الكفالة عن شريكه و كفالة المريض معتبرة من ثلثه ( قلنا ) هذا اذا لو كانت مباشرة الكفالة في المرض وهنا الكفالة بمقتضى عقد المفاوضة فانما كان في حال الصحة فالوجود و ان حصل في حالة المرض لما كان سببه موجودا في حال الصحة فالواجب كان معتبرا من جميع ماله فان ( قيل ) إذا كان سببه في حال الصحة ينبغى أن لا يتأخر عن حق غرماء الصحة ( قلنا ) وجوب الدين عليه بذلك السبب انما حصل في المرض فكان ذلك مزيد المرض لهذا المريض و لان اقرار الغير عليه لا يكون أبعد من قراره علي نفسه و لو أقر الصحيح لوارث المريض بدين لزم الصحيح كله دون المريض لان اقرار الصحيح في حق المريض كإقراره بنفسه و إقراره لوارثه باطل فكذلك اقرار الصحيح في حقه و ليس من ضرورة امتناع وجوب المال على الكفيل أن لا يجب على الاصيل فلهذا وجب المال علي الصحيح فان ( قيل ) اقرار المريض لوارثه انما لا يصح لتهمه الايثار و هو موجود في حق اقرار شريكه ( قلنا ) ليس كذلك بل يتمكن تهمة المواضعة هنا من حيث انه لما علم ان إقراره لوارثه بنفسه لا يصح لشريكه لتقربه له ثم يستوفى من مال المريض فليمكن هذه التهمة ( قلنا ) لا يصح الاقرار في حق المريض و لا تهمة في ما يقر له الشريك على نفسه في حقه فكان هو مطالبا بالمال و لو كان المفاوض قال لرجل ما ذاب لك على فلان فهو على أو ما وجب لك عليه أو ما قضى لك عليه ثم مرض ثم أقر فلان بألف درهم لذلك الرجل و قضى بها له عليه لزم المريض ذلك من جميع المال لان وجوب هذا المال عليه و ان كان بطريق الكفالة و لكن صح سببه في حال الصحة و لزم حتى لو أراد الرجوع عنه لم يملك ذلك فكان بمنزلة سائر الديون في كونه معتبرا من جميع المال ( ألا ترى ) ان الصحيح لو ضمن الدرك عن رجل في دار باعها ثم مرض فلزم الدرك كان مطالبا من جميع المال لان سببه لزم في حال الصحة على وجه لا يمكنه الرجوع عنه فكان معتبرا من جميع المال لان سببه لزم في حال الصحة هنا لان الوجوب مستند إلى سببه و لما تم السبب هنا و لزمه في حال الصحة استند حكم الوجوب اليه فلهذا كان مزاحما لغرماء الصحة و الله أعلم بالصواب ( باب الاقرار لما في البطن ) ( قال رضى الله عنه الاقرار لما في البطن على ثلاثة أوجه أحدها أن يبين سببا صالحا مستقيما بأن يقول لما في بطن فلانة علي ألف درهم من جهة ميراث ورثه عن أبيه فاستهلكته
(197)
أو وصية أوصى بما له فاستهلكته فهذا صحيح ) لانه بين سببا مستقيما لو عاينه حكمنا بوجوب المال عليه فكذلك إذا ثبت بإقراره هذا لان هذا الاقرار في الحقيقة للمورث و الموصى فان المال منفى علي حقه ما لم يصرفه إلى وارثه أو إلى من أوصى له به و كذلك المورث و الموصي من أهل الاقرار له فهو نظير ما لو قال لدابة فلان على ألف درهم أوصى له بالعلف فاستهلكته ثم ان ولدت ولدا حيا فالمقر به له و ان ولدته ميتا فالمال مردود علي ورثة الميت و الموصي و ان جاءت بولدين أحدهما ذكر و الآخر أنثى ففى الوصية يقسم بينهما نصفين و في الميراث يكون بينهما للذكر مثل خط الانثيين لان قول المقر في بيان السبب مقبولا و هذا إذا وضعته لاقل من ستة أشهر من حين مات الموصى و المورث حتى علم أنه كان موجودا في ذلك الوقت و ان وضعته لاكثر من ستة أشهر لم يستحق شيئا الا أن تكون المرأة معتدة فحينئذ إذا جاءت بالولد لاقل من سنتين حتى حكم بثبوت السبب في ذلك حكما بوجوده في البطن حين مات الموصى و المورث الوجه الثاني أن يبين سببا بمستحيل بأن يقول لما في بطن فلانة على ألف درهم ثمن بيع بايعته أو قرض أقرضته فهذا باطل لان المبايعة و الاقراض لا يتصور من الجنين حقيقة و لا حكما أما الحقيقة فلا يشكل و أما الحكم فلانه لا ولاية لاحد على الجنين حتى يكون تصرفه بمنزلة تصرف الجنين فيصير مضافا اليه من هذا الوجه و إذا كان ما سببه من السبب محالا صار كلامه لغوا فلا يلزمه شيء فان ( قيل ) هذا يكون رجوعا عن إقراره باذن و الرجوع عن الاقرار لا يصح و ان كان موصولا ( قلنا ) لا كذلك بل هو بيان السبب محتمل فقد نسبه على الجاهل فيظن أن الجنين يثبت عليه الولاية كالمنفصل فيعامله ثم يقر بذلك المال للجنين بناء علي ظنه و تبين سببه ثم يعلم أن ذلك السبب كان باطلا فكان كلامه بيانا لا رجوعا فلهذا كان مقبولا منه و الثالث أن يقر للجنين بمال مطلق من دين أو عين فيقول لما في بطن فلانه على ألف درهم أو هذا العين ملك لما في بطن فلانة فولدت لمدة يعلم انه كان في البطن وقت الاقرار فالإِقرار باطل في قول أبى يوسف رحمه الله و قال محمد رحمه الله الاقرار صحيح وجه قول محمد ان مطلق كلام العاقل محمول على الصحة ما أمكن لان عقله و دينه يدعو به إلى التكلم بما هو صحيح لا بما هو لغو فيجعل مطلق إقراره صحيحا بمنزلة ما لو بين سببا صحيحا لاقرارهما و هذا لان الاقرار حجة مهماأمكن اعماله لا يجوز ابطاله و الجنين جعل في حكم المنفصل حتى يصح الاقرار سببه و يصح إعتاقه و الاقرار يعتقه و يرث و يوصي له
(198)
فكما أن الاقرار للمنفصل بالمال مطلقا يكون اقرارا صحيحا فكذلك الاقرار به للحنين و لابي يوسف رحمه الله أن مطلق الاقرار بالمال محمول على الالتزام بالعقد فكانه أقربه و هذا لان دينه و عقله يمنعانه من الاستهلاك و يدعو به إلى الالتزام بالعقد فيجب حمل مطلق إقراره عليه ( ألا ترى ) أن أحد المتفاوضين إذا أقر بمال مطلق يلزم شريكه و العبد المأذون إذا أقر بالمال مطلقا يصح إقراره و يؤخذ به في الحال و كان ذلك باعتبار حمل مطلق الاقرار على جهة التجارة فكذلك هنا يحمل مطلق إقراره على جهة التجارة فكانه بين جهة التجارة و لان الاقرار ابتداء هنا يقع للجنين و هو ليس من أهل أن يثبت له حق ابتداء ما لم ينفصل و لهذا لا يلي عليه أحد لانه ما دام مختبأ في البطن فهو في حكم الاجراء و الابعاض فاما العتق و الوصية مما يحتمل التعليق بالشرط فيجعل كالمضاف إلى ما بعد الانفصال و الاقرار بالسبب ليس بإيجاب حق له ابتداء بل اخبار بانه علق من مائه و الاقرار باستهلاك ميراث أو وصية له لا يكون إيجابا للجنين ابتداء بل يكون اقرار للمورث و الموصى ثم ينتقل اليه بسبب الارث و الوصية ان انفصل حيا أما هذا إيجاب الحق للجنين ابتداء و هو ليس بأهل لذلك فلهذا بطل إقراره و الله أعلم ( باب الخيار ) ( قال رحمه الله رجل أقر لرجل بدين من قرض أو غصب أو وديعة أو عارية قائمة أو مستهلكة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالإِقرار جائز و الخيار باطل اما جواز الاقرار فلوجود الصيغة الملزمة بقوله على أو عبدي لفلان و أما الخيار فباطل ) لان الاقرار باطل ان اختار و لا يليق به الخيار لان الخبر ان كان صادقا فصدق اختاره أو لم يختره و ان كان كذبا لم يتعين باختياره و عدم اختياره و انما ما يبر يشترط الخيار في العقود بالشرط ليتغير به صفة العقد و يتخير من له بين فسخه و إمضائه و لان الخيار في معنى التعليق بالشرط فما دخل عليه و هو حكم العقد و الاقرار لا يحتمل التعليق بالشرط فكذلك لا يحتمل اشتراط الخيار الا أن التعليق يدخل على أصل السبب فمنع كون الكلام اقرارا و الخيار يدخل على حكم السبب فإذا لغى بقي حكم الاقرار و هو اللزوم ثانيا و هذا كما ان التعليق بالشرط يمنع وقوع الطلاق و اشتراط الخيار لا يمنعه و يستوى ان صدقه صاحبه في الخيار أو كذبه و هذا بخلاف ما إذا أقر بدين من ثمن
(199)
بيع على انه فيه بالخيار ثلاثة أيام فان هناك يثبت الخيار إذا صدقه صاحبه لان سبب الوجوب عقد يقبل الخيار فإذا تصادقا عليه صار ذلك كالمعاين في حقهما و ان كذبه صاحبه لم يثبت الخيار لان مقتضى مطلق البيع اللزوم فمن ادعى عدوة معتبرة باشتراط الخيار فيه لا يقبل قوله الا بحجة فاما ما سبب وجوب المال فعلا من فرض أو غصب أو استهلاك و ذلك لا يليق به الخيار و لو عاين اشتراط الخيار فيه كان لغوافلهذا لم يثبت و ان تصادقا عليه و ان أقر بالدين من كفالة علي شرط مدة معلومة طويلة أو قصيرة فان صدقه المقر له فهو كما قال و الخيار ثابت له إلى آخر المدة لان الكفالة عقد يصح اشتراط الخيار فيه فيجعل ما تصادقا عليه كالمعاين في حقهما و فرق أبو حنيفة رحمه الله بين البيع و بين الكفالة فقال في البيع لا يجوز اشتراط الخيار أكثر من ثلاثة أيام و في الكفالة يجوز ذلك و ان طالت المدة لان الكفالة عقد مبين على التوسع ( ألا ترى ) انه يحتمل التعليق ببعض الاخطار نحو قوله ما ذاب لك عن فلان فهو علي و نحو الكفالة بالدرك فانه تعليق بخطر الاستحقاق فإذا كان هو محتملا للتعليق كان الخيار ملائما له بأصله فيجوز اشتراطه مدة معلومة قصرت أو طالت فأما البيع مبنى على العتق حتى لا يحتمل التعليق بالشرط أصلا فلم يكن الخيار ملائما له باعتبار أصله فقلنا لا يجوز اشتراطه الا بقدر ما ورد به الشرع بخلاف القياس و ذلك ثلاثة أيام و ان كذبه صاحبه بالخيار لزمه المال و لم تصدق على شرط الخيار لان مقتضى عقد الكفالة اللزوم كما هو مقتضى مطلق البيع و هذا بخلاف الاجل فانه إذا ادعى الكفالة بالمال إلى أجل فالقول قوله و ان لم يصدقه صاحبه لان الاجل من مقتضيات الكفالة ( ألا ترى ) أن من كفل بمال موجد مطلقا يثبت الاجل في حق الكفيل و كذلك الكفالة توجب المال للكفيل على الاصيل إذا كان يأمره كما يوجب للطالب على الكفيل و ما يكون للكفيل على الاصيل مؤجل أن يؤديه عنه فلما كان الاصل من مقتضيات الكفالة جعل القول فيه قول من يدعيه بخلاف الخيار فانه ليس من مقتضيات الكفالة فلا يقبل قول من يدعيه الا بحجة و إقرار الصبي التاجر جائز في جميع تجاراته لان الاقرار من صيغ التجار و هو مما لا يستغنى التاجر عنه فانه يتعذر على من يعامله إشهاد الشاهدين عليه كل معاملة فإذا علم ان إقراره له لا يكون صحيحا يتحذر عن المعاملة معه فلهذا جوزنا إقراره و بخلاف اقرار الاب و الوصي عليه فانه لا يكون صحيحا لعدم التصور فان الاقرار ما يقر المرء به علي نفسه فأما ما يقربه علي غيره يكون شهادة فمن الاب لا يتحقق الاقرار علي الصبي و يتحقق من الصبي المأذون الاقرار