هلاك الوديعة و الكفالة بالمال في المرض بمنزلة الوصية حتى يبطل لمكان الدين المحيط بالتركة و يبطل إذا وقعت لوارث أو عن وارث و يبطل فيما زاد على الثلث إذا كان لاجنبي لانه التزم المال على وجه التبرع فيكون بمنزلة تمليك المال في مرضه على وجه التبرع الا أن يبرأ من مرضه فحينئذ يكون صحيحا على كل حال لان المرض يتعقبه برؤه بمنزلة حال الصحة فان مرض الموت ما يتصل به الموت و ما لا يكون مرض الموت لا يكون مغيرا للحكم فانما لا تصح الكفالة من المريض للوارث و عن الوارث لان فيه منفعة للوارث و هو محجور عن القول الذي فيه منفعة لوارثه فيما يرجع إلى المال و لو كفل المريض عن رجل بألف درهم و أقر بدين يحيط بماله فلا شيء للمكفول له لان الكفالة تبرع و اصطناع معروف كالهبة و الدين مقدم على الهبة في المرض سواء كان بالاقرار أو بالبينة و لو كان له ثلاثة آلاف درهم فكفل بألف درهم ثم مات جاز ذلك و أخذ من ماله ألف لخروج المكفول به من ثلث ماله ثم يرجع ورثته على المطلوب إذا كان كفيلا بأمره كما لو أدى بنفسه في حياته و إذا كانت الكفالة منه في الصحة بألف درهم فمات الكفيل و عليه دين فضرب المكفول له بدينه مع غرمائه فأصابه خمسمأة ثم مات المكفول عنه و عليه دين ضرب المكفول له في ماله بالخمسمائة التي بقيت له لبقاء ذلك القدر له في ذمة الاصيل بعد ما استوفى الخمسمائة من تركة الكفيل و ضرب وارث الكفيل بالخمسمائة دراهم التي أدى لانه كان أدى بحكم الكفالة عنه بأمره فكان ذلك دينا عليه فما أصاب وارث الكفيل فانه يقسم بين غرماء الكفيل بالحصص و يضرب المكفول له بما بقي له أيضا ( و هذه ) هى المسألة التي بينا فيما سبق أن في هذا جذر الاصم و أنه لا وجه لتخريجها الا بطريق التقريب فان ما يستوفى المكفول له ثانيا مما في يد الوارث للكفيل يرجع به وارث الكفيل في تركة المكفول عنه أيضا فتنتقض القسمة الاولى و لا يزال يدور هكذا إلى أن ينتهى إلى ما لا يمكن ضبطه و لو أن متفاوضين عليهما ألف درهم مأتا جميعا و تركا ألفا و على كل واحد منهما ألف درهم مهر إمرأته قسم المال بينهما نصفين و لم يضرب الطالب في مال أيهما شاء بألف درهم لان كل واحد منهما مطلوب بجميع الالف بعضها بجهة الاصالة و بعضها بجهة الكفالة فيضرب بجميع الالف في تركة أيهما شاء و تضرب إمرأته بمهرها أيضا ثم يضرب مع إمرأة الآخر بما بقي و تضرب هى بألف درهم هكذا ذكره شيخ الاسلام جواهر زاده و تضرب هى بالذي بقي لها من مهرها و لا ترجع الورثة بالذي أخذ منه أول مرة في مال الثاني بشيء الا أن يكون الطالب أصاب
(85)
من ماله أكثر من النصف لانه في مقدار النصف هو أصيل فان كان المقبوض النصف أو ما دونه لا ترجع ورثته في تركة الآخر بشيء من ذلك و ان كان أكثر من النصف فحينئذ يضربون بالفضل لانهم أدوا ذلك بجهة كفالة صاحبهم عن شريكه بأمره فإذا قبضوا شيئا من ذلك كان المقبوض لامرأته و للطالب ان بقي له شيء بالحصص ثم عند ذلك يعود الجذر الاصم و ما لا طريق إلى معرفته الا من الوجه الذي قدرنا ان كل ما يستوفيه الطالب يثبت لهم حق الرجوع به في تركة الشركة فتنتقض به القسمة الاولى و الله سبحانه و تعالى أعلم ( باب ادعاء الكفيل أن المال من ثمن خمر أو ربا ) ( قال رحمه الله ) و إذا كفل رجل عن رجل بألف درهم بأمره ثم غاب الاصيل فادعى الكفيل أن الالف من ثمن خمر فانه ليس بخصم في ذلك لانه التزم المطالبة بكفالة صحيحة و المال يجب على الكفيل بالتزامه بالكفالة و ان لم يكن واجبا على الاصيل ( ألا ترى ) انه لو قال لفلان على ألف درهم و أنا بها كفيل بأمره و جحد الاصيل ذلك فان المال يجب على الكفيل و ان لم يكن على الاصيل شيء فبهذا تبين أنه ليس في ادعائه أن المال من ثمن خمر أو ما يسقط المال عنه فلا يكون خصما في ذلك و هو مع هذا مناقض في دعواه لان التزامه بالكفالة اقرار منه أن الاصيل مطالب بهذا المال و المسلم لا يكون مطالبا بثمن خمر فيكون مناقضا في قوله ان المال من ثمن خمر و الدعوى مع التناقض لا تصح حتى انه لو جاء بالبينة على اقرار الطالب بذلك لم يقبل بعد أن يكون الطالب يجحد ذلك و لو أراد استحلاف الطالب لم يكن عليه يمين لان توجه اليمين و قبول البينة تنبني على دعوى صحيحة الا أن يقر الطالب بذلك فحينئذ هو مناقض و لو صدقه خصمه في ذلك و التصديق من الخصم صحيح مع كونه مناقضا في دعواه ثم ان أصل سبب التزام المال جرى بين المطلوب و الطالب و الكفيل ليس بخصم في ذلك العقد و يدعى معنى كان في ذلك العقد حتى إذا ثبت ذلك ترتب عليه خروجه من أن يكون مطالبا بالمال و لا يمكن إثبات ذلك بالبينة لانها بينة تقوم للغائب و البينة للغائب و على الغائب لا تقبل إذا لم يكن عنه خصم حاضر و هو بمنزلة المشترى للجارية إذا ادعى انها زوجة لفلان الغائب و أراد اقامة البينة على ذلك ليردها بالعيب لا يكون خصما في ذلك فهذا مثله ( و الحوالة ) في هذا كالكفالة و كذلك ان كان كل واحد منهما ضامنا عن صاحبه لان أصل المال على
(86)
هذا الكفيل فهو لا يكون خصما فيما على غيره فهذا تنصيص على ما أشرنا اليه في أن الطريق الاصح في الكفالة أن الكفيل يلتزم المطالبة بما على الاصيل و لا يلتزم أصل المال في ذمته و لو أدى الكفيل المال إلى الطالب و غاب الطالب و حضر المكفول عنه فقال المال من ثمن خمر و جاء بالبينة لم يكن بينه و بين الكفيل خصومة في ذلك و يدفع المال إلى الكفيل لانه التزم المال بأمره وادي فيرجع عليه كيف كان ذلك المال و يقال للمكفول عنه أطلب صاحبك فخاصمه و هذا لما بينا انه يدعي سببا في تصرف جرى بينه و بين الغائب و هذا الحاضر ليس بخصم عن الغائب أو لانه مناقض فانه أمره ان يلتزم المطالبة التي هى متوجهة عليه بجهة الكفالة و لو أقر الطالب عند القاضي أن ماله عنده من ثمن خمر فهذا مثله و هو اقرار ببراءة الاصيل و هو بمنزلة ما لو قال لم يكن لي على الاصيل شيء و ذلك يوجب براءة الكفيل و الاصيل ( ألا ترى ) انه لو أبرأ الاصيل بري الكفيل فإذا بقي أصل المال من الاصيل بإقراره أولى أن يبرأ الكفيل فان أقر الطالب بذلك و أبرأ القاضي الكفيل ثم حضر المكفول عنه فأقر ان المال الذي عليه قرض لزمه المال ان صدقه الطالب بذلك لتصادقهما على أن وجوب المال له عليه بسبب صحيح و لا يصدقان على الكفيل لان قولهما ليس بحجة على الكفيل و قد استفاد الكفيل البراءة بما سبق من اقرار الطالب و يجعل هذا من المطلوب بمنزلة إقراره للطالب ابتداء بدين آخر سوى الدين كان كفل به الكفيل و لو أن مسلما باع مسلما خمرا بألف درهم ثم أحال مسلما عليه بها بطلت الحوالة و لو أحاله بألف درهم فجعلها له بذلك ثم غاب المحيل و قال المحتال عليه المال الذي على من ثمن خمر و أقام البينة فلا خصومة بينه و بين الطالب في ذلك لانه التزم المال بالحوالة فعليه أداء ما التزم و هو انما يدعى سببا مبطلا بعقد جرى بينه و بين الغائب و هذا الحاضر ليس بخصم عنه في ذلك فإذا دفع المال ثم حضر المحيل خاصمه ان أقام عليه بينة بذلك رجع عليه بالمال لانه قبل الحوالة بأمره وادي و استوجب الرجوع عليه فكان تقع المقاصة بما للمحيل عليه فإذا تبين أنه لم يكن للمحيل عليه شيء كان له أن يرجع عليه بالمال و ان لم يؤد المال حتى يحضر المحيل فخاصمه و جاء بالبينة أنها من ثمن خمر أبطلها القاضي عن المحتال عليه لانه قبل الحوالة مقيدة بالمال الذي للمحيل عليه و قد تبين انه لم يكن للمحيل عليه شيء فكانت الحوالة باطلة و ان كان أحاله عليه حوالة مطلقة بألف درهم لم يبرأ منها و لكنه يؤديها و يرجع بها لان الحوالة المطلقة لا تستدعى ما لا للمحيل على المحتال عليه و لا في يده الا أنه إذا كان
(87)
للمحيل على المحتال عليه لم يرجع به عليه و إذا كانت مطلقة يؤدى المال ثم يرجع بمثلها عليه و إذا باع الرجل رجلا عبدا بألف درهم ثم أحال البائع غريمه على المشترى بالمال الذي باعه به العبد ثم استحق العبد أو وجد حرا فان القاضي يبطل الكفالة و الحوالة لانه ظهر انه أحال عليه بمال و لا مال و لو رد بعيب بقضاء القاضي أو بغير قضأ القاضي لم تبطل الحوالة و الكفالة و كذلك لو مات العبد قبل القبض و هذا عندنا و قال زفر رحمه الله تبطل الحوالة إذا كانت مقيدة وجه قوله ان الثمن الذي تقيدت به الحوالة بطل من الاصل لانفساخ العقد من الاصيل و لو ظهر بطلانه تبطل الحوالة فكذلك إذا بطل من الاصيل الا أنا نقول ان الحوالة لما صحت مقيدة بمال واجب عنده و لم يتبين أنه لم يكن واجبا أو بطل انما يبطل ببطلانه ان لو كان له تعلق بالدين بها أما من حيث الوجوب فلا يشكل لان تعلق الدين بالذمة لا بالدين و لا تتعلق به استيفاء لان تعلقه به استيفاء انما يستقيم إذا كان قابلا للاستيفاء و الدين لا يقبل استيفاء دين آخر منه الا بعد خروجه فقبل خروجه منه لم يكن لدين الحوالة تعلق به بوجه من الوجوه فصار كالحوالة المطلقة في حالة البقاء فلا تبطل ببطلانه و لا يلزم إذا أحال على مودعه ليستوفى دينه من الوديعة ثم هلكت الوديعة حيث تبطل الحوالة لان ثمة للدين تعلق به استيفاء لكونه قابلا للاستيفاء منه فجاز أن يبطل ببطلانه و إذا أحال رجل رجلا على رجل بألف درهم كانت للمحتال على المحيل و كان مثلها للمحيل على المحتال عليه ثم مات المحيل و عليه دين كان ماله الذي على المحتال عليه بين غرمائه و بين المحتال له بالحصص و لا يختص المحتال له بذلك عندنا و عند زفر رحمه الله يختص به لانه اختص به في حال حياته حتى كان أحق به من المحيل حتى لو حجر المحيل عن استيفائه فيختص به بعد موته بمنزلة المرتهن في حق الراهن و لكنا نقول ان ما في ذمة المحتال عليه مال المحيل لانه بعقد الحوالة لا يصير للمحتال له لان الدين لا يقبل التمليك من من عليه الدين و متى كان باقيا على ملكه كان بين غرمائه بالحصص لما مر انه لا تعلق لحقه بالدين قبل الخروج فصار هو و سائر غرمائه سواء و انما منع المحيل من التصرف فيه باعتبار عرضة الخروج لانه لو خرج يكون المحتال له احق بها و لهذا كان التوي على المحيل لان الحوالة كانت مقيدة به و قد استحقت فصار بمنزلة الاستحقاق من الاصيل فيعود الدين على المحيل و الله أعلم
(88)
( باب الحبس في الدين ) ( قال رحمه الله ) و يحبس الرجل في كل دين ما خلا دين الولد على الابوين أو على بعض الاجداد فانهم لا يحبسون في دينه أما في دين غيرهم فيحبس لانه بالمطل صار ظالما و الظالم يحبس و انه عقوبة مشروعة و لهذا كان حدا في الزنا في ابتداء الاسلام قال الله تعالى في حق قطاع الطريق أو ينفوا من الارض و المراد به الحبس و كذلك حبس رسول الله صلى الله عليه و سلم رجلا بالتهمة و كذلك علي كرم الله وجهه اتخذ سجنين سمى أحدهما نافعا و الآخر محبسا و كذلك شريح رحمه الله كان يحبس الناس و حبس ابنه بسبب الكفالة عن رجل و لا يحبسه في أول ما يتقدم إلى القاضي و لكنه يقول له قم فأرضه لان الظلم لا يتحقق من أول وهلة فان عاد اليه مرة أو مرتين يحبسه و القياس في دين الولد على والديه هكذا الا أنا استحسنا في دين الوالدين و من كان في معناهم أنه لا يعاقب الوالد بسبب الجناية على ولده قال صلى الله عليه و سلم لا يقاد الوالد لولده و لا يعاقب بسبب الجناية على ماله لان له ضرب تأويل في ماله و ذكر حديث علي كرم الله وجهه انه اتخذ سجنين و قال فيه ألا تراني كيسا مكيسا يثبت بعد نافع محبسا و عن الشعبي رحمه الله أن رجلا أتى عمر بن الخطاب رضى الله عنه فقال يا أمير المؤمنين أجرني فقال مم قال من دين قال عمر رضى الله عنه السجن ثم قال عمر رضى الله عنه كانك بالطلبة حلو ذكر هذا لبيان ان الحبس مشروع قال أبو حنيفة رحمه الله لا يباع مال المديون المسجون في دين عليه الا أن يكون عليه دنانير أو يكون عليه دراهم فاصطرفها بدراهم و عند أبى يوسف و محمد رحمهما الله يباع ماله و هي مسائل الحجر ثم ذكر عن عمر رضى الله عنه أنه خطب الناس ثم قال في أسفع جهينة رضى من دينه و أمانته ان يقال له سبق الحاج فادان معرضا حتى دين به فمن كان له عليه شيء فليفد علينا فانا بائع ماله قاسم ثمنه بين الغرماء و اياك و الدين فان أوله هم و أخره حرب و نعم ما قال فان الدين سبب العداوة خصوصا في زماننا فيؤدى إلى إهلاك النفوس و يكون سببا لهلاك المال خصوصا مداينة المفاليس و الحرب هو الهلاك ثم إذا حبس المديون و لم يدع الاعسار فظاهر انه لا يخلى عنه أما إذا ادعى الاعسار فان كان ذلك في ديون وجبت بسبب المبايعات فينبغي ان لا يصدق لان الظاهر يكذبه لانه يكون واحدا باعتبار بدله و ان كان بأسباب مشروعة سوى المبايعات كالمهر و بدل الخلع و الكفالة و بدل الصلح
(89)
اختلف مشايخنا رحمهم الله فقال بعضهم يصدق و لا يحبس لانه متمسك بالاصل و هو العدم فالقول قوله و قال بعضهم لا يصدق لان التزامه المال اختيارا دليل قدرته و لو كان دينا وجب حكما باستهلاك مال و نحوه ينبغى ان يصدق ثم قال أبو حنيفة رحمه الله إذا حبس الرجل شهرين يسأل عنه و ان شاء سأل عنه في أول ما يحبسه و الرأي فيه إلى القاضي ان أخبر بعد أو يقات انه معسر خلى سبيله و ان قالوا واجد أمر بحبسه حتى يذوق وبال أمره لانه من الجائز انه أخفى ماله فيشهد الناس على ظاهر حاله فتبطل حقوق الناس و إذا أخبروه أنه معسر أخرجه و لم يحل بين الطالب و بين لزومه عندنا و قال زفر رحمه الله يمنعه من ملازمته لانه منظر بأنظار الله تعالى و لو كان منظرا بانظاره لا يكون له حق الملازمة هكذا كنا نقول بانه منظر إلى زمان الوجود و وجود ما يقدره على اداء الدين موهوم في كل ساعة فيلازمه إذا وجد ما لا أو اكتسب شيئا فوق حاجته الدراة يؤخذ منه و الكفيل بالمال و الذى عليه الاصل سواء لان خطاب الاداء متوجه على الكفيل كما هو متوجه على الاصيل و ذكر عن الكلبي و محمد ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حبس بني قريظة حتى نزلوا في حكم سعد رضى الله عنه في دار بنت الحارث حتى ضرب رقابهم فإذا تبين ان الحبس مشروع و إذا حبس الكفيل بالدين فللكفيل ان يحبس المكفول عنه حتى يخلصه إذا كان بأمره و كذلك لو لازمه الطالب كان له ان يلزم الذي عليه الاصل لانه التزم الاداء من مال المطلوب بأمره فكان الاصيل ملتزما تخليصه فله ان يلازمه و ليس للكفيل ان يأخذ المال حتى يؤديه لانه انما يرجع عليه بحكم الاقراض و انما يتحقق هذا المعنى عند الاداء و إذا حبس رجل بدين فجاء غريم له آخر يطالبه فان القاضي يخرجه من السجن و يجمع بينه و بين هذا المدعى فان أقر له بالدين أو قامت له عليه بينة كتب اسمه فيمن حبس له مع الاول لانه لو لم يكتب ربما يشتبه على القاضي انه محبوس بدين واحد فيخلى سبيله فيكتبه حتى لا يخلى سبيله الا بقضائهما و ان كان القاضي قد فلس المحبوس جاز إقراره لاشخاص في قول أبى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله ثم رجع أبو يوسف رحمه الله و قال تفليس القاضي إياه جائز و لا يجوز إقراره بعد ذلك و لا بيعه و لا شراؤه و لا بشيء يضيفه في ماله ما خلا العتق و الطلاق و النكاح و الاقرار بالسبب فانا ندع القياس فيه و نجوزه و هو قول محمد رحمه الله و قول شريح و إبراهيم و ابن أبى ليلي رحمهما الله و يعنى بالتفليس ان يحكم بعجزه عن الكسب فيجعله كالمريض مرض الموت فيحكم بتعلق حق غرمائه في مال هذا
(90)
و هذا نوع حجر و ان كان أبو حنيفة رحمه الله لا يرى ذلك و هما يجوزان ذلك و ليس الحبس بتفليس لانه دلالة القدرة على أداء الدين لا دلالة العجز و لا يضرب المحبوس في الدين و لا يقيد و لا يقام و لا يؤاجر لان هذه عقوبات زائدة ما ورد الشرع بها و انما قلنا بالحبس ليكون حاملا له على قضأ الدين و ان كان فيه ضرب عقوبة بالنصوص و لا نص في الزيادة عليه فانه روى عن عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه قال ليس في هذه الامة صفد و لا قيد و لا غل و لا تجريد و الصفد ما نقيد به الايدى أراد بقوله لا يقام يعنى لا يؤمر بالقيام بين يدي صاحب المال إهانة له فان ذلك مع عقوبة و لا يؤاجر من اختياره لان ذلك نوع حجر عليه و لا يجوز ذلك في ماله فلان لا يجوز في نفسه بطريق الاولى و يحبس الابوان في نفقة الولد و لا تشتبه النفقة بالدين لان الانفاق على الولد انما شرع صيانة للولد عن الهلاك و الممتنع كالقاصد الهلاك و من قصد إهلاك ولده يحبس بخلاف الدين فانه ليس فيه قصد إهلاك نفسه و لا يخرج المحبوس في الدين بجمعة و لا عيد و لا حج و لا جنازة قريب أو بعيد لان الواجب أن يحبس على وجه لا يخلص بعد زمان حتى يضجر قلبه عند ذلك فيسارع في قضأ الدين فلو خرج احيانا لا يضيق قلبه حينئذ و لهذا قالوا ينبغى أن يحبس في موضع خشن لا يتبسط له في فراش و لا وطاء و لا أحد يدخل عليه ليستأنس ليضجر قلبه بذلك و إذا سأل القاضي عن المحبوس بعد شهرين أو أكثر في السر فأخبره ثقة بعدمه خلى سبيله و لم يخل بين غريمه و بين لزومه و ان شهد عليه شهود انه موسر أو ان له ما لا أجزت شهادتهم و يترك المسألة في السر لان السوأل للاختبار و متى ظهرت حاله بالشهادة لا تقع الحاجة إلى الاختبار و ان أدى دين أحد الغريمين لم يخرج من السجن حتى يؤدى دين الآخر لان الظلم قائم و يحبس الرجل في الدرهم و فى أقل منه لان مانع الدرهم و ما دونه ظالم و ينبغي أن يكون محبس النساء في الدين على حدة و لا يكون معهن رجل حتى لا يؤدى إلى فتنة و لا يمنع المحبوس من دخول اخوانه و أهله عليه لانه يحتاج إلى ذلك حتى يشاورهم في توجيه ديونه و لكن لا يمكنون من المكث عنده حتى يستأنس بهم و لا يحبس المكاتب لمولاه بالمكاتبة لانه عبد و لا يليق به الحبس ( ألا ترى ) أنه لو عجز نفسه عن ذلك يسقط و يحبس بدين الكتابة قالوا أراد به في حق المولى و قال بعضهم يحبس بدين المولى و هو ملحق بالاجانب في المعاملات مع مولاه و الاول أصح و ان كان للمكاتب على مولاه طعام و مكاتبته دراهم فان المولى يحبس في دين