الفصل الثالث : كراماتــه ومكرماتــه - نبی و اهل بیته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی و اهل بیته - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

العقل يعرف به الكاذب على اللـه فيكذب .

وقد كان ابن السكيت هذا عالماً كبيراً في النحو والشعر واللغة وقالوا عن كتابه المنطق أنه أفضل كتاب في اللغة كتبه علماء بغداد ، وكان المتوكل قد عهد إليه بتربية ابنيه المعتز والمؤيد ، فسأله يوماً أيهما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فقال ابن السكيت واللـه إن قنبراً خادم علي بن أبي طالب خير منك ومن ابنيك ، فقال المتوكل للأتراك سلوا لسانه من قفاه ففعلوا فمات ( رضوان اللـه عليه ) .

4 - وفي بعض أيام الربيع حيث كان الجو صحواً وحاراً خرج الناس في مناسبة رسمية صائفين ، وخرج الإمام الهادي (ع) في ثياب شتوية فلما توسطوا الصحراء خرجت عليهم سحابة ممطرة وفاضت عليهم الوديان ولم يسلم من أذى المطر والطين إلاّ الإمام فاهتدى إليه وإلى علمه الكثير من الناس .

وهكذا تكيف الإمام (ع) مع الواقع المر لعهد المتوكل حتى استفاد منه إيجابياً لمصحلة الدعوة الإلهية ، وذلك بحكمته الرشيدة وباستقامته وصبره في اللـه .

ولكن المتوكل عقد العزم على الإيقاع به في أيامه الأخيرة فلم يأذن له اللـه بذلك بل أطيح به في إنقلاب دموي .

فقد جاء في الجزامة : لمّا حبس المتوكل أبا الحسن (ع) ، ودفعه إلى علي بن كركر قال أبو الحسن : أنا أكرم على اللـه من ناقة صالح

«

تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ »

(هود/65) ، فلما كان من الغد أطلقه واعتقد إليه ، فلما كان في اليوم الثالث وثب عليه ياغز وتاشى ومعطوف فقتلوه واعقدوا المنتصر ولده خليفة [551] .

ولعل المتوكل اعتقل الإمام أكثر من مرة ولكن اللـه أنقذه من شرّه ، ولعله كان يخشى كل مرة من ثورة جماهيرية عارمة ضده بالإضافة إلى أنّه لم يجد مبرراً للقضاء على الإمام مع أنه كان يعرف أن في أصحابه من يتشيع له .

فمثلاً عندما سعى البطحاني إلى المتوكل وكان من أولاد أبي طالب ولكنه يتشيع للبيت العباسي ، وقال له أنّ عنده سلاح وأموال ، فتقدم المتوكل إلى سعيد الحاجب وامره أن يهجم ليلاً عليه ويأخذ ما يجد عنده من الأموال والسلاح ويحمل إليه .

فقال إبراهيم بن محمد : قال لي سعيد الحاجب : صرت إلى دار أبي الحسن (ع) بالليل ، ومعي سلم، فصعدت منه إلى السطح ، ونزلت من الدرجة إلى بعضها في الظلمة ، فلم أدر كيف أصل إلى الدار فناداني أبو الحسن (ع) من الدار : يا سعيد مكانك حتى يأتوك بشمعة .

فلم ألبث أن أتوني بشمعة ، فنزلت ووجدت عليه جبة من صوف وقلنسوة منها وسجادته على حصير بين يديه وهو مقبل على القبلة فقال لي : دونك بالبيوت .

فدخلتها وفتشتها فلم أجد فيها شيئاً ، ووجدت البدرة مختومة بخاتم أم المتوكل وكيساً مختوماً معها ، فقال أبو الحسن (ع) : دونك المصلى فرفعت فوجدت سيفاً في جفن غير ملبوس ، فأخذت ذلك وصرت إليه .

فلما نظر إلى خاتم أمه على البدرة بعث إليها ، فخرجت إليه ، فسألها عن البدرة ، فأخبرني بعض خدم الخاصة أنها قالت له : كنت نذرت في علتك إن عوفيت أن أحمل إليه من مالي عشرة آلاف دينار فحملتها إليه ، وهذا خاتمك على الكيس ما حركها .

وفتح الكيس الآخر وكان فيه أربع مائة دينار ، فامر أن يضم إلى البدرة بدرة أخرى وقال لي : إحمل ذلك إلى أبي الحسن واردد عليه السيف والكيس بما فيه ، فحملت ذلك إليه واستحييت منه ، وقلت : يا سيدي عزَّ علي دخول دارك بغير إذنك ، ولكني مأمور به ، فقال لي :

« سيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون »

[552] .

والواقع أن الشيعة كانوا يحملون إلى الإمام الأموال ولكنهم كانوا قد أتقنوا أساليب الكتمان ، وكانت لديهم عناصرهم في البلاط العباسي مما يجعلهم عارفين بمواقع الخطر وكيفية اجتنابها ، والحديث التالي يكشف لنا جانباً من ذلك .

فعن المنصوري ، عن عم أبيه قال : دخلت يوماً على المتوكل وهو يشرب فدعاني إلى الشرب فقلت : يا سيدي ما شربته قط ، قال : أنت تشرب مع علي بن محمد ، قال : فقلت له : ليس تعرف من في يدك إنما يضرك ولا يضره ولم أعد ذلك عليه .

قال : فلما كان يوماً من الأيام قال لي الفتح بن خاقان : قد ذكر الرجل يعني المتوكل خبر مال يجيء من قم ، وقد أمرني أن أرصده لأخبره له فقل لي من أي طريق يجيء حتى أجتنبه ، فجئت إلى الإمام علي بن محمد فصادفت عنده من أحتشمه فتبسم وقال لي : لا يكون إلاّ خيراً يا أبا موسى لِمْ لمْ تعد الرسالة الأولى ؟ فقلت : اجللتك يا سيدي ، فقال لي : المال يجيء الليلة وليس يصلون إليه فبت عندي [553] .

الإمام بعد عهد المتوكل :

بعد أن قتل المتوكل بدعاء الإمام الهادي وبسبب مؤامرات قواته التركية ، انقشعت عن آل أبي طالب والموالين لأهل بيت الرسول سحابة الإرهاب إذ كان المنتصر بن المتوكل يخالف أباه في كل شيء ويظهــر الحب والإحترام لآل الرسول وشيعتهم ، حتى أنه عزل والي المدينة الذي نصبه أبوه واسمه صالح بن علي ونصّب مكانه علي بن الحسين ، فدخل عليه يردعه فقال : يا علي إني أوجهك إلى لحمي ودمي ، ومد جلد ساعده وقال : إلى هذا وجهتك فانظر : كيف تكون للقوم ، وكيف تعاملهم - يعني آل ابي طالب [554].

أما الخلفاء العباسيون الذين تعاقبوا بعد المتوكل وابنه المنتصر لم يكونوا في قوة المتوكل ولا في لين المنتصر ، ولم نجد في التاريخ حوادث مهمة تتصل بحياة الإمام الهادي (ع) ، الذي يبدو أنه تفرغ لتربية وقيادة الربانيين من العلماء وإدارة الشؤون العامة لمواليه وشيعته ، كذلك في ملاحقة بعض الغلاة والمشعوذين الذي أرادوا التسلل إلى صفوف الخط الرسالي مثل الذي اغتاله بعض الموالين وربما بعد صدور الفتوى الشرعية بإعدامه !!

والكتاب التالي نموذج لمنهجية إدارة الإمام (ع) للشيعة ، قال : ( نسخة الكتاب مع ابن راشد إلى جماعة الموالي الذين هم ببغداد المقيمين بها والمدائن والسواد وما يليها :

أحمــد اللـه إليكم ما أنــا عليه من عافية وحسن عائدته ، وأصلي على نبيه وآله أفضل صلواته وأكمــــل رحمتـــه

ورأفته ، وإني أقمت أبا علي بن راشد مقام الحسين بن عبد ربه ومن كان قبله من وكلائي وصار في منزلته عندي ، ووليته ما كان يتولاه غيره من وكلائي قبلكم ، ليقبض حقي وأرتضيته لكم ، وقدمته في ذلك وهو أهله وموضعه .

فصيروا رحمكم اللـه إلى الدفع إليه ذلك وإليَّ ، وأن لا تجعلوا له على أنفسكم علة ، فعليكم بالخروج عن ذلك ، والتسرع إلى طاعة اللـه وتحليل أموالكم والحقن لدمائكم

« وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ » « وَاتَّقُوا اللـه لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ »

«

وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُسْلِمُــ

ونَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللـه جَمِيعاً

» فقد أوجبت في طاعته طاعتي ، والخروج إلى عصيانه الخروج إلى عصياني ، فالزموا الطريق يأجركم اللـه ويزيدكم من فضله ، فأن اللـه بما عنده واسع كريـم ، متطـول على عبـاده رحيم ، نحن وأنتـم في وديعة اللـه وحفظته وكتبته بخطي والحمد لله كثيراً .

وفي كتاب آخر : وأنا آمرك يا أيوب بن نوح أن تقطع الإكثار بينك وبين أبي علي وأن يلزم كل واحد منكما ما وكل به وأمر القيام فيه بامر ناحيته ، فإنكم إن انتهيتم إلى كل ما أمرتم به استغنيتم بذلك عن معاودتي وآمرك يا أبا علي بمثل ما آمرك به أيوب أن لا تقبل من أحد من أهل بغداد والمدائن شيئاً يحملونه ولا تلي لهم استئذاناً عليّ ، ومر من أتاك بشيء من غير أهل ناحيتك أن يصيره إلى الموكل بناحيته ، وآمرك يا أبا علي بمثل ما أمرت به أيوب وليقبل كل واحد منكما ما أمرته به [555] .

وبالتالـي وبعد ثلاثة وثلاثين عاماً من الإمامة ، وقيادة طليعة الأمة أحضر الإمام الهادي (ع) نجله الإمام الحسن العسكري وأوصى إليه وأشهد خيرة الطائفة بذلك واستعد للرحيل .

وفي الثالث من رجب وفي ملك المعتمد باللـه فارقت روحه النقية الدنيا ونقل عن العالم الكبير ابن بابويه أن المعتمد قد دس إليه السم فمضى شهيداً !

وقال المسعودي : ولما توفي اجتمع في داره جملة بني هاشم من الطالبيين والعباسيين ، واجتمع خلق كثير من الشيعة ، ثم فتح من صدر الدار باب وخرج خادم أسود ، ثم خرج بعده أبو محمد الحسن العسكري حاسراً مكشوف الرأس ، مشقوق الثياب ، وكان وجهه وجه أبيه لا يخطى منه شيئاً ، وأضاف : وكانت الــدار كالسوق بالأحاديث ، فلما خرج وجلس أمسك الناس وكنا لا نسمع إلاّ العطسة والسعلة وقــــال : وصاحت سر من رأى يوم موته صيحة واحدة [556] .

ويظهر من المسعودي أن وفاة الإمام كانت في عهد المعتمد الذي استهل بعام 256 هـ ، وحيث كان أخوه الموفق الغالب على السلطة وهو الذي حضر جنازة الإمام ، ويقول المسعودي في ذلك : ووثب إليه

( الإمام الحسن العسكري ) أبو أحمد الموفق فعانقه ثم قال له : مرحباً يابن العم [557] .

وهكذا يظهر من الشيخ ابن بابويه الذي يرى أن المعتمد قد سم الإمام ، وعلى هذا فلا بدَّ أن تكون وفاته بعد عام 256 وليس كما قالوا عام ( 254 ) ، ويظهر ذلك أيضاً من كشف الغمة إذ قال : وفي آخر ملك المعتمد استشهد مسموماً [558] .

ولعل هناك اشتباهاً عند النسّاخ بين المهتدي والمعتمد ، إذ أن آخر ملك المعتمد يصادف عام 279 ، ولعل الذي استشهد في أيام المعتمد هو الإمام الحسن العسكري الذي استشهد عام 260 واللـه العالم .

الفصل الثالث : كراماتــه ومكرماتــه

كما اختار ربنا من بني إسرائيل اثني عشر نقيباً ، اختار لهذه الأمة اثني عشر إماماً هادياً إليه بإذنه ، ذرية بعضها من بعض واللـه سميع عليم .. أوليس اللـه أعلم حيث يجعل رسالته ؟ بلى . لذلك كان الإمام افضل خلق اللـه في علم اللـه ، ولذلك اصطفاه اللـه لهذا المنصب الإلهي العظيم !!

وهكذا كان الإمام عبداً لله قد وقر قلبه الإيمان باللـه ومعرفته ، أحب اللـه ، والتسليم له فأحبه اللـه ، ورفعه مقاماً علياً ، وكان عند ربه مرضياً .

وما الكرامات التي ظهرت على يديه إلاّ آية بينة لمدى حب اللـه له ، وبالتالي لمدى حبه لله ، وتسليمه له ورضاه بما قدر له وقضى .

لقد كان للإمام الهادي (ع) ذِكراً يبدو أنه كان يكرره ، وقد علَّمهُ لشيعته وقال : دعوت اللـه أن يستجيب لمن دعا به في مشهدي بعد وفاتي وهذا الذكر هو :

يا عدتي عند العدد ويا رجائي والمعتمد ويا كهفي والسند ، ويا واحد يا أحد ، يا قل هو اللـه احد ، وأسألك اللـهم بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحداً أن تصلي عليهم وتفعل بي (كيت وكيت) [559] .

هذا الذكر هو عنوان صفات الإمام ، ومفتاح معرفته فهو عبد أخلص العبودية لله ، فكان مثلاً لما جاء في الحديث القدسي :

عبدي اطعني تكن مثلي - أو مثلي - أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون .

إنه عبد أطاع اللـه فطوع اللـه له الأشياء : إنه خاف ربه فأخاف اللـه منه كل شيء .

ولابد أن نجعل كرامات أهل البيت (ع) في هذا الإطار ، وهو الإطار المناسب الذي وضعوا فيه أنفسهم وعلمهم وكرامتهم على اللـه ، فمثلاً عندما أظهر اللـه على يد الإمام الهادي (ع) بعض آياته ولم يتحمله بعض مواليه ، فدخله وسواس الشيطان فبادره الإمام (ع) برفع اللّبس عنه وقال له :

وأما الذي أخلج في صدرك فإن شاء العالم أنبئك أن اللـه لم يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رســــول ، فكل ما كان عند الرســــول كان عند العالــم وكل ما أطلع عليه الرســــول فقد أطلع أوصياءه عليــــه ،

كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته ، وجواز عدالته .

يا فتح عسى الشيطان أراد اللّبس عليك ، فأوهمك في بعض ما أودعتك ، وشكّك في بعض ما أنبأتك ، حتى اراد إزالتك عن طريق اللـه ، وصراطه المستقيم ؟ فقلت : متى أيقنت أنهم كذا فهم أرباب ، معاذ اللـه إنهم مخلوقون مربوبون ، مطيعون لله داخرون راغبون ، فإذا جاءك الشيطان من قبل ما جاءك فاقمعه بما أنبأتك به .

فقلت له : جعلت فداك ! فرَّجت عني ، وكشفت ما لبس الملعون عليَّ بشرحك فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب ، قال : فسجد أبو الحسن (ع) وهو يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي داخراً خاضعاً ، قال : فلم يزل كذلك حتى ذهب ليلي [560] .

وهكذا كانت الكرامات التي نتلوها عليك بفضل هذه الصلة الوثيقة بين الإمام وبين ربه سبحانه ، وكذلك كان الذين اتبعوه مخلصين العبودية لله ، من العلماء الربانيين والمجاهدين الصابرين فإن اللـه لا يضيع أجر من عمل صالحاً منهم ، وإن اللـه ينصرهم في الدنيا كما في الآخرة وقد قال سبحانه :

« وَلَيَنصُرَنَّ اللـه مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللـه لَقَويٌ عَزِيزٌ »

(الحَج/40)

وقال :

« وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللـه فَهُوَ حَسْبُهُ »

(الطَّلاَقِ/3)

وهكذا نجد كيف يدعو الإمام للمؤمنين وكيف يتسجيب اللـه له دعاءه في حقهم .

لقد كان يونس النقاش واحداٌ من الموالين الذين حظي بخدمة الإسلام ، فجاء يوماً يرعد فقال : يا سيدي أوصيك بأهلي خيراً ، قال : وما الخبر ؟ قال : عزمت على الرحيل ، قال : ولم يا يونس ؟ وهو (ع) مبتسم ، قال : موسى بن بغا وجَّه إليَّ بفص ليس له قيمة أقبلت أنقشه فكسرته بأثنين وموعده غداً وهو موسى بن بغا أمّا ألف سوط أو القتل ، قال : إمض إلى منزلك إلى غد فما يكون إلاّ خيراً .

فلما كان من الغد وافى بكرة يرعد فقال : قد جاء الرسول يلتمس الفصَّ قال : إمض إليه فما ترى إلاّ خيراً ، قال : وما أقول له يا سيدي ؟ قال : فتبسَّم وقال : إمض إليه واسمع ما يخبرك به ، فلن يكون إلاّ خيراً .

قال : فمضى وعاد يضحك قال : قال لي يا سيدي : الجواري اختصمن فيمكنك أن تجعله فصين حتى نغنيك ؟ فقال سيدنا الإمام (ع) : اللـهم لك الحمد إذ جعلتنا ممن يحمدك حقاً ( أي شيء ) قلت له ؟ قال : قلت له : أمهلني حتى أتأمل أمره كيف أعمله ؟ فقال : أصبت [561] .

وكان محمد بن الفرج واحداً من المجاهدين الصابرين الذين كتب إليه الإمــام يحذره من بلاء وشيك يقول :

إن أبا الحسن كتب إليَّ إجمع أمرك ، وخذ حذرك ، قال : فأنا في جمع أمري لست أدري ما الذ ي أراد فيما كتب به إليَّ حتى ورد علي رسول حملني من مصر مقيداً مصفَّداً بالحديد ، وضرب على كل ما أملـــك .

فمكثت في السجن ثماني سنين ثم ورد علي كتاب من أبي الحسن (ع) وانا في الحبس ولا تنزل في ناحية الجانب الغربي فقرأت الكتاب فقلت في نفسي : يكتب إليّ أبو الحسن ( عليه لاسلام ) بهذا وأنا في الحبس إن هذا لعجيب ! فما مكثت إلاّ أياماً يسيرة حتى أفرج عني ، وحلّت قيودي ، وخلي سبيلي .

ولما رجع إلى العراق لم يقف ببغداد لما أمره أبو الحسن (ع) وخرج إلى سر من رأى [562] .

وكان الإمام يهتم بتأديب شيعته مثلما يهتم بقضاء حوائجهم ، ومن ذلك قصة يرويها لنا أبو هاشم الجعفري ويقول : أصابتني ضيقة شديدة فصرت إلى أبي الحسن علي بن محمد (ع) فأذن لي فلما جلست قال : يا أبا هاشم أي نعم اللـه عزّ وجلّ عليك تريد أن تؤدي شكرها ؟ قال أبو هاشم : فوجمت فلم أدر ما أقول له .

فابتدأ (ع) فقال : رزقك الإيمان فحرم بدنك على النار ، ورزقك العافية فأعانتك على الطاعة ، ورزقك القنوع فصانك عن التبذل ، يا أبا هاشم إنما أبتدأتك بهذا لأني ظننت أنك تريد أن تشكو لي من فعل بك هذا ، وقد أمرت لك بمائة دينار فخذها [563] .

ويبدو أن عمله (ع) كان مشروطاً بالتزامهم بفرائض الدين ، وهكذا يحكي لنا أبو محمد الطبري قصته مع خاتم حصل عليه بفضل الإمام ويقول :

تمنيت أن يكون لي خاتم من عنده (ع) فجاءني نصر الخادم بدرهمين ، فصغت خاتما فدخلت على قوم يشربون الخمر فتعلقوا بي حتى شربت قدحاً أو قدحين ، فكان الخاتم ضيقاً في إصبعي لا يمكنني إدارته للوضوء ، فأصبحت وقد افتقدته ، فتبت إلى اللـه [564] .

إن ولاء الإنسان لأهل بيت الرسول إذا كان خالصاً لوجه اللـه ، يكون وسيلة لهدايته وسعادته والقصة التالية تعكس مدى صدق هذه الحقيقة .

حَدث أن جماعة من أهل أصفهان منهم أبو العباس أحمد بن النضير وأبو جعفر محمد بن علوية قالوا : كان بأصفهان رجل يقال له : عبد الرحمان وكان شيعياً قيل له : ما السبب الذي أوجب عليك بإمامة علي النقي دون غيره من أهل الزمان ؟ قال : شاهدت ما أوجب عليَّ ، وذلك لأني كنت رجلاً فقيراً وكـان لي لسان وجرأة ، فاخرجني أهل اصفهان سنة من السنين مع قوم آخرين إلى باب المتوكل متظلمين .

فكنا بباب المتوكل يوماً إذ خرج الأمر بإجضار علي بن محمد بن الرضا (ع) ، فقلت لبعض من حضـر :

من هذا الرجل الذي قد أمر بإحضاره ؟ فقيل : هذا رجل علوي تقول الرافضة بإمامته ، ثم قال : ويقدر أن المتوكل يحضره للقتل فقلت : لا أبرح من ههنا حتى أنظر إلى هذا الرجل أي رجل هو ؟

قال : فأقبل راكباً على فرس ، وقد قام الناس يمنة الطريق ويسرتها صفين ينظرون إليه ، فلما رأيته وقع حبه في قلبي فجعلت أدعو في نفسي بأن يدفع اللـه عنه شر المتوكل ، فأقبل يسير بين الناس وهو ينظر إلى عرف دابته لا ينظر يمنة ولا يسرة ، وأنا دائم الدعاء ، فلما صار إليَّ أقبل بوجهه إليَّ وقال : استجاب اللـه دعاءك ، وطَوّل عمرك ، وكثر مالك وولدك قال : فارتعدت ووقعت بين أصحابي فسألوني وهم يقولون : ما شأنك ؟ فقلت : خير ولم أخبر بذلك .

فأنصرفنا بعد ذلك إلى أصفهان ، ففتح اللـه عليّ وجوهاً من المال ، حتى أنا اليوم أغلق بابي على ما قيمته ألف ألف درهم ، سوى مالي خارج داري ، ورزقت عشرة من الأولاد ، وقد بلغت الآن من عمري نيفاً وسبعين سنة وأنا أقول بإمامة الرجل على الذي علم ما في قلبي ، واستجاب اللـه دعاءه فيَّ ولي [565] .

هكذا استجاب ربنا سبحانه دعاء وليّه الكريم الإمام الهادي في حق واحد من سائر الناس أحبه وأشفق عليه من ظلم السلطان ، وبالرغم من أنه لم يكن مـن مواليه وشيعته من قبل ، بينما نجد أخاه موسـى بن محمد ينوي الإضرار بالدين فيدعو عليه ويستجيب اللـه دعاءه فيه ، ألا يَدُلَّنا ذلك على أنه (ع) كسائر الأنبياء والأوصياء والصديقين يعملون لمرضاة ربهم واللـه يؤيدهم لأنهم ينصرون دينه ، وهكذا كل من نصر دين اللـه نصره اللـه سبحانه .

تعالوا نستمع قصة موسى هذا الذي عرف عنه بموسى المبرقع لكي نعرف أن أولياء اللـه المرضيين لا تأخذهم في دينه لومة لائم .

روي عن يعقوب بن ياسر قال : كان المتوكل يقول : وَيْحكم قد أعياني أمر ابن الرضا وجهدت أن يشرب معي وينادمني فامتنع ، وجهدت أن آخذ فرصة في هذا المعنى ، فلم أجدها ، فقالوا له : فإن لم تجد من ابن الرضا ما تريده في هذه الحالة فهذا أخوه موسى قصاف عزاف يأكل ويشرب ويتعشق قال : ابعثوا إليه وجيئوا به حتى نموِّه به على الناس ، ونقول : ابن الرضا .

فكتب إليه وأشخص مكرماً وتلقاه جميع بني هاشم والقواد والناس على أنه إذا وافى أقطعه قطيعة ، وبنى له فيها وحوّل الخمّارين والقيان إليه ، ووصله وبره وجعل له منزلاً سرِّياً حتى يزوره هو فيه .

فلما وافى موسى تلقاه أبو الحسن في قنطرة وصيف ، وهو موضع يتلقى فيه القادمون فسلم عليه ووفاه حقه ثم قال له : إن هذا الرجل قد أحضرك ليهتكك ويضع منك ، فلا تقر له أنك شربت نبيذاً قط ، فقال له موسى : فإذا كان دعاني لهذا فما حيلتي ؟ قال : فلا تضع من قدرك ولا تفعل ، فإنما أراد هتكك فأبى عليــــه ، فكرر عليه القول والوعظ وهو مقيم على خلافه ، فلما رأى أنه لا يجيب قال : أما إن هذا مجلـــــس لا

تجتمع أنت وهو عليه أبداً .

فأقام موسى ثلاث سنين يبكر كل يوم فيقال : قد تشاغل اليوم فَرُح فَيرُوح فقال : قد سكر فبكر ! فيبكر فيقال : قد شرب دواء فما زال على هذا ثلاث سنين حتى قتل المتوكل ولم يجتمع معه عليه[566] .

علــم الإمــام :

لقد تحدثنا بإيجاز حول علم الإمام عندما تحدثنا عن حياة الإمام الباقر (ع) وقلنا أن علم الأئمة (ع) بالغيب ليس علماً ذاتياً بل بما أعطاهم اللـه سبحانه وبالقدر الذي شاءت حكمته ، وبطرق شتى أبرزها توارث العلم عن النبي وعبر آباءهم الطاهرين .

وقد جاء في الحديث عن الإمام الهادي (ع) تأكيد على ذلك حيث قال :

إن اللـه لم يظهر على غيبه أحداً إلاّ من ارتضى من رسول اللـه ، لكل ما كان عند الرسول كان عند العالم وكل ما أطلع عليه الرسول فقد اطلّع أوصياؤه عليه كيلا تخلو أرضه من حجة يكون معه علم يدل على صدق مقالته وجواز عدالته [567] .

ومن أبعاد علمه (ع) إلهام اللـه له حسبما تقتضيه حكمته البالغة ، وقد قال ربنا سبحانه :

«

إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ »

(الحِجرِ/75)

وهكذا كان الإمام يعلم اللغات المختلفة بإلهام اللـه وقد استفاضت الروايات التي تهدينا إلى علم الأئمة بذلك .

كذلك روي عن علي بن مهزيار : قال : أرسلت إلى أبي الحسن (ع) غلامي وكان مقلابياً ، فرجع الغلام إليّ متعجباً فقلت مالك يا بني ؟ قال : كيف لا أتعجب ، مازال يكلمني بالقلابية كأنه واحد منا ، فظننت أنه إنما دار بينهم [568] .

وفي ذلك روايات أخرى تدل على علمهم بسائر اللغات الفارسية والتركية وما أشبه . وكان ينبئ الناس بما يحدث في المستقبل بتعليم اللـه ، كما حدث بالنسبة إلى موت الواثق .

روي عن خيران الأسباطي قال : قدمت المدينة على أبي الحسن (ع) فقال لي :

ما فعل الواثق ؟ قلت : هو في عافية ، قال : وما يفعل جعفر ؟ قلت تركته أسوأ الناس حالاً في السجن قال : وما يفعل ابن الزيات ؟ قلت : الأمر أمره وانا منذ عشرة أيام خرجت من هناك ، قال : مات الواثق ، وقد قعد المتوكل جعفر ، وقتل ابن الزيات قلت : متى ؟ قال : بعد خروجك بستة أيام وكان كذلك [569] .

وكذلك إخباره بموت المتوكل حيث دعا عليه وأخبر المقربين إليه أنه يهلك خلال أيام ثلاثة .

وحينما حمله قائد المتوكل إلى سر من رأى أخذ حذره وأخذ لبابين وبرانس احتياطاً لما كان يتوقعه في الطريق من عواصف ثلجية أيام الصيف ولم تكن متوقعة أبداً ، ولكنها وقعت وقتلت طائفة من الجنود المرافقين له وبقي الإمام سالماً بفضل اللـه [570] .

وتجلى علمه في احتجاجه على يحيى بن أكثم ، الذي كان المقَّدم بين علماء عصره عند الخليفة ، فطلب منه إحضار أسئلة صعبة لإحراجه ، وسوف نذكر القصة في فصل آت .

وقد وعظ شاباً كان يبالغ في الضحك وأخبره بقرب وفاته وكان كذلك :

قالوا : حدث لبعض أولاد الخليفة وليمة فدعا الناس إليها ودعا أبا الحسن ، فدخلنا فلما رأوه انصتوا إجلالاً له ، وجعل شاب في المجلس لا يوقره ، وجعل يلغط ويضحك ، فأقبل عليه وقال له : يا هذا تضحك ملء فيك وتذهل عن ذكر اللـه وأنت بعد ثلاثة من أهل القبور ؟ قال : فقلنا هذا دليل حتى ننظر ما يكون .

قال : فأمسك الفتى وكفَّ عما هو عليه ، وطعمنا وخرجنا ، فلما كان بعد يوم أعتل الفتى ومات في اليوم الثالث من أول النهار ، ودفن في آخره [571] .

وفي خبر مشابه حدَّث به سعيد بن سهل البصري قال : اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سر من رأى وأبو الحسن (ع) معنا ، فجعل رجل يعبث ويمزح ، ولا يرى له جلالة فأقبل على جعفر فقال : أما أنه لا يأكل من هذا الطعام ، وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينغص عليه عيشه ، قال : فقدمت المائدة قال جعفر : ليس بعد هذا خبر ، قد بطل قوله ، فواللـه لقد غسل الرجل يده وأهوى إلى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال له : الحق أمك فقد وقعت من فوق البيت ، وهي بالموت ، قال جعفر فقلت واللـه لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه [572] .

وآخر مكرمة ننقلها عنه (ع) تلك التي ينقلها الرواة حول تل المخالي حيث سعى المتوكل لإرهاب معارضيه بما يملك من قوة عسكرية ، فأمر العسكر وهم تسعون ألف فارس من الأتراك الساكني بسر من رأى أن يملأ كل واحد مخلاة فرسه من ا لطين الأحمر ، ويجعلوا بعضه على بعض في وسط تربة واسعة هناك ، ففعلوا . فلما صار مثل جبل عظيم واسمه تل المخلي صعد فوقه ، واستدعى أبا الحسن واستصعده ، وقال : استحضرتك لنظارة خيولي ، وكان قد أمرهم ان يلبسوا التجافيف ويحملوا الأسلحة وقد عرضوا بأحسن زينة ، وأتم عدة ، وأعظم هيبة ، وكان غرضه أن يكسر قلب كل من يخرج عليه وكان خوفه من أبي الحسن (ع) أن يأمر أحداً من أهل بيته أن يخرج على الخليفة .

فقال له أبو الحسن (ع) : وهل أعرض عليك عسكري ؟ قال : نعم ، فدعا اللـه سبحانه فإذا بين السمـــاء

والأرض من المشرق والمغرب ملائكة مدججون فغشي على الخليفة ، فلما أفاق قال أبو الحسن (ع) : نحن لانناقشكم في الدنيا نحن مشتغلون بامر الآخرة فلا عليك شيء مما تظن [573] .

كرمــه وجــوده :

وكان (ع) من أهل بيت عادتهم الإحسان وسجيتهم الكرم .

جاء في التاريخ : دخل أبو عمرو عثمان بن سعيد وأحمد بن إسحاق الأشعري وعلي بن جعفر الهمداني على أبي الحسن العسكري ، فشكى إليه أحمد بن إسحاق ديناً عليه فقال يا ( أبا) عمرو - وكان وكيله - إدفع إليه ثلاثين ألف دينار ، وإلى علي بن جعفر ثلاثين ألف دينار ، وخذ أنت ثلاثين ألف دينار ، فهذه معجزة لا يقدر عليها إلاّ الملوك ، وما سمعنا بمثل هذا العطاء [574] .

والقصة التالية تعكس قمة الإيثار عند الإمام (ع) حيث سعى لقضاء حاجة واحدة من مواليه بطريقة عجيبة دعنا نستمع إلى التاريخ يروي لنا قصته بكل عظمة :

قال محمد بن طلحة : خرج (ع) يوماً من سر من رأى إلى قرية لِمُهّمٍ عرض له ، فجاء رجل من الأعراب يطلبه فقيل له قد ذهب إلى الموضع الفلاني ، فقصده فلما وصل إليه قال له ما حاجتك ؟ فقال : أنا رجل من أعراب الكوفة المتمسكين بولاية جدك علي بن أبي طالب (ع) قد ركبني دين فادح أثقلني حمله ، ولم أر من أقصده لقضاءه سواك .

فقال له أبو الحسن : طب نفساً وقر عيناً ثم أنزله ، فلما أصبح ذلك اليوم قال له أبو الحسن (ع) : أريد منك حاجة . اللـه اللـه أن تخالفني فيها ، فقال الأعرابي لا أخالفك ، فكتب أبو الحسن (ع) ورقة بخطه معترفاً فيها أن عليه للأعرابي مالاً عينه فيها يرجح على دينه ، وقال : خذ هذا الخط فإذا وصلت إلى سر من رأى إحضر إليّ وعندي جماعة ، فطالبني به وأغلظ القول عليَّ في ترك إبقائك إياه اللـه اللـه في مخالفتي فقال : أفعل ، وأخذ الخط .

فلما وصل أبو الحسن إلى سر من رأى ، وحضر عنده جماعة كثيرون من أصحاب الخليفة وغيرهم ، حضر ذلك الرجل وأخرج الخط وطالبه وقال كما أوصاه ، فألان أبو الحسن (ع) له القول ورفقه ، وجعل يعتذر ، ووعده بوفائه وطيبه نفسه ، فنقل ذلك إلى الخليفة المتوكل فأمر أن يحمل إلى أبي الحسن (ع) ثلاثون ألف درهم .

فلما حملت إليه تركها إلى أن جاء الرجل فقال : خذ هذا المال واقض منه دينك ، وأنفق الباقي على عيالك وأهلك ، واعذرنا ، فقال له الأعرابي : يا ابن رسول اللـه واللـه إن أملي كان يقصر عن ثلث هذا ، ولكن اللـه أعلم حيث يجعل رسالته ، وأخذ المال وانصرف [575] .

تعالوا نتعلم من أئمتنا الإيثار والكرم ، فليس الكرم مجرد الإنفاق إنما السعي لقضاء الحاجة بكل وسيلة ممكنة وحتى ولو كانت في ذلك غضاضة على النفس .

وتذكرني قصة الإمام هذه بما روي عن أحد الأنبياء العظام الذي جاءه صاحب حاجة ، وطلب منه مالاً ولم يكن يملك شيئاً ، فقال له خذني وبعني في سوق النخاسين كما لو كنت عبداً لك وخذ الثمن واقض حاجتك به ، وفعل الرجل ولكن الذي اشترى النبي عرفه بالتالي فتركه .. وبهذه الطريقة التي تفيض إيثاراً وكرماً وجوداً علّمنا قادتنا كيف نحسن إلى بعضنا ، وننفق بما نملك ونسعى لامتلاك ما نفقده بهدف قضاء حوائج الناس .

الفصل الرابع : كلماتــه المضيئــة

لقد بلغ مذهب أهل البيت (ع) مرحلة النضج في عهد الإمام الهادي ، إلاّ أنه كان يهدده خطر التطرف الذي تسرب إلى بعض المسلمين عبر الثقافات المستوردة من الشرق ، كما أنه كان بحاجة إلى مزيد من الدفع الإيماني حتى لا تهبط الروح المعنوية عند البعض بسبب دعايات الأعداء وبالذات الخلفاء العباسيين الذين لم يعرفوا مقام الأئمة فنسبوا إليهم أو إلى شيعتهم الغلو والغنوص ، وهكذا احتياج المذاهب إلى نصوص جامعة تكون بمثابة دروس توجيهية تتضمن أصول العقائد بلا زيادة أو نقصان .

وهكذا جاءت زيارة الجامعة المروية عن الإمام الهادي (ع) التي تجعل الأئمة في مقامهم الأسمى بعيداً عن الغنوص والغلو .

دعنا نتدبر في بعض كلماتها المضيئة التي تعتبر أفضل وسيلة لتكريس حبهم في النفس ذلك الحب الذي يعتبر امتداداً لحب المؤمن لربّه ، وليس بديلاً عنه .

السلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي ومعدن الرحمة ، وخزّان العلم ومنتهى الحلم ، وأصول الكرم وقادة الأمم ، وأولياء النعم وعناصر الأبرار ودعائم الأخيار ، وساسة العباد وأركان البلاد ، وأبواب الإيمان وأمناء الرحمن ، وسلالة النبيين وصفوة المرسلين وعترة خيرة رب العالمين ورحمة اللـه وبركاته ، السلام على ائمة الهدى ومصابيح الدجى ، وأعلام التقى وذوي النهى ، وأولي الحجى وكهف الورى ، وورثة الأنبياء والمثل الأعلى ، والدعوة الحسنى وحجج اللـه على أهل الدنيا والأخرة والأولى ورحمة اللـه وبركاته ، السلام على محال معرفة اللـه ، وبساكن بركة اللـه ، ومعادن حكمة اللـه ، وحفظة سر اللـه ، وحملة كتاب اللـه ، وأوصياء نبي اللـه ، وذرية رسول اللـه (ص) ورحمة اللـه وبركاته ، السلام على الدعاة إلى اللـه والأدلاّء على مرضاة اللـه ، والمستقرين والمستوفرين في أمر اللـه ، والتامين في محبة اللـه ، والمخلصين في توحيد اللـه ، والمظهرين لأمر اللـه ونهيه ، وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بامره يعملون ورحمة اللـه وبركاته [576] .

وقال (ع) ينصح بعض مواليه : يا فتح من أطاع الخالق لم يبال بسخط المخلوق ، ومن أسخط الخالق فأيقن أن يحل به الخالق سخط المخلوق ، وأن الخالق لا يوصف إلاّ بما وصف به نفسه ، وأنى يوصف الخالق الذي تعجز الحواس أن تدركه ، والأوهام أن تناله ، والخطرات أن تحده ، والأبصار عن الإحاطة به .

جل عما يصفه الواصفون ، وتعالى عما ينعته الناعتون ، نأى في قربه ، وقرب في نأيه ، فهو في نأيه قريب ، وفي قربه بعيد ، كيف الكيف فلا يقال كيف ، وأيّن الأين فلا يقال أين ، إذ هو منقطع الكيفية والآيّنية [577] .

وقال (ع) : من اتقى اللـه يُتَّق ، ومن أطاع اللـه يُطَع ، ومن أطاع الخالق لم يبال سخط المخلوقين ، من أمن مكر اللـه وأليم أخذه تكبر حتى يحل به قضاؤه ونافذ أمره ، ومن كان على بينة من ربه هانت عليه مصائب الدنيا ولو قرض ونشر ، الشاكر أسعد بالشكر منه بالنعمة التي أوجبت الشكر لأن النعم متاع والشكر نعم وعقبى ، إن اللـه جعل الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى وجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً ، إن الظالم الحاكم يكاد أن يعفى على ظلمه بحلمه وأن المحق السفيه يكاد أن يطفئ نور حقه بسفهه ، من جمع لك وده ورأيه فأجمع له طاعتك ، من هانت عليه نفسه فلا تأمن شره ، الدنيا سوق ربح فيها قوم وخسر آخرون [578] .

المراء يفسد الصداقة القديمة ويحل العقدة الوثيقة وأقل ما فيه أن يكون فيه المغالبة والمغالبة أسباب القطيعة .

العتاب مفتاح التقالي والعتاب خير من الحقد .

وقال لرجل ذم إليه ولداً له : العقوق ثكل من لم يثكل .

وقال : السهـر ألذ للمنـام والجوع يزيد في طيب الطعام ، يريد به الحث على قيام الليل وصيام النهار .

أذكر مصرعك بين يدي أهلك ، ولا طبيب يمنعك ولا حبيب ينفعك .

الغضب على من تملك لؤم .

الحكمة لا تنجح في الطباع الفاسدة .

خير من الخير فاعله ، وأجمل من الجميل قائله ، وأرجح من العلم حامله ، وشر من الشر جالبه ، وأهول من الهول راكبه .

إياك والحسد فإنه يبين فيك ولا يعمل في عدوك .

إذا كان زمان العدل فيه أغلب من الجور فحرام أن يظن احد باحد سوء حتى يعلم ذلك منه ، وإذا كان زمان الجور أغلب فيه من العدل فليس لأحد أن يظن بأحد خيراً ما لم يعلم ذلك منه [579] .

الامــام العسكـــري ( عليه السلام )

قدوة وأسوة

تمهيــد

الحمد لله رب العالمين وصلى اللـه على محمد وآله الميامين !

السلام على الهداة والمجاهدين ..

عندما تمرّ بنا ذكرى شهادة أو ميلاد واحد من أئمة الهدى (ع) فنذكر مدى الفجوة بين حياتنا والحياة التي بشر بها الوحي ، وتجلت في سيرة النبي وأهل بيته ( عليه وعليهم صلوات اللـه ) .

والمصيبة الأكبر تتمثل في أن الكثير منا لا يعرف من حياة الأئمة إلاّ النزر اليسير وهل يمكن آنئذ من اتباعهم ، وانتهاج سيرتهم ؟

واليوم الثامن من ربيع الأول يصادف ذكرى شهادة الإمام الحسن العسكري (ع) النجم الحادي عشر الذي غاب عن أفق الإمامة في مدينة سامراء التي بناها الخلفاء العباسيون ، كمعسكر لجنودهم الأتراك . بعد ان ضجت من عبثهم عاصمتهم الأولى بغداد !!

وحين أشرع في رسم صورة عن حياة الإمام العسكري اعترف بقلة المصادر المتوافرة لدينا عن سيرة الأئمة الأطهار من بعد الإمام الرضا (ع) ولا أدري ما السبب في ذلك ؟ على انني أفترض قلة تحقيق المؤرخين في تلك الحقبة التي تميزت بهدوء نسبي في حقل السياسة . بالرغم من تنامي سائر الحقول لأن أغلب المؤرخين السابقين كانت تستهويهم الأحداث الكبيرة أكثر من الأحداث المؤثرة تاريخياً من غيرهـــا .

الفصل الاول : الميــلاد الكريــم

في اليوم العاشر من الربيع الثاني من عام 232 هجرة وفي مدينة الرسول استقبل بيت الإمام الهادي (ع) ثاني أبنائه من امرأة فاضلة ، صالحة كانت تسمى حديث أو سلسل [580] .

وبقي في المدينة الى عام 243 ، حيث انتقل - فيما يبدو - مع والده الكريم إلى عاصمة الخلافة العباسية ، سر من رأى ، واستوطن معه في منطقة تُسمى بالعسكر ، ولُقب على أساسها بالعسكري .

كما كان يلقب أيضاً بـ : الصامت ، الهادي ، الرفيق ، الزكي ، النقي ، وكانت تعكس هذه الألقاب الخصال الحميدة التي تجلت في حياته ، للناس وكانت كنيته أبا محمـد ، والعامـة من الناس ، كانـوا يلقبـونه هـو وأباه وجـده بابن الرضـا (ع) [581] .

وكان للإمام أخ أكبر سناً يُسمَّى بـ ( محمد ) عظيم الشأن جليل المنزلة وكانت أنظار أبناء الطائفة ترمقه بصفته الإمام بعد والده ، باعتباره أكبر أولاده ، إلاّ إن الإمام الهادي (ع) ، كان يشير لخواص أصحابه ان صاحب العهد من بعده انما هو أبو محمد الحسن ، وفعلاً قُبض محمد في سن مبكر . ودفن حيث مرقده اليوم بين بغداد وسامراء حيث يتوافد عليه الزوار ويدعون اللـه هناك فيستجيب لهم كرامة له ولأبائه الطاهرين .

وبوفاة السيد محمد - وهذا هو الاسم الذي يشتهر به عند الناس اليوم - عرف الجميع ان الإمام الحادي عشر سيكون أبا محمد الحسن ..

ولمزيد من التوضيح قال له الإمام الهادي (ع) عند جنازة محمد كلمته المشهورة :

يا بني أحدث لله شكراً فقد أحدث فيك أمراً [582] .

ولعل ، ما احدث اللـه له إنما كان نعمة الأتفاق عليه ، وعدم حدوث خلاف حول امامته بعد والده ، بصفتـــه الابن الأكبر بعد وفاة محمد .. وليس الإمامة ذاتها التي هي موهبة إلهية لا ترتبط بالعمر وما أشبــه . والدليل على ذلك ان الإمام الهادي كان يشير إلى ذلك من قبل وفاة ابنه أبي جعفر محمد (المعروف بالسيــــد محمـــد ) كما ان روايات اخرى أشارت إلى ذلك مأثورة من آبائه الكــــــــــــرام .. لنقرأ معـــــاً

بعض تلك النصوص التي اتفقت على محتواها الطائفة وهي ذات دلالة كافية على امامة الإمام العسكري .

يقول علي بن عمر النوفلي : كنت مع أبي الحسن العسكري ( يعني الإمام الهادي (ع) ) في داره فمرّ علينا أبو جعفر فقلت له : هذا صاحبنا ؟ فقال : لا ، صاحبكم الحسن [583] .

ويروي علي بن عمرو العطار ويقول : دخلت على أبي الحسن ، وأبنُه أبو جعفر في الاحياء ، وأنا أظن أنَّه الخلف من بعده ، فقلت : جعلت فداك من أخص من ولدك ؟ فقال : لا تخصوا أحداً من ولدي حتى يخرج إليكم أمري قال : فكتبت إليه بعدُ : فيمن يكون هذا الأمر ؟ قال : فكتب إلي : الأكبر من ولدي وكان أبو محمد أكبر من جعفر [584] وهو الذي لقب بعدئذ بالكذاب أو التواب ، لأنه ادعى الامامة حيناً ، ثم تراجع عن دعواه وتاب .. وكان أبو جعفر ، السيد محمد ، أكبرَ أولاد الإمام الهادي ، إلاّ أنه كان قد توفي يومئذ فيما يبدو .

وكتب الإمام الهادي (ع) إلى أبي بكر الفهفكي يقول له :

أبو محمد ابني أصح آل محمد غريزة ، وأوثقهم حجة ، وهو الأكبر من ولدي ، وهو الخلف ، وإليه ينتهي عرى الإمامة واحكامها فما كنت سائلي منه فاسأله عنه وعنده ما تحتاج إليه [585] .

وقـد أشار الإمام الجواد (ع) إلى هذه الحقيقة أيضاً حيث جاء في حديث ماثور عن العقر بن دلف قال : سمعت أبا جعفر ، محمد بن علي الرضا ، يقول أن الإمام بعدي ابني علي ، أمره أمري ، وقوله قولي ، وطاعته طاعتي ، والإمام بعده في ابنه الحسن [586] .

كما ان هناك روايات مستفيضة تناقلتها الثقاة من أئمة الحديث عن النبي الأكرم (ص) تبين عدد الأئمة الاثنى عشر وأسماءهم وصفاتهم بما لا يدع شكاً عند المؤمنـين بان حجـة اللـه البالغـة بعـد الإمام الهادي كان سيدنا الإمام الحسن العسكري (ع) .

وهكذا انتقلت مهام الامامة الإسلامية والخلافة الإلهية إليه بعد وفاة والده الإمام الهادي وله من العمر ثلاث وعشرون عاماً .

وكان في سني امامته بقية أيام المعتز العباسي ثم ملك المهتدي ، وخمس سنين من ملك المعتمد [587] .

صفاتــه وكراماتــه :

يصفه بعض معاصريه : انَّه (ع) كان : أسمر، أعيــن، حسن القامة ، جميل الوجه، جيّد البدن ، حديث

السن ، له هيبة وجلال [588] .

وقد وصف جلاله وعظمة شأنه وزير البلاط العباسي في عصر المعتمد أحمد بن عبيد اللـه بن خـاقان مع انه كان يحقد على العلويين ويحاول الوقيعة بهم ، وصفه كما جاء في رواية الكليني فقال :

ما رأيت ولا عرفت ، بسر من رأى ، من العلوية مثل الحسن بن علي بن محمد بن الرضا ، ولا سمعت بمثله ، في هديه وسكوته وعفافه ونبله وكرمه عند أهل بيته والسلطان ، وجميع بني هاشم وتقديمهم إياه على ذوي السن منهم والحظ ، وكذلك القواد والوزراء والكتّاب وعوام الناس ، وما سألت عنه أحداً من بني هاشم والقواد والكتّاب والقضاة والفقهاء وسائر الناس إلاّ وجدته عندهم في غاية الاجلال والاعظام ، والمحل الرفيع والقول الجميل والتقديم له على أهل بيته ومشائخه وغيرهم ولم أر له ولياً ولا عدواً إلاّ ويحسن القول فيه والثناء عليه [589] .

ووصفه الشاكري الذي لازم خدمته فقال : كان أستاذي صالحاً من بين العلويين ، لم أر قط مثله قال : وكان يركـب إلى دار الخـلافة بسر من رأى في كل اثنين وخميس قال : وكان يوم النوبة يحضر من الناس شيء عظيم . ويغص الشارعُ بالدواب والبغال والحمير والضجة ، فلا يكون لأحد موضع يمشي ولا يدخل بينهم . قال فإذا جاء أستاذي سكنت الضجة ، وهدأ صهيل الخيل ، ونهاق الحمير . وتفرقت البهائم حتى يصير الطريق واسعاً لا يحتاج ان يتوقى من الدواب نحفه ليـزحمـها ثـم يدخل فيجلس في مرتبته التي جعلت له فإذا أراد الخروج وصاح البوابون : هاتوا دابة أبي محمد ، سكن صياح الناس وصهيل الخيل ، وتفرقت الدواب ، حتى يركب ويمضي .

وأضاف في صفة الإمام ، كان يجلس في المحراب ويسجد فأنام وانتبه وأنام ، وهو ساجد ، وكان قليل الأكل ، كان يحضره التين والعنب والخوخ وما شاكله فيأكل منه الواحدة واثنين ويقول شل هذا يا محمد إلى صبيانك ، فأقول هذا كله ، فيقول : خذه ، ما رأيت قط أسدى منه [590] .

وعندما سجنه طاغية بني العباسي ، وقال بعض العباسيين للذي وكل بسجنه ( صالح بن وصيف ) : ضيّق عليه ولا توسع فقال له صالح : ما أصنع به ؟ وقد وكلت به رجلين شرّ من قدرت عليه ؛ فقد صارا من العبادة و الصلاة إلى أمر عظيم . ثم أمـر باحضـار الموكليـن . فقال لهما : ويحكما ما شأنكما في أمر هذا الرجل ، فقالا له : ما نقول في رجل يصوم نهاره ويقوم ليله كله ، ولا يتكلم ولا يتشاغل بغير العبادة فإذا نظر إلينا ارتعدت فرائصنا . وداخلنا مالا نملكه من أنفسنا [591] .

وقـــد كان الجميع يعرفون قدره ومدى كرامته على ربه حتى ان المعتمد العباسي حينما بويع بالخلافة في

تلك الظروف المضطربة التي لم يكن يلبث الخليفة سنة أو بعض سنة جاء إلى الإمام العسكري (ع) وطلب منه الدعاء له بالبقاء عشرين سنة ( وكان عنده تلك المدة طويلة جداً بالقياس إلى من سبقه ) فقال (ع) مدّ اللـه في عمرك فاجيب وتوفي بعد عشرين عاماً [592] .

هذه واحدة من كرامات الإمام (ع) وقد حفلت كتب الحديث بكراماته التي تفيض عن حدود هذا الكتاب المختصر وإنما نسوق بعضها لنزداد معرفة بحقه ، وبأن أئمة الهدى نور واحد من ذرية طيبة بعضها من بعض اصطفاها اللـه لبلاغ رسالاته واتمام حجته ، واكمال نعمه علينا ..

تعالوا نستمع معاً إلى الرواة كيف قصوا علينا تلك الكرامات :

1 - قال أبو هاشم ( أحد الرواة ) سـأل محمد بن صالح أبا محمد عن قوله تعالى :

« لِلَّهِ الأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِنْ بَعْد »

(الرُّوم/4) فقال (ع) - له الأمر من قبل ان يأمر به وله الأمر من بعد ان يأمر به مما يشاء ، فقلت في نفسي ، هذا قول اللـه :

« أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ

تَبَارَكَ اللـه رَبُّ الْعَالَمِينَ »

(الاعراف/54( فأقبل علي فقال :

هو كما أسررت في نفسك

« أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالاَمْرُ

تَبَارَكَ اللـه رَبُّ الْعَالَمِينَ »

قلت : أشهد انك حجة اللـه وابن حجته في خلقه [593] .

2 - قال احد الرواة ( علي بن زيد ) صحبت ابا محمد ، من دار العامة الى منزله ، فلما صار الى الدار واردت الانصراف قال : امهل فدخل ثم اذن لي فدخلت فأعطاني مائتي دينار وقال : اصرفي في ثمن جارية فان جاريتك فلانة قد ماتت وانت خرجـت من المنزل وعهدي بها انشط بما كانت ، فمضيت فإذا الغلام قال : ماتت جاريتك فلانة الساعة . قلت ما حالها ؟ قيل شربت ماء فشرقت فماتت [594] .

3 - وروي أبو هشـام الجعفـري وقـال : شكـوت إلى أبي محمد ( الإمام العسكري (ع) ) ضيق الحبس وشدة القيد ، فكتب إليّ : أنت تصلي الظهر في منزلك ، فاخرجت عن السجن وقت الظهر فصليت في منزلي [595] .

4 - وروى عن أبي حمزة نصير الخادم قال : سمعت أبا محمد (ع) غير مرة يكلم غلمانه وغيرهم بلغاتهم وفيهم روم وترك وصقالبة ، فتعجبت من ذلك وقلت هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى قضى أبــــو الحسن ( أي والده الإمام الهادي عليه السلام ) ولا رآه أحد فكيف هذا ؟ أحدث بهذا نفسي ، فأقبل عــلــيّ وقـــال : ان اللـه بين حجته من بين سائر خلقه وأعطـاه معرفـــة كل شيء فهـــو يعرف اللغــات والأنســاب

والحوادث ، ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق [596] .

/ 35