بعد كل ما تقدم، ربما يصبح الحديث عن ضرورة وجود سوق ثقافية عربية، وعن كيفيات تحقيق ذلك، نوعاً من التكرار الذي لا لزوم له، أو نوعاً من إعادة تحصيل ما كان قد تحصل في ما سبق. على أن العودة لتوكيد عدد من الأمور الأساسية تظل، حسبما نرى، لازمة ولو أنها تلخص تلخيصاً بعض ما كنا قد عرضنا له بشيء من التفصيل في مواضعه المذكورة قبلاً.وانطلاقاً من أطروحة وجوب المبادرة السريعة إلى العمل من أجل ضمان (الأمن الثقافي العربي) فإن أول تلك الأمور الأساسية يتمثل في وجوب فصل ما هو ثقافي عما هو سياسي في العلاقات العربية المتبادلة، حيث يتيح هذا الفصل ولادة أسلوب جديد ونظرة جديدة إلى التعامل مع أهم العناصر الفاعلة في الوجود العربي والمصائر العربية، وهو عنصر الثقافة التي تصنع وعي الإنسان بحقيقة وجوده.يترتب على ذلك أمر ثانٍ هو الاتفاق العربي المعلن رسمياً على: -طبيعة الأخطار الفعلية التي تهدد الثقافة العربية والمعتقدات والقيم الحضارية العربية، وبالتالي هي تهدد بتدمير الخصوصية والهوية والروح القومية- طبيعة الرد على تلك الأخطار حيث لابد من مواجهة المواطن العربي لها من خلال تنمية وعيه بالحوار الحر المفتوح بكل الوسائل المتاحة حيث يكون موقع الجهات الرسمية المعنية هو موقع الإشراف والتوجيه لا موقع الفرض والتلقين اللذين يخمدان ديناميكية العقل العام، ويخلقان وعياً زائفاً ومنافقاً يضطر فيه الإنسان إلى إظهار ما هو خلاف ما يبطن، ويتمزق وعيه المخبوء بين الاتجاهات المتعارضة في التوجهات الثقافية الرسمية القائمة الآن، لأنه لا يمكنه اختبار صحة ما يتلقاه منها، ويتبناه تحت تأثير الخوف أو تأثير رد الفعل، اختباراً بواسطة الحوار الذي يقوم على التفاعل المبدع، بدل الاستسلام ذي الطبيعة السلبية.. وهذا يعني دخول الجهات الرسمية كشريك في الحوار ضمن حدود الأهداف العليا المعلنة لا كقامعٍ يفرض رؤيته المسبقة، حيث تصبح مصلحة الشعب والأمة مستبدلة سلفاً بمصلحة عناصر تلك الجهات الرسمية عبر الإصرار على كراسيها ومنافعها.