أوراق مشاکسة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
غير أن العامية تمضي خطوة أبعد، فتستخدم آلية الاشتقاق هذه من جذور ثلاثية، ليست النون أصلاً فيها، أو ليست موجودة أبداً مثل "زعر" فتشتق منها، بمقايسةٍ على قدر كبير من المغامرة والجرأة والبساطة والحدسية واللا افتعال في آن واحد، "تزعرن" لتجسيد آلية إنتاج للدلالة واحدة في كلتا العمليتين "تشيطن وتزعرن". وهي دلالة على الممارسة المؤدية إلى تلبس نمط سلوكي تعرف به ذاتٌ أخرى تعتبر نموذجاً أعلى لهذا السلوك. ويمكن استخدام هذه الآلية لإنتاج أفعال مثل "تغربن" "تشرقن" "تألمن" لكن يمكن بذلك توليد المتعدي مثل: غربن، شرقن، شرعن، صدقن، علمن، أيضاً. وما يجعل هذه الصيغة مقبولة فوراً هو أنها تتجاوز مع، وترجّع، رنين بنى قائمة في اللغة فعلاً، مثل "هيمن وبرهن"، أو مولّدة ومستقرة مثل "سلطن ودوزن" أي أننا هنا أمام قانون بنيوي يفعل فعله، وهو جوهري في العربية كما لاحظت في دراسة للإيقاع، هو أن ورود مكوّن ما، في سلسلة ما، يسمح بتوليد مقاييسٍ له في سلسلة مختلفة تماماً).وإذا كنا نعتذر عن طول هذا المقبوس، فلأنه لا بد لنا من ملاحظة الخلط في الأصول الصرفية لكثير مما يورده الأستاذ أبو ديب، وصلة كل من العامية والفصحى بكل أصل، كما أنه لابد من الاعتراف بصحة ما يتعلق (بالقانون البنيوي) وما يبنيه عليه في نهاية المقبوس السابق من استنتاج.فكلمة "تشيطن " ليست من الفعل "شطن" وإنما هي مأخوذة من كلمة (شيطان). والألف والنون مزيدتان فيها شأن كثير من الألفاظ والأسماء العربية، ولكن "شيطان" هنا ليست اسم علم ليمنع من الصرف. وأصل الكلمة، كما تدل عليها المعاني في آيات القرآن الكريم الذي يعترف أبو ديب بدوره في إنقاذ العربية من السقوط في الفقرة /17/ هو "شطَّ" بمعنى بَعُدَ ونأى عن الصواب، أو "شت" بمعنى بعثر وبدّد وفرق، مع قلب التاء طاء وفقاً لأسلوب معروف جداً في العربية هو أسلوب إبدال الأحرف المتقاربة. و"تشيطن" بمعنى تبع الشيطان في النأي عن الصواب إذا نسب الفعل للولد كما في مثال أبو ديب، أو بمعنى : تبعة في التفرقة وتبديد الأنفس، إذا نسب الفعل لرجل فاسد أو ما يشاكله. وتشيطن هو من وزن (تفيعل) وهو معروف جداً في الفصحى. فالنون مزيدة هي والألف ـ كما قلنا ـ على الأصل الثلاثي الذي اشتق منه الاسم ثم جرى اشتقاق الفعل من الاسم. وهذا خلاف مع قوله (العربية تفعل ذلك بكثير من الألفاظ ولكن الجدير بالذكر أنها تفعل ذلك بما تكون فيه النون أصلاً في الفعل أو الجذر الثلاثي).أما "تزعرن" فصحيح أن الجذر الثلاثي هو زعر، ولكن الفعل مشتق من جمع (أزعر) وهو (الزعران). وهذا النمط من الجمع شائع كثيراً في الفصحى مثل: ولدان من ولد، وغلمان من غلام، وندمان من نديم… والأمثلة كثيرة، والجمع بزيادة الألف والنون مع التغيير المناسب في حركات الجذر الأصلي. ووزن الفعل المشتق من هذا الجمع هو (تفعلل) "تزعرن"، وهو ليس من(جرأة العامية ومغامراتها في الاشتقاق)، بل هو فصيح تستخدمه العامية وإن لم يرد في المعاجم. وتبدو النون في مثل هذا الفعل كأنما هي أداة سلوكية/ سيكولوجية دالة على النسبة إليه، أي إلى الفعل في مقابل النسبة الشائعة إلى الاسم… أما استخدام هذه الآلية لإنتاج أفعال مثل (تغربن، أي انتمى سيكولوجياً إلى "الغرب"، وتشرقن، انتمى سيكولوجياً إلى الشرق، أو إلىصورة أي من الحضارتين) فذلك صحيح من الوجهة الدلالية إذ هذان