أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
وفقاً لقوانين حركة التاريخ، أو حتى لنظرية توينبي في التحدي والاستجابة، ليست هناك ديمومة لهيمنة ولا لنظام مهيمن، ولا لقيادة مركز قائد للهيمنة.. بصرف النظر عن (وسائل القوة) المستخدمة لجعل تلك الديمومة واقعاً ثابتاً.والوضع البشري الراهن ليس -في اعتقادي- أكثر من وضع انتقالي إجمالي على المستوى الكلي الراهن. وهذا الوضع الانتقالي لا يمكن له أن يطول حتى لبضعة عقود، وذلك بسبب التسارع الشديد في وتائر إنتاج عناصر التغير وفواعله، الأمر الذي يسرع حركة التاريخ ذاتها بحكم انعكاساته على أوضاع القوى البشرية المختلفة، والمتناقضة، والمتصارعة علناً أو ضمنياً.وما يمكن استنتاجه بسهولة من ذلك هو أن الاستقطاب الأحادي القائم محكوم عليه ألا يبقى كذلك في الحاصل الأخير، وبالتالي فإن قيادة أميركا لمجريات حركة الأوضاع الدولية الآن هي قيادة مؤقتة وعارضة. فما الذي سيحدث حين ستنحسر هذه القيادة أو تزول؟!إن كثيرين من الأميركيين المفعمين بالغطرسة -وقد يكون بريجنسكي من أبرزهم- يزعمون أن العالم ستسوده الفوضى المرعبة في حال حدوث ذلك! وبالطبع، إنها لطريقة فكهة -على مرارتها- في تهديد البشرية.. وإنه لأسلوب ابتزاز طريف -على رخصه- لهذه البشرية التي لم يبق لدى غالبية شعوبها ما تخسره إلا وجودها البيولوجي ذاته!على أن ثمة ماهو أسوأ من زوال قيادة أميركا للعالم بالنسبة لأميركا ذاتها.. وقد ورد مرة في كتابات أحد أهم الكتاب المستقبليين الأميركيين: ألفين توفلر، في كتابه (الموجة الثالثة) الصادر عام 1980.لقد تنبأ توفلر في ذلك الكتاب بانهيار الاتحاد السوفييتي في التوقيت التي انهار فيه… غير أنه أيضاً تنبأ بانقسام الولايات المتحدة إلى خمس دول على الأقل خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبالطبع بنى توفلر تنبؤه هذا على استقراءات هي -بالتأكيد- أكثر دقة، وأقل عاطفية، من تلك التي بنى عليها تنبؤه بانهيار الاتحاد السوفييتي. وهنا يبرز سؤالان اثنان مترابطان وموضوعيان:أولهما: هو هل تنبؤ توفلر هذا قابل للتحقق، خصوصاً وأن الأوضاع المجتمعية الأميركية الداخلية ليس عطبها خافياً على أحد؟!ثانيهما: هو ما الذي يمكن أن يحدث للعالم إن تحقق هذا التنبؤ، وفق منطق المصلحة الإنسانية إجمالاً لا وفق منطق التخويف والتهديد الذي يستخدمه بريجنسكي؟!إن الأمر برمته ليستحق التوقف عنده والتأمل فيه، ولو قليلاً، على أي حال!بين الفكر والتجربة