الفصل الرابع: في غسل النفاس
و المراد بالنفاس هنا دم الولادة، و الكلام هنا اما في تعيين النفاس او في
احكامه، و فيه بحثان:
البحث الاول: في تعيينه
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
الدم الخارج حال الطلق-و هو وجع الولادة قبل خروج شي ء من الولد-ليس نفاسا
بالاجماع المحقق و المنقول (1) مستفيضا، و النصوص:
منها: موثقة عمار: و المراة يصيبها الطلق اياما او يوما او يومين فترى
الصفرة او دما، قال: «تصلي ما لم تلد» (2) الحديث.
و قريبة منها مرسلة الفقيه عن عمار (3) ايضا.
و رواية الخلقاني، المروية في مجالس الشيخ: فانها رات الدم و قد اصابها الطلق
فراته و هي تمخض، قال: «تصلي حتى يخرج راس الصبي، فانها رات الدم و قد اصابها لم
تجب عليها الصلاة » الى ان قال: «و هذه قذفت بدم المخاض الى ان يخرج بعض الولد،
فعند ذلك يصير دم النفاس » (4) الحديث.
و رواية السكوني، المتقدمة في حيض الحبلى (5) .
ثم ان هذا الدم ان استجمع شرائط الحكم بالحيضية حتى في الحامل-كما
تقدمت-فهو حيض.
و يزيد على الشرائط هنا اشتراط تخلل اقل الطهر بالنقاء او الدم، بين آخره و بين
النفاس على الاظهر الاشهر، كما صرح به جماعة، بل عن الخلاف (6) نفي الخلاف عنه، و هو
المحكي عن نهاية الفاضل و القواعد، و الذكرى، و شرح القواعد للكركي، و الروض (7) ، و
اختاره والدي قدس سره.
لاطلاق الاخبار المذكورة المجوزة للصلاة، خرج عنها الجامع للشرائط مع تخلل اقل
الطهر، بالاجماع المركب من كل من قال باجتماع الحيض مع الحبل اما مطلقا او
بشرط خاص، فيبقى الباقي.
و لو عارضها ما دل على حيضية دم الحامل مع الاوصاف في ايام العادة، لم يضر،
لوجوب الرجوع الى اصالة عدم الحيضية و لزوم العبادة.
مضافا في بعض الصور الى قوله في صحيحة ابن مسلم: «اقل ما يكون: عشرة من حين
تطهر الى ان ترى الدم » (8) بل في جميعها الى مطلق الاخبار الدالة على ان اقل
الطهر عشرة.
و الاستدلال: بكون النفاس كالحيض، فيشترط تخلل العشرة بينهما، و باشتراط تخلله
بين النفاس و الحيض المتعقب له، فالمتقدم مثله، لعدم قول بالفرق، ضعيف:
اما الاول: فلعدم ثبوت التماثل المطلق، و مطلقه لو ثبت لم ينفع، مع انه لا ينفي
حيضية الدم المتصل بالنفاس، لجواز حيضية المجموع بناء على ذلك.
و اما الثاني: فلمنع ثبوت عدم الفرق.
خلافا للمنتهى، و المدارك، و الذخيرة، و المحكي عن التذكرة (9) ، لضعف الاخبار
المتقدمة، فيبقى ما يدل على الحيضية عن المعارض خاليا.و جوابه ظاهر.
و على هذا فما لا يتخلل بينه و بين النفاس اقل الطهر لا يكون حيضا، كما يكون كذلك
مطلقا ان قلنا بعدم اجتماع الحيض مع الحبل.
و في الحكم بكونه استحاضة ام لا، يرجع الى ما يحكم به في غير تلك الصورة.
الثانية:
الخارج بعد خروج تمام الولد نفاس بالاجماع، كما في المنتهى، و عن التذكرة (10) ،
و نفي عنه الخلاف في شرح القواعد للكركي، و عن نهاية الاحكام (11) .
و في الخارج معه خلاف: فالمحكي عن المقنعة، و الخلاف، و المبسوط (12) صريحا، و عن
النهاية، و المصباح، و مختصره، و الاقتصاد (13) ، و المراسم، و السرائر، و المهذب، و
ظاهرا، و في النافع، و المعتبر، و القواعد، و شرحه (15) ، بل في الاخير دعوى
الشهرة عليه-كما عن الثاني عليه الاجماع-انه نفاس، للروايتين الاخيرتين (16)
المنجبرتين بما ذكر.
و عن الجملين (17) ، و الكافي، و الغنية، و الوسيلة، و الاصباح، و الجامع (18) ، انه
ليس بنفاس، للاصل، و الخبرين الاولين (19) ، و ما بمعناهما المعلق ترك الصلاة على
الولادة المتبادر منها خروج تمام الولد.
و تظهر الفائدة فيما لو لم تر دما بعد خروج التمام.
و الحق هو الاول، لما مر، و الشك في توقف صدق الولادة على خروج التمام، بل في
اللوامع: و كان صدق الولادة بخروج جزء من الولد مما لا ريب فيه.هذا.
ثم ان ظاهر الاخبار و مقتضى الاصل و لزوم العبادة: اختصاص النفاس في الدم
الخارج مع ما يسمى ولدا، لا مثل المضغة و العلقة و النطفة.فالحاقها به مطلقا، او مع
العلم بكونها بدء نشوء آدمي، او الحاق الاول خاصة كذلك-كما ذهب الى كل بعض (20) -ضعيف
خال عن الدليل، و العلم بمبدئية نشوء الانسان غير كاف، و كونه دما عقيب الحمل غير
مفيد، و الاجماع المحكي عن التذكرة (21) في بعض الصور لا حجية فيه.
الثالثة:
لا حد لاقل النفاس بالاجماع، له، و للاصل، و خبر المرادي: عن النفساء كم حد نفاسها
حتى تجب عليها الصلاة، و كيف تصنع؟ قال: «ليس لها حد» (22) .
و في صحيحة ابن يقطين: عن النفساء «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط » (23) .
خرج منهما طرف الكثرة الثابت فيه التحديد بالاجماع، و النصوص، فيبقى جانب
القلة.فيجوز ان يكون لحظة، بل يجوز ان لا ترى دما كما في قضية الجفوف (24) ، و حينئذ
لا يثبت النفاس بالاصل و الاجماع.
و جعل مجرد خروج الولد حدثا اكبر او اصغر-كبعض العامة (25) -تشريع مردود.
و اكثره العشرة، وفاقا للمحكي عن والد الصدوق (26) ، و المقنع، و المقنعة، و الشيخ، و القاضي (27) ،
و الحلي و الحلبي، و المحقق (28) ، و الجعفي، و ابن طاووس (29) ، و الفاضل في غير المختلف،
و الشهيد (30) ، و اكثر المتاخرين، و نسبه الكركي، و الهندي (31) -بل عن المبسوط-الى
الاكثر، لمرسلتي المفيد، و الرضوي المنجبر ضعفها بما ذكر.
الاولى نقلها في المقنعة: «ان اقصى مدة النفاس عشرة ايام » (32) .
و الثانية نقلها عنه الحلي في اوائل السرائر: «لا يكون دم نفاس زمانه اكثر من
زمان الحيض » (33) .
و الثالثة: «و النفساء تدع الصلاة اكثره مثل ايام حيضها و هي عشرة ايام، و
تستظهر بثلاثة ايام، ثم تغتسل، فان رات الدم عملت كما تعمل المستحاضة » (34) .
و المعتبرة المتكثرة جدا، الآتية بعضها، المصرحة بانها تجلس بقدر حيضها و
تغتسل بعده، و انه يغشاها زوجها بعد مضي عدة حيضها (35) ، فانها صريحة في عدم
التجاوز عن العشرة و ان جاز الاقل ايضا، اذ لا تقعد حائض اكثر من العشرة و لو
كانت مبتداة او مضطربة.
و ما ياتي (36) من مرفوعة ابراهيم و خبر المنتقى، المصرحين بكون اكثره اقل من
ثمانية عشر، اذ لا قول بغير العشرة في الاقل منها.
و بما ذكر يخصص عموم صحيحة ابن يقطين، المتقدمة.
خلافا للمختلف (37) ، و للمحكي عن الفقيه، و السيد (38) ، و الاسكافي (39) ، و الديلمي (40) ، فجعلوه
ثمانية عشر مطلقا، و هو قول آخر للمفيد (41) ايضا.
للصحاح الدالة على جلوس اسماء في النفاس ثمانية عشر يوما، و امر رسول الله صلى
الله عليه و آله اياها بالغسل بعد مضي الثمانية عشر (42) .
و موثقة ابن مسلم: عن النفساء كم تقعد؟ قال: «ان اسماء نفست، فامرها رسول الله صلى
الله عليه و آله، ان تغتسل في ثمانية عشر، فلا باس ان تستظهر بيوم او يومين » (43) .
و المرويتين في العيون و العلل:
الاولى: «النفساء لا تقعد عن الصلاة اكثر من ثمانية عشر يوما، فان طهرت قبل ذلك
صلت، و ان لم تطهر حتى تجاوز ثمانية عشر يوما اغتسلت و صلت » (44) .
و الثانية في علة قعود النفساء ثمانية عشر: «لان الحيض اقله ثلاثة ايام و اوسطه
خمسة و اكثره عشرة، فاعطيت اقله و اوسطه و اكثره » (45) .
و صحيحتي ابن مسلم و سنان:
الاولى: كم تقعد النفساء حتى تصلي؟ قال: «ثماني عشرة، سبع عشرة » (46) .
و الثانية: «تقعد النفساء تسع عشرة ليلة، فان رات دما صنعت كما تصنع المستحاضة » (47) .
و يجاب عن الاول: بمنع الدلالة، اذ ليس فعلها حجة، و لم يثبت تقرير لها عليه من
الحجة، بل المصرح به في بعض الاخبار ان قعودها للجهل، و انها لو سالته صلى الله
عليه و آله، قبل الثمانية عشر لامرها بالاغتسال.
ففي مرفوعة ابراهيم: سالت امراة ابا عبد الله عليه السلام، فقالت: اني كنت اقعد
في نفاسي عشرين يوما حتى افتوني بثمانية عشر يوما، فقال ابو عبد الله عليه
السلام: «و لم افتوك بثمانية عشر؟ » فقال رجل: للحديث الذي روي عن رسول الله صلى
الله عليه و آله، انه قال لاسماء حين نفست بمحمد بن ابي بكر، فقال ابو عبد الله
عليه السلام: «ان اسماء سالت رسول الله صلى الله عليه و آله، و قد اتى لها ثمانية
عشر يوما، و لو سالته قبل ذلك لامرها ان تغتسل و تفعل ما تفعله المستحاضة » (48) .
و في المروي في المنتقى: في امراة محمد بن مسلم، حيث قال: ان اصحابنا ضيقوا علي
فجعلوها ثمانية عشر يوما، فقال ابو جعفر عليه السلام: «من افتاها بثمانية عشر
يوما؟ » قال، فقلت: الرواية التي رووها في اسماء-الى ان قال-: فقال ابو جعفر عليه
السلام: «انها لو سالت رسول الله صلى الله عليه و آله قبل ذلك و اخبرته لامرها
بما امرها به » قلت: فما حد النفساء؟ قال: «تقعد ايامها التي كانت تطمث فيهن
ايام اقرائها، فان هي طهرت استظهرت بيوم او يومين او ثلاثة » (49) الحديث.
و في هاتين الروايتين اشعار بل دلالة على كون الثمانية عشر قولا مشهورا بين
العامة (50) .
و يشعر به ايضا عدوله عليه السلام في الموثقة من الجواب الى الحكاية.
و يدل عليه حمل الشيخ هذه الاخبار على التقية (51) .
و منه يظهر وجه آخر للجواب عن تلك الصحاح و عن جميع ما تعقبها من الادلة،
لمعارضتها مع ما مر، فيرجح ما يخالف التقية.مع ما مر من موافقة عمومات الكتاب
الآمرة بالعبادة في الزائد عن العشرة.
مضافا الى ما في الثاني[من عدم الدلالة] (52) لا في الحكاية و لا في المحكي، و هو
ظاهر.
بل و كذا الثالث، اذا نفي قعود الاكثر من الثمانية عشر لا يفيد القعود بقدرها، و
مفهوم قوله: «فان طهرت » انما كان مفيدا لو لم يعقبه قوله: «و ان لم تطهر» .
و الرابع، لاحتمال ان يكون غرضه اعطاء الناس دون الشارع، و لم يصرح اتقاء.
و الخامس، لظهوره في التخيير الذي هو غير المطلوب و لا قائل به، فهو بالشذوذ خارج
عن الحجية ايضا.
و منه يظهر وجه قدح في السادس ايضا لتغاير ثمانية عشر يوما مع تسع عشرة ليلة.
و للمحكي عن العماني (53) ، فجعله احدا و عشرين، و في المعتبر عن كتاب البزنطي
رواية دالة عليه (54) .
و هو بالشذوذ مجاب بل للاجماع مخالف، لان قوله-للاجماع على نفي الزائد عن ثمانية
عشر-غير قادح.
و به و بالموافقة للعامة يجاب عن الاخبار المتضمنة للثلاثين او الاربعين او
ما زاد عنهما (55) .
الرابعة:
ما ذكر حدا للنفاس في طرف الكثرة انما هو اقصى مدته، يعني انه لا يكون اكثر منه.و
اما كل من اتصل دمها الى هذا الحد فليست بنفساء على الاظهر، وفاقا للجعفي (56) و من
تعقبه من القائلين (57) بالعشرة، و المختلف (58) من الذاهبين الى الثمانية عشر.
بل غير المعتادة عددا تتنفس الى اقصى المدة، لعموم صحيحة ابن يقطين (59) و الرضوي
المتقدم (60) ، الخاليين عن المخصص فيهما.
و لا يرجع هنا الى التمييز او عادة النساء او الروايات، للاصل.
و ما ورد في موثقة ابي بصير (61) من الرجوع الى الام او الاخت شاذ متروك.
نعم، يرجع اليها في التحيض في الشهر الثاني لو اتصل دمها اليه، لاطلاق ادلتها.
و المعتادة عددا تتنفس بعادتها و تغتسل بعدها، لتظافر المعتبرة من النصوص
عليه، كصحيحة زرارة (62) ، و موثقته (63) ، و موثقة يونس (64) ، و قوية ابن اعين (65) ، و خبر عبد
الرحمن بن اعين (66) ، و غيرها.و بها يخصص الصحيحة و الرضوي.
و اما المرسلتان (67) المحددتان لاقصى النفاس: فلا تدلان الا على ان اكثره ذلك، و
ذلك لا ينافي وجود الاقل.
و منه يستفاد امكان حمل قول من تقدم على الجعفي ايضا (68) بل بعض من تاخر عن
المختلف (69) ، على المختار في ذلك، فانهم لم يذكروا الا ان ذلك اكثره.
و يؤيده: استدلال جمع ممن صرح بذلك باخبار الرجوع الى العادة.
ثم مع انقطاع دم المعتادة على العادة او الاقل لا كلام، و الا فتستظهر بيوم،
او يومين، او ثلاثة، او تمام العشرة، لوروده في الاخبار (70) .استحبابا، لعدم
ثبوت الزائد عليه منها.
و حكم ما بين ايام العادة و اقصى النفاس حكم ما بينها و بين اقصى الحيض، على ما
صرح به جماعة (71) .
و هو محل نظر، لعدم ثبوت المساواة الكلية بين الحيض و النفاس، و تصريح قوية مالك،
المتقدمة (72) في آخر مسائل الحيض بعدم نفاسية ما بعد ايام الاستظهار للمعتادة
مطلقا، سواء تجاوز الدم العشرة او لم يتجاوز، و هي اخص من سائر اخبار النفاس
في المورد.
و بها يندفع الاستصحاب المتمسك به في الحيض.
و انعقاد الاجماع على التنفس مع عدم التجاوز غير معلوم، و الاستشكال فيه مصرح
به في كلام بعضهم (73) .
نعم، قيل: يشعر بعض العبارات بالاجماع عليه (74) ، و الظاهر ان مثله لا يصلح حجة لرفع
اليد عن عموم الخبر.
فالظاهر عدم التنفس بعد ايام الاستظهار مع اختياره، و بعد العادة مع ترك
الاستظهار مطلقا، و ان كان الاحتياط مع عدم التجاوز عن العشرة حسنا جدا.
الخامسة:
انما يحكم بالتنفس في ايام العادة للمعتادة او العشرة لغيرها مع وجود الدم
فيها، بل او في طرفيها، على الاظهر المصرح به في كلام جماعة، و هو المحكي عن
المبسوط، و الخلاف، و الاصباح، و المهذب، و الجواهر (75) ، و السرائر، و الجامع،
و الشرائع، و المعتبر (76) ، بل الظاهر كونه اجماعيا. لاستصحاب التنفس، و اطلاق صحيحة
ابن مسلم: «اقل ما يكون: عشرة من حين تطهر الى ان ترى الدم » (77) .
و تردد فيه بعض متاخري المتاخرين (78) ، بناء على تجويزه اقلية الطهر المتخلل في
الحيض عن العشرة.و هو ضعيف.
و منهم من تردد في ثبوت حد لاقل الطهر في النفاس، لعدم الدليل (79) .
و هو محجوج بالصحيحة و ما بمضمونها.
و لو راته في احد الطرفين خاصة فلا شك في عدم تنفسها في الخالي عن الدم متقدما
او متاخرا، و لا في تنفسها وقت الدم.
اما ان كان هو الطرف الاول: فظاهر.
و ان كان الآخر: فلظاهر الاجماع، و عموم مفهوم موثقة عمار، المتقدمة (80) الدالة
على نفاسية كل دم خارج اذا ولدت، خرج ما يخرج بعد مضي اكثر النفاس بالاجماع
فيبقى الباقي.و تخصيص دلالتها بما كان عقيب الولادة عرفا، و منعه في بعض صور
المورد لا وجه له.
و لو راته في احدهما و الوسط، فتنفس بوقت الدمين و بما بينهما ايضا، لما سبق.
السادسة:
لو لم تر دما الا بعد العشرة فليس من النفاس على المختار في عدد الاكثر، و به صرح
جماعة (81) ، لان ابتداء الحساب من الولادة دون الرؤية، و الا لم تتحدد مدة التاخير،
و تدل عليه قوية مالك (82) ، و هي و ان وردت في ابتداء ايام العادة الا انه لا قول
بالفصل البتة.
و يؤيده قوله في خبر الفضلاء: «ان اسماء سالت عن الطواف بالبيت و الصلاة، قال:
منذ كم ولدت؟ » (83) .
و منه يظهر انه لو راته المعتادة لاقل العشرة قبلها و بعد العادة فليس من النفاس
ايضا، وفاقا ظاهرا لكل من اعتبر العادة مع التجاوز عن العشرة.و على الاظهر
بدونه.و ان كان ظاهر الاكثر خلافه، بل قيل باشعار بعض العبارات بالاجماع عليه (84) ،
و لا دليل له.و حكاية الاشعار المذكورة لا تصلح لتقييد اطلاق القوية التي هي دليلنا
على عدم تنفسها.
لا ما ذكره بعضهم-بعد التردد في نفاسية ما نحن فيه-دليلا له من الشك في صدق دم
الولادة عليه، مع كون وظيفتها الرجوع الى العادة التي لم تر فيها شيئا (85) ، اذ
لا دليل على اناطة الحكم بدم الولادة سوى ما قد يفسر النفاس به في كلام الاصحاب:
بانه دم الولادة، و مجرد ذلك لا يصير مرجعا للاحكام، مع انه يكتفي في الاضافة
بادنى الملابسة.
بل المناط الاجماع و الاخبار، و لا شك في دلالة مفهوم الموثقة (86) على نفاسية هذا
الدم.
مع انه لو كان موجبا للاستشكال، لما اختص بما ذكر، بل يجري في غير المعتادة و
معتادة العشرة اذا رات في العاشر، لعدم تفاوت الصدق بكونها معتادة او غير
معتادة.بل في معتادة الثمانية مثلا لو رات في الثامن، لاتحاد منشا التشكيك.
و اما اخبار الرجوع الى العادة: فهي انما وردت فيمن رات الدم في ايامها،
او في النفساء فيها، فلا دلالة لها على من لم تر الدم، او لم تكن فيها نفساء.
السابعة:
لو رات الدم بعد انقضاء ايام نفاسها متصلا معها او منفصلا، فان كان بعد تخلل اقل
الطهر بينها و بينه، فحكمها حكم غير النفساء من التحيض به و عدمه، فتتحيض
المعتادة لو صادف العادة، و غيرها ان جامع الوصف، و لا تتحيض بدونهما على ما
مر.
و ان لم يتخلل فلا تتحيض و ان صادف العادة او الوصف، لقوله عليه السلام في
رواية يونس-بعد امر النفساء بالقعود ايام القرء و الاستظهار تمام العشرة-: «فان
رات دما صبيبا فلتغتسل عند وقت كل صلاة » (87) الحديث.
و قوله في القوية: «فلا باس بعد ان يغشاها زوجها» (88) الى غير ذلك.
و لو عورضت باخبار الوصف و العادة، لم تنفع ايضا، لوجوب الرجوع الى اصالة عدم
التحيض، مضافا الى صحيحة ابن مسلم، المتقدمة (89) .
الثامنة:
ذات التوامين فصاعدا ان رات الدم مع احدهما خاصة، فهو نفاسه ان اجتمع معه
شرائطه.و ان لم يجمعها لم يكن له نفاس.
و ان راته معهما مجتمعين للشرائط، فان لم يتجاوز جميعهما عن اقصى النفاس و
اتصل الدمان فلا اشكال، الا في تعيين كونهما نفاسا واحدا او نفاسين، و لا
تترتب عليه فائدة.
و ان لم يتصلا فيحصل الاشكال في ايام النقاء، فان جعلنا هما نفاسا واحدا
للاستصحاب و قضية اقل الطهر تكون فيها نفساء، و ان جعلناهما نفاسين كما هو مقتضى
مفهوم قوله: «تدع الصلاة ما دامت ترى الدم العبيط » في صحيحة ابن يقطين (90) تكون
فيها طاهرة.و الامران محتملان، الا ان يدفع الاستصحاب بالمفهوم، و يمنع
اشتراط تخلل اقل الطهر بين النفاسين، كما صرح به الفاضل الهندي (91) ، فيتعين الثاني
حينئذ.
و لكن لا ارى دليلا تاما لتخصيص عمومات اقل الطهر-التي منها صحيحة ابن مسلم،
الشاملة للنفاسين ايضا-بغير ذلك المورد، فلا ينبغي ترك الاحتياط.
و ان تجاوز المجموع عن الاقصى، فمع تخلل اكثر النفاس بين اولهما و ان كان
بعيدا يكونان نفاسين، لعدم امكان جعلهما نفاسا واحدا، و هو ظاهر، و لا تخصيص احدهما
بالنفاس، لعمومات التنفس بالولادة، فيؤخذ الاقصى لكل منهما من اوله، و يكون الزائد
عن الاقصى المتخلل بينهما طهرا و ان نقص عن اقله، اذ لا يمكن جعله نفاسا، و لا
اخراج الثاني عن النفاسية، لمخالفتهما الاجماع و عمومات اقصى النفاس و نفاسية
دم الولادة.
و مع عدم تخلله بين الاولين فيحتمل تعدد النفاس، فيكون لكل منهما حكمه و وحدته،
فيسقط الزائد عن الاقصى من الآخر.
و عن الناصريات (92) ، و المبسوط، و الخلاف، و الوسيلة (93) ، و المهذب، و الجواهر، و
السرائر (94) ، و الاصباح، و الجامع، و الشرائع (95) : جعل كل منهما نفاسا على حدة، فبدا
بالنفاس من الاول و تستوفي العدد من الثاني.
و لم اعثر له على دليل، و الاستناد الى العمل بالعلة (96) عليل.
و حكم الاجزاء المنقطعة من الولد الواحد حكم التوامين، فتامل.
البحث الثاني: في احكامه:
قالوا: النفساء كالحائض في كل حكم واجب، و مندوب، و محرم، و مكروه، و مباح، بلا
خلاف فيه بين اهل العلم، كما في المنتهى و التذكرة، و المعتبر (97) ، و بالاجماع،
كما في اللوامع.
و الظاهر كونه اجماعيا، فهو الحجة فيه.
مضافا في تحريم الصلاة الى المستفيضة من النصوص (98) ، و في حرمة الوط ء الى
القوية (99) ، و فيهما و في حرمة الصوم، و في وجوب قضاء الصوم دون الصلاة الى
المروي في الدعائم المنجبر ضعفه بما مر: روينا عن اهل البيت عليهم السلام:
«ان المراة اذا حاضت او نفست حرمت عليها ان تصلي و تصوم، و حرم على زوجها
وطؤها حتى تطهر من الدم » الى ان قال: «فاذا طهرت كذلك قضت الصوم و لم تقض
الصلاة، و حلت لزوجها» (100) .
و في جميع المستحبات و المكروهات الى الجماعات المنقولة الكافية في
اثباتهما، و في المباحات الى الاصل.
و قد يستدل ايضا للجميع: بكون النفاس دم الحيض المحتبس.
و بصحيحة زرارة، و فيها-بعد حكمه عليه السلام بقعود النفساء بقدر حيضها و
استظهارها بيومين، و عمل المستحاضة بعد ذلك-: قلت: فالحائض؟
قال: «مثل ذلك سواء» (101) .
و فيهما نظر.
اما الاول: فلمنع ايجاب ذلك للاتحاد في جميع الاحكام.
و اما الثاني: فلانه ظاهر في المثلية و التساوي فيما ذكر قبل ذلك لا في كل حكم.
ثم المراد بالتساوي المذكور اصالته، فلا ينافي ثبوت الاختلاف في بعض
الاحكام بدليل، كما في الاقل عند الكل، و في الاكثر عند البعض، و في الرجوع الى وقت
العادة و التمييز و النساء و الروايات، و اشتراط تخلل اقل الطهر مطلقا، و الدلالة
على البلوغ، و امتناع المجامعة مع الحمل عند بعض القائلين بالامتناع في الحيض، و
المدخلية في انقضاء العدة الا في النادر (102) .
تعليقات:
1) كما نقله في المنتهى 1: 123، و الرياض 1: 50.
2) الكافي 3: 100 الحيض ب 13 ح 3، التهذيب 1: 403-1261، الوسائل 2: 391 ابواب
النفاس ب 4 ح 1.
3) الفقيه 1: 56-211.و الرواية ليست بمرسلة، فان للصدوق طريقا الى عمار ذكره في
المشيخة (راجع خاتمة الفقيه 4: 4) .
4) امالي الطوسي: 708.
5) راجع ج 2: 401.
6) الخلاف 1: 246.
7) نهاية الاحكام 1: 130، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، جامع المقاصد 1: 347، الروض:89.
8) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157-451، الاستبصار 1: 131-452،
الوسائل 2: 297 ابواب الحيض ب 11 ح 1.
9) المنتهى 1: 123، المدارك 2: 44، الذخيرة: 77، التذكرة 1: 36.
10) المنتهى 1: 123، التذكرة 1: 35.
11) جامع المقاصد 1: 346، نهاية الاحكام 1: 130.
12) المقنعة: 57، الخلاف 1: 246، المبسوط 1: 68.
13) النهاية: 29، مصباح المتهجد: 11، الاقتصاد: 247.
14) المراسم: 44، السرائر 1: 156، المهذب 1: 39، الشرائع 1: 35.
15) النافع: 11، المعتبر 1: 252، القواعد 1: 16، جامع المقاصد 1: 346.
16) رواية الخلقاني و رواية السكوني المتقدمتين في ص 43.
17) الجمل و العقود للطوسي (الرسائل العشر) : 165، و لم نعثر عليه في جمل العلم و العمل
للمرتضى، و نقل عنه في كشف اللثام 1: 103.
18) الكافي: 129، الغنية (الجوامع الفقهية) : 550، الوسيلة: 61، الجامع: 44.
19) موثقة عمار و مرسلة الفقيه المتقدمتين في ص 43.
20) فذهب في القواعد 1: 16 الى كفاية المضغة، و قال في الدروس 1: 100 يكفي المضغة دون
العلقة الا ان تشهد اربع نساء عدول بانها مبدا الولد.
21) التذكرة 1: 35.
22) التهذيب 1: 180-516، الاستبصار 1: 154-533، الوسائل 2: 382 ابواب النفاس ب
2ح 1.
23) التهذيب 1: 174-497، الوسائل 2: 387 ابواب النفاس ب 3 ح 16.
24) اشارة الى ما نقله في المعتبر 1: 253 قال: و قد حكي ان امراة ولدت على عهد رسول
الله-صلى الله عليه و آله-فلم تر دما فسميت الجفوف.
25) نسبه في المغني 1: 242 الى احد وجهي الشافعية.
26) نقل عنه في المختلف: 41.
27) المقنع: 16، المقنعة: 57، المبسوط 1: 69، النهاية: 29، المهذب 1: 39.
28) السرائر 1: 154، الكافي: 129، الشرائع 1: 35.
29) نقل في الذكرى: 33 عن الجعفي في «الفاخر» و ابن طاووس القول برجوع النفساء
الى عادتها في الحيض، و هو يدل على قولهما بعدم زيادة النفاس عن العشرة،
بالتقريب الذي سيذكره في المتن.
30) المنتهى 1: 124، التذكرة 1: 36، القواعد 1: 16، الذكرى: 33، الدروس 1: 100.
31) جامع المقاصد 1: 347، كشف اللثام 1: 103.
32) المقنعة: 57.
33) السرائر 1: 53.
34) فقه الرضا: 191، المستدرك 2: 47 ابواب النفاس ب 1 ح 1.
35) انظر الوسائل 2: 382 ابواب النفاس ب 3.
36) في ص 49، 50.
37) المختلف: 41.
38) الفقيه 1: 55، الانتصار: 35، الناصريات (الجوامع الفقهية) : 191.
39) نقله في المعتبر 1: 253.
40) المراسم: 44.
41) قال في المقنعة: 57 و اكثر ايام النفاس ثمانية عشر يوما، فان رات الدم
النفساء اليوم التاسع عشر من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس انما هو استحاضة
فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة و تصلي و تصوم، و قد جاءت الاخبار معتمدة في ان اقصى
مدة النفاس هو عشرة ايام و عليها اعمل لوضوحها عندي.
42) انظر الوسائل 2: 384 ابواب النفاس ب 3 ح 6، 15، 19.
43) التهذيب 1: 180-515 و 178-511، الوسائل 2: 387 ابواب النفاس ب 3 ح 15.
44) العيون 2: 124، الوسائل 2: 390 ابواب النفاس ب 3 ح 24.
45) العلل: 291، الوسائل 2: 390 ابواب النفاس ب 3 ح 23.
46) التهذيب 1: 177-508، الاستبصار 1: 152-528، الوسائل 2: 386 ابواب النفاس ب 3
ح 12.
47) التهذيب 1: 177-510، الاستبصار 1: 152-530، الوسائل 2: 387 ابواب النفاس ب
3ح 14.
48) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 3، التهذيب 1: 178-512، الاستبصار 1:
153-532الوسائل 2: 384 ابواب النفاس ب 3 ح 7.
49) منتقى الجمان 1: 235، الوسائل 2: 386 ابواب النفاس ب 3 ح 11.
50) لم نعثر على هذا القول في كتبهم، و المنسوب اليهم هو القول بالاربعين و هو
المشهور بينهم و لهم اقوال اخر من الخمسين و الستين و السبعين.انظر بداية
المجتهد 1: 52، المغني 1: 345، بدائع الصنائع 1: 41، مغني المحتاج 1: 120، و انظر
الخلاف 1: 244 للشيخ الطوسي.
51) التهذيب 1: 178، الاستبصار 1: 153.
52) ما بين المعقوفين اضفناه لاستقامة المتن.
53) نقل عنه في المعتبر 1: 253.
54) المعتبر 1: 253.
55) انظر الوسائل 2: 387 ب 3 ح 16، 17، 18.
56) نقل عنه في الذكرى: 33.
57) تقدم ذكرهم في ص 47.
58) المختلف: 41.
59) المتقدمة في ص 46.
60) في ص 47.
61) التهذيب 1: 403-1262، الوسائل 2: 389 ابواب النفاس ب 3 ح 20.
62) التهذيب 1: 173-495، الوسائل 2: 382 ابواب النفاس ب 3 ح 1.
63) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 6، الوسائل 2: 384 ابواب النفاس ب 3 ح 5.
64) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 5، التهذيب 1: 175-500، الاستبصار 1:
152-525الوسائل 2: 385 ابواب الحيض ب 3 ح 8.
65) التهذيب 1: 176-505، الاستبصار 1: 152-525، الوسائل 2: 383 ابواب النفاس ب
3ح 4.
66) الكافي 3: 98 الحيض ب 12 ح 2، الوسائل 2: 385 ابواب النفاس ب 3 ح 9.
67) المتقدمتان في ص 47.
68) يعني من تقدم ذكرهم على الجعفي في ص 47 و هم الصدوقان و المفيد و غيرهم:
69) و هم الصدوق و الاسكافي و السيد...راجع ص 48.
70) انظر الوسائل 2: 382 ابواب النفاس ب 3.
71) منهم العلامة في التحرير 1: 16، و الشهيد الثاني في المسالك 1: 11.
72) في ج 2: 497، و هي قوية ابن اعين المتقدمة في الصفحة السابقة.
73) الرياض 1: 51، الحدائق 3: 325.
74) قاله في الرياض 1: 51.
75) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 248، المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17.
76) السرائر 1: 155، الجامع: 45، الشرائع 1: 35، المعتبر 1: 256.
77) الكافي 3: 76 الحيض ب 1 ح 4، التهذيب 1: 157-451، الاستبصار 1:
131-452الوسائل 2: 297 ابواب الحيض ب 11 ح 1.
78) الحدائق 3: 325.
79) الذخيرة: 79.
80) في ص 43.
81) منهم القاضي في المهذب 1: 39، و ابن سعيد في الجامع: 45.
82) المتقدمة في ج 2: 497، و تقدم مصدرها في ص 53 من هذا المجلد ايضا.
83) التهذيب 1: 179-514، الوسائل 2: 388 ابواب النفاس ب 3 ح 19.
84) الرياض 1: 51.
85) قال في الرياض 1: 51: للشك في صدق دم الولادة عليه مع كون وظيفتها الرجوع الى
ايام العادة...
86) اي موثقة عمار المتقدمة في ص 43.
87) التهذيب 1: 175-502، الاستبصار 1: 151-522، الوسائل 2: 383 ابواب النفاس ب
3ح 3.
88) تقدم مصدرها في ص 53.
89) في ص 54.
90) تقدم مصدرها في ص 46.
91) كشف اللثام 1: 105.
92) نقله عنه في كشف اللثام 1: 105، قال في الناصريات (الجوامع الفقهية) : 191 و
الذي يقوي في نفسي ان النفاس يكون من مولد الاول.فتامل.
93) المبسوط 1: 69، الخلاف 1: 247، الوسيلة: 62.
94) المهذب 1: 39، جواهر الفقه: 17، السرائر 1: 156.
95) الجامع: 45، الشرائع 1: 35.
96) قال في الحدائق 3: 332 قد صرح جملة من الاصحاب-رضوان الله عليهم-بان ذات
التوامين فصاعدا يتعدد نفاسها عملا بالعلة لانفصال كل من الولادتين عن الاخرى
فلكل نفاس حكم نفسه.
97) المنتهى 1: 126، التذكرة 1: 36، المعتبر 1: 257.
98) انظر الوسائل 2: 382 ابواب النفاس ب 3.
99) قوية مالك بن اعين المتقدم مصدرها في ج 2: 497 و ص 52، 53 من هذا المجلد. «
100) دعائم الاسلام 1: 127، المستدرك 2: 31 ابواب الحيض ب 30 ح 4.
101) الكافي 3: 99 الحيض ب 12 ح 4، التهذيب 1: 173-496، الوسائل 2: 373 ابواب
الاستحاضة ب 1 ح 5.
102) كما في الحامل من الزنا اذا طلقها زوجها، فانه لو تقدمها قرءان سابقان
على الوضع بناء على مجامعة الحيض للحمل ثم رات بعد الوضع نفاسا عد في الاقراء و
انقضت به العدة، و لو لم يتقدمه قرءان عد في الاقراء.الحدائق 3: 326.