الفصل السادس : في فضائله (ع) على لسان النبي (ص) - نبی و اهل بیته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی و اهل بیته - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

عن هشام بن عروة عن أبيه عروة بن الزبير قال : كنا جلوساً في مجلس ، في مسجد رسول اللـه (ص) فتذاكرنا أعمال اهل بدر وبيعة الرضوان ، فقال أبو الدرداء : يا قوم أَلاَ أُخبركم بأقل القوم مالاً ، وأكثرهم ورعاً ، وأشدهم اجتهاداً في العبادة ؟. قالوا : مَن ؟ قال : أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) . قال : فواللـه إن كان في جماعة أهل المجلس إِلاَّ مُعرض عنه بوجهه . ثم انتدَب له رجل من الأنصار فقال له : يا عويمر لقد تكلمت بكلمة ما وافقك عليها أحد منذ أتيت بها ، فقال أبو الدرداء : يا قوم إني قائل ما رأيت وليقل كل قوم منكم ما رأوا شهدت علي بن أبي طالب (ع) بشويحطات النجار ، وقد اعتزل عن مواليه ، واختفى ممن يليه ، واستتر بمغيلات النخل ، فافتقدتُه وبَعُدَ عَلَيَّ مكانُه ، فقلت : لحق بمنزله . فـــإذا أنــــــــــــا

بصوت حزين ونغمة شجىً وهو يقول :

إلهي كم من موبقة حلمتَ عن مقابلتها بنقمتك ، وكم من جريرة تكرمت عن كشفها بكرمك ! إلهي إن طال في عصيانك عمري ، وعظم في الصحف ذنبي ، فما أنا مؤمل غير غفرانك ، ولا أنا بِرَاجٍ غيــــر رضوانـك .

فشغلني الصوت واقتفيت الأثر ، فإذا هو علي بن أبي طالب (ع) بعينه ، فاستترت له واخملت الحركة ، فركع ركعات في جوف الليل الغابر ، ثم فرغ إلى الدعاء والبكاء والبث والشكوى ؛ فكان مما ناجى اللـه به أن قال :

إلهي أُفكِّر في عفوك فتهون عَلَيَّ خطيئتي ، ثم أَذكر العظيم من أخذِك فتعظم عَلَيَّ بليَّتي .

ثم قال : آه ، إن أنا قرأت في الصحف سيئة أنا ناسيها وأنت محصيها ، فتقول : خذوه !. فيا له من مأخوذ لا تُنجيه عشيرته ، ولا تَنفعه قبيلته ؛ ولا يرحمه الملأ إذا أُذن فيه بالنداء .

ثم قال : آه من نار تنضج الأكباد والكلى ، آه من نار نزاعة للشوى ، آه من غمرة من ملهبات لظى ! .

قال : ثم أنعم في البكاء ، فلم أسمع له حسّاً ولا حركة ، فقلت ، غلب عليه النوم لطول السهر ، أُوقظه لصلاة الفجر . قال أبو الدرداء : فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة ، فحرَّكته فلم يتحرك وزويته فلم ينزوِ ، فقلـــت : إنا لله وإنا إليه راجعون مات واللـه علي بن أبي طالب (ع) قال : فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم ، فقالت فاطمة (ع) : يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قصته ؟. فأخبرتها الخبر ، فقالت :

هي واللـه يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية اللـه .

ثــــم أتوه بماء فنضحوه على وجهه فأفاق ، ونظر إليَّ وأنا أبكي ، فقال : مما بكاؤك يا أبا الـدرداء ؟. فقلــــت : مما أراه تُنزله بنفسك . فقال :

يا أبا الدرداء فكيف ولو رأتني ودُعِيَ بي إلى الحساب ، وأيقن أهل الجرائم بالعذاب ، واحتوشتني ملائكة غلاظ وزبانية فظاظ ، فوقفت بين يدي الملك الجبار ، قد أسلمني الأحبّاء ، ورحمني أهل الدنيا ، لَكنت أشد رحمة لي بين يدي من لا تخفى عليه خافية .

فقال أبو الدرداء : فواللـه ما رأيت ذلك لأحد من أصحاب رسول اللـه (ص) [148] .

ولأن إمامنا (ع) كان أشد حبّاً لربِّه وأكثر أنساً به وشوقاً إليه ، كان يحب لقاء ربه ، ولا يبالي بالموت . فقد جاء في حديث أنه كان يطوف بين الصفين بصفّين في غلالة ، [149] فقال الحسن (ع) : ما هذا زي الحرب ، فقال : يا بني إن أباك لا يبالي وقع على الموت أو وقع الموت عليه .

وحينما علاه أشقى الآخرين بالسيف هتف عالياً : فُزْتُ وربِّ الكعبة .

وقد كان (ع) يتمنى الشهادة ، ويكرر هذه الكلمة باستمرار .

ما ينتظر أشقاها أن يخضبها من فوقه بدم !. لقد كان يعتبر الشهادة أسمى الطرق إلى اللـه ولقائه . فإذا وفق اللـه لها عبداً فتلك نعمة كبرى لابدّ أن يشكره عليها . يقول الإمام (ع) :

لما أنزل اللـه سبحانه قوله :

« الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ »

(العنكبوت/1-2) .

علمت أن الفتنة لا تنزل بنا ورسول اللـه (ص) بين أظهرنا ، فقلت : يا رسول اللـه ما هذه الفتنة التي أخبرك اللـه تعالى بها ؟ . فقال :

يا علي ، إن أمتي سيفتنون من بعدي .

فقلت : يا رسول اللـه أوليس قد قلت لي يوم أحد حين استشهد مَن استشهد من المسلمين واخرت عني الشهادة فشق ذلك عليّ فقلت لي : أبشر فان الشهادة من ورائك ؟ .

فقال لي : إن ذلك لكذلك ، فكيف صبرك إذاً ؟ .

فقلت : يا رسول اللـه ليس هذا من مواطن الصبر ، ولكن من مواطن البشرى والشكر [150] .

حُبُّ اللـه تعالى فــوق كل وشيجــة :

وكان حبه الشديد لربه سبحانه يجعله فوق كل وشيجة مادية ، وكل ضغط اجتماعي ، وكل مصلحة دنيوية زائلة .

فقد حدثنا (ع) بنفسه عن أسباب نصر اللـه للمسلمين . وجعل أعظمها التعالي عن علاقاتهم النسبية والتمسك بقيم الحق ، فقال :

فلقد كنا مع رسول اللـه (ص) وإنّ القتل ليدور على الآباء والأبناء والأخوان والقرابات ، فما نزداد على كل مصيبة وشدة إلاّ إيماناً ومضيّاً على الحق [151] .

ويروي التاريخ أن الإمام علي (ع) رأى يوم بدر عقيلاً أخاه وكان في معسكر الأعداء يومئذ ، رآه مقيداً فصدَّ عنه ، وصاح به عقيل : يا علي ، أما واللـه لقد رأيت مكاني ، ولكن عمداً تصدُّ عني .

فأتـى علي (ع) إلى النبي (ص) وقال :

يا رسول اللـه هل لك في أبي يزيد ، مشدودة يده في عنقه بنسعه [152] فقال انطلق بنا إليه [153] .

وهكذا كان موقفه من أخته أم هاني يوم فتح مكة حيث أوت رجالاً من قريش كما يروي التاريخ فلم يجرهم حتى أجارهم النبي (ص) [154] .

ومن هنا كان الإمام (ع) يعيش أبداً فوق الضغوط وكان الناس يعرفون منه ذلك ، ولذلك تعاونت ضده أصحاب المصالح ، وقوى الضغط الإجتماعية ، كما تخبرنا عن ذلك زوجته سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (ع) :

وما الذي نقموا من أبي الحسن ، نقموا منه واللـه نكير سيفه ، وشدة وطأته ، ونكال وقعته ، وتنمُّره في ذات اللـه [155] .

لقد عرفوا أنه لايبالي ، ولا يداهن فيما يرتبط بربه . وهكذا شهدت حوادث التاريخ . فحينما مد إليه عبد الرحمن ليبايعه علــــى كتاب اللـه وسنّة رسوله وسيرة الشيخين رفض الإستجابة إلاّ لكتاب اللـه وسنّة رسوله ، ولم يبال أن الخلافة بكل ما فيها من عظمة وجلال تزوى عنه .

بل إن نظراته إلى الحكم كانت أبداً من خلال ما يمكن أن ينفع دينه . فهو الذي قال مرة لابن عباس وقد استعجله لاستقبال الوفود وكان مشغولاً باصلاح نعله ، قال له : يابن عباس ، كم تسوى هذه النعل عندكم ؟ قال : درهماً أو بعض درهمٍ .

قال : لأمْرَتُكم هذه أزهدُ عندي منها ، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أَدفع باطلاً .

أولم يرفض إبقاء معاوية على إمارة الشام مدة من الزمن يستقر فيها الأمر له ثم يعزله كما أشار عليه البعض ، لانه كان يرفض الغدر ؟.

وقد قال مرة :

وما معاوية بأدهى مني ، ولكنه يغدر ويفجر ، ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس [156] .

ويروي التاريخ أن كل الملتحقين بمعاوية ممن كان مع الإمام علي (ع) هربوا من عدالته ، واستراحوا إلى محاباة معاوية ومداراته . وكذلك فقل والذين أثروا على عهد الخليفة الثالث ومثلهم ثراء فاحشاً على حساب المحرومين ، وخشوا من محاسبة الإمام علي لهم . الذين كانت بأيديهم ثروات المسلمين ، مـــن بيت المال ، وأرادوا الاستئثار بها . وكذلك الذين كانوا يتصورون المجتمع الإسلامي كالجاهلية يأكل القويُّ العزيزُ فيه الضعيفَ الذليلَ ، ولم يُعجبهم شعار الإمام (ع) :

الذليلُ عندي عزيز حتى آخذ الحق له ، والقويُّ عندي ضعيفٌ حتى آخذ الحق منه [157] .

وكذلك هرب من عدله الذين كانوا يرتكبون جرائم يستحقون عليها الحد . والذين كانوا يبحثون عن جو التسامح في دين اللـه ، يسمح لهم ارتكاب بعض الجرائم كإقامة الحفلات الماجنة ومعاقرة الخمور .

كل أولئك كانوا يتسللون إلى معاوية ويشفق عليهم الإمام (ع) ، لأنهم يهربون من النور إلى الظلام ، ومن العدالة الشاملة إلى مجتمع الظلم الزائل .

ولكنه لم يغير سياسته من أجل استمالتهم . والتاريخ يحفل بمئات الحوادث التي تروي لنا قصة ذلك الركن الشديد ، الذي تتراجع عنه عواصف الضغط الإجتماعية ، قصة ذلك الصلد الأصم الذي تتكسر عنده كل أمواج الإغراء والإرهاب .. فليجتمعوا حول معاوية ، ثم يزيد ثم من يأتي من سلاطين بني أمية ، وليرفعوا عقيرتهم ألف شهر ، بسب عليٍّ وذريته عليهم السلام ، ويتفاخرون بقتل أولاده وشيعته .. وليفعلوا ما شاؤوا أن يفعلوا .. فالحق أغلى .. واللـه أكبر ، وأمير المؤمنين (ع) يصبر محتسباً ثواب ربِّه عزَّ وجلَّ .

ولقد قال مرة : كنت أحسب الأمراء يظلمون الناس ، فإذا الناس يظلمون الأمراء [158] .

أجل ، إن انعدام الوعي عند الناس وكثرة القوى المصلحية كانت وراء ظلمهم لأمير المؤمنين (ع) .

فقد كان يريد إقامة مجتمع القانون ، والناس يرغبون في الفوضى والمحاباة ، وأن ينفَّذ القانونُ أبداً على غيرهم . أما هم فالأفضل أن تمشي لهم الوساطات .

لقد أخذ الإمام علي (ع) رجلاً من بني أسد في حدٍّ ، فاجتمع قومه ليكلِّموا فيه ، وطلبوا إلى الحسن (ع) أن يصحبهم ، فقال : ائتوه فهو أعلى بكم عيناً ، فدخلوا عليه وسألوه ، فقال : لا تسألوني شيئاً أَملكه إلاّ أُعطيتم ، فخرجوا يرون أنهم قد نجحوا ؛ فسألهم الحسن (ع) فقالوا : أتينا خير مأتِيً ، وحكوا له قوله ، فقال : ما كنتم فاعلين إذا جلد صاحبكم فافعلوه .. فأخرجه علي (ع) فحدَّه ، ثم قال :

هذا واللـه لستُ أَملكه [159] .

وقد بيَّن فلسفة ذلك في قصة أخرى حيث بلغ معاوية أن شاعراً من أصحاب الإمام (ع) كان اسمه النجاشي قد هجاه . ولعل معاوية كان يعرف أنه يشرب الخمر ، فدسَّ قوماً شهدوا عليه عند الإمام أنه شرب الخمر ، فأخذه وحدّه .

فغضب جماعة على الإمام (ع) في ذلك - وكان بينهم طارق بن عبد اللـه الفهدي - فقال : يا أمير المؤمنين مالنا نرى أن أهل المعصية والطاعة وأهل الفرقة والجماعة عند ولاة العقل ومعادن الفضل سِيَّانِ في الـجـــزاء ، حتى ما كان من صنيعك بأخي الحارث - يعني النجاشي - فأوغرت صدورنا ، وشتت أمورنـــا ، وحملتنا على الجادة التي كنا نرى أن سبيل من ركبها النار ( أي اتِّباع معاوية ) .

فقال علي (ع) :

« وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ »

(البقرة/45) .

يا أخا بني فهد !. هل هو إلاّ رجل من المسلمين انتهك حُرمة من حُرم اللـه ، فأقمنا عليه حدها زكاة له وتطهيراً ؟.

يا أخا ابن فهد ، إنه من أتى حدّاً فأليم[160]كان كفارته .

يا أخا ابن فهد ، إن اللـه عزَّ وجلَّ يقول في كتابه العظيم :

« وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى اَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى »

(المائدة/8) [161] .

لقد كانت نظرة الإمام (ع) إلى العدل والمساواة مستوحاة من لب الوحي وروح الرسالة ، وقد انعكست على مواقفه ، وفي تأديبه لِوُلاته ، فهنا يوصي عامله على مصر مالك الأشتر فيقول له :

أَنصف اللـه ، وأَنصف الناس من نفسك ، ومن خاصة أهلك ، ومن لك فيه هوى من رعيتك . فإنك إِلاَّ تفعل تَظلم ، ومن ظلم عباد اللـه كان اللـه خصمه دون عباده ، ومن خاصمه اللـه أَرخص حُجته ، وكان لله حرباً حتى يفزع ويتوب . وليس بشيء أدعى إلى تغيير نعمة اللـه ، وتعجيل نقمته من إقامةٍ على ظلم ، فإن اللـه سميع دعوة المضطهدين ، وهو للظالمين بالمرصاد .

ثم يحذره من محاباة الخاصة ( وهم الأشراف وأولوا الوجاهات والوساطات ) فيقول :

وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق ، وأعمّها في العدل ، وأجمعها لرضا الرعية ، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة ، وإن سخط الخاصة يُغتفر مع رضى العامة [162] .

مكرمات الإمام (ع) على لسان النبيِّ (ص) :

عشرات المجلدات لاتكفي وصف حياة الإمام (ع) الذي تجلَّى الوحي في حياته ، وكان آية صدقٍ لرسالات اللـه ، وشاهد حقٍّ لنبوَّة خاتم المرسلين محمد (ص) .

وإذا كان هذا الكتاب لايسع من فيض مكرماته سوى قطرات ، فإن تلك القطرات تكفينا ، لأنها بالنسبة إلينا رافد عظيم .

ولعل البعض تصيبه الدهشة إذا سمع فضائل الإمام (ع) على لسان النبي (ص) لأنه لم يستوعب حكمة الخلق ، ولا يفكر في إطار البصائر القرآنية .

أما إذا نظر إلى السموات والأرض وما فيها بصفتها مخلوقات لله ، وعلم أن اللـه سخرها للإنسان ، وفضَّل البشر على كثير مما خلق تفضيلاً ، وأنه إنما أكرم أبناء آدم لعبادتهم له ، وأن أكرمهم عنده أتقاهم ، استوعب آنئذ ما يذكر من كرامات أولياء اللـه .

أما إذا نظر إلى الانسان نظرة مادية ، فإنه لايمكنه أن يصدق بشيء ، حتى بالوحي الذي يعتبر عنوان كرامة اللـه للانسان ، ورمز تفضيله على سائر خلقه ، ومفتاح تسخير الأشياء له .

وها نحن نستعرض معاً بعض مكرمات الإمام (ع) على لسان النبيِّ (ص) ونتذكر أن الصعاب التي مرَّ بها في حياته كانت معراجاً إلى ربه سبحانه ، ووسيلةً وزلفى إلى رضوانه .

الفصل السادس : في فضائله (ع) على لسان النبي (ص)

روى سلمة بن قيس قال : قال رسول اللـه (ص) :

عليٌّ في السماء السابعة كالشمس بالنهار في الأرض ، وفي السماء الدنيا كالقمر بالليل في الأرض . أعطى اللـه عليّاً من الفضل جزاءً لو قُسِّم على أهل الأرض لَوَسعهم . وأعطاه اللـه من الفهم لو قُسِّم على أهل الأرض لَوَسعهم . شبهت لينه بلين لوط ، وخَلقه بِخُلق يحيى ، وزُهده بزهد أيوب ، وسخاءه بسخاء إبراهيم ، وبهجته ببهجــــة سليمان بن داود ، وقُوَّته بقوة داود (و) له اسم مكتوب على كل حجاب في الجنــة ، بّشرني به ربِّي وكانت له البشارة عندي . عليٌّ محمودٌ عند الحق ، مزكَّىً عند الملائكة ، وخاصتــــي وخالصتي وظاهرتي ومصباحي وجُنَّتي ورفيقي ، آنسني به ربي ، فسألت ربي أن لا يقبضه قبلي ، وسألته أن يقبضه شهيداً [163] أُدخلت الجنة فرأيتُ حُورَ عليٍّ أكثر من ورق الشجر ، وقُصور عليٍّ كعدد البشر . عليٌّ منِّي وأنا من عليٍّ ، مَن تولَّى عليّاً فقد تولاَّني ، حُبُّ عليٍّ نعمةٌ ، واتِّباعُه فضيلة . دان به الملائكة وحفت به الجن الصالحون . لم يمش على الأرض ماشٍ بعدي إلاّ كان هو أكرم منه عزّاً وفخراً ومنهاجاً . لم يك فظّاً عجولاً ، ولا مسترسلاً لفساد ولا متعنّداً ، حملته الأرضُ فأكْرمته . لم يخرج من بطـن أنثى بعدي أحدٌ كان أكرم خروجاً منه ، ولم ينزل منزلاً إلاّ كان ميموناً . أنزل اللـه عليه الحكمة ، وردَّاه [164] بالفهم . تُجالِسه الملائكة ولا يراها ، ولو أُوحِيَ إلى أحد بعدي لأُوحِيَ إليه ، فزين اللـه به المحافل وأكرم به العساكر ، وأخصب به البلاد ، وأعزَّ به الأجناد . مَثَلُه كَمَثل بيت اللـه الحرام ، يُزار ولا يَزور ، ومَثَلُه كمَثل القمر إذا طلع أضاء الظلمة ، ومَثَلُه كمَثل الشمس إذا طلعت أنارت ( الدنيا ) . وصفه اللـه في كتابه ومدحه بآياته ، ووصف فيه آثاره ، وأجرى منازله ، فهو الكريم حيّاً والشهيد ميتاً [165] .

وروى أبو ذر الغفاري قال : بينما كنَّا ذات يوم من الأيام بين يدي رسول اللـه (ص) ، إذ قام وركع وسجد شكراً لله تعالى ، ثم قال :

يــــا جنــــدب ، مَن أراد أن ينظر إلــى آدم في علمه ، وإلى نوح في فهمه ، وإلى إبراهيم في خلّتــــه ، وإلـــى

موسى في مناجاته ، وإلى عيسى في سياحته [166] وإلى أيوب في صبره وبلائه [167] ، فلينظر إلى هذا الرجل المقابل [168] الذي هو كالشمس والقمر الساري والكوكب الدُّري . أشجع الناس قلباً . وأسخى الناس كفّاً [169] ، فعلى مبغضه لعنة اللـه والملائكة والناس أجمعين .

قال : فالتفت الناس ينظرون مَن هذا المقبل ، فإذا هو عليُّ بن أبي طالب عليه الصلاة والسلام [170] .

وجاء في كتابَيِ الخطيب الخوارزمي وأبي عبد اللـه النطنزي ، قال أبو عبيد صاحب سليمان بن عبد الملك : بلغ عمر بن عبد العزيز أن قوماً تنقّصوا بعلي بن أبي طالب (ع) ، فصعد المنبر وقال : حدثني غزال بن مالك الغفاري عن أم سلمة ، قال : بينا رسول اللـه (ص) عندي ، إذ أتاه جبرائيل فناداه ، فتبسم رسول اللـه (ص) ضاحكاً ، فلما سُرِّي عنه قلت : ما أضحكك ؟ قال :

أخبرني جبرائيل أنه مر بعلي وهو يرعى ذوداً له [171] وهو نائم قد أُبدِيَ بعضُ جسده . قال : فرددت عليه ثَوْبَيهِ فوجدت برد ايمانه وقد وصل [172] إلى قلبي .

وفي رواية الأصبغ أن عليّاً (ع) مضى من المدينة وحده ، فأتى عليه سبعة أيام فَرُئيَ النبيُّ (ص) يبكي ويقول : اللـهم ردّ إليَّ عليّاً قرة عيني ، وقوة ركني ، وابن عمي ، ومفرج الكرب عن وجهي .

ثم ضمن الجنة لمن أتى بخبر عليّ (ع) . فركب الناس في كل طريق ، فوجده الفضل بن العباس ، فبشر النبيَّ (ص) بقدومه ، فاستقبله فمازال يفتش عن يمين عليِّ وعن يساره وعن رأسه وعن بدنه [173] فقلت : تفتش عليّاً كأنه كان في الحرب ؟ فأخبرني عن جبرائيل (ع) أن أقواماً من المشركين يقصدونك من الشام فأَخرجْ إليهم عليّاً وحده ، فخرج معه جبرائيل (ع) في ألف ملك وميكائيل (ع) في الف ملك ، ورأيت ملك الموت يقاتل دون علي .

وجاء في أربعين الخطيب ، وشرح ابن الفياض ، وأخبار أبي رافع ، في خبر طويل عن حذيفة ابن اليمان أنه دخل أمير المؤمنين (ع) على رسول اللـه (ص) وهو مريض ، فإذا رأسه في حجر رجل أحسن الخلق والنبيّ (ص) نائم ، فقال الرجل : أُدن إلى ابن عمك ، فأنت أحق به مني ، فوضع رأسه في حجره ، فلما استيقظ النبيُّ (ص) سأله عن الرجل ، قال علي (ع) : كان كذا وكذا . فقال النبيُّ : (ص) : ذاك جبرائيل (ع) كان يحدثني حتى خف عني وجعي . وفي خبر أن النبيّ (ص) كان يملي عليه جبرائيل ، فقام [174] (ص) وأمره بكتابة الوحي .

وروى محمد بن عمرو بإسناده عن جابر بن عبد اللـه أنه قال : قال رسول اللـه ( صلىاللـه عليه وآله ) :

ما عصاني قوم من المشركين إلاّ رميتهم بسهم اللـه .

قيل : وما سهم اللـه يا رسول اللـه ؟ قال :

علي بن أبي طالب (ع) ما بعثته في سريّة ولا أبرزته لمبارزة إلاّ رأيت جبرائيل (ع) عن يمينه وميكائيل عن يساره وملك الموت (ع) أمامه ، وسحابة تظله حتى يعطيه اللـه خير النصر والظفر .

وروي مشاهدته لجبرائيل (ع) على صورة دحية الكلبي حين سماه بتلك الأسامي ، وحين وضع رأس رسول اللـه (ص) في حجره ، وقال : أنت أحق به مني وحين كان يملي الوحي ونعس النبيُّ (ص) ، وحين اشترى الناقة من الأعرابي بمائة درهم وباعها من آخر بمائة وستين ، وحين غسل النبيّ (ص) ، وغير ذلك ، وروى نحواً منه أحمد في الفضائل .

وقد خدمــــه جبرائيل (ع) في عدة مواضع . روى عليُّ بن الجعد ، عن شعبة ، عن قتادة ، عن ابن جبير ، عن ابن عباس في قوله تعالى :

« تَنَزَّلُ الْمَلآَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِن كُلِّ أَمْرٍ سَلاَمٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ »

(القدرِ/4-5)

قال : لقد صام رسول اللـه (ص) سبع رمضانات ، وصام علي بن أبي طالب معه ، فكان كل ليلة القدر ينزل فيها جبرائيل (ع) على علي فيسلم عليه من ربه .

وقال أحمد القصري عن أبي محمد العسكري ، عن آبائه ، عن الحسين بن علي (ع) قال : سمعت جدي رسول اللـه (ص) يقول :

ليلة أسرى بي ربِّي عزَّ وجلَّ رأيتُ في بطنان العرش ملكاً بيده سيف من نور يلعب به كما يلعب علي بن أبي طالب (ع) بذي الفقار . وإن الملائكة إذا اشتاقوا إلى علي بن أبي طالب (ع) [175] نظروا إلى وجه ذلك الملك ، فقلت : يا رب هذا أخي علي بن أبي طالب وابن عمي ؟. فقال : يا محمد هذا ملك خلقته على صورة علي (ع) يعبدني في بطنان عرشي ، تكتب حسناته وتسبيحه وتقديسه لعلي بن أبي طالب إلى يوم القيامة [176] .

وجاء في كفاية الطالب عن أنس قال : قال رسول اللـه (ص) :

مررتُ ليلة أُســـــري بي إلى السماء ، فإذا أنا بملك جالس على منبر من نور والملائكة تحدق به . فقلت : يا جبرائيل من هذا الملك ؟. قال : ادنُ منه وسلِّم عليه ، فدنوت منه وسلَّمت عليه ، فإذا أنا بأخي وابن عمي علي بن أبي طالب (ع) فقلت : يا جبرائيل سبقني علي إلى السماء الرابعة ؟. فقال لي : يا محمد لا ، ولكن شكت الملائكة حبها لعلي (ع) فخلق اللـه هذا الملك من نورٍ على صورة عليٍّ ، فالملائكة تزوره في كل ليلة جمعة ويوم جمعة سبعين ألف مرة ، ويسبحون اللـه ويقدسونه ويهدون ثوابه لمحبي علي (ع) [177] .

وجاء في مناقب الخوارزمي ، عن عبد اللـه بن مسعود قال : قال رسول اللـه (ص) :

أول من اتَّخذ عليَّ بن أبي طالب (ع) أخاً من أهل السماء إسرافيل ، ثم ميكائيل [178] ، ثم جبرائيل . وأول مَن أحبه من أهل السماء حملة العرش ، ثم رضوان خازن الجنان ، ثم ملك الموت . وإن ملك الموت يترحم على محبي علي بن أبي طالب (ع) كما يترحم على الأنبياء (ع) [179] .

ومن كتاب كفاية الطالب عن وهب بن منبّه ، عن عبد اللـه بن مسعود قال : قال رسول اللـه (ص) :

ما بعثت عليّاً في سريّة إلاّ رأيت جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره والسحابة تظله حتى يرزقه اللـه الظفر [180] .

وروى محمد بن علي بن عبد الصمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن أصباهان بن أسبوزن الديلمي ، عن محمد بن عيسى الكابي ، عن القعنبي [181] ، عن موسى بن وردان عن ثابت ، عن أنس أن النبيَّ (ص) قال :

ليلة أُسري به إلى السماء الرابع [182] .

وروى الطبري والخركوشي في كتابيهما بالإسناد عن سلمان قال النبيُّ (ص) :

إذا كان يوم القيامة ضربت لي قبة من ياقوتة حمراء على يمين العرش ، وضرب لإبراهيم قبة خضراء على يسار العرش ، وضرب فيما بينهما لعلي بن أبي طالب (ع) قبة من لؤلؤة بيضاء ، فما ظنكم بحبيب بين خليلين ؟ .

ونقل أبو الحسن الدارقطني وأبو نعيم الاصفهاني في الصحيح والحلية بالإسناد عن سفيان بن عيينة ، عن الزهري ، عن أنس قال : قال رسول اللـه (ص) :

إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر طوله ثلاثون ميلاً ، ثم ينادي منادٍ من بطنان العرش : أين محمـــــــــــــــــــــد ؟. فأجيب . فيقال لي : ارقَ ، فأكون في أعلاه ، ثم ينادي الثانية : أين علي بن أبي طالــــب ؟.

فيكون دوني بمرقاة . فيعلم جميع الخلائق بأن محمداً سيد المرسلين ، وان عليّاً سيد الوصيين .

فقام إليه رجل فقال : يا رسول اللـه ، فمن يبغض عليّاً بعد هذا ؟. فقال :

يـا أخا الأنصار ، لا يبغضه من قريش إلاّ سَفَحِيّ [183] ولا من الأنصار إلاّ يهودي ، ولا من العرب إلاّ دعيّ [184] ولا من سائر الناس إلاّ شقيّ .

- وفي رواية ابن مسعود - :

ومن النساء إلاّ سلقلقية [185] .

أما قوله تعالى :

« فَـــاُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللـه عَلَيْهِم مِنَ النَّبِيِّيـــنَ وَالصِّدِّيقِيـــنَ وَالشُّهَـــدَآءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ اُولئِـــكَ رَفِيقـــاً »

(النساء/69)

عبد اللـه بن حكيم بن جبير عن علي (ع) أنه قال للنبي (ص) :

هل نقدر على رؤيتك في الجنة كلما أردنا ؟ .

فقال رسول اللـه (ص) : إن لكل نبي رفيقاً وهو أول من يؤمن به من أمته . فنزلت هذه الآية .

وروى عباد بن صهيب ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبيِّ (ص) - في خبر - قيل : يا رسول اللـه ، فكم بينك وبين علي في الفردوس الأعلى ؟ فِتْرٌ أو أقل من فِتْرٍ [186] قال :

أنا على سرير من نور عرش ربِّنا ، وعليٌ على كرسي من نور الكرسي .

وعن عبد الصمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن عليِّ بن الحسن ، عن أبيه (ع) قال : سئل النبي (ص) عن قوله تعالى :

« طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَأَبٍ »

(الرعد/29)

قال : نزلت في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب . وطوبى شجرة في دار أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في الجنة ، ليس في الجنة شيء إلاّ وهو فيها [187] .

وروى سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول اللـه (ص) يقول :

ليلة أُسري بي إلى السمــــاء أُدخلت الجنة فرأيت نوراً أضرب به وجهي ، فقلت لجبرائيـــــل : ما هذا النور

الذي رأيتـــه ؟. قال : يا محمد ليس هذا نور الشمس ولا نور القمر ، ولكن جارية من جواري علي بن أبـــــي

طالب (ع) طلعت من قصورها [188] فنظرتْ إليك وضحكتْ ، فهذا النور خرج من فيها وهي تدور في الجنة إلى أن يدخلها أمير المؤمنين (ع) [189] .

ونقل الحاكم الحافظ في أماليه ، وأبو سعيد الواعظ في شرف المصطفى ، وأبو عبد اللـه النطنزي في الخصائص ، بأسانيدهم أنه حدث زيد بن علي وهو آخذ بشعره [190] ، قال حدثني الحسين بن علي وهو آخذ بشعره ، قال : حدثني علي بن أبي طالب وهو آخذ بشعره ، قال : حدثني رسول اللـه (ص) وهو آخذ بشعره فقال : من آذى أبا حسن فقد آذاني حقّاً . ومَن آذاني فقد اذى اللـه ، ومَن آذى اللـه فعليه لعنة اللـه .

وفي رواية : ومَن آذى اللـه لعنه اللـه ملء السماوات وملء الأرض .

وأورد الترمذي في الجامع ، وأبو نعيم في الحلية ، والبخاري في الصحيح ، والموصلي في المسند ، وأحمد في الفضائل ، والخطيب في الأربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريدة أنه رغب علي (ع) من الغنائم في جارية ، فزايده حاطب بن أبي بلتعة وبريدة الأسلمي فلما بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها أخذها بذلك ، فلما رجعوا وقف بريدة قدام الرسول (ص) وشكى من عليٍّ ، فاعرض عنه النبيّ (ص) ، ثم جاء عن يمينه وعن شماله ومن خلفه يشكو ، فأعرض عنه ، ثم قام إلى بين يَديه فقالها ، فغضب النبي (ص) وتغير لونه وتربَّد وجهه [191] وانتفخت أوداجه وقال : مالك يا بريدة ما آذيت رسول اللـه منذ اليوم ؟. أما سمعت اللـه تعالى يقول :

« إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللـه وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللـه فِي الدُّنْيَا وَالأَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً »

(الاحزَاب/57)

أَما علمت أن عليّاً مني وأنا منه ، وأن مَن آذى عليّاً فقد آذاني ، ومَن آذاني فقد آذى اللـه ، ومَن أذى اللـه فحق على اللـه أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم ؟. يا بريدة أنت أعلم أم اللـه أعلم ؟. أم قرّاء اللّوح المحفوظ أعلم ؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام أعلم ؟. أنت أعلم يا بريدة أم حفظة عليَّ بن أبي طالب ؟ .

قال : بل حفظته ، قال : وهذا جبرائيل أخبرنــــي عن حفظة علي أنهم ما كتبوا قط عليه خطيئة منذ ولد . ثم حكى عن ملك الأرحام وقرّاء اللوح المحفوظ [192] - وفيها - ما تريدون من عليٍّ ؟. ثلاث مرات .

الامــام الحســن ( عليه السلام )

قدوة وأسوة

الفصل الأول : الأصل الكريم

ولادته ونشأته :

1- النبي في رحلة :

في ليلة النصف من رمضان . كان بيت الرسالة يستقبل وليده الحبيب ، وقد كان ينتظره طويلا .. واستقبله كما تستقبل الزهرة النضرة قطرة شفافة من الندى بعد العطش الطويل .

والوليـــد يتشابه كثيراً وجدَّه الرسول العظيم ، ولكنّ جدَّه لم يكن شاهَد ميلاده حتى تُحمل إليه البشرى . فقد كان في رحلة سوف يرجع منها قريباً .

وكان أفراد الأسرة ينتظرون باشتياق ، ولا يتحفون الوليد بسنن الولادة ، حتى إذا جاء الرسول (ص) أسرع إلى بيت فاطمة (ع) على عادته في كل مرة عندما كان يدخل المدينة بعد رحلة . وعندما أتاه نبأ الوليد غَمَره الْبُشر ، ثم استدعاه . حتى إذا تناوله أخذ يشمّه ويقبّله ويؤذِّن له ويُقيم ، ويأمر بخرقة بيضاء يلف بها الوليد ، بعدما ينهى عن الثوب الأصفر .

ثم ينتظر السماء هل فيها للوليد شيء جديد ، فينزل الوحي ، يقول : إن اسم ابن هارون - خليفة موسى (ع) كان شبَّراً .. وعلي منك بمنزلة هارون من موسى فسمِّه حَسَناً ، ذلك أن شُبَّراً يرادف الحسن في العربية .

وسار في المدينة اسم الحسن ، كما يسير عبق الورد . وجاء المبشرون يزفون أحر آيات التهاني إلى النبي (ص) ، ذلك أن الحسـن (ع) كان الولد البكر لبيت الرسالة ، يتعلق به أمل الرسول وأصحابه الكرام . فهو مجدد أمر النبي الذي سوف يكون القدوة والأسوة للصالحين من المسلمين .. إنه امتداد رسالة النبي من بعده . وفي الغد يأمر الرسول (ص) بكبش ، يعق عنه ، فلما يأتون به يجيء بنفسه ليقرأ الدعاء بالمناسبة فيقول :

بسم اللـه الرحمن الرحيم

عقيقة عن الحسن :

اللـهم عظمُها بعظمــــــه ، ولحمُها بلحمه ، ودمُها بدمه ، وشعرُها بشعره ، اللـهمَّ اجعلها وقاءً لمحمد وآلـــه .

ثم يأمر بأن يوزع اللحم على الفقراء والمساكين ، لتكون سنّة جارية من بعده ، تَذبح كلّ أسرة ثريَّة كبشاً بكل مناسبة متاحة ، لتكون الثروة موزعة بين الناس ، لا دَولة بين الأغنياء منهم .

ثم يأخذه الرسول ذات يوم وقد حضرت عنده لبابة - أم الفضل - زوجة العباس بن عبد المطلب عمِّ النبيِّ (ص) فيقول لها : رأيتِ رؤيا ، في أمري ..

فتقول : نعم يا رسول اللـه ..

فيقول (ص) : قُصِّيها .

فتقول : رأيت كأن قطعة من جسمك وقع في حضني .

فناولها الرسول (ص) الرضيع الكريم ، وهو يبتسم ويقول : نعم هذا تأويل رؤياك . إنه بضعة مني . وهكذا أصبحت أم الفضل مرضعة الحسن (ع) .

.. ويشب الوليد في كنف الرسول الأعظم (ص) ، وتحت ظلال الوصي (ع) ، وفي رعاية الزهراء (ع) ، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها ، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها . ولايزال النبي والوصي والزهراء عليهم جميعاً صلوا ت اللـه يُوْلُون العناية البالغة التي تنمي مؤهلاته .

الوراثة :

وليس هناك من شك بأن للوراثة أثرها الكبير في صياغة الفرد صياغة مكيّفة بالبيئة التي انبعث منها وخلق فيها . وبيتُ أبناء أبي طالب ، كان خير البيوت لإنشاء الإنسان الكامل ، فكيف وقد وُلد الحسن (ع) من عبد المطلب مرتين ، مرة من علي بن أبي طالب وأخرى من فاطمة بنت محمد بن عبد اللـه بن عبد المطلب ( صلى اللـه عليهم وآلهم ) ؟. كما كان علي (ع) مولوداً عن هاشم مرتين . ولا نريد أن نشرح مآثر بيت هاشم ، وبالخصوص أسرة عبد المطلب فيهم ، فإنها ملأت السهل والجبل ، بل أقول : ناهيك عن بيت بزغ منه الرسول الأكرم ، محمد (ص) ، والوصي العظيم علي (ع) ، وحسب علمِ حساب الوراثة أن التأثير قد يكون من جهة الأب فيستصحب كلّ سماته وصفاته . وقد يكون من جانب الأم ، وقد تحقق في الحسن (ع) هذا الأخير . فقد برزت فيه سمات أمه الطاهرة لتعكس صفات والدها العظيم محمد النبي (ص) ، فكان أشبه ما يكون بالنبي منه بالإمام ، وطالما كان يطلق النبي قوله الكريم :

الحسن مني والحسين من علي .

وقد يمكن أن نجد تفسيراً لهذه الكلمة في الأحداث التي جرت بعد الرسول (ص) وطبيعة الظروف التي قضت عند الحسن (ع) أن يتخذ منهج الرسول أُسوةً له دقيقة التطبيق شاملة التوفيق ، فيعطي الناس من عفوه وصفحه ، ويعطي أعداءه من صُلحه ورِفقه ، مثلما كان يعطي الرسول تماماً .. كما اقتضت عند الحسين (ع) أن يبالــــغ في شدّته في الدِّين ، وغيرته عليه ، ويبدي من منعته ورفعته في أمـوره ، ما جعـل تشابهاً كبيراً بينه وبين عهد علي (ع) مع المشركين والكافرين والضالين .

التربية :

ولقد أولاه النبيُّ والوصيُّ والزهراءُ عليهم الصلاة والسلام من التربية الإسلامية الصالحة ما أهَّله للقيادة الكبرى . فإن بيت الرسالة كان يربي الحسن وهو يعلم ما سوف يكون له من المنزلة في المجتمع الإسلامي ، كما يوضح للمؤمنين منزلته وكرامته .

فكان النبيُّ (ص) يرفعه على صدره ، ثم يقيمه لكي يكون منتصباً ويأخذ بيديه يجره إلى طرف وجهه الكريم جرَّاً خفيفاً وهو ينشد قائلاً :

حزقَّةً حزقَّة [193] تَرَقَّ عينَ بَقَّة .

ويلاطفه ويداعبه .. ثم يروح يدعو : اللـهم إني أُحبه فأَحبَّ من يحبه ويقصد أن يسمع الناس من أتباعه لكي تمضي سيرتُه فيه أسوة للمؤمنين ، بكرامة الحسن (ع) واحترامه .

ومرة يصلي النبي بالمسلمين في المسجد ، فيسجد ويسجدون ، يرددون في خضوع : سبحان ربي الأعلى وبحمده مرة بعد مرة ، ثم ينتظرون الرسول أن يرفع رأسه ولكن النبيَّ يطيل سجوده ، وهم يتعجبون : ماذا حدث ؟. ولولا أنهم يسمعون صوت النبي لايزال يَبعث الهيبة والضراعة في المسجد لظنوا شيئاً .

ولا يزالون كذلك حتى يرفع النبي رأسه ، وتتم الصلاة ، وهم في أحر الشوق إلى معرفة سبب إبطائه في السجود فيقول لهم : جاء الحسن فركب عنقي ، فأشفقت عليه من أن أُنزله قسراً ، فصبرت حتى نزل اختياراً .

وحيناً : يصعد النبي (ص) المنبر ويعظ الناس ويرشدهم ، فيأتي الحسنان من جانب المسجد فيتعثَّران بـثَوْبَيهمــــا فإذا به يهبط من المنبر مسرعاً إليهما حتى يأخذهما إلى المنبر ، يجعــل أحدهمــــا علــــى وركــــه اليمنــــى ، والآخــر على اليسرى ، ويستمر قائلاً : صدق اللـه ورسوله ،

« اَنَّمَآ أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَــةٌ »

(الانفال/28) نظرت إلى هذين الصبيَّين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما .

وكان يصطحبهما في بعض أسفاره القريبة ، ويُردفهما على بغلته من قُدَّامه ومن خَلْفه لئلا يشتاق إليهما فلا يجدهما ، أو لئلا يشتاقا إليه فلا يجدانه . وكان يشيد بذكرهما في كلّ مناسبة ، ويظهر كرامتهما إعلاناً أو تنويهاً . فقد أخذهما معه يوم المباهلة وأخذ أباهما وأمهما فظهر من ساطع برهانهم جميعاً ما أذهل الأساقفة [194] .

ودخل رسول اللـه دار فاطمة (ع) ، وسلم ثلاثاً على عادته في كلّ دار ، فلم يجبه أحد . فانصرف إلى فنـــاء ، فقعد في جماعة من أصحابه ثم جاء الحسن ووثب في حبوة جدّه فالتزمه جدّه ، ثم قبله في فيه ثـــم

راح يقول : الحسن مني والحسين من علي .

وكثيراً ما كان الناس يتعجبون من صنع الرسول هذا ، كيف يعلنها لإبْنَيهِ إعلاناً ، فذات مرة شاهده أحـــد أصحابه وهو يقبل الحســـن ويشمه فقال - وقد كره هذا العمل - : إن لي عشرة ما قبَّلت واحـــداً منهم ، فقال رسول اللـه : من لايرحم لايُرحم . وفي رواية حفص قال : فغضب رسول الله (ص) حتى التمع لونه وقال للرجل : ان كان اللـه نزع الرحمة من قلبك ما أصنع بك ؟ ثم لما رأى مناسبة سانحة أردف قائلاً :

الحسن والحسين ابناي ، مَن أَحبَّهما أحبني ومن أحبني أحبه اللـه ، ومن أحبه اللـه أدخله الجنة . ومن أبغضهما أبغضني ، ومن أبغضني أبغضه اللـه ، ومن أبغضه اللـه أدخله النار .

ثم أخذهما هذا عن اليمين وذاك عن الشمال ، مبالغة في الحب .

ولطالما كان يسمع الصحابة قولته الكريمة :

هذان ابناي وابنا بنتي ، اللـهم إني أُحبهما ، وأُحب من يحبهما .

أو كلمته العظيمة يقولها وهو يشير إلى الحسن (ع) : وأُحب من يحبه .

ويرى أبو هريرة الإمام الحسن (ع) بعد وفاة جده الرسول فيقول له : أرني أقبل منك حيث رأيت رسول اللـه يقبّل ، ثمّ قبّل سرّته . ومن ذلك يظهر أن رسول اللـه (ص) كان يعلن ذلك إعلاناً ، حتى يراه الناس جميعاً .

وقد بالغ النبيُّ (ص) في مدح الحسنين ، حتى لكان يُظن أنهما أفضل من والدهما علي (ع) ، مما حدا به إلى أن يستدرك ذلك فيقول : هما فاضلان في الدنيا والآخرة وأبوهما خير منهما .

.. وطالما كان يرفعهما على كتفيه - يذرع معهما طرقات المدينة والناس يشهدون ، وقد يقول لهما :

نعم الْجَمل جَمَلُكما ، ونعم الراكبان أنتما .

وطالما كان ينادي الناس فيقول :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

أو :

/ 35