و صاحب الاصل في بلد آخر فأقام البينة بذلك عند القاضي و سأله أن يكتب له به فانه يكتب له بثلاثة كتب إلى كل بلد بصفة الكفالة و حالها و أداء المال لانه يحتاج إلى ذلك كله فربما يقصد أخذ الثلاثة فلا بد من أن يعطيه ما يكون حجة له عليه الا أنه يكتب إلى كل قاض بما كتب به إلى القاضي الآخر على سبيل النظر فيه للخصوم لكيلا يلتبس المدعي و يأخذ ما لا على حدة كل كتاب عن كل خصم و لا بد من أن يسمى في كتابه الشهود و آبائهم و قبائلهم لان هذا الكتاب لنقل الشهادة فلا بد من إعلام الشاهد فيه و اعلامه بذكر اسمه و اسم أبيه و قبيلته فان أخذ أحد الكفلاء فقال قد أخذت من الكفيل معي نصف المال أو من الاصيل المال فعليه البينة لان الاصيل لو ادعى ذلك بنفسه كان عليه أن يبينه بالبينة فكذلك إذا ادعى ذلك الكفيل و هذا لان السبب الموجب للرجوع له بنصف المال على الذي أخذه ظاهر و هو يدعي مانعا أو مسقطا فعليه إثباته بالبينة فان لم يكن له بينة حلف الذي ادعى المال و أخذ منه نصفه و إذا أدي الكفيل المال و أخذ به كتاب قاض إلى قاض فلم يجد صاحبه هناك فان القاضي الذي أتاه بالكتاب يكتب له إلى قاض آخر بما أتاه من قاضى كذا لان على المكتوب اليه أن ينظر له و يقبضه علي ما يتوصل به إلى حقه كما هو على الكتاب و لان شهوده قد ثبت في مجلس القاضي المكتوب اليه بالكتاب فهو كما لو ثبت بأدائهم الشهادة في مجلسه فعليه أن يكتب له الي قاضى البلدة التي فيها خصمه و ان رجع القاضي الذي كتب له أول مرة فقال أكتب لي كتابا آخر فانى لم أجد خصمى في البلد الذي كتب إلى قاضيه لم يكتب له حتى يرد اليه كتابه الاول نظرا منه لخصمه لان من الجائز أن يقصد المدعى التلبيس ليأخذ ما لا بكل كتاب و انما حقه في مال واحد و ان كتب له قبل أن يرد اليه كتابه فقد أساء في ترك النظر لاي الخصمين و ميله إلى أحدهما و تمكينه من التلبيس و ليبين في كتابه أنه قد كتب له في هذه النسخة إلى قاضى كذا و كذا فبهذا يندفع بعض التلبيس و يحصل للقاضي الكاتب التحرز عن التمكين من الظلم و إذا كتب للقاضي بمال أداه كفيل عن كفيل فهو جائز و يؤخذ به الكفيل الاول للثاني إذا كان هو الذي أمره به و لا يؤخذ به الذي عليه الاصل و لم يأمره بالكفالة عنه و انما أمره الكفيل الاول و التخليص انما يجب علي من أوقعه بأمره إياه بالكفالة في الورطة فان كان الاصل هو الذي أمر الثاني أن يضمن من لم يأمره بشيء وأصل المال على الاصيل فلا فرق بين أن يأمره أن يكفل بذلك المال عنه و بين أن يأمره بأن يكفل به عن كفيله و إذا
(113)
ادعى الكفيل المال و كتب له القاضي بذلك و لم يكتب في كتابه انه كفل بأمره فان الذي أتاه الكتاب لا يرد الكفيل بالمال لان الاصيل لو أقر بكفالته عنه و جحد أن يكون أمره بذلك لم يكن له أن يرجع عليه بشيء فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة و ان جاء الكفيل بكتاب من قاض آخر انه كفل عنه بأمره فهو مستقيم و يؤخذ له بالمال بمنزلة ما لو أقر الخصم بذلك أو شهد عليه شاهدان و الله تعالى أعلم بالصواب ( باب الشهادة و اليمين في الحوالة و الكفالة ) ( قال رحمه الله ) و إذا ادعى رجل على رجل كفالة بنفس رجل و شهد له شاهدان فاختلفا في الوقت أو في البلد الذي وقعت الكفالة فيه أو في الاجل بأن قال أحدهما إلى شهر و قال الآخر إلى شهرين أو قال أحدهما حال و قال الآخر إلى شهر فالكفالة لازمة في ذلك كله لانه قول يعاد و يكرر فلا يختلف المشهود به و هو أصل الكفالة باختلافهما في هذه الاشياء و لو شهدا أن هذا كفل لهذا بنفس رجل لا نعرفه و لكن نعرف وجهه ان جاء به فهو جائز لانهما يشهدان على قول الكفيل و يجعل ما ثبت من قوله بشهادتهما كالثابت بإقراره فيقضى القاضي به و يأمره أن يأتى به على معرفتهما و لو قالا لا نعرف وجهه أيضا فانه يؤخذ بالكفالة بمنزلة ما لو أقر عند القاضي بأنه كفل بنفس رجل لهذا ثم يقال له أى رجل أتيت به و قلت هو هذا و حلفت عليه فأنت بري من الكفالة و هذا لان جهالة المقر به لا تمنع صحة الاقرار فالقول في بيانه قول المقر بمنزلة ما لو أقر أنه غصب من فلان شيئا أو شهد الشهود على إقراره بذلك و لو قال أحدهما كفل بنفس فلان و قال الآخر كفل بنفس فلان الآخر لم تجز الشهادة لاختلافهما في المشهود به على وجه لا يمكن التوفيق فيه و لو ادعى رجل كفالة بنفس رجلين فأقام شاهدين فأثبتا كفالة أحدهما و اختلفا في الآخر فأثبته أحدهما و شك الآخر فيه فانه يؤخذ بالكفالة التي اجتمعا عليها لان الحجة فيها قد تمت و فى الآخر لم تتم الحجة حين شك فيه أحدهما و الكفالة بأحدهما تنفصل عن الكفالة بالآخر .و لو شهد رجلان على رجل انه كفل لابيهما و لرجل بنفس فلان كانت شهادتهما باطلة لانهما يشهدان بلفظ واحد و قد بطلت شهادتهما في حق أبيهما فتبطل في حق الآخر أيضا اذ المشهود به لفظ واحد و لو شهد رجلان على رجل أنه كفل لفلان بنفس فلان فان لم يواف به غدا فعليه ما عليه و هو ألف درهم
(114)
فهو جائز لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة أو اقرار الخصم فان اختلفا في الوقت أو المكان أو الاجل فشهادتهما جائزة إذا ادعى الطالب أقرب الاجلين فان ادعى أبعد الاجلين لم تقبل الشهادة لانه قد أكذب الذي شهد بإقرارهما حين ادعى الابعد و انما أكذبه فيما شهد له به و إكذاب المدعي شاهده فيما شهد له يبطل شهادته بخلاف الاول فهناك انما أكذب الشاهد بأبعد الاجلين فيما شهد عليه به و ذلك لا يضره و هو بمنزلة ما لو ادعى ألفا و شهد له أحد الشاهدين بألف و خمسمأة لا تقبل و لو ادعى ألفا و خمسمأة و شهد له أحد الشاهدين بألف قبلت شهادتهما على مقدار الالف لهذا المعنى و لو اختلفا في المال فشهدا أحدهما بدراهم و الآخر بدنانير لم تجز شهادتهما في شيء من ذلك إذا ادعى الطالب النصفين و قال لم يشهد لي بالنصف الآخر لانه أكذب أحدهما فيما شهد له به فتبطل شهادتهما في جميع ما شهدا به و ان ادعى النصفين جميعا جازت شهادتهما في الكفالة بالنفس و بطلت في المال لانه ما أكذب واحدا منهما فيقضى بشهادتهما فيما اتفقا عليه و يتعذر القضاء فيما تفرد به كل واحد منهما فان اتفقا في المال انه ألف درهم فقال أحدهما قرض و قال الآخر ثمن مبيع و قال لم تشهد لي على القرض فقد أكذب الشاهد بالقرض فلا تجوز شهادته له في شيء من ذلك و ان ادعى الطالب ألفين ألف قرض و ألف ثمن مبيع فهو ما أكذب واحدا منهما فتجوز شهادتهما له في الكفالة بالنفس و فى ألف درهم لا يقبلها على وجوب الالف و اختلافهما في الجهة لا يمنع القضاء بالمال لانهما اختلفا و لم يختلفا بقلة و لان الجهة مطلوبة بعينها و انما المقصود المال بخلاف الاول فقد اختلفا هنا في جنس المال الذي هو مقصود و ان كان الشاهدان كفيلين بالمال عن صاحب الاصل لم تجز شهادتهما لانهما يجران بها إلى أنفسهما مغنما فان الطالب إذا أخذ المال من المشهود عليه استفاد البراءة به و كذلك لا تجوز شهادة ولدهما و والدهما لانه ينفعهما بشهادته و كذلك لا تجوز شهادة ابن الاصيل على الكفيل بذلك لانه ينفع أباه فان الطالب إذا استوفى المال من الكفيل بري الاصيل و كذلك تجوز شهادة ابن الكفيل إذا أقر به الكفيل و أنكره الاصيل لانه شهد لابيه في ثبوت حق الرجوع على الاصيل عند الاداء و ان جحد الكفيل و أقر به الاصيل جازت شهادة ابن الكفيل لانه يشهد على أبيه للطالب بإلزام المال و إذا ادعى رجل علي رجل انه كفل له بنفس رجل و بألف درهم له عليه ان لم يواف به غدا و شهد له بذلك شاهدان و شهدا أن المكفول به أمر الكفيل بذلك و الكفيل و المكفول به ينكران
(115)
المال و الامر فقضى القاضي بتلك الشهادة على الكفيل و لم يواف به فأخذ المال و أداه رجع به على المكفول به عندنا و قال زفر رحمه الله لا يرجع لانه أقر عند القاضي أنه أمره بالكفالة عنه بشيء و إقراره حجة عليه و لانه بزعمه مظلوم فيما أخذ منه المال و ليس للمظلوم أن يظلم غيره و لكنا نقول القاضي أكذبه في إقراره و زعمه حين ألزمه المال بشهادة الشهود و المقر متى صار مكذبا في إقراره حكما سقط اعتبار إقراره كالمشتري إذا كان أقر بالملك لبائعه فاستحق المبيع من يده بالبينة رجع على بائعه بالثمن و لم يعتبر إقراره بذلك و لو أقر الكفيل بالكفالة بالنفس و المال و قال لم يأمرني بذلك فقضى عليه القاضي بذلك ثم جاء الكفيل بالبينة أن المكفول عنه أمره بالكفالة لم تقبل بينته على ذلك لانه مناقض في دعواه حين أقر انه لم يأمره بذلك و المناقض لا يقبل بينة على خصمه و لان القاضي انما قضى عليه بالكفالة بالمال بإقراره على نفسه بذلك و إقراره ليس بحجة على الاصيل بخلاف الاول فالقضاء هناك كان بحجة البينة و قد قامت على الكفيل و الاصيل جميعا و إذا كفل بنفسه بامره فان لم يواف به غدا فعليه المال و لو ادعى الكفيل انه وافي به لم يصدق الا ببينة لانه ادعى مانعا أو مسقطا بعد ما ظهر سبب وجوب المال عليه و هو الكفالة فان أقام البينة على ذلك بري من الكفالة بالنفس و المال جميعا لان الثابت بالبينة كالثابت بالمعاينة و يستوى ان شهدا على الموافاة أو على اقرار الطالب بذلك فان اختلفا في مكان إقراره أو وقته جازت الشهادة لان الاقرار قول يكرر و ان شهد أحدهما انه دفعه اليه غدوة بمحضر منه بغير إقراره و شهد الآخر انه دفعه اليه عشية بمحضر منه بغير اقرار و المدعي يدعي أحدهما أو كلاهما و قال دفعته اليه غدوة أو عشية لم تجز شهادتهما لاختلافهما في المشهود به فان الفعل الموجود في مكان أو زمان الفعل الموجود في مكان أو زمان آخر و لو أقر الكفيل انه لم يدفع الرجل اليه و أن المال قد لزمه و الشهود شهدوا بباطل و قد اتفقت شهادتهما فالمال لازم للكفيل لا كذا به الشاهدين فيما شهدا به له و لا يرجع به إذا أداه على المكفول عنه لانه قد أقر به فلزمه ذلك بإقراره بعد ما ظهرت حجة براءته و إقراره ليس بحجة على الاصيل و إذا كفل رجل بنفس رجل فان لم يواف به غدا فعليه المال فشهد عليه شاهد بذلك معاينة و آخر بإقراره و الكفيل يجحد ذلك لزمه ذلك لان الكفالة قول و صيغة الاقرار و الانشاء فيه واحدة و فى مثله اختلاف الشاهدين في الاقرار و الانشاء لا يضر كالبيع و ان شهدا على رجل أنه كفل لرجل بألف درهم عن
(116)
فلان و اختلفا في اللفظ فقال أحدهما كفل بها و قال الآخر ضمنها أو قال أحدهما هى لي و قال الآخر هى علي فالشهادة جائزة لاتفاقهما فيما هو المقصود و هو الكفالة و الالفاظ قوالب المعاني فعند اتفاقهما على العقد المشهود به لا يضرهما اختلاف العبارة كما لو شهد أحدهما بالهبة و الآخر بالنحلة و ان قال أحدهما احتال بها عليه و قال الآخر ضمنها له على أن ابرأ الاول أو لم يذكر البراءة و ادعى الطالب الضمان أو الحوالة و البراءة فانه يأخذ المحتال عليه بالمال لاتفاق الشاهدين على الحوالة و ان اختلفا في العبارة أو لاتفاقهما على التزام المشهود عليه للمال كما إذا شهد أحدهما بالضمان و لم يذكر البراءة و هذا لان في الحوالة ضمانا و زيادة فيقضى بما اتفقا عليه و الاصيل بري بإقرار الطالب لا بشهادة أحد الشاهدين بالحوالة و لو ادعى الطالب الضمان بغير براءة و قال لم أحل عليه فانه يأخذ أيهما شاء بالمال لاتفاق الشاهدين على مقدار الالتزام بالضمان و الطالب ما أكذب الذي شهد له بالحوالة في شهادته له و انما أكذبه في شهادته عليه و هو براءة الاصيل و ذلك لا يمنع قبول الشهادة كما لو شهدا له بالمال و شهد أحدهما أنه استوفاه أو أنه ابرأ المطلوب منه قال ( ألا ترى ) انه لو شهد شاهدان انه كفل له بالمال على أن ابرأ الاول و الطالب يقول لم ابرئ الاول و الكفيل يجحد الكفالة قضيت للطالب بالكفالة و ابرأت الاصيل إذا كان هو يدعي شهادتهما على البراءة و بهذا يتبين أنهما في الشهادة على البراءة يشهدان على الطالب لا له و كذلك لو شهدا بالحوالة و قال الطالب انما كفل لي فهو ما أكذبهما فيما شهدا له من ضمان المال .و لو شهد رجلان على رجل أنه كفل بألف درهم لرجل فقال أحدهما إلى سنة و قال الآخر حالة و ادعى الطالب حالة و جحد الكفيل أو أقر و ادعى الاجل فالمال عليه في الوجهين من قبل أن الطالب لم يكذب شاهده فيما شهد له به و انما أكذبه فيما شهد به عليه و الشاهد بالاجل للكفيل واحد و قد بينا فيما سبق أن زفر رحمه الله يخالفنا في جميع هذه الفصول و انه لا يفصل بين الا كذاب فيما شهد به له أو عليه و لو ادعى رجل قبل رجلين كفالة بألف درهم و كل واحد منهما كفيل ضامن بها و شهد له شاهدان فشهد أحدهما بذلك عليهما و شهد الآخر على أحدهما فان الطالب يأخذ الذي اجتمعا عليه بالالف لان كل واحد منهما بحكم هذه الكفالة مطالب بجميع المال و قد تمت الحجة على أحدهما و لو شهد شاهد عليهما و شهد آخر على أحدهما و شهد الآخر على الآخر كان للطالب أن يأخذهما جميعا بالمال لان الحجة قد تمت في حق كل واحد منهما في حق أحدهما لشهادة الاولين
(117)
و فى حق الآخر بشهادة الآخر أخذ الاولين مع الثالث و ان شهد اثنان على أحدهما انه كفل له هو و فلان عن فلان بألف درهم على أن يأخذ أيهما شاء و شهد له الآخر ان على كفيل الآخر بمثل ذلك كان له أن يأخذ أيهما شاء بجميع المال لان الحجة قد تمت في حق كل واحد منهما بالتزامه جميع المال و لو شهد له شاهدان بالمال حالا على الاول و شهد له آخران على الآخر بالمال إلى أجل على مثل شهادة الاول كان جائزا و أخذ الطالب صاحب الاجل بالمال إلى أجله و الآخر بالمال حالا اعتبارا للثابت بالبينة بالثابت بالمعاينة و كذلك ان اختلف الفريقان في مبلغ المال أخذ الطالب أيهما شاء بما شهد به الشاهدان عليه اعتبارا بما لو أقر كل واحد منهما بذلك القدر و إذا ادعى رجل كفالة ألف درهم له على رجل قد سماه فشهد شاهدان انه كفل له بألف درهم عن رجل و قالا رأيناه و لم نعرفه أو لم نره و لكن الكفيل أشهدنا على ذلك فالمال لازم للكفيل لانهما يشهدان على قوله فهو بمنزلة شهادتهما على إقراره و المشهود له معلوم إذا أدى الكفيل المال لم يرجع على المكفول عنه الا أن يشهد له شاهدان انه أمره بذلك و ان أراد الطالب أن يأخذ الاصيل دون الكفيل لم يكن له ذلك إذا جحد لان البينة الاولى ليست بحجة على الاصيل حين لم يعرفه الشهود أو لم يروه و إذا ادعى الرجل على الرجل ألف درهم أحال بها فلان الغائب و أقام البينة فأدى اليه المحتال عليه رجع بها على المحيل و لم يكلف اعادة البينة عليه لان المحتال عليه التزم بالحوالة بالمال الذي هو على الاصيل و انما يتحول إلى ذمته ما كان في ذمة الاصيل على أن يكون هو خلفا عن الاصيل و لهذا لو مات مفلسا عاد المال إلى الاصيل فانتصب هو خصما عنه و من ضرورة القضاء عليه بالحوالة بالامر القضاء بالمال على المحتال عليه و لو كان الطالب غائبا فأقام المحتال عليه البينة على الاصيل أنه كان لفلان عليك ألف درهم و أحلته بها علي و أديتها اليه قضيت بها له عليه و هو قضأ على الطالب بالاستيفاء لانه ادعى لنفسه المال على الاصيل و لا يتوصل إلى ذلك الا بإثبات الاداء إلى لطالب و لا يتوصل الاصيل إلى دفع ذلك عن نفسه الا بإنكار قبض الطالب بالاستيفاء فلا يلتفت إلى جحوده بعد ذلك إذا حضر و الكفالة في هذا قياس الحوالة و لو ادعى رجل على رجل كفالة بنفس أو مال أو حوالة و لا بينة له استحلف المدعى عليه فان نكل عن اليمين لزمه ذلك و ان حلف بري و رجع المدعى على صاحب الاصيل بالمال و هذا ظاهر في الكفالة فان الكفالة لا توجب سقوط مطالبة الطالب عن الاصيل و كذلك في الحوالة لان
(118)
الاصيل انما يبرأ إذا ثبتت الحوالة و لم تثبت حين حلف المحتال عليه و لانه حين جحد و حلف قد تحقق التوى و ذلك يوجب عود المال إلى الاصيل كما لو مات المحتال عليه مفلسا فان نكل عن اليمين وادي المال رجع على الاصيل ان كان مقرا أو قامت بينة عليه بالامر و جحود المحتال عليه لا يبطل تلك الحوالة لانه صار مكذبا في ذلك حين قضى القاضي به عليه و لم يجعل نكوله هنا بمنزلة إقراره بل جعله بمنزلة البينة لانه مضطر إلى هذا النكول و انما لحقته هذه الضرورة في عمل باشره لغيره فهو نظير الوكيل بالبيع إذا نكل عن اليمين في دعوى العيب فرد عليه كان ذلك ردا على الموكل و لو كان قضى بالمال على الكفيل أو المحتال عليه ببينة قامت عليه بذلك و ان فلانا أمره به فأدى المال و صاحب الاصل جاحد للامر فانه يرجع عليه بالمال لانه صار مكذبا شرعا بالبينة التي قامت عليه بذلك و لو كان قضى عليه بالمال بنكوله عن اليمين و أداه فله أن يستحلف الاصيل بالله ما أمره بذلك لما بينا انه مضطر إلى النكول الا أن نكوله ليس بحجة على الاصيل في الامر فيحلفه على ذلك و لو ادعى قبل رجل كفالة بنفس أو مال فقال الكفيل لم أكفل له بشيء و قد أبرأني من هذه الدعوي فاستحلفه ما أبر انى و قال الطالب بل استحلفه ما كفل به لي فانى استحلفه بالله ماله قبله ذلك لان القاضي انما يشتغل بالاستحلاف على ما هو المقصود و هو قيام الكفالة بينهما في الحال فيحلف على ذلك فان حلف بري و ان نكل لزمته الكفالة و لم يستحلف الطالب بالله ما أبرأه لان الكفيل يدعى عليه البراءة فيحلف على ذلك لحقه فان نكل عن اليمين بري الكفيل من كفالته كما لو أقر ببراءته و ان ادعى الكفيل بالنفس انه دفعه إلى وكيل الطالب حلف الطالب على علمه لانه استحلاف على فعل الغير بخلاف ما إذا ادعى الدفع اليه فانه استحلاف على فعل نفسه فيكون على البتات و لو ادعى رجل قبل رجل كفالة فقال أخذك غلامي حتى كفلت لي بفلان و جحد الكفيل ذلك فانه يحلف على ذلك لانه لو أقر به لزمه تسليم النفس اليه و ان كانت الكفالة له بحضرة غلامه دونه فان أنكر يستحلف عليه لرجاء النكول و إذا طلب مدعي الكفالة بنفس أو مال ان يحلف الكفيل بالله ما كفل لم يحلف كذلك و لكنه يحلف بالله ماله قبلك هذه الكفالة لان الانسان قد يكفل لغيره ثم يبرأ من كفالته بسبب فلو حلفه القاضي ما كفل يضر به لانه لا يمكنه أن يحلف و ان كان هو محقا في إنكاره الكفالة في الحال و القاضي مأمور بالنظر للخصمين فلهذا يحلفه بالله ماله قبلك هذه الكفالة و كذلك هذا في كل دين و مال وديعة و عارية و شراء و اجارة