استحقت أخذها الموكل المستحق و عقرها و قيمة ولدها من المستولد و يرجع بالثمن و قيمة الولد علي البائع و الوكيل هو الذي يلى خصومته في ذلك لان البائع التزم بالعقد صفة السلامة و الوكيل له اليد ( ألا ترى ) أن الخصومة في العيب للبائع دون الموكل فكذلك الخصومة في الرجوع بالثمن و قيمة الولد على الوكيل فان قال البائع لم أبع من أب الولد شيئا أو قال لم أشتر هذا منى له فأقام الوكيل البينة انه اشتراها لفلان بأمره فالثابث بالبينة كالثابت بإقرار الخصم و ان لم يشهدوا بأمره و لكن شهدوا على اقرار المشترى انه اشتراها لفلان بماله فان كان إقراره بهذا قبل الشراء و شهد الشهود بذلك فهو و ما سبق سواء لانا لو سمعنا إقراره في ذلك الوقت كان الشراء موجبا الملك للموكل فكذلك إذا ثبت ذلك بالبينة و ان شهدوا انه أقر بذلك بعد الشراء قبل أن تلد و بعده لم يصدق على البائع لان شراءه موجب الملك له فكل أحد عامل لنفسه بتصرفه حتى يقوم الدليل علي أنه يعمل لغيره بإقراره بعد ذلك في حق البائع بمنزلة الايجاب المبتدأ لانه مصدق في هذا الاقرار في حقه و لو ملكه ابتداء من هذا المستولد لم يكن له خصومة مع البائع في الرجوع بقيمة الولد عليه بعد ذلك فكذلك هنا .و لو استولد جارته فاستحقها رجل فقال المستولد اشتريتها من فلان بكذا و صدقه فلان و كذبهما المستحق فالقول قول المستحق لان سبب ملك الولد ظاهر و هو استحقاق الجارية و الآخران يريدان إبطال ملكه في الولد بقولهما فلا يصدقان على ذلك و لكن يحلف المستحق بالله ما يعلم أنه اشتراها منه لانه لو أقر بذلك كان الولد حرا فإذا أنكر يستحلف عليه و لو أنكر البائع و صدقه المستحق فالولد حر لاقرار المستحق بحريته و على الاب قيمته لاقراره على نفسه بالقيمة للمستحق و لا رجوع لهما علي البائع لان قولهما ليس بحجة عليه و لو أنكر البائع و المشتري و أقر به المستحق عتق الولد بإقراره لانه ملكه في الظاهر و لا قيمة له على الاب لانه مدعى لنفسه عليه بالقيمة فلا يستحقه الا بحجة .قال رجل دفع إلى رجل ألف درهم مضاربة بالنصف فاشترى بها جارية تساوي ألفى درهم فاستولدها المضارب ثم استحقت فالولد حر بالقيمة لان المضارب كان مالكا نصفها في الظاهر قدر حصته من الربح فيتحقق الغرور بسبب ثم يرجع المضارب على البائع بالثمن فيكون على المضاربة كما كان و يرجع عليه أيضا بربع قيمة الولد لان رجوعه باعتبار ملكه الظاهر و ذلك كان بقدر الربع فيرجع به على البائع و يكون ذلك له خاصة و لا يكون على المضاربة لانه عوض عما أدى و المؤدى لم يكن
(183)
من مال المضاربة و لو لم يكن في الام فصل أحد المستحق الولد مع الام و لم يثبت نسبه من المضارب لانه استولدها و يعلم له أنه لا يملك شيئا منها فكان لا يثبت به النسب و الولد رقيق لانعدام التوارث حين كان عالما بحالها و ان كان هو الذي استولدها فان لم يكن فيها فصل كان الولد حرا و عليه قيمته للمستحق لانها مملوكة لرب المال في الظاهر و المضارب اشتراها له بأمره فهذا و فصل الوكيل سواء فيكون الولد حرا بالقيمة و يرجع على البائع بالثمن و قيمة الولد و الذى يلى خصومة البائع في ذلك المضارب فيكون الثمن على المضاربة و قيمة الولد على رب المال و ان كانت الجارية تساوي الفين فالرجوع على البائع بثلاثة أرباع قيمة الولد لان المملوك للمستولد من جهته كان هذا المقدر و هو قدر رأس المال و حصته من الربح فانما يرجع بهذا القدر من قيمة الولد فيكون لرب المال خاصة و يرجع بالثمن فيكون على المضاربة .قال رجلان اشتريا من وصى يتيم أمة فاستولدها أحدهما ثم استحقت قضي له بها و بقيمة الولد على الاب و يرجع الاب بنصف تلك القيمة علي الوصي لانه يملك نصفها من جهة الوصي ببيعه فبقدره يرجع عليه من قيمة ولدها ثم يرجع به الوصي في مال اليتيم لانه كان عاملا لليتيم في ذلك فإذا لحقه عهدة يرجع به عليه و كذلك لو كان البائع أب الصبي فهو و الوصي في حكم الرجوع سواء و كذلك لو كان البائع وكيلا أو مضاربا إذا كان في المضاوبة فصل لم يرجع على رب المال من قيمة الولد الا بقدر رأس المال و حصته من الربح لانه في ذلك القدر عامل له و فى حصة نفسه من الربح عامل لنفسه فلا رجوع به له علي رب المال .قال و لو كفل رجل للمشتري بما أدركه من درك لم يرجع المشترى على الكفيل بقيمة الولد لان هذا ليس بدرك في الجارية انما يفوت بهذا ما التزم بصفة السلامة فكان بمنزلة عيب يجده بها فيردها و هناك لا يرجع على الكفيل بشيء كذلك هنا لا يرجع على الكفيل بشيء من قيمة الولد .قال و إذا غرت الامة من نفسها رجلا أخبرته أنها أمة لهذا الرجل فاشتراها منه و استولدها ثم استحقت رجع أب الولد بالثمن و قيمة الولد على البائع دون الامة لان الرجوع باعتبار التزام صفة السلامة بعقد المعاوضة و البائع هو الذي التزم ذلك للمشتري دون الامة انما الامة أخبرته بخبر كذب و مجرد هذا الخبر لا يلزمه ضمان قيمة الولد كما بيناه .قال حرة ولدت ولدين في بطن واحد و كبرا و اكتسبا ما لا ثم مات أحدهما و ترك ابنا ثم جاء رجل و ادعي انه زوج المرأة و أنهما ابناه فأقرت المرأة بذلك حجدت الابن الباقى و ابن الابن فان الرجل و المرأة يصدقان على أنفسهما دون غيرهما فيثبت
(184)
النكاح بينهما بتصادقهما و يدخل في نصيب المرأة من الميراث لاقرارهما انهما يستويان في ذلك فان من ترك أبوين و ابنا فللابوين السدسان فلهذا قسم ما في يدها بينهما نصفان فان أقر ابن المرأة بدعوة الرجل ثبت نسبه بإقراره و من ضرورة ثبوت نسبه ثبوت نسب الآخر لانهما توأم فيثبت نسبهما و لكنه لا يرث بهذا مع ابن الميت شيئا لان الابن الباقى مستحق لشيء من ميراث الميت فتصديقه في حكم الميراث و تكذيبه سواء لان الميراث مال ينفصل عن النسب في الاستحقاق ثبوتا و سقوطا ( ألا ترى ) ان عبد الرق و اختلاف الدين و النسب ثابت و لا ميراث و إذا أقر أحد الاخوين بأخ آخر فالشركة في الميراث ثابتة و لا نسب و ما كان طريق ثبوته الضرورة فالمعتبر فيه الجملة فإذا كان أحد الحكمين ينفصل عن الآخر في الجملة لم يستحق الميراث بإقراره و ان ثبت نسبه و ان أقر ابن الميت بدعوة الرجل و قد احتلم ثبت نسبهما جميعا منه لانه في هذا التصديق قائم مقام أبيه و ثبوت نسب أخيه يقتضى ثبوت نسب الآخر ضرورة و يرث معه الرجل لان الحق في الميراث له و قد أقر بأن سدسا من الميراث و هو خمس ما في يده للاب فيؤمر بتسليمه اليه .قال و لو ان أمة ولدت ولدين في بطن واحد فاشترى رجل أحدهما و أعتق ثم مات المعتق فورثه مولاه ثم اشترى رجل آخر الابن الباقى مع أمه فادعى انه ابنه ثبت نسبه منه و ان كان كبيرا لا يقر بذلك الا عبد له فلا حاجة إلى تصديقه في إثبات النسب منه و يثبت نسب ولد الميت أيضا منه و لا يكون له الميراث الذي أخذه المولى لما بينا انه ليس من ضرورة ثبوت النسب استحقاق المال و انما أورد هذا الفصل إيضاحا لما سبق فانا لو قلنا يستحق المال علي المولى بهذا الطريق كان يقدر كواحد على إبطال حق المولى عن الميراث المستحق له بأن يشترى الابن الآخر فيدعي نسبه و هذا بعيد و فيه من الضرورة ما لا يخفى فقلنا لا يستحق المال و ان ثبت نسب الآخر منه ضرورة و الله أعلم بالصواب ( قال ) الشيخ الامام الاجل الزاهد شمس الائمة و فخر الاسلام أبو بكر محمد بن أبى سهل السرخسي رحمه الله إملاء أعلم بأن الاقرار خير متمثل متردد بين الصدق و الكذب فكان محتملا باعتبار ظاهره و المحتمل لا يكون حجة و لكنه جعل حجة بدليل معقول و هو أنه ظهر رجحان جانب الصدق على جانب الكذب فيه لانه متهم فيما يقر به علي نفسه ففى حق الغير ربما تحمله النفس الامارة بالسوء على الاقرار به كاذبا و ربما يمنعه عن الاقرار بالصدق و فى حق نفسه النفس الامارة
(185)
بالسوء على الاقرار به كاذبا و ربما ينفعه عن الاقرار بالصدق و في حق نفسه النفس الامارة بالسوء لا تحمله على الاقرار بالكذب و ربما يمنعه على الاقرار بالصدق فلظهور دليل الصدق فيما يقربه على نفسه جعل إقراره حجة و اليه أشار الله تعالى في قوله بل الانسان على نفسه بصيرة .قال ابن عباس رضى الله عنهما أى شاهد بالحق و الدليل على انه حجة شرعا قوله تعالى و ليملل الذي عليه الحق فأمر من عليه الحق بالاقرار بما عليه دليل واضح علي انه حجة و النهى عن الكتمان في قوله تعالى و لا يبخس منه شيئا و ليتق الله ربه دليل علي ان إقراره حجة كما ان الله تعالى لما نهى عن كتمان الشهادة كان ذلك دليلا على ان الشهادة حجة في الاحكام و رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم ماعزا رضي الله عنه حين أقر على نفسه بالزنا و قال صلى الله عليه و سلم في حديث العسف وأعد ما انتسب إلى إمرأة هذا فان اعترفت فارجمها فيكون الاقرار حجة في الحدود التي تندرئ بالشبهات دليل على انه حجة فيما لا يندرئ بالشبهات بالطريق الاولى ثم الاقرار صحيح بالمعلوم و المجهول بعد أن يكون المعلوم لانه اظهار لما عليه من الحق و قد يكون ما عليه مجهولا فيصح إظهاره بالمجهول كالمعدوم بخلاف الشهادة فان أداء الشهادة لا تكون الا بعد العلم بالمشهود به .قال الله تعالى الا من شهد بالحق و هم يعلمون و قال صلى الله عليه و سلم للشاهد اذا رأيت مثل الشمس فاشهد و الا فدع فمع الجهل لا حاجة إلى الشهادة بل هو ممنوع عن أدائها فأما من عليه الحق محتاج إلى اظهار ما عليه بإقراره معلوما كان عنده أو مجهولا فقد يعلم أصل الوجوب و يجهل قدر الواجب وصفته و لهذا صح إقراره بالمجهول و لان الشهادة لا توجب حقا الا بانضمام القضاء إليها و القاضي لا يتمكن من القضاء الا بالمعلوم فأما الاقرار موجب بنفسه قبل اتصال القضاء به و إذا احتمل بالمجهول أمكن ازالة الجهالة بالاجبار على البيان فلهذا صح الاقرار و لهذا لا يعمل بالرجوع عن الاقرار و يعمل بالرجوع عن الشهادة قبل اتصال القضاء بها إذا عرفنا هذا فنقول رجل قال غصبت من فلان شيئا فالإِقرار صحيح و يلزمه ما بينة و لا بد من تبيين أي شيء هو لان الشيء حقيقة اسم لما هو موجود ما لا كان أو غيره الا أن لفظ الغصب دليل علي المالية فيه فالغصب لا يرد الا على ما هو مال و ما ثبت بدلالة اللفظ فهو كالملفوظ كقوله اشتريت من فلان شيئا يكون اقرارا بشراء ما هو مال لان الشراء لا يتحقق الا فيه و لا بد من أن يبين ما لا يجري فيه التمانع بين الناس حتى لو فسره بحبه حنطة لم يقبل ذلك منه لان إقراره بالغصب
(186)
دليل على أنه كان ممنوعا منه من صاحبه حتى غلب عليه فغصبه و هذا مما يجرى فيه التمانع فإذا تبين شيئا بهذه الصفة قبل بيانه لان هذا بيان مقرر لاصل كلامه و بيان التقرير صحيح موصولا أو مفصولا فان ساعده المقر على ما بينه أخذه و ان ادعى غيره فالقول قول المقر مع يمينه لانه خرج عن موجب إقراره بما بين فإذا كذبه المقر له فيه صار رادا إقراره بنفي دعواه شيئا آخر عليه و هو لذلك منكر فالقول قوله مع يمينه و يستوى ان بين شيئا يضمن بالغصب أو يضمن بعد أن يكون بحيث يجرى فيه التمانع حتى المغصوب فالقول قوله مع يمينه و كذلك ان بين ان المغصوب دار فالقول قوله و ان كانت الدار لا يضمن بالغصب عند أبى حنيفة رحمه الله و اختلف المشايخ رحمهم الله فيما إذا بين المغصوب زوجته أو ولده الصغير فمنهم من يقول بيانه مقبول لانه موافق لمبهم كلامه فان لفظ الغصب يطلق علي الزوج و الولد عادة و التمانع فيه يجرى بين الناس أكثر مما يجرى في الاموال و أكثرهم على انه لا يقبل بيانه بهذا لان حكم الغصب لا يتحقق الا فيما هو مال فبيانه ما ليس بمال يكون إنكار الحكم الغصب بعد إقراره بسببه و ذلك صحيح منه و فرق بين هذا و بين الخلع فان من خالع إمرأته علي ما في بيتها من شيء فانه ليس في البيت شيء كالخلع مجازا و له أن يجعل تسمية الشيء فيه دليلا على المالية بخلاف تسمية المتاع لان الخلع من أسباب الفرقة و الفرقة قد تكون بغير بدل في العادة فلا يكون فيما صرح دليلا على المالية في الشيء المذكور فأما الغصب لا يطلق في العادة الا فيما هو مال و لا يثبت حكمه شرعا الا فيما هو مال فالتنصيص عليه دليل على المالية في الشيء المذكور و العصر قبل التخمر كان الا فسد تقومه بالتخمر شرعا و صار المسلم ممنوعا من تموله من انعدم أصل المالية فيه ( ألا ترى ) أنه بالتخلل يصير ما لا متقوما و هو ذلك الغير فلهذاصح بيانه ثم الخمر محل لحكم الغصب و لهذا كان غاصب الخمر من الذمي ضامنا لهذا قبل بيانه و كذلك لو أقر أنه غصب عبدا فهذه الجهالة دون الاول لان جنس المقر به صار معلوما هنا ثم التوسع في الاقرار أكثر منه في الخلع و الصلح عن دم العمد و النكاح و تسمية العبد مطلقا صحيح في هذه العقود ففى الاقرار الاول ان في هذه العقود ينصرف إلى الوسط لانه عقد معاوضة فيجب النظر فيه من الجانبين و ذلك بتعين الوسط الذي هو فوق الوكس و دون الشطط و الاقرار لا يقابله شيء فلا يتعين فيه الوسط بل يكون المقر فيه مقبولا إذا لم يخالف ما يلفظ به سواء بين الرديئ أو المعيب فاسم العبد أولى توضيح الفرق أن الغصب فعل يستدعى
(187)
محلا هو مفعول به و لان يستدعى صفة السلامة فيه و من حيث العادة أيضا ليس للغاصبين اختيار الوسط و التسليم و انما يغصب الغاصب ما يقدر عليه فاما في عقود المعاوضات لها موجب شرعا في اقتضاء صفة السلامة و كذلك للناس عادة في إيراد عقد المعاوضة على التسليم دون المعيب فلهذا يصرف مطلق العقد فيه إلى التسليم فان كان العبد الذي بعينه منصوبا في يده قائما رده و ان كان هالكا فعليه قيمته لان ضمان الاصل في الغصب رد العين قال صلى الله عليه و سلم على اليد ما أخذت حتى ترد و انما يصار إلى القيمة عند عدم رد العين ليكون خلفا عن الضمان الاصلى و سميت قيمة لقيامها مقام العين فان وقعت المنازعة بينهما في مقدار القيمة فالقول قول المقر لانكاره لزيادة مع يمينه و كذلك لو أقر بغصب شاة أو بقرة أو ثوب أو عرض و كذلك لو أقرانه غصبه دارا فالقول قوله في تعيينها سواء عينها في هذه البلدة أو في بلدة أخرى لان الدار اسم لما أدير عليه الحائط و ذاك لا يختلف باختلاف البلدان فكان بيانه مطابقا للفظه و لو قال هى هذه الدار التي في يدى هذا الرجل و ذو اليد منكر يقول الدار داري فالقول في تلك الدار قول ذي اليد لان دعوى المقر أنها لغيره كدعواه انها له فلا يصدق في ذلك بغير حجة لكنه خارج عن عهدة إقراره بما بين فان بيانه مطابق للفظه لان ما في يد الغير مال محل للغصب ثم لا يضمن المقر شيئا فى قول أبى حنيفة و أبى يوسف الاخر و في قول أبى يوسف الاول و هو قول محمد رحمه الله يصير ضامنا لقيمتها لانه اقر ببعضها و من أصل أبى حنيفة و أبى يوسف الآخر أن العقار لا يضمن بالغصب و هي مسألة معروفة في كتاب الغصب و لو قال غصبته هذه الامة أو هذا العبد فادعاهما جميعا المقر له فانه يقال للغاصب قر بأيهما شئت و تخلفت عن الآخر لانه أدخل حرف أو في موضع الاثبات فيتناول بعض المذكورين فإذا أقر بأحدهما خرج به عن عهدة ذلك الاقرار و قد صدقه المقر له في ذلك حين ادعاهما جميعا فيأخذ المقر له ذلك الشيء عينه و تبقي دعواه الآخر في يده فيكون القول الآخر قول المنكر مع يمينه و ان الدعي المقر له أحدهما بعينه لم يستحق ذلك إذا زعم المقر أن المغصوب هو الآخر لانه أقر بغصب في منكر و لان ادعاء المقر له معين و المعين عند المنكر فلم يتناول إقراره هذا المحل بعينه فلا يستحق به ثم هو بالتعيين قصد إبطال حق البيان الثابت للمقر فانه هو المبهم و من أبهم شيئا فإليه بيانه و هو لا يملك إبطال الحق الثابت له فان بين المقر الآخر صح بيانه لانه موافق لمبهم كلامه و لكن المقر له كذبه في ذلك و الاقرار يرتد بالرد فيبطل إقراره به بنفي
(188)
دعوي المقر له الآخر عليه و هو جاحد فالقول قوله مع يمينه و لو أقر أنه غصب هذا العبد من هذا أو من هذا و كل واحد منهما يدعيه فان اصطلحا علي أخذه أخذه و ان لم يصطلحا استحلف كل واحد منهما أولا نقول فرق بين هذا و الاول فقال هناك يقال له قر بأيهما شئت و احلف على الآخر وهنا لا يقال له قر لايهما شئت و أحلف للآخر لان هناك الاقرار صحيح ملزم فان المستحق معلوم انما الجهالة في المستحق فيمكن إجباره على البيان لما صح إقراره وهنا اقرار صحيح لان المقر له مجهول و جهالة المقر له تمنع صحة الاقرار لان الحق لا يثبت للمجهول و لان المغصوب عند الغصب قد بينه حاله على الغاصب انه عبد أو أمة و لكن المغصوب منه لا يشتبه عليه عادة فلم يكن إقراره للمجهول حجة تامة في الاستحقاق حتى يجبر على البيان و لكنهما ان اصطلحا علي أن يأخذ مأ مر بالتسليم إليهما لان المغصوب جهالة من يجب عليه تسليمه اليه و قد يزال ذلك باصطلاحهما فان أحدهما مالك و الآخر نائب عنه و كما يؤمر الغاصب بالرد على نائبه و لانه كان مقرا انه لا حق له في العبد منهما فان الحق فيه لا يعدوهما و انما لم يصح إقراره في التزام التسليم إلى أحدهما بعينه فلا يجبر على البيان لان ذلك ثابت بإقراره فإذا اصطلحا فقد ثبت بإقراره أن المستحق منهما يأمره بالتسليم اليه فان لم يصطلحا استحلف لكل واحد منهما بعينه لان كل واحد منهما يدعى الحق لنفسه عينا و هو لم يقر بذلك و انما أقر لمنكر منهما و المنكر في حق المعين كالمعدوم و للقاضي الخيار في البداية بالاستحلاف لايهما شاء و قيل هذا بالاستحلاف لمن سبق بالدعوى و قيل يقرع بينهما تطمينا لقلوبهما فان نكل عن اليمين أحدهما يأمره بالتسليم اليه ما لم يحلفه الآخر بخلاف ما إذا أقر لاحدهما بعينه فانه يأمره بالتسليم اليه لان الاقرار موجب الحق لنفسه فأما النكول لا يوجب الحق الا بقضاء القاضي و القاضي لا يقضى الا بعد النظر لكل قسم و من حجة الآخر أن يقول القاضي انما نكل له لانك بدأت بالاستحلاف له و لو بدأت بالاستحلاف لي لكان ينكل لي و في الاقرار لا يمكن الآخر أن يحتج بمثل هذا و قد زعم ان المقر له أحق بالعين منه فيأمره بالتسليم اليه فان حلف لاحدهما و نكل للآخر قضى القاضي به الذي يحل له لانه حق من حلف له و قد انتفى بيمينه ما لم يأت بحجة و لا حجة له و نكوله في حق الآخر قائم مقام إقراره فيأمره بالتسليم اليه و ان نكل لهما قضى القاضي بالعبد بينهما و بقيمته أيضا بينهما لان بنكوله صار عقرا له و غصب من كل واحد منهما جميعه و ما لو قدر الا علي النصف