الفصل الرابع : كلمات من نـــور - نبی و اهل بیته نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

نبی و اهل بیته - نسخه متنی

سید محمد تقی مدرسی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید

العمري - عثمان بن سعيد ، وابنه - يعني محمد - ثقتان فما أديا إليك فعني يؤديان [641] .

وورد التوقيـع مـن لدن الإمام الحجة المنتظر (ع) عند وفاة والده جاء فيه :

أجزل اللـه لك الثواب ، وأحسن إليك العزاء ، رزيت ورزينا ، وأوحشك فراقه وأوحشنا ، فسرّه اللـه في منقلبه ، كان من كمال سعادته ، ان رزقه اللـه ولداً مثلك يخلفه من بعده ويقوم مقامه بامــــره ويترحم عليــــه [642].

هؤلاء هم بعض وكلاء الإمام ونوابه والذين بهم ترسخت أعمدة النظام المرجعي في الأمة . ذلك النظام الذي يعتبر منهجاً في التحرك السياسي ، وسبيلاً قويماً للدعوة إلى اللـه ، وتنظيماً رسالياً للمجتمع . كما انه يصلح ان يكون نظاماً سياسياً للأمة إذا عاد الحكم إلى أهله .

وينبعث النظام المرجعي ، كما نظام الإمامة من صميم الدين ، إذ انه تنظيم بعيد عن الطائفية والعشائرية . كما هو بعيد عن الروح الحزبية والفئوية . ولا تزال الطائفة الشيعية تعيش في ظل هذا التنظيم الرسالي منذ عهد الأئمة الأطهار (ع) وتتمتع بكفائته العالية ، بالرغم من ان تخلف الأمة قد سبَّب قدراً من التوقف فيه ، وعدم التسارع إلى التطور في بعض جوانبه .. .

ولان عهد الإمام العسكري قد تميَّز بتكريس هذه القيادة للطائفة ، ولان هذه القيادة لا تزال حتى اليوم تتصدى لشؤون الطائفة الدنيوية والأخروية ، فمن المناسب أن نتحدث قليلاً عن واقع المرجعية وأبعادها بكلمات :

أولاً :

لأن المرجعية نظام إلهي وتكمن قوة تنفيذ أوامرها من فطرة الإنسان ، ووجدانه وروح التقوى في ذاته . فان هذا النظام يكون منسجماً مع سائر الأحكام الشرعية التي تنفذ هي الأخرى بروح التقوى .

ان السياسة في الإسلام - كما المجتمع والشؤون الشخصية - محراب عبادة . ومعراج المؤمن إلى اللـه . فمن أجل اللـه يطيع المؤمن ولي أمره وفي سبيل اللـه ينبعث إلى القتال ضد أعداءه وابتغاءً لمرضاة اللـه ينضوي تحت راية الحركة الدينية وتنفيذ أوامرها . واتباعاً لأمر اللـه تراه يخالف الطاغوت .. ويتمرد ضد سلطة ظالمة ، ويبني كياناً سياسياً بديلاً . .

ومن هنا فان كلمة التقوى وليست حمية الجاهلية وعصبيتها الضيقة ، تضحى محور المجتمع الإسلامي . وقاعدة انطلاقه ، وآصرة الشد بين أركانه .. هكذا نقرأ في كتاب ربنا سبحانه :

«

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَاَنزَلَ اللـه سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللـه بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً »

(الفتح/26)

وفرق كبير بين حمية الجاهلية وكلمة التقوى - إذ الحمية التي يسميها ابن خلدون العصبية ويجعلها سبباً للملك ومحوراً للمدينة - انها : تنبعث من قيم مادية ، وتبعث إلى الصراع والتناحر ، ولا تتناسب والأحكام الإلهية ذات القيم الإنسانية النقية عن شوائب الشرك والحقد والتحزب .

من هنا قال ربنا سبحانه :

«

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ »

(النساء/59)

وهكذا تصبح طاعة أولي الأمر ، امتداداً لطاعة اللـه والرسول ، بل تصبح تجسداً لهما ، ووسيلة إليهما . فأنى يمكن طاعة اللـه ورسوله من دون طاعة تلك القيادة التي أمر اللـه بها !

ثانيا :

لان أساس بناء المرجعية ، التقوى ، لا الحمية ، فإنَّ هذا الكيان يتجاوز الأرض والدم واللغة ، وسائر الفوارق المادية التي تفصل بين الناس ، ويُنشأ المجتمع الإسلامي النقي ، الذي يقوم على أساس طاعة الإمام الحق ( ولي أمر المسلمين ) ويكون جسراً بين سائر الأمم . ووسيلة لتقاربهم ، ومحوراً لتجميعهم ، وبالتالي يُصبح المؤمنون بالشريعة ، فوق حواجز العرق والإقليم والمصلحة . شاهدين على الناس بالحق . قوّامين بينهم بالقسط ، كما قال ربنا سبحانه :

«

وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ اُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً »

(البقرة/143)

ان الحظيرة القُدسية التي تدعونا إليها رسالات السماء ، تجمع الأسود والأبيض ، الفقير والغنى ،العـــرب

والعجم ، البعيد والقريب ، تجمعهم تحت ظل التوحيد ، وفي منزل صدق ، وعلى مائدة الرحمن ، وما المرجعية الرشيدة إلاّ اطاراً لهذا الجمع المبارك والوفد الميمون !

وإذا كانت رسالات اللـه عبر العصور تبشر البشر بمملكة اللـه في الأرض ، حيث يسود الحب والعدل والاحسان . فان التجمع المرجعي الحق صورة لتلك المملكة الموعودة . ترعاها عناية الرب سبحانه .

ثالثاً :

ولأن محور التجمع في ظل المرجعية الرشيدة هو التقوى التي قال عنها ربنا سبحانه :

«

يَآ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَاُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللـه أَتْقَاكُمْ »

(الحُجُرات/13)

لذلك ، فان الكفاءة والامامة هما الوسيلة الوحيدة لصعود الأفراد . لا الغنى والنسب والعرق والمحسوبيات ..

وهكذا تصبح الكفاءة والأمانة قصب السبق الذي يتنافس عليهما أبناء المجتمع فتعلو بذلك هممهم وتطلعاتهم ويحلق المجتمع عالياً في سماء المجد والعظمة . لان الكفاءة والأمانة هما كجناحي طائر لأي مجتمع متقدم يخفقان بالسعادة والفلاح .

وكلمة أخيرة :

أن اللـه سبحانه قد أتم حجته البالغة على عباده بهذه المرجعية الرشيدة ولكنه لم يكرههم عليها ، كما لم يكرههم على سائر المبادىء والأحكام . والناس يسعدون بقدر قربهم من هذا النموذج الأسمى . اما إذا ابتعدوا عنه فقد تمت الحجة عليهم !

الفصل الرابع : كلمات من نـــور

كلمات النبي وأهل بيته تجليات تنعكس من أنفسهم الزاكية بعد ان تشرق عليها شمس القرآن الكريم . فهي نور من نور اللـه ، وهدى من هدى اللـه . تطمئن إليه النفوس المضطربة .. وتستروح على شواطئها الآمنة ، سفن المساكين بعد رحلة مضنية في أمواج الشك والتردد ؛ وفيما يلي نقرأ معاً كلمات النور التي خلّدها التاريخ من أقوال الإمام (ع) .

1 - في وصيته الرشيدة إلى شيعته يحدد الإمام العسكري (ع) المنهج الذي ينبغي عليهم ان يتبعوه في تلك الظروف الصعبة .

يقول الإمام :

أوصيكم بتقوى اللـه ، والورع في دينكم ، والإجتهاد لله وصدق الحديث ، وأداء الأمانة إلى من ائتمنكم من برّ أو فاجر ، وطول السجود ، وحسن الجوار ، فبهذا جاء محمد (ص) صلّوا في عشائرهم واشهدوا جنائزهم وعودوا مرضاهم [643] وأدّوا حقوقهم فان الرجل منكم إذا ورع في دينه وصدق في حديثه وأدّى الأمانة وحسن خلقه مع الناس قيل : هذا شيعي فيسرّني ذلك . اتقوا اللـه وكونوا زيناً ولا تكونوا شيناً ، جرّوا إلينا كل مودة ، وادفعوا عنا كل قبيح ، فانه ما قيل من حسن فنحن أهله ، وما قيل من سوء فما نحن كذلك . لنا حق في كتـاب اللـه ، وقـرابة من رسول اللـه ، وتطهير من اللـه لا يدعيه أحد غيرنا إلاّ كذّاب . اكثروا ذكر اللـه وذكر الموت وتلاوة القرآن والصلاة على النبي (ص) فان الصلاة على رسول اللـه عشر حسنات . احفظوا ما وصيّتكم به ، واستودعكم اللـه ، وأقرأ عليكم السلام [644] .

2 - ايمان الناس بالقيادة الشاهدة ، عليهم الحاضرة بينهم ، أشدّ صعوبةً على انفسهم ، من ايمانهم بمن مضى من بينهم ، لانهم إذا آمنوا بالإمام الشاهد الحاضر ، تطلب منهم اتباعه وطاعته والتسليم لأمره وما أصعب الطاعة ، والتسليم ، وبالذات إذا اختلفت الرؤى وتناقضت المصالح ، ومن هنا كثرت حالات الوقف عند كثير من أبناء الطائفة كلما مضى إمام ، وقام إمام مقامه ، وكثير ما كان الوقف من قبل الوكلاء الذين تجمعت عندهم أموال الحقوق ، ولعب بأهوائهم ريح الرئاسة وشهوة السلطة .

وقــد لحق الإمام العسكـــــري الكثير من الأذى بسبب هؤلاء ، وربما أكثر من الماضيــــن من أئمة الهــــدى ،

كما يظهر من حديث روي عنه يقول فيه :

ما مُنيَ أحد من آبائي بمثل ما منيت به من شك هذه العصابة فيَّ .

ولعل مرد هذا الشك ، كان الشك في استمرار الامامة ، لذلك قال الإمام في رد هذا الشك :

فان كان هذا الأمر أمراً اعتقدتموه ودنتم به إلى وقت ( يبدو انه كان يعني أمر الامامة ) ثم ينقطع ، فللشك موضع ، وان كان متصلاً ما اتصلت أمور اللـه ، فما معنى هذا الشك [645] .

وفي كتاب كريم يرسله الإمام إلى واحد من أصحابه الثقاة ، والذي كانت بينه وبين الإمام مراسلات كثيـرة ، واسمه إسحاق بن إسماعيل النيسابوري ، نقرأ احتجاج الإمام على الأمامة ، ومدى أهميتها ، تعالوا نتأمل في هذه الرسالة .

سترنا اللـه وإياك بستره وتولاّك في جميع أمورك بصنعه ، فهمت كتابك برحمك اللـه ونحن بحمد اللـه ونعمته ، أهل بيت نرق ّعلى أوليائنا ونسرُّ بتتابع احسان اللـه إليهم وفضله لديهم ، ونعتدّ بكل نعمة ينعمها اللـه تبارك وتعالى عليهم ، فأتم اللـه عليك يا إسحاق وعلى من كان مثلك - ممن قد رحمه اللـه وبصّره بصيرتك - نعمته . وقدر تمام نعمته ، دخول الجنة . وليس من نعمة ، وان جل أمرها وعظم خطرها ، الا والحمد لله تقدّست أسماؤه عليها ، مؤدٍ شكرها ، وأنا أقول : الحمد لله أفضل ما حمده حامد إلى أبد الأبد بما منّ اللـه عليك من رحمته ونجّاك من الهلكة ، وسهّل سبيلك على العقبة . وأيم اللـه انها لعقبة كؤود ، شديد أمرها ، صعب مسلكها ، عظيـم بلاؤهـا ، قديـم فـي الزّبـر الأولى ذكرها . ولقد كانت منكم في أيام الماضي (ع) إلى ان مضى لسبيله وفـي أيامـي هـذه ، أمـور كنتـم فيها عندي غير محمودي الرأي ولا مسدّدي التوفيق .

فاعلم يقيناً يا إسحاق انه من خرج من هذه الدنيا أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلاً .

يا إسحاق ليس تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ، وذلك قول اللـه في محكم كتابه حكاية عن الظالم إذ يقول :

« رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى »

(طه/125-126) . وأي آية أعظم من حجة اللـه على خلقه وأمينه في بلاده وشهيده على عباده من بعد من سلف من آبائه الأولين النبيين وآبائه الآخرين الوصيين ( عليهم أجمعين السلام ورحمة اللـه وبركاته ) . فأين يتاه بكم وأين تذهبون كالأنعام على وجوهكم ، عن الحق تصدفون ، وبالباطل تؤمنون ، وبنعمة اللـه تكفرون ، أو تكونون ممن يؤمن ببعض الكتاب ، ويكفر ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم ومن غيركم إلاّ خزي في الحياة الدنيا وطول عذاب في الآخرة الباقية ، وذلك واللـه الخزي العظيم . ان اللـه بمنّه ورحمته لما فرض عليكم الفرائض لم يفرض ذلك عليكم لحاجة منه إليكم بل رحمة منه - لا إله إلاّ هو - عليكم ليميز الخبيث من الطيب وليبتلي ما في صدوركم وليمحّص ما في قلوبكم ، لتسابقوا إلى رحمة اللـه ولتتفاضل منازلكم في جنته ، ففرض عليكم الحج والعمرة وإقام الصلاة وايتاء الزكاة والصوم والولاية وجعل لكم باباً تستفتحون به أبواب الفرائض مفتاحاً إلى سبيله ، لولا محمد (ص) والأوصياء من ولده لكنتم حيارى كالبهائم لا تعرفون فرضاً من الفرائض وهل تدخل مدينة الا من بابها ، فلما منَّ عليكم باقامة الأولياء بعد نبيكم ، قال اللـه في كتابه :

« الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً »

(المائدة/3) ففرض عليكم لأوليائه حقوقاً أمركم بأدائها ليحلّ لكم ما وراء ظهوركم من أزواجكم وأموالكم ومأكلكم ومشاربكم ، قال :

« لآ أَسْاَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى »

(الشّورى/23) واعلموا انّ من يبخل فأنما يبخل عن نفسه ، واللـه الغني وأنتم الفقراء ، لا إله إلاّ هو . ولقد طالت المخاطبة فيما هو لكم وعليكم [646] .

قد صعدنا ذرى الحقائق :

3 - لم يفتخر الأئمة (ع) بمنصب دنيوي ، أو ثروة وشهرة . انما كان فخرهم بحب اللـه ، والإنتساب إلى رسوله .. وبالعلم والتقوى . وفيما يلي رائعة منسوبة إلى الإمام العسكري وجدوها بخطه الكريم على ظهر كتاب جاء فيها :

قد صعدنا ذرى الحقائق باقدام النبوة والولاية ، ونوّرنا السبع الطرائق بأعلام الفتوة ، فنحن ليوث الوغى ، وغيوث الندى ، وفينا السيف والقلم في العاجل ، ولواء الحمد والعلم في لآجل ، وأسباطنا خلفاء الدين ، وحلفاء اليقين ، ومصابيح الأمم ، ومفاتيح الكرم ، فالكليم اُلبس حلّة الاصطفاء لما عهدنا منه الوفاء ، وروح القدس في جنان الصاقورة ، ذاق من حدائقنا الباكورة ، وشيعتنا الفئة الناجية ، والفرقة الزّاكيـة ، صاروا لنا ردءاً وصوناً ، وعلى الظلمة إلباً وعوناً ، وسينفجر لهم ينابيع الحيوان بعد لظى النيــران [647] .

حكم للحيــاة :

خير الدروس تلك التي يستفيد منها الإنسان في حياته وقد أفاض أئمة الهدى المزيد من التعاليم الحياتية لو استوعبناها ، لكنا أسعد الناس في الدنيا وأقربهم إلى رضوان اللـه في الآخرة . وفيما يلي نتأمل بعض كلمات الإمام العسكري (ع) في هذا الحقل الهام :

ادفع المسألة ما وجدت التحمل يمكنك ، فان لكل يوم رزقاً جديداً . واعلم ان الإلحاح في المطالب يسلب البهاء ويورث التعب والعناء ، فاصبر حتى يفتح اللـه لك باباً يسهل الدخول فيه فما أقرب الصنيع من الملهوف ، والأمن من الهارب المخوف ، فربما كانت الغِير نوع من أدب اللـه ، والحظوظ مراتب ، فلا تعجــل على ثمرة لم تدرك ، وانما تنالها في أوانها ، واعلم ان المدبر لك أعلم بالوقت الذي يصلح حالك فيه ، فثق بخيرته في جميع أمورك يصلح حالك ، ولا تعجل بحوائجك قبل وقتها ، فيضيق قلبك وصدرك ويغشاك القنوط ، واعلم ان للسخاء مقداراً ، فان زاد عليه فهو سرف ، وان للحزم مقداراً فان زاد عليه فهو تهور ، واحذر كل ذكي ساكن الطرف ، ولو عقل أهل الدنيا خربت [648] .

خير اخوانك من نسي ذنبك وذكر احسانك إليه .

أضعف الأعداء كيداً من أظهر عداوته .

حسن الصورة جمال ظاهر ، وحسن العقل جمال باطن .

اولى الناس بالمحبة منهم من أمّلوه .

من آنس باللـه استوحش الناس ، وعلامة الانس باللـه الوحشة من الناس .

جعلت الخبائث في بيت والكذب مفاتيحها .

إذا نشطت القلوب فأودعوها ، وإذا نفرت فودّعوها .

اللحاق بمن ترجو خير من المقام مع من لا تأمن شره .

الجهل خصم ، والحلم حكم ، ولم يعرف راحة القلوب من لم يجرّعه الحلم غصص الصبر والغيظ .

من ركب ظهر الباطل نزل به دار الندامة .

المقادير الغالبة لا تدفع بالمغالبة ، والأرزاق المكتوبة لا تنال بالشره ، ولا تدفع بالامساك عنها .

نائل الكريم يحببّك إليه ويقربك منه ، ونائل اللئيم يباعدك منه ويبغضك إليه .

مـن كان الورع سجيته ، والكرم طبيعته ، والحلم خلّته كثر صديقه ، والثناء عليه ، وانتصر من أعدائه بحسن الثناء عليه .

السَّهر ألذّ للمنام والجوع أزيد في طيب الطعام . ( رغّب به (ع) على صوم النهار وقيام الليل) [649].

المؤمن بركة على المؤمن وحجة على الكافر .

قلب الأحمق في فمه وفم الحكيم في قلبه .

لا يشغلك رزق مضمون عن عمل مفروض .

من تعدّى في طهوره كان كناقضه .

ما ترك الحقَ عزيزٌ إلاّ ذلّ ولا أخذ به ذليل إلاّ عزّ .

صديق الجاهل تعب .

خصلتان ليس فوقهما شيء : الايمان باللـه ونفع الاخوان .

جرأة الولد على والده في صغره تدعو إلى العقوق في كبره .

ليس من الأدب اظهار الفرح عند المحزون .

خير من الحياة ما إذا فقدته بغضت الحياة ، وشر من الموت ما إذا نزل بك أحببت الموت .

رياضة الجاهل وردّ المعتاد عن عادته كالمعجز .

التواضع نعمة لا يحسد عليها .

لا تكرم الرجل بما يشقّ عليه .

من وعظ أخاه سرّاً فقد زانه . ومن وعظه علانية فقد شانه .

ما من بلية إلاّ ولله فيها نعمة تحيط بها .

ما اقبح بالمؤمن ان تكون له رغبة تذلّه [650] .

مواعظ إلهيــة :

5 - وقال (ع) :

أورع الناس من وقف عند الشبهة ، أعبد الناس من أقام على الفرائض ،أزهد الناس من ترك الحرام ، أشد الناس اجتهاداً من ترك الذنوب .

انكم في آجال منقوصة وأيام معدودة ، والموت ياتي بغتة ، من يزرع خيراً يحصد غبطة ، ومن يزرع شراً يحصد ندامة ، لكل زارع ما زرع ، لا يسبق بطيء بحظه ، ولا يدرك حريص ما لم يقدّر له ، من أعطى خيراً فاللـه أعطاه ، ومن وقي شراً فاللـه وقاه .

وجاء في رسالته الكريمة إلى الفقيه المشهور بابن بابويه جاء فيها :

اما بعد أوصيك يا شيخي ، ومعتمدي ، وفقيهي - أبا الحسن علي بن الحسين القمي ، وفقك اللـه لمرضاته وجعل من صلبك أولاداً صالحين برحمته .

بتقوى اللـه ، واقام الصلاة ، وايتاء الزكاة ، فانه لا تقبل الصلاة من مانعي الزكاة .

وأوصيك بمغفرة الذنب ، وكظم الغيظ ، وصلة الرحم ، ومواساة الاخوان ، والسعي في حوائجهم في العسر واليسر ، والحلم عن الجهل ، والتفقه في الدين ، والترتيب في الأمور والتعهد للقرآن ، وحسن الخلق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قال اللـه عزّ وجلّ

«

لاَ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِن نَجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْـلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللـه فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً »

(النساء/114) واجتناب الفواحش كلها . وعليك بصلاة الليل - ثلاث مرات - ومن استخف بصلاة الليل فليس منا .

فاعمل بوصيتي ، وأمر شيعتي حتى يحملوا عليه ، وعليك بانتظار الفرج ، فان النبي (ص) قال : أفضل أعمال أمتي انتظار الفرج . ولا يزال شيعتنا في حزن حتى يظهر ولدي الذي بشر به النبي (ص) انه يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً .

فاصبر يا شيخي ، وأمر جميع شيعتي بالصبر ،

« إِنَّ الاَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيــنَ »

(الاعراف/128)

والسلام عليك وعلى جميع شيعتنا ورحمة اللـه وبركاته وحسبنا اللـه ونعم الوكيل نعم المولى ونعم النصير [651] .

الدعاء : برنامج التحدي :

6 - وكانت الأدعية المأثورة عن أهل بيت الوحي (ع) ، تعتبر دائماً برنامج التحدي ضد كل الوان الفساد الثقافي والإجتماعي والسياسي .. أو ليس الدعاء يقرب القلب من الرب ، ويعرج بروح المؤمن إلى آفاق معرفة اللـه . والإنسان كلما ازداد معرفة باللـه ، ازداد ايمانا به وازداد - بالتالي - التزاماً بالشرائع الإسلامية ، والتي من أبرز مصاديقها الثورة ضد الطغاة والإستقامة والصبر في مواجهتهم . وعدم التسليم لوسائل التطويع عندهم من الترغيب والترهيب والتضليل . .

وكانت كلمات الدعاء عند أهل البيت والتي توارثوها عن رسول اللـه (ص) كأغنى كنز وأثمن ركاز ، كانت دائرة معارف إلهية فيها آيات الحكمة ومناهج التربية وبصائر في السياسة ، ورؤى في الثقافة . .

والدعاء الذي علمه الإمام الحسن العسكري للقميين ، والذي انتشر بينهم كمنشور سياسي ، ووثيقة جهادية ، وبرنامج حركي ، ونهج رسالي في تلك المرحلة الحساسة . هذا الدعاء يعتبر اليوم من كنوز معارف أهل البيت ، ويجدر بنا ان نتعاهده ليل نهار حتى نزداد معرفة ويقيناً وصلابةً وهدى ..

دعنا نرتل كلمات هذا الدعاء معاً ونتأمل فيها :

الحمد لله شكراً لنعمائه ، واستدعاءً لمزيده ، واستجلاباً لرزقه ، واستخلاصاً له ، وبه دون غيره ، وعياذاً من كفرانه والالحاد في عظمته وكبريائه ، حمد من يعلم ان ما به من نعمائه فمن عند ربه ، ، وما مسه من عقوبته فبسوء جناية يده ، وصلى اللـه على محمد عبده ورسوله ، وخيرته من خلقه ، وذريعة المؤمنين إلى رحمته ، وآله الطاهرين ، ولاة أمره .

اللـهم : انك ندبت إلى فضلك ، وأمرت بدعائك ، وضمنت الأجابة لعبادك ، ولم تخيب من فزع إليك برغبته ، وقصد إليك بحاجته ، ولم ترجع بداً طالبة صفرا من عطائك ، ولا خائبة من نحل هباتك ، وأي راحل رحل إليك فلم يجدك قريباً ، ووافد وفد عليك فاقطعته عوائق الرد جودك . بل أي محتف ، لم يمهه فيض جودك ، وأي مستنبط لمزيدك دون استماحه سجال عطيتك .

اللـهم : وقد قصدت إليك برغبتي ، وقرعت باب فضلك يد مسألتي ، وناجاك بخشوع الاستكانة قلبي ، ووجدتك خير شفيع لي إليك ، وقد علمت ما يحدث من طلبتي قبل ان يخطر بفكري ، أو يقع في خلدي ، فصل اللـهم دعائي إياك باجابتي ، واشفع مسألتي بنجح طلبتي .

اللـهـم : وقد شملنا زيغ الفتن ، وستولت علينا غشوة الحيرة ، وقارعنا الذل والصغار ، وحكم علينا غير المأمونين في دينك ، وابتز أمورنا معادن الأبن ممن عطل حكمك ، وسعي في اتلاف عبادك ، وافساد بلادك ، اللـهم وقد عاد فيئنا دولة بعد القسمة ، وأمارتنا غلبة بعد المشورة ، وعدنا ميراثاً بعد الاختيار للأمة ، فاشتريت الملاهي والمعارف بسهم اليتيم والأرملة ، وحكم في ايثار المؤمنين أهل الذمة ، وولي القيام بأمورهم فاسق كل قبيلة ، فلا ذائد يذودهم عن هلكة ، ولا راع ينظر إليهم بعين الرحمة ، ولا ذو شفعــة يشبع الكبد الحري من مسغبة ، فهم أولوا ضرع بدار مضيعة ، وأسراء مسكنة ، وخلفاء كآبـة وذلـــــة [652].

اللـهم : وقد استحصد زرع الباطل ، وبلغ نهايته واستحكم عوده ، واستجمع طريده وخذرف وليده وبسق فرعه ، وضرب بجرانه .

اللـهم : فاتح له من الحق حاصده ، تصدع قائمه ، وتهشم سوقه وتحب سنامه ، وتجدع مراغمه ليستخفي الباطل بقبح صورته ، ويظهر الحق بحسن حليته .

اللـهم : ولا تدع للجور دعامة إلاّ قصمتها ، ولا جنة إلاّ هتكتها ، ولا كلمة مجتمعة إلاّ فرقتها ، ولا سرية ثقل الا خففتها ، ولا قائمة علو إلاّ حططتها ، ولا رافعة علم إلاّ نكستها ، ولا خضراً إلاّ أبرتها .

اللـهم : فكـور شمسـه ، وحط نوره واطمس ذكره وارم بالحق رأسه ، وفض جيوشه ، وأرعب قلوب أهله .

اللـهم : ولا تدع منه بقية إلاّ أفنيت ، ولا بنية إلا سويت ، ولا حلقة إلاّ قصمت ، ولا سـلاحـاً إلاّ أكللـت ، ولا حداً ولا كراعاً إلاّ اجتحت ولا حاملة علم إلاّ نكست .

اللـهم : وأرنا أنصاره عباديد بعد الألفة ، وشتى بعد اجتماع الكلمة ، ومقنعي الرؤوس بعد الظهور على الأمة .

واسفر لنا عن نهار العدل ، وأرناه سرمداً لا ظلمة فيه ، ونوراً لا شوب معه ، واهطل علينا ناشئته ، وانزل علينا بركته وادل له ممن ناواه وانصره على من عاداه .

اللـهم : واظهر الحق ، واصبح به في غسق الظلم ، وبهم الحيرة .

اللـهم : واحيي به القلوب الميتة ، واجمع به الأهواء المتفرقة والاراء المختلفة ، وأقم به الحدود المعطلة . والأحكام المهملة ، واشبع به الخماص الساغية ، وأرح به الأبدان اللأغبة المتعبة ، كما الهجتنا بذكره ، واخطرت ببالنا دعاءك ، ووفقتنا للدعاء إليه ، وحياشة أهل الغفلة عنه ، وأسكنت في قلوبنا محبته ، والطمع فيه ، وحسن الظن به لإقامة مراسيمه .

اللـهم : فآت لنا منه على أحسن يقين ، يا محقق الظنون الحسنة ، ويا مصدق الآمال المبطئة ، اللـهم واكذب المثالين عليك فيه ، واخلف به ظنون القانطين من رحمتك والآيسين منه .

اللـهم : اجعلنا سبباً من أسبابه ، وعلماً من أعلامه ومعقلاً من معاقله ، وانصر وجوهنا بتحليته ، وأكرمنا بنصرته ، واجعل نيتنا خيراً تظهرنا لنا به ، ولا تشمت بنا حاسدي النعم ، والمتربصين بنا حلول الندم، ونزول المثل ، فقد ترى يا رب براءة خلو ساحتنا ، وخلو ذرعنا من الاضمار لهم على أحنة ، والتمني لهم وقوع جائحة وماتنازل من تحصينهم بالعافية ، وما اخبالنا من اتهاز الفرصة ، وطلب الوثوب بنا عند الغفلة [653] .

اللـهم : وقد عرفتنا من أنفسنا ، وبصرتنا من عيوبنا خلالاً نخشى ان تقعد بنا عن اشتهار اجابتك ، وأنت المتفضل على غير المستحقين ، والمبتدئ بالاحسان على السائلين ، فأت لنا من أمرنا على حسب كرمك وجودك وفضلك ، وامتنانك انك تفعل ما تشاء ، وتحكم ما تريد انا إليك راغبون ، ومن جميع ذنوبنا تائبون ..

اللـهم : والداعي إليك ، والقائم بالقسط من عبادك ، الفقير إلى رحمتك ، المحتاج إلى معونتك على طاعتك ، إذ ابتدأته بنعمتك وألبسته أثواب كرامتك ، وألقيت عليه محبة طاعتك ، وثبت وطأته في القلوب من محبتك ، ووفقته للقيام بما أغمض فيه أهل زمانه من أمرك ، وجعلته مفزعاً لمظلوم عبادك ، وناصراً لمن لا يجد غيرك ، ومجدداً لما عطل من أحكام كتابك ، ومشيداً لما دثر من أعلام دينك ، وسنن نبيك عليه وآله سلامك ، وصلواتك ، ورحمتك ، وبركاتك ، فاجعله اللـهم في حصانة من بأس المعتدين ، وأشرق به القلوب المختلفة من بغاة الدين وبلغ به أفضل ما بلغت به القائمين بقسطك من اتباع النبيين ، اللـهم وأذلل به من لم تسهم له في الرجوع إلى محبتك ، ومن نصب له ، العداوة ، وارم بحجرك الدافع من أراد التأليب على دينك بإذلاله وتشتيت أمره ، واغضب لمن لا ترة له ، ولا طائلة ، وعادي الأقربين والأبعدين منا عليه ، لا مناً منه عليك [654] .

اللـهم : فكما نصب نفسه غرضاً فيك للأبعدين ، وجاد ببذل مهجته لك في الذب عـن المؤمنيـن ، ورد شر بغاة المرتدين المريبين حتى أخفى ما كان جهر به من المعاصي ، وأبدى ما كان نبذه العلماء وراء ظهورهم مما أخذت ميثاقهم على ان يبينوه للناس ولا يكتموه ، ودعا إلى افرادك بالطاعة ، والا يجعل لك شريكاً من خلقك يعلو أمره على أمرك ، مع ما يتجرعه فيك من مرارات الغيظ الجارحة بحواسي القلوب ، وما يعتوره من الغموم ، ويفزع عليه من احداث الخطوب ، ويشرق به من الغصص التي لا تبتلعها الحلوق ، ولا تحنو عليها الضلوع ، من نظرة إلى أمر من أمرك ، ولا تناله يده بتغييره ، ورده إلى محبتك، فاشدد اللـهم أزره بنصرك ، وأطل باعه في ما قصر عنه ، من أطراد الراتعين في حماك ، وزده في قوته بسطة من تأييدك ، ولا توحشنا من أنسه ، ولا تخترمه دون أمله من الصلاح الفاشي في أهل ملته ، والعدل الظاهر في أمته . . .

اللـهم : وشرف بما استقبل به من القيام بامرك ليرى موقف الحساب مقامه ، وسر نبيك محمد صلواتك عليه وآله برؤيته ومن تبعه على دعوته ، واجزل على ما رأيته قائماً به من أمرك ثوابه ، وابن قرب دنوه منك في حياته ، وارحم استكانتنا واستخذاءنا لمن كنا نقمعه به إذا فقدتنا وجهه ، وبسط أيدي من كنا نبسط أيدينا عليه لنرده عن معصيته ، وافترقنا بعد الإلفة والإجتماع تحت ظل كنفك ، وتلهفنا عند الغوث محل ما اقعدتنا عنه من نصرته ، واجعله اللـهم في أمن مما يشفق عليه منه ، ورد عنه من سهام المكائد ما يوجهه أهل الشنآن إليه وإلى شركائه في أمره ، ومعاونيه على طاعة ربه الذين جعلتهم سلاحه وحصنه ، ومفزعه وأنسه ، الذين سلوا عن الأهل والأولاد ، وجفوا الوطن ، وعطلوا الوتير من المهاد ، ورفضوا تجارتهم ، واضسرّوا بمعايشهم وفقدوا في أنديتهم بغير غيبة عن مصيرهم ، وخالطوا البعيد ممن عاضدهم على أمرهم ، وقلوا القريب ممن صدّ عن وجهتهم فائتلفوا بعد التدابر والتقاطع في دهرهم ، وقطعوا الأسباب المتصلة بعاجل حطام الدنيا ، فاجعلهم اللـهم في أمـن مـن حرزك وظل كنفك ، ورد عنهم بأس من قصد إليهم بالعداوة من عبادك ، واجزل لهم على دعوتهم من كفايتك ومعونتك وأمدهم بتأييدك ونصرك ، وازهق بحقهم باطل من اراد إطفاء نورك ، اللـهم واملأ بهم كل أفق من الآفاق وقطر من الأقطار قسطاً وعدلاً ، ومرحمة وفضلاً ، واشكرهم على حسب كرمك وجودك ، وما مننت به على القائمين بالقسط من عبادك ، وادخرت لهم من ثوابك ما يرفع لهم به الدرجات . إنك تفعل ما تشاء وتحكم مـا تريـــد ... [655] .

الامــام المهــدي ( عجل الله تعالى فرجه )

قدوة وأسوة

تمهيــد

الحمد لله رب العالمين وصلى اللـه على محمد سيد المرسلين وعلى آله الهداة الميامين ، وعلى أصحابه المنتجبين وعلى عباد اللـه الصالحين .

لم تكن المشاكل الفلسفية ترفاً فكرياً ، أو اسرافاً في المثالية ، بل ان أغلبها تمس صميم واقع البشر لأنها تحاول معرفة العلاقة السليمة بين الإنسان وخالقه . وبينه وبين الكون المحيط به .

وأولئك الذين حاولوا تجريد الفلسفة عن هذا البحث الهام ، أفقدوها مبرر وجودها وحكمة انتشارها بين الناس واهتمامهم بها .

والحديث عن الإمام الغائب حجة اللـه على خلقه والسبب الموصل بين اللـه والإنسان ، وحبل اللـه المتين ، يهدف - فيما يهدف - الكشف عن جوانب هامة من هذه الصلة المباشرة بين خالق السماوات والأرض وبين الإنسان !! .

إذ تتجسد هذه الصلة في إنسان كامل لا يختلف في بشريته عن غيره ، إلاّ انه حجة اللـه ، الذي تجلت فيه رسالات اللـه ، وصاغته بشراً كاملاً ، ليكون قدوةً وإماماً .

ولأن اخترعت البشرية التائهة أبطالاً باسم الجندي المجهول وفي صورة ( سوبرمان ) وأبطال وهميين ، فان يد العناية الإلهية صاغت إنساناً من لحم ودم ولكنه كان رمز كل فضيلة ، ودليل كل سمو ، وليكون حجة اللـه على الإنسان لكي لا يبرر تقاعسه عن بلوغ المقام المحمود بضعفه البشري .

وها نحن في رحاب هذا الإمام العظيم ، واني أرجو من أولئك الذين لا يؤمنون به ان يفكروا في الأمر من جديد لئلا يمنعوا عن أنفسهم خيراً كثيراً .

والكتاب الذي بين أيدينا ، مساهمة بسيطة جداً في هذا المضمار . وكنت قد ألفته قبل حوالي عشرين عاماً . ولقد جددت النظر في بعض فصوله وأقدمه اليوم للقراء عسى اللـه ان ينفعني به يوم الحساب .

الفصل الاول : الاصــل الكريــم

مــن هــو الإمــام المهــدي ؟

والــده (ع) :

الإمام الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - عليهم جميعاً صلوات اللـه - .

أمّــه (ع) :

وصيفة تركية انحدرت من سلالة طيبة تتصل باوصياء عيسى ابن مريم (ع) واسمها نرجس أو (صيقل) وكانت قد أسلمت وهي في بلادها بسبب رؤيا شاهدتها ، وعندما زحفت طلائع الجيش الإسلامي على بلادها سلمت لهم ليأتي بها القدر إلى بيت الإمام الحسن العسكري (ع) وتصبح والدة حجة اللـه .

ميــلاده (ع):

في ليلة النصف من شعبان من عام ( 255 ) للهجرة وفي مدينة سامراء عاصمة الخلافة في عهد المعتصم العباسي وَلد الإمام الحجة (ع) .

وكان لولادته شواهد دلت على ما قدّر اللـه لهذا المولود السعيد من أثر على حياة البشرية .

دعنا نستمع إلى السيدة حكيمة بنت الإمام محمد بن علي الجواد وعمة الإمام الحسن تقص علينا عن ولادة الحجة قالت : بعث إليّ أبو محمد الحسن بن علي (ع) فقال : يا حكيمة أجعلي افطارك عندنا هذه الليلة - فانها ليلة النصف من شعبان فان اللـه تبارك وتعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة - وهو حجته على أرضه .

قالت فقلت له : ومن أمه ؟

قال لي : نرجس .

قلت له : جعلت فداك واللـه ما بها من أثر .

فقال : هو ما أقول لك .

قالت : فجئت فلما سلمت وجلست جاءت - نرجس - تنزع خفي وقالت لي يا سيدتي ، وسيدة أهلي ، كيف أمسيت ؟ فقلت : بل أنت سيدتي وسيدة أهلي ، فأنكرت قولي - وقالت : ما هذا يا عمة ! ( قالت ) فقلـت لها : ان اللـه تعالى سيهب لك في ليلتنا هذه غلاماً سيداً في الدنيا والآخرة .

قالت : فخجلت واستحيت ، فلما ان فرغت من صلاة العشاء الآخرة - أفطرت وأخذت مضجعي فرقدتُ ، فلما ان كان في جوف الليل قمت إلى الصلاة ففرغتُ من صلاتي وهي نائمة ليس بها حادثة - ثم جلست معقبة ثم اضطجعت ثم انتبهتُ فزعة وهي راقدة ، ثم قامتْ فصلت ، ونامت ، قالت حكيمة : فخرجتُ أتفقد الفجر فإذا أنا بالفجر الأول كذئب السرحان وهي نائمة فدخلني الشك - فصاح بي أبو محمد (ع) من المجلس ، فقال لي : لا تعجلي يا عمة ! فهناك الأمر قد قرب ، قالت : فجلستُ وقرأتُ ألم السجدة ويس . فبينما أنا كذلك انتبهتْ فزعة فوثبت إليها فقلت اسم اللـه عليك ، ثم قلت لها أتحسين شيئـــاً ؟ قالت نعم يا عمة - فقلت لها اجمعي نفسك واجمعي قلبك فهو ما قلت لك . فأخذتني فترة [656] وأخذتّها فطـرة [657] ، وانتبهت بحس سيدي فكشفت عنها ، فإذا أتي به (ع) ساجداً يتلقى الأرض بمساجده ، فضممته (ع) ، فإذا أنا به نظيف منظف - فصاح بي أبو محمد (ع) هلمي إليّ ابني يا عمة - فجئت به إليه - فوضع يديه تحت أليته وظهره ووضع قدميه في صدره ثم أدلى لسانه في فيه - وأمرَّ يده على عينيه ومفاصله [658] .

وبعدما ولد - أجرى له والده الإمام الحسن (ع) مراسيم الولادة بما يلي تفصيله .

تصدق عنه - عشرة آلاف رطل خبزاً وعشرة آلاف رطل لحماً - وعقَ عنه - بذبح ثلاثمائة شاة - بعثها حية من يومه إلى بني هاشم والشيعة . ثم بعث إلى الخاصة من أصحابه يخبرهم بولادته وانه الوصي من بعده ويأمرهم بكتمان ذلك عن كل أحد فقد أثر عن محمد بن الحسن بن إسحاق القمي قال : لما ولد الخلف الصالح (ع) ورد من مولانا أبي محمد الحسن بن علي (ع) إلى جدي أحمد بن إسحاق كتاب وإذا فيه مكتوب بخط يده الذي كان يرد به التوقيعات عليه :

ولد المولود فليكن عندك مستوراً وعند جميع الناس مكتوماً ، فإنا لم نظهر عليه إلاّ الأقرب لقرابته والمولى لولايته . أحببنا اعلامك ليسرك اللـه كما سرَّنا والسلام [659] .

وروي عن إبراهيم صاحب الإمام الحسن العسكري (ع) انه قال :

وجّه إليّ مولاي أبو محمد بأربعة أكباش وكتب إلي :

بسم اللـه الرحمن الرحيم

هذه عن ا بني محمد المهدي وكل هنيئاً واطعم من وجدت من شيعتنا [660] .

كتمان أمر الإمام :

وهكــذا تمت ولادة الإمام الذي بقي محاطاً بستار كثيف من الكتمان بسبب الظروف السياسية المعاصــرة . ولم يبدِ الإمام العسكري (ع) امر نجله إلاّ لخواص أصحابه ، فقد جاء في الحديث المأثور عن كتاب الغيبة ، عن جماعة من أصحاب الإمام انهم قالوا :

اجتمعنا إلى أبي محمد الحسن بن علي (ع) نسأله عن الحجة من بعده وفي مجلسه (ع) أربعون رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد بن العمر العمري فقال له : يابن رسول اللـه (ص) أريد ان أسألك عن أمر أنت أعلم به مني . فقال له : أجلسْ يا عثمان فقام مغضباً ليخرج ، فقال : لا يخرجن أحد ، فلم يخرج منا احد إلى ان كان بعد ساعة فصاح (ع) بعثمان ، فقام على قدميه فقال : أخبركم بما جئتم . قالوا : نعم يابن رسول اللـه (ص) قال : جئتم تسألوني عن الحجة من بعدي قالوا : نعم ، فإذا غلام كأنه قطع قمر أشبه الناس بأبي محمد (ع) فقال : هو إمامكم من بعدي ، وخليفتي عليكم أطيعوه ، ولا تتفرقوا من بعدي فتهلكوا في أديانكم . ألا وأنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتم له عمر ، فأقبلوا من عثمان ما يقول وانتهوا إلى أمره واقبلوا قوله فهو خليفة إمامكم والأمر إليه .

كيف بدأ عهد إمامة الحجة ؟

وكعادة الخلفاء العباسيين إذا وجدوا فرصة لقتل أولياء اللـه بادروا بدس السم إليهم .

اغتال المعتصم العباسي الإمام الحسن العسكري (ع) بالسم ، فأخذ يفتش عن نجله ليقضي عليه ويقطع دابر الإمامة الإسلامية في زعمه . فأرسل إلى بيت الإمام ليحتجز ما فيه ومن فيه .

دعنا نستمع خبر ذلك عن لسان أحمد بن عبد اللـه بن يحيى بن خاقان إبن وزير المعتصم الذي قال :

لما اعتل الإمام الحسن العسكري (ع) بعث إليّ أبي ان ابن الرضا قد اعتلّ فركب من ساعته إلى دار الخلافة ثم رجع مستعجلاً مع خمسة نفر من خدام ( أمير المؤمنين ) كلهم من ثقاته وخاصته منهم نحرير - وأمرهم بلزوم دار الحسن بن علي ، وتعرّف خبره وحاله ، وبعث إلى نفر من المتطببين فأمرهم بالاختلاف إليه وتعاهده صباحاً ومساءً .

فلما كان بعد ذلك بيومين جاءه من أخبره انه ضعف فركب حتى بكر إليه ، فأمر المتطببين بلزومه ، وبعث إلى قاضي القضاة فأخبره مجلسه ، وأمره ان يختار من أصحابه عشرة ممن يوثق به في دينه وأمانته وورعه فأحضرهم فبعث بهم إلى دار الحسن (ع) وأمرهم بلزومه ليلاً ونهاراً .

فلم يزالوا هناك حتى توفي (ع) لأيام مضت من شهر ربيع الأول من سنة ستين ومائتين ، فصارت ( سرّ من رأى ) ضجة واحدة - مات ابن الرضا - .

وبعث السلطان إلى داره من يفتشها ويفتش حجرها ، وختم على جميع ما فيه وطلبوا أثر ولّده ، وجاؤوا بنساء يعرفن بالحمل فدخلن على جواريه فنظرن إليهن فذكر بعضهن ان هناك جارية بها حمل ، فأمرنها فجعلت في حجرة وكّل بها نحرير الخادم وأصحابه ونسوة معهم .

ثم قال : ولم يزل الذي وكلوا بحفظ الجارية التي توهموا عليها الحمل ملازمين لها سنتين وأكثر حتى تبين لهم بطلان الحمل فقسم ميراثه بين أمه وأخيه جعفر وادعت أمه وصيته وثبت ذلك عند القاضي .

والسلطان على ذلك يطلب أثر ولده .

ثم ذكر قصة مناوءة جعفر على الوصايا حتى قال : وخرجنا - والأمر على تلك الحال - والسلطان يطلب أثر ولد الحسن بن علي (ع) حتى اليوم [661] .

وهكذا حاولت السلطة الجاهلية المستكبرة في الأرض ان تقتلع جذور الإمامة ، وتقضي على الحركة الرسالية الأصيلة .. فلم تفلح لان يد اللـه فوق أيديهم .

« يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللـه بِاَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللـه إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ »

(التوبة/32)

اللـه أعلم حيث يجعل رسالته :

وكان للإمام الحجة عمّ يدعى بجعفر زعم أن له حق الإمامة من بعد أخيه الحسن العسكري (ع) ، فأخذ يدعو الناس إلى نفسه ، بل ويتوسل إلى السلطات الظالمة ليستمد منها الدعم دون ان يعلم ان مبرر استمرار خط الإمامة هو مقاومة هذه السلطات ، وقيادة الجماهير المؤمنة ضد فسادها وانحرافها .

أما جعفر ابن الإمام علي الهادي (ع) فانه كان يفقد المؤهلات الكافية للإمامة ولانه كان يعرف ان الطائفة لا تعترف به ، فقد جاء إلى عبد اللـه بن يحيى بن خاقان - وهو وزير الخليفة العباسي - يسعى من أجل دعم مركزه .

ابن الوزير يروي قصة ذلك فيما يلي :

فجاء جعفر - بعد قسمة الميراث - إلى أبي وقال له : اجعل لي مرتبة أبي وأوصل إليّ في كل سنة عشرين ألف دينار مسلمة .

فزبره أبي وقال له : يا أحمق ! ان السلطان أعزه اللـه (!) جرّد سيفه وسوطه في الذين زعموا ان أباك وأخاك أئمة ، يردوهم عند ذلك فلم يقدر عليه ، ولم يتهيأ له صرفهم عن هذا القول فيهما ، فان كنت عند شيعة أبيك وأخيك إماماً فلا حاجة بك إلى السلطان يرتبك مراتبهما ولا غير السلطان ، وان لم تكن عندهم بهذه المنزلة . لم تنلها بنا .

وما لبث جعفر ان تراجع عن هذه الدعوة الكاذبة . وعاد إلى رشده في التسليم لإمامة الحجة (ع) ، ولذلك سمي عند الطائفة بجعفر التواب بعد ان كان يسمى بجعفر الكذاب .

/ 35