( الجزء العشرون من ) كتاب المبسوط لشمس الدين السرخسي و كتب ظاهر الرواية أتت ستا و بالاصول أيضا سميت صنفها محمد الشيباني حرر فيها المذهب النعماني الجامع الصغير و الكبير و السير الكبير و الصغير ثم الزيادات مع المبسوط تواترت بالسند المضبوط و يجمع ألست كتاب الكافي للحاكم الشهيد فهو الكافي أقوى شروحه الذي كالشمس مبسوط شمس الامة السرخسي ( تنبيه ) قد بأشر جمع من حضرات أفاضل العلماء تصحيح هذا الكتاب بمساعدة جماعة من ذوي الدقة من أهل العلم و الله المستعان و عليه التكلان دار المعرفة بيروت - لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الكفالة بالنفس و الوكالة بالخصومة ) قال رحمه الله و ان ادعى رجل قبل رجل دعوى و أخذ منه كفيلا بنفسه و وكيلا بالخصومة ضامنا لما ثبت عليه فهو جائز لان مقصود صاحب الحق التوثق بحقه و تمام التوثق يكون بهذا لان المكفول بنفسه ربما لا يأتى بالكفيل و يخفى شخصه فيتعذر على الطالب إثبات حقه و لا يتوصل إلى حبس الكفيل و ان كان وكيلا في خصومته يمكن من إثبات حقه بالبينة و بعد الاثبات ليس له أن يطالب الوكيل باداء المال و ربما لا يظفر الوكيل بالاصيل فإذا كان ضامنا لما ذاب عليه توصل إلى استيفاء حقه منه فعرفنا ان تمام التوثق بها يحصل فلهذا جوزناه و على قول الشافعي رحمه الله هذا الضمان لا يجوز ( وأصل المسألة ) ان الكفالة بالمال مضافا إلى سبب وجوبه يجوز عندنا نحو ان يقول ما ذاب لك على فلان فهو على أو ما بعت به فلانا فهو على و عند الشافعي رحمه الله لا يجوز لانه التزم المال بالعقد فلا يحتمل الاضافة كالالتزام بالشراء و لان الاضافة إلى وقت في معنى التعليق بالشرط و التزام المال بالكفالة لا يحتمل التعليق بالشرط حتى لو علق بدخول الدار و كلام زيد لم يصح فكذلك إذا اضافه إلى وقت توضيحه ان عندكم لو أضاف الكفالة إلى موت المطلوب كان صحيحا و لو أضافها إلى موت غيره لم يصح و لا فرق بين الموتين فان كل واحد منهما كائن موجود و فى الحال ثم جهالة المكفول عنه تمنع صحة الكفالة بهذه الصفة بأن يقول ما بايعت به أحدا من الناس فكذلك جهالة المكفول به تمنع صحته بالاولى لان الملتزم بالعقد هو المكفول به و حجتنا قوله تعالى و لمن جاء به حمل بعير و أنا به زعيم فهذا المنادي أضاف الالتزام بالكفالة إلى سبب وجوب المال و هو المجئ بصواع الملك و انما نادى بأمر يوسف عليه السلام و ما أخبر به الله تعالى عن شريعة من قبلنا فهو ثابت في شريعتنا حتى يقوم دليل النسخ أن الشافعي رحمه الله يقول هنا بيان العمالة لمن يأتى به و عندي من أبق عبده فخاطب جماعة و قال من جاء به منكم فله عشرة كان هذا صحيحا و لكنا
نقول استدلالنا بزعامة المنادي بقوله و انا به زعيم و لا حاجة هنا الي معرفة طريق وجوب ذلك المال فان العمالة تجب على من وقع له العمل فأما الوجوب على الكفيل فبسبب الكفالة الا إنه يقول لم يكن هذا كفالة على الحقيقة فان المكفول له مجهول و جهالة المكفول له تمنع صحة الكفالة و الكلام فيه من حيث المعنى اذ التزام المال بالكفالة نظير التزام المال بالاقرار من حيث انه التزام لا يقابله إلزام على من يلتزم له و جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فكذلك فيما التزمه بالكفالة و جواز الكفالة في الاصل لحاجة الناس و الحاجة ماسة إلى اضافة الكفالة إلى سبب وجوب المال و لهذا جوز العلماء رحمهم الله الكفالة بالدرك و هو مضاف إلى سبب الوجوب بالاستحقاق فبه يتبين ان مثل هذه الجهالة لكونها لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة الكفالة و لا يجوز أن تمنع صحتها لمعنى الخطر فانه موجود في كل كفالة اذ لا يدرى أن الطالب يطالب الكفيل أو الاصيل فاما الفرق بين الموتين فهو أن موت المطلوب يجوز أن يكون سببا لتوجه المطالبة بالمال عليه بان يكون وارثه فلهذا تصح اضافة الكفالة اليه و كذلك التعليق بكلام زيد و دخول الدار فانه ليس بسبب لوجوب المال بحال فتمحض ذلك تعليقا بالشرط و لا يكون التزاما فاما هاهنا فانه أضاف الالتزام إلى ما هو سبب لوجوب المال و هو المبايعة و الذوب فيكون التزاما صحيحا فان وافي به و دفعه اليه فهو بري من ذلك لوجود الموافاة به كما التزمه و ان لم يفعل فللطالب أن يأخذه بالكفالة و يخاصمه في دعواه قبل المكفول به و الكفيل ضامن له لتحقق الذوب بقضاء القاضي و قد كان ملتزما لما يذوب له عليه و الذوب عبارة عن تحقق الوجوب و ان قال ان لم أو افك به غدا فانا وكيل في خصومته ضامن لما ذاب عليه فرضى بذلك المطلوب فهو جائز و انما شرط رضاه في الوكالة بالخصومة دون الكفالة بالنفس و المال لان الوكيل بالخصومة نائب عنه و ربما يتضرر هو به فلا ينفرد به الوكيل بدون رضا الموكل فأما الكفالة فالتزام للطالب و لا يتضرر به المكفول عنه فلا يعتبر رضاه بذلك و كذلك لو قال متى دعوتني به فلم أو افك به فأنا وكيل في خصومته ضامن ما ذاب لك عليه لان كلمة متى للوقت فمعناه ان لم أو افك به في الوقت الذي تطلب منى و هذا الوقت و ان كان مجهولا و لكن لا تمكن بسبب جهالته منازعة و لو كفل به علي انه ان لم يواف به غدا ففلان يعنى رجلا آخر وكيل في خصومته فما قضى به عليه فأنا ضامن له فرضي بذلك المطلوب فهو جائز اذ لا فرق أن يكون الوكيل و الضامن للمال هو الكفيل بالنفس و بين أن يكون غيره إذا وجد
منه القبول لذلك و قد بينا انه لو كانت اضافته لذلك كله إلى نفسه كان صحيحا فكذلك إذا أضاف كل عقد من هذا إلى شخص معلوم و قبلوا ذلك و رضى به المطلوب كان صحيحا و لو قدم الوكالة فقال هو وكيلي في خصومة ما بيني و بينك ضامن لما ذاب لك على أو لما قضى لك به على أو لما لزمني لك أو بما لحقني فان وافانى به غدا حتى أدفعه إليك فهو بري من ذلك فهذا جائز لانه و ان أخر التزام المال بالكفالة كان محمولا على معنى التقديم فادا قدمه فأولى أن يصح و هذه كلها وثائق لحق واحد فلا فرق في صحتها بين تقديم التعيين و تأخير التعيين لان المقصود لا يختلف بذلك و لو كفل بنفسه إلى أجل فان لم يواف به فيه فهو وكيل في الخصومة التي بينهما ضامن لما ذاب عليه و لم يشهد المطلوب على ذلك فالكفالة بالنفس و المال جائزة و الوكالة و الكفالة باطلة لانه أنابه و لا يقدر الانسان على ان يجعل نفسه نائبا عن غيره في خصومته من رضاه فإذا لم يرض المطلوب بوكالته بطلت الوكالة و لا تبطل ببطلانها الكفالة بالمال و النفس لان جوازهما لا يتعلق بصحة الوكالة فانهما صحيحان و ان لم يذكر الوكالة أصلا و لو كفل بنفسه على أنه ان لم يواف به غدا فهو وكيل في خصومته فرضي به المطلوب فلم يواف به الغد فهو وكيل بالخصومة لان الوكالة إطلاق تحتمل التعليق بخطر عدم الموافاة فان قضى عليه بشيء لم يلزم الكفيل منه شيء لانه ما التزم شيئا من المال و بالكفالة بالنفس لا يصير ملتزما للمال و لكن الطالب يأخذ الكفيل بالكفالة بالنفس حتى يدفعه اليه لانه التزم تسليم النفس اليه فلا يبرأ بثبوت المال عليه ما لم يسلمه فان ثبوت المال عليه لا يغنيه عن نفسه بل يحوجه إلى ذلك ليستوفي حقه منه فكان الكفيل مطالبا به فان قضى الكفيل الطالب حقه كان متبرعا بذلك كسائر الاجانب لانه ملتزم للمال و بأدائه لا يستفيد البراءة من الكفالة بالنفس لجواز ان يكون بين الطالب و المطلوب خصوصة أخرى فلهذا كان متبرعا في اداء المال ان شاء الطالب قبل ذلك منه و ان شاء أبى و طالبه بتسليم النفس اليه كما التزمه و ان كان كفيلا بالمال أجبرت الطالب على قبضه منه على معنى انه إذا وضع المال بين يديه يصير الطالب قابضا له لانه يبرئ ذمته بالاداء و لمن عليه الحق ذلك و الاول متبرع لا تبرأ ذمته عن شيء بما يؤديه و لو قضاه الكفيل المال على أن يبرئه من الكفالة بالنفس كان جائزا لانه متبرع في قضأ المال و قد قبله الطالب ثم أبرأه الطالب عن الكفالة بالنفس و ذلك حقه و كذلك لو قضاه بعضه على ان يبرئه عن الكفالة بالنفس و هذا لان الطالب ليس يملك ما يقبضه منه
بازاء الابراء عن الكفالة بالنفس انما يملك ذلك بدلا عن أصل حقه على المطلوب كما يملكه من جهة متبرع آخر ثم هو مسقط لحقه في الكفالة بالنفس من عوض فيكون صحيحا فاما إذا أبرأه عن الكفالة بالنفس بمال يشترطه عليه بمقابلة البراءة فلا يجب ذلك المال و لو أداه كان له أن يرجع فيه لان الكفالة بالنفس ليست بمال و لا تؤول إلى المال بحال و هو مجرد حتى لا يوصف بأنه ملكه و الاعتياض عن مثله بالمال لا يصح بخلاف العتاق بجعل و الطلاق بجعل فانه اعتياض عن ملك ( ألا ترى ) أن ملك النكاح لا يثبت الا بالمال فيجوز الاعتياض عن ازالته بالمال أيضا بخلاف حق الكفالة بالنفس فانه لا يثبت ابتداء بمال قط حتى لو أخذ منه ما لا ليكفل به بنفس فلان لا يصح فكذلك لا يصح التزام المال عوضا عن الابراء بالكفالة بالنفس و فى حصول البراءة روايتان في كتاب الشفعة يشير إلى انه يبرأ و جعل هذا كحق الشفعة إذا سلمه بمال يصح التسليم و لا يجب المال و المعنى أنه إسقاط محض و اشتراط العوض بمقابلته فاسد و لكن الاسقاط لا يبطل بالشرط الفاسد لانه لا يتعلق بالجائز من الشروط فلا يكون الشرط الفاسد مبطلا له و فى موضع آخر يقول لا يبرأ عن الكفالة بالنفس بخلاف الشفعة لان الكفالة بالنفس حق قوى لا يسقط بعد ثبوته إلا باسقاط تام و لا يسقط إلا بعد تمام الرضا به و لهذا لا يسقط بالسكوت و انما يتم رضاه بسقوطه إذا وجب له المال فإذا لم يجب لا يكون راضيا به فأما سقوط الشفعة فليس يعتمد الاسقاط و تمام الرضا به ( ألا ترى ) أن بالسكوت عن الطلب بعد العلم به يسقط و حجته ان الوجوب لم يكن لعقده و انما كان شرعا لدفع ضرر مخصوص عنه و هو ضرر سوء المجاورة و قد صار راضيا بهذا الضرر و ان سلمه بمال فاما وجوب تسليم النفس بالكفالة فكان بقبوله العقد فلا بد من اساقط يكون منه و هو إذا أسقطه بمال فانما يحول حقه إلى المال فلا يسقط أصلا و هذا التحويل لم يصح فبقيت الكفالة بالنفس على حالها و لو قضاه المال على أن يرجع به على المطلوب و قبضه منه على ذلك فهذا لا يجوز لان هذا تمليك الدين من من عليه الدين بعوض و المبادلة بالدين من من عليه الدين لا تصح بخلاف الاول لانه إسقاط المال عن المطلوب و ليس بتمليك من المتبرع لقضائه بعوض وهنا نص على التمليك منه حتى شرط له الرجوع على المطلوب و هذا بخلاف الكفيل بالمال أيضا فانه متبرع ملتزم للمال لان بعقد الكفالة يجب المال في ذمته على أحد الطريقين و على الطريق الآخر عند قضأ الدين ليرجع به و لهذا لو وهب هناك المال من الكفيل لرجع
به على الاصيل و لو وهب المال هنا من الكفيل بالنفس لا يصح إلا أن يسلطه على قبضه فحينئذ يكون نائبا عنه في قبضه استحسانا قال فان أبرأه عن الكفالة على هذا كان للكفيل أن يرجع بما قضاه عليه لانه قبضه منه بحكم تمليك فاسد و يرجع الطالب عليه بالكفالة بالنفس في أصح الروايتين و لو كفل نفسه إلى أجل مسمى فان لم يواف به فهو ضامن لما ذاب عليه وكيل في خصومته فليس للطالب ان يأخذه بالكفالة بالنفس قبل الاجل و لا أن يخاصمه قبل الاجل لان اشتراط المدة لتوسعة الامر على نفسه فلا يتضيق الامر عليه الا بمضي المدة كإشتراط المطلوب الاجل لنفسه في الدين و الوكالة في الخصومة و ضمان المال عليه بناء على عدم موافاة مستحقة و ذلك لا يكون الا بعد الاجل فلهذا لا يطالبه بشيء من ذلك قبل مضى الاجل و على هذا الكفالة بالنفس بغير وكالة فان المعنى يجمع الكل و لو كفل بنفس رجل و جعل المكفول به وكيلا في خصومته ضامنا لما ذاب عليه ثم مات الكفيل و له مال فلا خصومة بين الطالب و ورثته و لكنه يخاصم المكفول به لان الوكالة تبطل بالموت فان الموكل انما رضى برأيه في الخصومة فلا يقوم رأى وارثه في ذلك مقام رأيه و الكفالة بالمال باقية بعد موته و لكن ما لم يتحقق الذوب على المطلوب لا يكون هو ضامنا للمال و الذوب انما يتحقق عند خصومة الطالب و إثبات حقه عليه بالحجة فلهذا خاصم المكفول به و ما قضى له به عليه ضرب به مع غرماء الكفيل في ماله لان الذوب قد تحقق فالوجوب بالكفالة يستند إلى أصل السبب لان اللزوم تعلق به نفسه و قد كان أصل السبب في صحته فلهذا المعنى الواجب من جملة دين الصحة يضرب به مع غرماء الصحة و كذلك لو مات المكفول به أيضا فخاصم الطالب ورثته أو وصيه فقضى له بالمال كان له أن يتبع ميرات أيهما شاء لان الذوب قد تحقق فيضرب في ميراثه بجميع ماله و فى ميرات الآخر بما يبقى له لانه وصل اليه بعض حقه حين ضرب مع غرماء الاول فلا يضرب مع غرماء الآخر الا بما بقي له و الله أعلم فان لم يكن على واحد منهما سوى هذا الدين فالجواب واضح و ان كان على كل واحد منهما دين آخر يضرب مع غرماء أيهما شاء أولا بجميع دينه و فى الكتاب أبهم فقال ان بدأ فضرب مع غرماء الكفيل رجع على ورثة الكفيل بما أدوا في مال المكفول عنه فضربوا به مع غرمائه لان كفالته عنه كانت بامره و ما يستوفى من تركته بعد وفاته بمنزلة ما يؤديه في حياته و يرجع به ورثته في تركة المكفول عنه و ان بدا فضرب مع غرماء المكفول عنه لم يرجع ورثة المكفول عنه في تركة الكفيل بشيء لان أصل الحق كان على مورثهم و كان