وهي آخر صور الفساد الإداري الذي سنتناوله بالدراسة. الذي يعد من الجرائم طبقاً للمفهوم القانوني (بإشارة للمادة (405) من قانون العقوبات الفرنسي) حيث أنه لكي يعد النصب جريمة يتعين فيه توافر الركن المادي لاستعماله الطرق الاحتيالية. وتستخدم جريمة الاحتيال هنا للحصول على منافع شخصية تدر على مرتكبيها. فالمرتكب لهذه الجريمة يقوم بفعله الاحتيالي الفاسد بعد أن يتبين أنه يستطيع النفاذ من فعله بالحيلة وبعد أن يقارن بين مكاسب الفعل وخسارته قبل ارتكابه. عليه سنعرض لأساليب الاحتيال التي ينفذ منها أصحاب النفوذ الإداري لتجاوز القوانين والعبور من خلالها بشكل خالٍ من المسؤولية باستعمال آلية الاحتيال. وأنموذجنا الأول في ذلك يتضمن ما كشفته إحدى الصحف المحلية الصينية عام 1995 عن فضيحة ضخمة كان طرفها رؤساء (خمس شركات في مدينة داندونج) الصينية، حيث حاول هؤلاء تعويض خسائر شركاتهم التي منيت بها نتيجة لارتفاع الأعباء الضريبية وتضاؤل الأرباح، باستخدام طرق احتيال ملتوية على القانون لتهريب سيارات من خارج الصين إلى داخلها لتحقيق أرباح ضخمة يستطيعون من خلالها تعويض خسائرهم. وتأتي أرباحهم هذه نتيجة للاحتيال على قانون الضرائب أولاً وبدفع الرشاوى إلى مجلس المدينة لغض الطرف عن تلك الصفقة ثانياً، وقد حقق هذا السبيل من الاحتيال إدخال (ثلاثمئة شاحنة) مهربة إلى البلاد مع تحقيق المكاسب المادية في التهرب من دفع الضرائب بطرق الاحتيال بما يعادل (خمسمائة مليون يوان صيني). وهكذا يتجلى أن للاحتيال على القانون آثاراً تثري فئة ضيقة وتؤثر على الدخل القومي للمجتمع ككل. ولعل المثال الآتي يعزز ذلك في تفسير أثر أساليب الاحتيال بشكل واضح. إذ ورد في تقرير لصندوق النقد الدولي أن إحدى الدول المستقلة بعد انهيار الاتحاد السوفياتي حصلت على قرض امتيازي لشراء القمح على أنها مساعدات إنسانية وفي عملية احتيال كأن أطرافها (تاجراً مرتبطاً بموظفين حكوميين) بيعت الصفقة إلى ذلك التاجر بسعر يقل عن سعر استيرادها المساوي، وقام الأخير مع مشاركيه من أعضاء الجهاز الحكومي بجني أرباح ضخمة أضرت بالمستهلك في تلك الدولة. الأمر الذي يظهر مدى الآثار السيئة للفساد الإداري. المثالان سالفا الذكر لآلية الاحتيال كانا لتصوير آلية الاحتيال لأشكال تؤثر على الدخل القومي وعلى المستهلك من عموم المواطنين. أما أن يكون الاحتيال مؤثراً بشكل يسلب الآخرين جهودهم الفكرية والعلمية فهذا يعد أسلوباً خطراً لأنه يهدد حقوق الباحثين وعناءهم العلمي. ولعل مثالنا الذي ستوضحه الأسطر القليلة الآتية يبين شكل وخطورة هذا الأسلوب. حيث بتاريخ 7/ت2/1983 حصل أحد الرعايا العرب في دولة عربية شقيقة على درجة الماجستير من إحدى الجامعات المعروفة في ذلك البلد. ومالبثت أن نشرت إحدى الصحف اليومية مقالة لأستاذه (المشرف المساعد على الرسالة) منقولة من رسالته، وجاء فيها أن الأستاذ ينوي إصدار ذلك في كتاب لإقراره على طلبة الكلية ذاتها التي أجازت رسالة الطالب، ثم صدر الكتاب من دار نشر معروفة وتداولته أيدي طلبة الكلية بمبلغ محدد على الغلاف ومدرجاً عليه اسم ذلك الأستاذ. على أنه أورد في مقدمة ذلك المؤلف (الذي هو نسخة طبق الأصل من رسالة الماجستير المذكورة) ما نصه: ـ ((إن هنالك أحد الطلبة قد اقتبس