فساد و الاصلاح نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
لدى ذكره أنواعاً للحكم ثلاثة تتضمنها الدساتير بحسب عدد الحكام والتي لكل منها شكله الفاسد، على أن الضابط لديه الذي يفرق بين الصالح والفاسد هو أنّ الدساتير الصالحة تمارس الحكم لصالح المحكومين والفاسدة تمارس الحكم لصالح أولئك الفاسدين. بعد ذلك، وإذا ما انتقلنا من الإغريق إلى عهود المسيحية نجد أنّ نصوص (الكتاب المقدس) عالجت ظاهرة الفساد أيضاً، فهذه رسالة بولس الرسول الأول إلى أهل كورنثوس تورد ما نصه: ((لا تضلوا: المعاشرة السيئة تفسد الأخلاق الحسنة)). والذي فيه دلالة على اهتمام المسيحية بالخلق القويم الذي يؤدي إلى تكوين مجتمع خال من الضلالة والعشرة السيئة اللتين ينجم عنهما الكثير من المفاسد. كذلك نلحظ أن (الكتاب المقدس) يورد في نص آخر حب المال هو إصابة لأوجاع كثيرة وفيه تحديد للوقاية من الفساد بشكل غير صريح وهو ما نراه في النص الآتي: ((فحب المال أصل كل شر، وبعض الناس استسلموا إليه فضلّوا عن الإيمان وأصابوا أنفسهم بأوجاع كثيرة)). إن نصوص المسيحية السالفة الذكر جاءت لتشخيص ثقل ظاهرة الفساد على الناس من خلال معالجات تبغي الرسالة السماوية من ورائها تقويم المجتمع وحثه على الطريق القويم الذي فيه النجاة من الإثم. كل ما أشرنا إليه عرّف الفساد ودرس الظاهرة، إلا أن ذروة سنام الأمر في المعرفة والمعالجة جاء خلال الأثر الإسلامي، وما جاءت به الرسالة المحمدية المطهرة، حيث نجد في (القرآن الكريم) تنبيهاً وإشارات لظاهرة الفساد بكل أبعادها وأشكالها، ذكرت في أكثر من خمسين موضعاً بين صفحاته الشريفة. ولو عدنا إلى سورة الإسراء بمفردها لوجدنا الإبداع الرباني ينبه الناس إلى كل أشكال الفساد بالحث على تفاديه، فجاءت النصوص بوحي منزلها (سبحانه وتعالى) مشيرة للفساد والإصلاح (في الوقت نفسه) لتعطي درساً بليغاً ينبه للسلوك القويم. على أن الدلالات تظهر ذلك في الآيات المطهرات الآتية: لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم *وَقَضَيْنَا إلى بَنِي إسْرَائِيل في الكِتاب لتُفسدنَّ في الأرضِ مَرَّتَيْن ولتعلُنَّ علوّاً كبيراً* صدق الله العظيم. حيث نجد أن الفساد في الآية المذكورة إنما جاء بمعنى القتل وإزهاق الروح، ليبين كيف يكون الناس قد ساروا في طريق الفساد، فبني إسرائيل قتلوا (زكريا) (عليه السلام) ثم أتبعوه بـ (يحيى) (عليه السلام) نتيجة لفسادهم وتكذيبهم لما جاءت به الرسالات السماوية. وقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم *وإذا أرَدنا أن نُهلِكَ قَريَةً أمرْنا مُترَفِيها فَفَسَقوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا القَول فدَمرناهَا تَدْمِيراً* صدق الله العظيم. الذي نرى فيه الإشارة لفساد الخلق والفساد الاجتماعي. وكلذلك قوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: * ولاتقربوا الزنى إنه فاحشة وساء سبيلا*. صدق الله العظيم والتي فيها علاج وتشخيص للمفاسد الاجتماعية والحث على تجنب فعلها. كما أن الإيفاء بالعهود والمواثيق ورد الأمانات وأشكال الفساد الاقتصادي واستغلال النفوذ تجسدت الإشارة إليها في النصوص الآتية: لقوله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم *وَلاَ تَقْرَبوا مَالَ اليَتيمِ إلا بالَتي هيَ أحْسَنْ حَتى يَبْلُغَ أَشُدَّه وأوْفُوا بالعَهدِ إنَّ العَهدَ كانَ مَسْئولاً*