الخامسة:
و يستحب ان يجعل مع الميت الجريدة، بالاجماع المحقق و المنقول متواترا في
كلام الاصحاب منهم: المدارك و اللوامع و الحدائق و البحار (317) ، و في المنتهى: انه
مذهب اهل البيت (318) ، و الظاهر انه ضروري المذهب، و هو الحجة فيه مع الاخبار
المستفيضة بل المتواترة معنى. كصحيحة زرارة: ارايت الميت اذا مات لم تجعل معه الجريدة؟ فقال: «يتجافى عنه العذاب و الحساب ما دام العود رطبا» (319) الحديث. و حسنة البصري: لاي شي ء توضع على الميت الجريدة؟ قال: «انه يتجافى عنه العذاب ما
دامت رطبة » (320) الى غير ذلك. و القول بالوجوب-كما هو ظاهر الصدوق في معاني الاخبار (321) -شاذ، و الاخبار غير
مفيدة له. و لتكن اثنتين على الحق المشهور، بل بالاجماع المنقول و المحقق، لعدم مخالفة غير
العماني، للاخبار الآتية المصرحة بالتعدد. خلافا للمحكي عن العماني (322) ، فجعلها واحدة، لخبري يحيى، الآتيين، و حسنة جميل: عن
الجريدة توضع من دون الثياب او من فوقها؟ فقال: «فوق القميص دون الخاصرة »
فسالته من اي الجانب؟ فقال: «من الجانب الايمن » (323) . و الجواب: ان روايتي يحيى مطلقتان بالنسبة الى الوحدة و التعدد، فيجب
تقييدهما باخبار التعدد.بل و كذلك الحسنة، و الاقتصار على الايمن فيها لا يدل
على الوحدة، لجواز وضعهما معا في الايمن. و لتكونا خضراوين بالاجماع كما في اللوامع و غيره (324) ، لانه المفهوم من
الروايتين الاوليين. و لرواية يونس: «و يجعل له قطعتين من جرائد النخل رطبا قدر ذراع، يجعل له واحدة بين
ركبتيه، نصف مما يلي الساق و نصف مما يلي الفخذ، و يجعل الاخرى تحت ابطه
الايمن » (325) . و يدل عليه قول رسول الله صلى الله عليه و آله كما في رواية يحيى بن عبادة: «خضروا
اصحابكم فما اقل المخضرين » قال: و ما التخضير؟ قال: «جريدة خضراء توضع من اصل
اليدين الى الترقوة » (326) و روايته الاخرى الآتية (327) . بل لا تجزى ء اليابسة، لرواية محمد بن علي: عن السعفة اليابسة اذا قطعها بيده هل
يجوز للميت ان توضع معه في حفرته؟ فقال: «لا يجوز اليابس » (328) . و عن طائفة من كتب اللغة كالعين، و المحيط، و تهذيب اللغة (329) اعتبار الرطوبة في
المفهوم. من النخل، بلا خلاف، كما هو صريح رواية يونس، المتقدمة و المستفاد من ظواهر
الاخبار، بل يستفاد منها كون الجريدة حيث يطلق يومئذ حقيقة في المتخذ منه. فان لم يوجد منه فمن السدر، فان لم يوجد فمن الخلاف، وفاقا للاكثر، لرواية سهل:
ان لم يقدر على الجريدة؟ فقال: «عود السدر» قيل: فان لم يقدر على السدر؟ فقال: «عود
الخلاف » (330) . ثم ان لم يوجد الخلاف فمن كل شجر رطب، لمرسلة الفقيه: الرجل يموت في بلاد ليس
فيها نخل، فهل يجوز مكان الجريدة شي ء من الشجر غير النخل-الى ان قال-: فاجاب عليه
السلام: «يجوز من شجر آخر رطب » (331) . و الرضوي: «فان لم يقدر على جريدة من النخل فلا باس بان يكون من غيره بعد ان يكون
رطبا» (332) . و ظاهرهما و ان اقتضى بدليته عن النخل اولا كما عن الفقيه (333) ، و الخلاف و
السرائر و الذكرى (334) ، و الكامل، الا انهما لاعميتهما من الرواية المتقدمة
مطلقا، يجب تقييدهما بها، كما يجب تقييدها برواية علي بن ابراهيم: «يجعل بدلها
عود الرمان » (335) فيقدم الرمان على غير السدر و الخلاف، كما عن البيان، و الدروس (336) ،
و اللمعة (337) .بل ظاهرها بدلية الرمان عن النخل مطلقا، فيعارض الرواية السابقة
بالعموم من وجه، الا ان الشهرة بل عدم قول بتقديم الرمان عليهما اوجب ترجيح ما
تضمنهما على ما تضمنه. و حكي عن المفيد و الديلمي (338) و جماعة (339) -كما في البحار (340) -تقديم الخلاف على السدر،
و لا اعلم مستندهما.و ربما قيل بالتخيير بعد النخل بين السدر و الخلاف ثم الرمان (341) .
و يستحب ان يكونا بقدر عظم الذراع، كما عن المشهور، للرضوي: «و روي ان الجريدتين كل واحدة قدر عظم ذراع » (342) . و لعلهم حملوا عليها الذراع في رواية يونس، السابقة (343) ، و رواية يحيى بن عبادة:
«تؤخذ جريدة رطبة قدر ذراع فتوضع-و اشار بيده-من عند ترقوته الى يده، تلف مع ثيابه » (344) .
لانها المعنى الحقيقي للذراع-كما قيل (345) -و الاصل عدم النقل. و لا تنافيه حسنة جميل: «الجريدة قدر شبر توضع واحدة من عند الترقوة الى ما بلغت
مما يلي الجلد، و الاخرى في الايسر من عند الترقوة الى ما بلغت من فوق القميص » (346) .
لان عظم الذراع ايضا قدر شبر تقريبا. و اما التقدير باربع اصابع فما فوقها-كما عن العماني (347) -فكانه مستنبط من
رواية يحيى بن عبادة، الاولى (348) .و فيه تامل. ثم الظاهر جواز الزيادة عما ذكر و النقيصة ما دام صدق الجريدة، اذ يعتبر
فيها طول، لاطلاق بعض الروايات و عدم ثبوت الوجوب من المقيدات. ثم انه يحصل الامتثال بوضعهما مع الميت كيف كان-و لو اختيارا-على الاظهر،
وفاقا للمعتبر و شرح القواعد للكركي (349) ، لمطلقات وضعهما للميت وضعة، و عدم ثبوت
دلالة المقيدات على لزوم التقيد و تعينه، مضافا الى خصوص رواية البصري: عن
الجريدة توضع في القبر، فقال: «لا باس » (350) . و يستحب ان تجعل احداهما على الايمن و الاخرى على الايسر كما هو-في طريقة
وضعهما-الاشهر، بل عليه غير الجعفي ممن تقدم او تاخر، لرواية الفضيل: «توضع للميت
جريدتان واحدة في الايمن و الاخرى في الايسر» (351) و حسنة جميل، المتقدمة (352) . او تجعل احداهما في الايمن و الاخرى بين الركبتين، كما عن الجعفي (353) ،
لرواية يونس، السابقة (354) ، و قريب منها الرضوي (355) . و ان كان الاول اولى، للاشهرية.و لا يتعين على الاقوى، للاصل. ثم على الاول تجعل اليمنى عند الترقوة بين الجلد و القميص، و اليسرى عندها بين
القميص و اللفافة، كما في الحسنة. او الاولى كما ذكر، و الثانية عند وركه، للرضوي: «و اجعل معه جريدتين احداهما عند
ترقوته تلصقها بجلده، ثم تمد عليه قميصه، و الآخر عند وركه » (356) . و لا يتعين الاول، كما ذهب اليه الاكثر و منهم الصدوق في المقنع (357) ، و ان كان
افضل، لانه الاشهر. و لا الثاني، كما عن الصدوق في الفقيه (358) و والده (359) ، للاصل، و عدم دلالة الروايات
على اللزوم، بل الظاهر عدم ارادة القوم فيما اختاروه ايضا سوى بيان
الافضل. و اما جعل اليمنى عند الحقو على الجلد، و اليسرى على الازار، كما عن الاقتصاد و
المصباح (360) ، و مختصره، او وضعهما كالمشهور، الا ان اليسرى تحت اليد كما عن
المراسم (361) ، فلا دليل عليه بخصوصه. كل ذلك مع عدم المانع من تقية او غيرها و لو كان نسيانا.و معه توضع حيث امكن-و
لو في القبر-قولا واحدا، للمستفيضة كمرفوعة سهل: ربما حضرني من اخافه، فلا يمكن
وضع الجريدة على ما رويناه.فقال: «ادخلها حيث ما امكن » (362) و نحوها غيرها بزيادة:
«و ان وضعت في القبر فقد اجزاه » (363) . و في مكاتبة احمد بعد السؤال عن حضور المرجئة: «و اما الجريدة فليستخف بها و لا
يرونه، و ليجهد في ذلك جهده » (364) . و في مرسلة الفقيه: «مر رسول الله صلى الله عليه و آله على قبر يعذب صاحبه، فدعا
بجريدة فشقها نصفين، فجعل واحدة عند راسه و الاخرى عند رجليه » (365) . و يحتمل ان يكون المراد بالشق فيها القطع، فلا يثبت معها ما استحبه بعضهم (366)
من الشق. و بعضهم استحب وضع القطن عليها (367) ، و كانه لاستبقاء الرطوبة. و ينافيه ما مر به من الالصاق بالجلد، فالترك اولى. و ذكر الاكثر-و منهم الصدوق في الهداية (368) -استحباب كتابة الشهادة بالتوحيد
عنه عليهما، بل زادوا الشهادة بالرسالة و الامامة للائمة باسمائهم المقدسة. و لا نص عليه بخصوصه، الا ان الشهرة العظيمة، و تصريح الاجلة، و طلب اليمن و البركة
كافية في الاثبات، للمسامحة. و هل يختص استحباب الجريدتين بالمكلف، كما يوهمه ظاهر التعليل بمنعهما عن
العذاب؟ او لا، كما يقتضيه اطلاق الاخبار و ظاهر فتاوى الاصحاب، فتوضعان لكل
ميت حتى الصغير و المجنون؟ الظاهر: الثاني، لما مر، و افادتهما في حق غير المكلف لدفع الوحشة، و حصول الانس
الذي هو ايضا علة اخرى كما يستفاد من بعض الروايات (369) .بل الوحشة ايضا نوع
عذاب غير مخصوص بالمكلفين.
السادسة:
يستحب ان يضع في يمين الميت مع الجريدة كتابا يكتب فيه اقراره في حياته، و
تستشهد بما فيه جماعة، على ما ذكره الشيخ في المصباح (370) ، بل رواه، كما في
المنتهى (371) .و هو كاف في اثبات استحبابه. و طريقه على ما ذكره ان يهيئه كل احد في حياته، فيقول قبل ان يكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له و ان محمدا عبده
و رسوله و ان الجنة حق و ان النار حق و ان الساعة آتية لا ريب فيها و ان الله
يبعث من في القبور» . ثم يكتب: «بسم الله الرحمن الرحيم شهد الشهود المسمون في هذا الكتاب ان
اخاهم في الله عز و جل فلان بن فلان-و يذكر اسم الرجل-اشهدهم و استودعهم و اقر
عندهم انه يشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له، و ان محمدا عبده و رسوله، و انه
مقر بجميع الانبياء و الرسل عليهم السلام، و ان عليا ولي الله و امامه، و ان
الائمة من ولده ائمته، و ان اولهم الحسن و الحسين عليهما السلام و علي ابن
الحسين عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام و جعفر بن محمد عليه السلام و
موسى بن جعفر عليه السلام و علي بن موسى عليه السلام و محمد بن علي عليه السلام
و علي بن محمد عليه السلام و الحسن بن علي عليه السلام و القائم الحجة عليه
السلام، و ان الجنة حق، و النار حق، و الساعة آتية لا ريب فيها، و ان الله يبعث
من في القبور، و ان محمدا صلى الله عليه و آله و سلم رسوله جاء بالحق، و ان عليا
عليه السلام ولي الله و الخليفة من بعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم و
مستخلفه في امته مؤديا لامر ربه تبارك و تعالى، و ان فاطمة بنت رسول الله صلى
الله عليه و آله و سلم و ابنيها الحسن و الحسين عليهما السلام ابنا رسول الله
صلى الله عليه و آله و سلم و سبطاه و اماما الهدى و قائدا الرحمة، و ان عليا عليه
السلام و محمدا و جعفرا و موسى و عليا و محمدا و عليا و حسنا و الحجة عليهم
السلام ائمة و قادة و دعاة الى الله عز وجل و حجة على عباده » . ثم يقول للشهود: يا فلان و يا فلان المسمين في هذا الكتاب اثبتوا لي هذه
الشهادة عندكم حتى تلقوني بها عند الحوض، ثم يقول الشهود يا فلان: «نستودعك الله، و
الشهادة و الاخاء و الاقرار لمودوعة عند رسول الله صلى الله عليه و آله، و نقرا
عليك السلام و رحمة الله و بركاته » . ثم تطوى الصحيفة و تطبع و تختم بخاتم الشهود و خاتم الميت و يوضع عن يمين
الميت مع الجريدة. و تكتب الصحيفة بكافور و عود على جهة غير مطيب، اي يؤخذ العود مكان القلم من غير
ان يبرى او يلطخ بشي ء و من غير ان يطيب هذا. و يستفاد من بعض الاخبار غفران الميت بشهادة اربعين رجلا بعد موته بان يقولوا:
«انا لا نعلم منه الا خيرا فاغفر له » (372) و اما كتابة تلك الشهادة بعد الموت، فلا
دليل عليها.
السابعة:
الكفن الواجب للميت غير المراة ذات البعل يؤخذ من اصل تركته، مقدما على
الديون و الوصايا، باجماع الطائفة كما صرح به جماعة (373) ، و نفى عنه الخلاف في
المنتهى و شرح القواعد (374) و غيرهما، لاستفاضة النصوص. منها: صحيحة زرارة: عن رجل مات و عليه دين و خلف قدر ثمن كفنه، قال: «يجعل ما ترك في
ثمن كفنه الا ان يتجر عليه انسان يكفنه و يقضي دينه مما ترك » (375) . و خبر السكوني: «اول شي ء يبدا به من المال الكفن ثم الدين ثم الوصية ثم
الميراث » (376) و روى نحوه في الدعائم عن مولانا امير المؤمنين عليه السلام (377) . و مقتضى اطلاق الاخبار و فتاوى علمائنا الاخيار: تقديمه على حق المرتهن و
غرماء المفلس، لعدم خروج المال عن الملك. و تردد في المرهون و في حق المجنى عليه في شرح القواعد (378) ، لاقتضائهما الاختصاص. و هو اجتهاد في مقابلة الاخبار، الا ان يستشكل في شمولها لهما لشيوع غيرهما، و
انصراف المطلق الى الشائع. و المندوب مع الوصية يكون من الثلث.و بدونها يتوقف اخراجه عن التركة على اجازة
الورثة ان كانوا جميعا من اهلها بعد اخراج الديون، لاصالة عدم تعلقه بالمال.و
تستحب لهم الاجازة، كما تستحب على سائر المطلعين من المكلفين كفاية، لتوقف
التكفين المستحب كذلك عليه، و استحباب مقدمة المستحب. و كذا الكلام في الوصف المندوب للواجب من الجودة و نحوها، فيتوقف اخراج
الاجود بل الجيد على اجازة الوارث. و المخرج من التركة ليس الا الادون مما يصدق عليه الاسم، الا ان يبلغ حدا
انصرفت الاطلاقات الى غيره. و احتمال مراعاة القصد في الجنس بحسب حال الميت في الاخراج عن التركة لا
دليل عليه، و القياس على بعض ما روي فيه ذلك باطل، و شهادة العرف به ممنوعة. و الكفن الواجب لذات البعل على بعلها و لو كانت موسرة اذا كان موسرا و لو
بارثه من تركتها، اجماعا كما في المدارك (379) و اللوامع، و عن صريح الخلاف و
نهاية الاحكام (380) ، و ظاهر المعتبر و المنتهى و التذكرة و الذكرى (381) . لخبر السكوني، و مرسلة الصدوق المنجبر ضعفها-لو كان بما ذكر. الاول: «على الزوج كفن امراته اذا ماتت » (382) . و الثاني: «كفن المراة على زوجها اذا ماتت » (383) . و مقتضى اطلاقهما كفتاوى الاصحاب عدم الفرق بين الصغيرة و الكبيرة، المدخول
بها و غيرها، المطيعة و الناشزة، و الدائمة و المنقطعة، و ان كان الشمول للاخيرة محل
نظر و تامل، بل قد ينظر في الناشزة ايضا، لعدم انصراف الاطلاق الى نحوها. و فيه: ان الموجب للنظر انصرافه الى غيرها بحيث يتبادر، و هو ممنوع. و كذا ان كان معسرا، و فسروه بان لا يفضل ماله عن قوت يومه و ليلته له و لعياله
و ما يستثنى في دينه، اذا امكن له-على الاظهر-كما احتمله في المدارك (384) ، للاطلاق.
و دعوى غلبة ايساره و انصراف المطلق الى الغالب باطلة، لمنع الغلبة الموجبة
للتبادر. و لو لم يمكن له كفنت من تركتها، لتقييد التكاليف بالامكان قطعا، فتبقى
اطلاقات كون الكفن على التركة في حق مثل هذه خالية عن المخصص. و لو لم يكن لها ايضا مال تكون كغيرها من فاقدي الكفن، كما ياتي. و لو ماتا معا لم يجب كفتها عليه، لخروجه عن التكليف، فلا يشمله النص. و لو مات بعدها وجب من تركته، لسبق التعلق. و لو اوصت الموسرة بكفنها نفذت من الثلث، لعمومات الوصية.و سقط عنه. و في الحاق سائر المؤن الواجبة بالكفن-كالاكثر (385) -اشكال، و الاصل يدفعه. و لا يلحق بالزوجة غيرها ممن تجب نفقته، للاصل.الا المملوك، فان كفنه و مؤن تجهيزه
على مولاه بالاجماع.
الثامنة:
لو لم يكن للميت تركة تفي بكفنه يكفن من الزكاة وجوبا، على الاظهر، وفاقا للمنتهى
و الكركي و الاردبيلي (386) و والدي-رحمه الله-في اللوامع، و عن جمع آخر. لموثقة فضل: ما ترى في رجل من اصحابنا يموت و لم يترك ما يكفن به اشتري له كفنه
من الزكاة؟ فقال: «اعط عياله من الزكاة قدر ما يجهزونه، فيكونون هم الذين
يجهزونه » قلت: فان لم يكن له ولد و لا احد يقوم بامره فاجهزه انا من الزكاة؟ قال:
«ان ابي كان يقول: حرمة المؤمن ميتا كحرمته حيا، فوار بدنه و عورته، و جهزه و
كفنه و حنطه، و احتسب بذلك من الزكاة » (387) . و استحبابا عند جماعة (388) ، للاصل المندفع بالامر الذي هو حقيقة في الوجوب. و لو لم توجد الزكاة ايضا فالمصرح به في كلام الاصحاب انه لا يجب على
المسلمين بذله-و ان استحب لمرغبات التكفين-بل يدفن بلا كفن، و في المدارك: ان
هذا مما ليس خلاف فيه بين العلماء (389) ، و في اللوامع: الاجماع عليه، للاصل، و عدم
الدليل. اقول: ان ثبت الاجماع، و الا فيدفع الاصل بوجوب التكفين من غير شرط -لاصالة
عدم الاشتراط-كفاية على كل احد، و هو يتوقف على بذله الكفن، و مقدمة الواجب المطلق
واجبة. و منع وجوبه المطلق لانه يثبت بالاجماع الغير الثابت منه الا المشروط، يندفع
بعدم اختصاص دليله بالاجماع. بل يدل عليه نحو قوله: «الكفن فريضة للرجال ثلاثة اثواب » (390) فان المفروض عليه ليس
الميت و لا احد بخصوصه اجماعا، فمعناه: الكفن-اي وضعه-فريضة على كل احد من
المسلمين كفاية... ثم لو وفت التركة ببعض القطع، او لم يوجد الا البعض يكتفي بما يوجد من ثوبين
او واحد جوازا اجماعا، و وجوبا عند الاكثر، بل غير شاذ ممن تاخر (391) ، لاصالة
بقاء وجوب ما يمكن، حيث انه يجب كل قطعة بامر منفرد، و الاصل عدم الارتباط و
الاشتراط، فيمتثل ما تيسر.مبتدئا من اللفافة، ثم القميص، ثم المئزر على القول
به.كذا رتب في شرح القواعد (392) و غيره.ولي في وجوبه نظر. و لو وجد بعض ثوب لم يجب على الاظهر ما زاد على ساتر العورة الواجب مطلقا
اجماعا، للاصل، و كون وجوبه تبعيا ساقطا بسقوط متبوعه، و عدم دلالة مثل
«الميسور لا يسقط بالمعسور» (393) . و لو وجد الكفن الممنوع منه، فان كان منعه لاطلاق كالحرير و المغصوب، اتجه المنع
هنا ايضا، للاطلاق.و تخصيصه بحال الاختيار للانصراف اليه غير جيد.و ان كان
للاجماع كالنجس، اتجه الجواز بل الوجوب، لاختصاصه بصورة وجود غيره. و لو كان هناك كفن و ميتان، فان اختص باحدهما يكفن به، و الا تخير. و عن المعتبر الميل الى جعلهما في كفن (394) . و لم تثبت مشروعيته، و فعل النبي صلى الله عليه و آله كذلك في قتلى احد (395) غير
ثابت.
التاسعة:
و ما سقط من الميت من شعر او ظفر او لحم او غيرها يجب جعله في كفنه على الاظهر
الاشهر، بل عليه الاجماع في المدارك (396) و اللوامع و عن التذكرة و نهاية
الاحكام (397) ، لمرسلة ابن ابي عمير: «و ان سقط منه شي ء فاجعله في كفنه » (398) . خلافا للمحكي عن الجامع (399) ، فقال باستحبابه.و صريح الامر الوارد في الخبر
المنجبر بما ذكر-مع حجيته في نفسه-يدفعه. و هل يجب غسله؟ صرح في شرح القواعد (400) و اللوامع، مدعيا عليه في الاخير الاجماع،
لخبر البصري: عن الميت يكون عليه الشعر فيحلق عنه او يقلم، قال: «لا يمس منه شي ء اغسله و
ادفنه » (401) . و لم يذكره في الشرائع و المنتهى و القواعد (402) .و الاصل يقتضي العدم، و الخبر
المذكور لا يثبته، لجواز كون المرجع في ضميري «اغسله و ادفنه » الميت.
العاشرة:
لو خرجت من الميت نجاسة و لقيت كفنه، فقبل وضعه في القبر يغسل، و بعده يقرض مطلقا،
وفاقا للشرائع و النافع و المنتهى و القواعد (403) ، و عن الصدوقين (404) ، و الحلي (405) ، بل
عن الاكثر كما في المدارك و البحار (406) و اللوامع. للرضوي المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: «فان خرج منه شي ء بعد الغسل فلا تعد الغسل، و
لكن اغسل ما اصاب من الكفن الى ان تضعه في لحده، فان خرج منه شي ء في لحده لم تغسل
كفنه، و لكن قرضت من كفنه ما اصاب من الذي خرج منه، و مددت احد الثوبين على الآخر» (407) .
و به تخصص اطلاقات الغسل، المتقدمة في بحث الغسل (408) ، و مطلقات القرض كحسنة الكاهلي:
«اذا خرج من منخر الميت الدم او الشي ء بعد الغسل فاصاب العمامة او الكفن قرض
بالمقراض » (409) .و بمعناها مرسلة ابن ابي عمير (410) . خلافا للكركي (411) و المحكي عن المحقق (412) ، فخصصا القرض بعد الوضع بصورة عدم امكان
الغسل، و استقربه والدي في اللوامع، لحرمة اتلاف المال، خرج ما اذا لم يمكن
الغسل فيبقى الباقي. و يضعف: بان الاتلاف قد تحقق، و لذا تراهم يستدلون لحرمة الحرير الزائد عن القدر
المستحب في التكفين: بانه اضاعة للمال.و مع التسليم فالنص جوزه، كما في صورة
عدم امكان الغسل. و بني حمزة و البراج و سعيد (414) ، فاطلقوا القرض، لاطلاق
الحسن و المرسل بعد تقييد مطلقات الغسل بهما، لاختصاصهما بما اصاب الكفن، و
عمومها بالنسبة اليه و الى الجسد. و هو كان حسنا لو لا الرضوي الذي هو اخص منهما، و لذا يحكم بالقرض ايضا فيما لم
يشمله الرضوي ايضا، و هو ما اذا خرج قبل الوضع و اصابه بعده او قبله و علم بعده. هذا كله اذا لم تتفاحش النجاسة بحيث يؤدي القرض الى كشف بدن الميت و هتكه و عدم
امكان مد الثوب الآخر عليه، و الا فعن الشهيدين و الكركي (415) سقوط القرض فيغسل ان
امكن، و الا يسقط هو ايضا.و للمقال فيه مجال.