح الهوى- سندسي- كنز (أو كنوز)- جوهرة (جواهر)- سنا… هي مفردات تنتمي إلى منظومة الرموز الكبرى، لكنها محولة إلى منظومة الرموز الجمعية التي يستند عليها البنيان الثقافي المخصوص… وفي أساس ذلك تقع الأنثى (خالقة)، بكل ما لها من رموز متناقضة، مسكوت عنها هنا، لكنها حاضرة في قلب الدلالات التي تحيل إليها الصياغة القولية وعملياتها الترميزية. إنها -أي الأنثى- ترتقي: من الكائن المحسوس المعاين إلى المبدأ الكوني العام المقابل لمبدأ الذكورة والمنشبك معها: مدلِّلاً خالقاً لهذه الذكورة بقدر ما هو قاهر أيضاً.ومن العبث المسيء هنا إفراد الصور، وتبيان ما في كل منها من أطراف وعلاقات، ثم إظهار التركيبية الداخلية لواحدتها… فذلك يفتت (الحالة) التي تُحَسُّ جملةً، ويُفقِرُ تأثيرها الإبلاغي الانفعالي بقدر ما يضيِّع وحدة البناء المشهدي المعبِّر عنها.على إنه يمكن لنا مقاربة الصور بملاحظات عامة حولها. دون ملامستها أو تفكيك مفرداتها.فمثلاً، يشكل الشطر الأول من البيت الأول مفتَتَحاً حسياً تقيم بناء الصورة فيه كلمة (نعميات)، غير أن الشطر الثاني ما يلبث أن يقفز بنا درجةً واسعةً نحو الأعلى المثير. فإذا ما دخلنا الشطر الأول من البيت الثاني وجدنا جناح القدرة التي للتاء في الفعل (رفعتِني) - أي للأنثى المحبوبة التي اختصرها العنوان في كلمة (خالقة)- يرفع المحبوبة درجات نحو المبدأ الأنثوي الكلي. لكنه، بتثنية كلمة جناح وإضافة كلمة (هوى)، يشبكه بلطف في مبدأ الذكورة المسكوت عنه هنا، والمضمر أصلاً في مجموع القول الشعري داخل النص كله، والذي تحدد تلقائياً في طبيعة صياغة هذا الشطر الأول.لكن الشاعر لا يريد للحال الانفعالية المرسلة أن تكون نوعاً من طوفان يجرف، بل يريدها تسلسلاً رقراقاً، فإذا به يورد الشطر الثاني من البيت الثاني حسيَّ التصوير، تاركاً لكلمة (القافية): (مسحور) أن تبقى الحسيَّ الصافي على أعتاب التحول إلى الإنساني العام.. فالكوني الكلي. وكذلك يفعل في تركيب صور البيت الثالث حيث هو يجعل إغفاءة العين السكرى بهذا النعيم إغفاءة على (سندسي من أساطير). وإذا كان السندسيّ يشير إلى الخضرة/ رمز تألق الحياة، فإن (أساطير) تشير هنا إلى واحد من محمولاتها الكلية وهو: مقاربة البرزخ الضيق بين الإنسانية والتألّه.ثم إنه ما يلبث أن يرجعنا إلى الحسي الصافي في البيت الرابع، بعد أن حملنا في ما تقدم إلى حيث حملنا، فهيَّأَنا بذلك لتقبُّلِ نعمةِ الحب كحالة وجدٍ إلهية.وما دمنا قد صرنا -هكذا- على أعتاب هذه النعمة، فلا بأس إذاً من أن يوردنا من (صوتها المرتشَف) - وهو هنا أقرب إلى نجوى الصلاة الهامسة- خمرة معتقةً لمّا تعتصر بعد، وضياءً غير منظور. وعليه نكون قد دخلنا، عابرين الأعتاب، إلى رحابِ صوفيةِ الوجدِ الكاشفِ، بكل ما في كلمة صوفية من إشارات رمزية لامست أجلَّها محمولات هذا البيت.