أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
ولست أدري لماذا ظل ذلك الحوار- بأطروحاته المتناقضة- يحضر في ذهني بقوة متزايدة بين وقت وآخر وفجأة وفي إحدى مرات تذكُّرِه خطر لي أن هدم المعنى هو أحد أشكال إعادة إنشائه وأن ذلك جزء من طبيعة بنيان الوجود كاملاً بسائر مفرداته الكونية.. بما في ذلك وجودنا في حياة عابرة على هذه الكبسولة الكونية الضئيلة التي اسمها: الأرض. وعرفت عندها أنني "أتفلسف".وها أنا أستميح القارئ عذراً عن تثبيت تفلسفي ذاك هنا. فالنص الأدبي أو اللوحة أو المقطوعة الموسيقية.. أو.. أو.. لا بد لها جميعاً من مرجعية معرفية، والمعرفة كي تكون حية لا بد أن تكون دائماً موضع مساءلة أو موضع مراجعة ونفي وإثبات، فمحاولتي إذاً في هذا "التفلسف" تملك قسطاً من المشروعية فليحتملني القارئ قليلاً كان الله في عونه.تساءلت أولاً: هل الحياة- عموماً- تميل إلى أن تنقض ذاتها دائماً كي تستطيع أن تستمر؟ إنها بهذا تنجز المعنى الكامن فيها، فالمعنى ليست طبيعته إلا نشوءاً فموتاً، فعودة انبثاق فموتاً.. فعودة.. إلى ما لا نهاية له في الزمن. والزمن هكذا، هل هو إلا لحظات متدفقة متقطعة متتالية- والفكرة لباشلارد- والمعنى يمنحها اتصالها كتدفُّقٍ، حيث الإنسان هو مكتشف المعنى، أو بعبارة أدق: إنه خالقُه كوعيٍ مشروط لطبيعة وجوده؟! غير أن الإنسان لا يفعل ذلك إلا وفق ما هو مركب فيه فطرياً من بنيان ذهني/ روحي يمكنه أن يصله مباشرة (بالقانون) الذي انبثقت منه الحياة ليس على الأرض وحدها وحسب، بل في ما لا نعرفه من جهات الكون كله على وجه الإجمال.إن المعنى الذي تنجزه الحياة عبر قابلية الكشف والخلق في بنيان الإنسان ليس إلا صيغة نفي للعدم واجتراء في الانقضاض عليه لدحضه وإلغائه، غير أن ذلك كله ليس إلا فاعلية استنباطٍ للمجرّد مفهومياً من المجرب عيانياً، والتعبير الإبداعي الإنساني نوع من الإعلان عن مستوى نجاح تلك الفاعلية. وللوصل بين هذين الحدين المتناقضين- أي المجرد والمجرب- حيث كل منهما يبدو كما لو أنه (كذبة/ حلم) إذ يتنافى مع نقيضه. لكنه لا يجد تسويغ ذاته إلا به أمام الكينونة الإنسانية الفاعلة كي تستطيع حمل المعنى، فإن (الرمز وعملية الترميز) يشكلان حقل الاتصال والتصالح داخل البنيان الذهني/ الروحي للإنسان بالنسبة لهذين الحدين المتناقضين المتنافيين.والرموز تصورات والترميز صياغة تصويرية دالة.. أي إنجاز للإبداعات.. ودون ذلك لا يكون "حقل الاتصال والتصالح" سابقُ الذكر، فينهدر الوجود ذاته في الذهن الإنساني بتضييعه.والرموز مركبات من "الحدوس" والذكريات المحالة لا شعورياً في سيرورات ذات فردية تستند على ما لا يحصر من "حدوس" الذوات الماضية وتذكراتها المحالة… أما الترميز فإعادة إنشاء ذاتي- بأدوات الخطاب المختلفة، الداخلية والمنبثة خارجاً- لتجارب "الشخصية" التي نقول عنها "مبدعة"، حيث هناك مستوى من التوتر الانفعالي الوجداني متداخل بصميمة مع مستوى من التوتر العقلي الواعي، أو الذي يريد أن يكون واعياً بالأحرى.. وبهذا يكون الإبداع ويكون الفكر، ويكون العلم المستند إلى معرفة (القانون) أو اختبار بعض من تجلياته.