الباب الثالث: في التيمم
و شرعيته ثابتة بالكتاب، و السنة، و اجماع المسلمين. و الكلام فيه اما في ما يجوز معه التيمم، اي الاعذار المسوغة له، او ما
يجوز به، او ما يجوز له، او كيفيته، او احكامه، فهاهنا خمسة فصول:
الفصل الاول: في الاعذار المسوغة له
و هي امور:
الاول: عدم وجدان الماء
و هو مسوغ له موجب اياه، بالآية (1) ، و الاجماع، و النصوص المتواترة معنى. و يشترط في تسويغه له كونه بعد الطلب، اجماعا محققا و محكيا في الناصريات (2) و
غيرها (3) ، و عن الغنية و المعتبر و التذكرة و المنتهى (4) ، و هو الحجة فيه. مضافا الى اصالة وجوب الطلب الثابت بوجوب ما لا يتم الواجب المطلق الا به،
و اصالة عدم مشروعية التيمم، لعدم صدق الوجدان-المعلق عليه مشروعيته-بدون الطلب
عرفا. و لذا لا يصدق عدم وجدان الضالة الا بعد طلبها ما تيسر، فان عدم وجدان
شي ء-عرفا-عبارة عن عدم كونه حاصلا عنده، و لا معلوم الحصول من غير عسر، و لا مرجوه
كذلك و لو احتمالا. فمن جوز حصوله بسعي غير موجب للمشقة لا يصدق عليه غير الواجد، الا ترى انه لو امر
المولى عبده بشراء فرس، و لو لم يجده فحمار، لا يجوز له شراء الحمار مع رجاء
تحصيل الفرس بادنى سعي؟ و من هذا يظهر ضعف التمسك في ايجاب الطلب بحسنة زرارة: «اذا لم يجد المسافر
الماء فليطلب مادام في الوقت، فاذا خاف ان يفوته الوقت فليتيمم و ليصل في
آخر الوقت، فاذا وجد الماء فلا قضاء عليه و ليتوضا لما يستقبل » (5) لتعليق الامر
بالطلب فيها على عدم الوجدان الغير المتحقق الا مع عدم الرجاء او ضرب من
الطلب، فيكون المامور به فيها الطلب المقيد الغير الواجب قطعا كما ياتي، و
احتمال التجوز في عدم الوجدان غير كاف في الاستدلال. كما يضعف التمسك برواية السكوني: «يطلب الماء في السفر، ان كانت حزونة فغلوة، و
ان كانت سهلة فغلوتين لا يطلب اكثر من ذلك » (6) بخلوها عن الدال على الوجوب. فالمعتمد ما مر من الاجماع و الاصلين. و لا تعارضهما (7) رواية علي بن سالم: افاطلب الماء يمينا و شمالا؟ فقال: «لا تطلب
الماء يمينا و لا شمالا و لا في بئر، و ان وجدته على الطريق فتوضا و الا فامض » (8)
لشذوذها جدا، مع ان حملها على صورة الخوف ممكن. ثم مقتضى ما ذكرنا من الاصل و ان كان وجوب الطلب بقدر ترجى الاصابة ما لم
يبلغ حد الحرج و المشقة، كما اختاره في المدارك (9) ، و هو ظاهر المحكي عن الجملين
و الاقتصاد و الخلاف و الجامع (10) ، حيث لم يقدروه بقدر، بل استوجهه في المعتبر
صريحا (11) ، الا ان مدلول رواية السكوني، السابقة كفاية الطلب غلوة في الارض الحزنة و
غلوتين في السهلة، كما عن الاسكافي و المقنعة و الاستبصار و المراسم و الوسيلة و
السرائر و الكافي و الغنية و الاصباح و الاشارة و شرح الجمل للقاضي و مهذبه و
الشرائع و النافع و القواعد (12) و غيرها. و ضعف سندها غير ضائر، مع ان عمل الجماعة-كما اعترف به في المعتبر (13) -و دعوى
تواتر النقل-كما صرح به الحلي (14) -و نقل الاجماع-كما في صريح الغنية و ظاهر
التذكرة (15) -و الشهرة المحققة و المحكية في كلام جملة من الاجلة (16) له جابر. و اما ايجاب الطلب ما دام الوقت-كما حكاه في الدروس عن قائل (17) ، و في شرح
-فلا دليل له، و حسنة زرارة السابقة (19) لاثباته غير ناهضة،
لامكان كون القيد للحكم دون المحكوم به، فيكون المراد تحديد زمان الطلب لا مقداره.
مع انه على تقدير المنافاة شاذ، لمعارضة الرواية المنجبرة.و ما ذكرناه ايضا لا
يقتضيه، لان مقتضاه كفاية عدم الوجدان عرفا، و عدم رجاء الحصول وقت ارادة
الصلاة، لا جميع اوقاتها (20) . ثم انه اختلفت كلمات اللغويين في معنى الغلوة. ففي العين و الاساس: ان الفرسخ التام خمس و عشرون غلوة (21) . و في بعضها: انها ثلاثمائة ذراع الى اربعمائة (22) . و في آخر: انها مائة باع (23) و الميل عشر غلاء. و ظاهر اكثر الفقهاء ان المحدود غلوة سهم او سهمين، اي قدر ذهابهما مع عدم مانع
او معاون، و الروايات خالية عن ذكر السهم، و لكن يمكن ان يكون مراد اهل اللغة
ان هذا القدر هو مرمى السهم، و الواجب الاخذ بالاكثر، و وجهه ظاهر مما مر.
فروع:
ا: قالوا: يتوزع مع اختلاف الارض حزونة و سهولة (24) . و فيه نظر، و الاصل يقتضي الاخذ بالاكثر. ب: اللازم الطلب بالمقدر من كل جانب، كما صرح به في المبسوط (25) لا لعدم المرجح
لبعضها كما قيل (26) ، اذ غاية ما يثبت منه التخيير.بل لانه لم يعلم من الرواية خروج
ما عدا ذلك من تحت الاصلين المتقدمين، لان المشار اليه بقوله: «ذلك » فيها هو الغلوة و الغلوتان، لا الطلب كذلك الموجب لكفاية تحقق مطلقه،
لحزازة المعنى، مع ان امكان ارادة ما ذكرنا يكفي لنا. فلا يكفي الطلب عن اليمين و الشمال، كما عن نهاية الاحكام و الوسيلة و
الاقتصاد (27) ، و لا مع الامام في المسافر، كما عن المفيد و الحلبي (28) ، و لا
الجهات الاربع، كما عن المهذب و شرح الجمل للقاضي و الاصباح و الاشارة و
الشرائع و الغنية (29) ، بل عن الاخير الاجماع عليه، و لا مطلق الطلب كما هو ظاهر من
اطلقه.مع ان حمل الاخيرين على ما ذكرناه ايضا ممكن، بل و كذا الثاني، لكون الخلف
مفروغا عنه. ج: وجوب الطلب انما هو مع الامن و احتمال وجود الماء في النصاب و ما دونه،
فيسقط مع الخوف اجماعا، له، و لفحوى ما دل على سقوطه مع العلم بوجود الماء مع
الخوف كما ياتي. و لرواية الرقي: اكون في السفر و تحضر الصلاة و ليس معي ماء و يقال: ان الماء قريب
منا، فاطلب الماء-و انا في وقت-يمينا و لا شمالا؟ قال: «لا تطلب الماء و لكن تيمم،
فاني اخاف عليك التخلف عن اصحابك فتضل و ياكلك السبع » (30) . و كذا مع العلم بعدم الماء مطلقا فيسقط كذلك، او في بعض الجهات فيسقط فيه
خاصة، بلا خلاف فيه بين اصحابنا كما في الحدائق (31) ، بل عليه وفاقهم في المعتمد،
لصدق عدم الوجدان المعلق عليه التيمم، و عدم تحقق الطلب الا مع احتمال الوجود،
فلا يجري دليل وجوبه مع انتفائه. و ظاهر الشهيد في قواعده: وجود القول بالطلب مع العلم بالعدم ايضا، حيث انه عد من
جملة ما وقع التعبد المحض فيها و لا يكاد يهتدي فيه الى العلة:وجوب طلب المتيمم و
ان علم عدم الماء. و لا فرق في الاحتمال الموجب للطلب بين مرجوحه و غيره، كما به صرح جماعة منهم
المنتهى (32) ، للاصلين المتقدمين.خلافا للمحكي عن الاسكافي (33) ، و الفاضل الجواد،
فاسقطاه مع ظن العدم ايضا، لقيامه مقام العلم في الشرعيات.و هو باطلاقه ممنوع. و لا في عدم احتماله في النصاب و ما دونه المسقط للطلب بين ما علم العدم فوق
النصاب ايضا، او احتمل وجوده فيه و لو راجحا، لرواية السكوني السابقة (34) ، حيث
انها تدل على عدم وجوب الطلب في الاكثر، فاما يجب الوضوء او تسقط الصلاة او
يتيمم، و الاولان باطلان، فتعين الثالث. و قيل بوجوب الطلب مع رجحان الاحتمال، لفقد شرط التيمم و هو العلم بعدم التمكن، و
لعدم تبادر هذه الصورة من الرواية (35) . و يضعف الاول: بمنع انحصار الشرط فيه، بل عدم العلم بالتمكن مع عدم الماء في
النصاب ايضا يسوغه. و الثاني: بمنع لزوم تبادر هذه الصورة، بل يكفي عدم تبادر غيرها خاصة. نعم لو علم وجوده فوق النصاب، يجب تحصيله مع التمكن اجماعا، له، و لصدق الوجدان
الموجب لعدم جواز التيمم. و لا تنافيه الرواية، لان المتبادر من طلب الماء انما هو ما اذا لم يتيقن
وجوده و حصوله، و اما معه فلا يستعمل الطلب. و لا في وجوب السعي حينئذ بين ما اذا كان الماء قريبا او بعيدا ما لم يبلغ
الحرج و المشقة، و لا بين ما اذا كان السعي مفوتا لشغله و مطلوبه الذي يشرع فيه
-ما لم يتضرر به-ام لا، للاصل. و في المعتبر: ان الحطاب و الخشاب ان لم يمكنه العود الى المصر لتحصيل الماء
الا بفوات مطلوبه يتيمم (36) ، و نفى عنه البعد في شرح القواعد (37) .و يدفعه ما مر. د: لو طلب قبل الوقت و لم يجد، لم يجب بعده الا مع احتمال التجدد، فيجب حينئذ،
للاصلين. و توهم عدم الوجوب لتحقق مطلق الطلب الذي هو المسوغ مندفع: بعدم وجود ما يدل على
كفاية مطلق الطلب في التسويغ، فيجب الاخذ بالمجمع عليه. ه: لا شك في جواز الاستنابة في الطلب مع عدم امكان المباشرة، بل تجب و لو باجرة،
لانها الطلب في حقه.و تجب افادتها للعلم بالحال، لانه المقصود من الطلب و لا
اقل من عدم العلم بكفاية غيره و هو كاف في المقام، الا مع عدم امكانه فيكفي الظن،
لما مر من كونها الطلب في حقه. و اما مع امكان المباشرة، فان كانت الاستنابة مفيدة للعلم كفت، لسقوط الطلب
حينئذ، و الا لم تكف، لا لتوجه الخطاب اليه نفسه و الاصل عدم قيام غيره مقامه،
لان الاستنابة في الفحص ايضا نوع طلب منه، بل لما مر من عدم العلم بكفاية مطلق
الطلب، فيجب الاخذ بالمجمع عليه.خلافا للروض، فجوزها مطلقا مع عدالة النائب (38) .
و دفعه ظاهر. و: لو قصر في الطلب و تيمم و صلى في سعة الوقت، بطل تيممه اجماعا، كما في المنتهى (39)
و غيره (40) ، لعدم ثبوت مشروعيته الا مع الطلب، و لان الامر بالطلب يقتضي النهي عن
ضده الخاص.و صلاته (41) ، لذلك، و لخلوها عن الطهور، سواء وجد الماء بعد الصلاة او لم
يجد. ز: لو قصر فيه حتى ضاق الوقت عنه و ادراك ركعة، يتيمم و يصلي، وفاقا للمشهور، على
المصرح به في كلام جماعة (منهم المدارك) (42) . لا للاصل، و لا لكونه غير واجد للماء، و لا لان فرضه اما تاخير الصلاة عن الوقت، او
الصلاة فيه مع الوضوء، او مع التيمم، و الاولان باطلان و الثالث المطلوب، و لا
لعموم قوله: «فاذا خاف...» في الحسنة المتقدمة (43) . لضعف الاول: بالمنع، بل الاصل عدم مشروعية التيمم. و الثاني: بمنع صدق عدم الوجدان، فانه امر عرفي لا مدخلية لضيق الوقت عن الصلاة
وسعته فيه اصلا. و الثالث: بجواز ان يكون فرضه الطلب و قضاء الصلاة مع الوضوء ان وجد و مع
التيمم ان لم تجد، كما هو مختار طائفة (44) ، فهو كمن اخر التيمم ايضا حتى ضاق
الوقت عنه، فهو معاقب بالتاخير مامور بالقضاء. و الرابع: بفقد الدلالة، لرجوع المستتر الى غير الواجد، و تحققه غير معلوم في
المورد. بل لمرسلة العامري: عن رجل اجنب و لم يقدر على الماء و حضرت الصلاة فيتيمم بالصعيد،
ثم يمر بالماء و لم يغتسل و انتظر ماء آخر وراء ذلك، فدخل وقت الصلاة الاخرى و لم
ينته الى الماء و خاف فوت الصلاة، قال: «يتيمم و يصلي، فان تيممه الاول قد انتقض
حين مر بالماء و لم يغتسل » (45) امر بالتيمم و الصلاة مطلقا مع كونها اعم من
تجويز الماء يمينا و شمالا. و المروي في قرب الاسناد المنجبر ضعفه بالشهرة المحكية: عن رجل اجنب فلم يصب
الماء ايتيمم و يصلي؟ قال: «لا حتى آخر الوقت، انه ان فاته الماء لم تفته الارض » (46) .
خلافا للمحكي عن المبسوط (و الخلاف) (47) و في النهاية و النافع (48) ، فحكموا ببطلان
التيمم، لفقد شرطه الذي هو عدم الوجدان او الطلب بقدر النصاب، و يلزمه وجوب القضاء.
و فيه: منع الاشتراط هنا، لما تقدم، بل الشرط احد الامرين او ضيق الوقت عن الطلب.
، و غيره (50)
-باطل، لان هؤلاء لا يجوزون التيمم في السعة سواء اخل بالطلب ام لا. ثم هذا التيمم و الصلاة يجزي عن فرضه، سواء ظهر وجود الماء و لو في ما دون
النصاب او لم يظهر، وفاقا في الصورتين لجماعة منهم: المعتبر و المدارك و
الاردبيلي (51) ، و والدي رحمه الله. لاصالة عدم وجوب القضاء، بل الاعادة اذا انكشف الخطا في ظن الضيق، و لاقتضاء
الامر بالتيمم-الذي هو بدل المائية قطعا-للاجزاء، مع عدم تعقل وجوب البدل و
المبدل منه. و للمستفيضة الشاملة للمورد، كصحيحة العيص: عن رجل ياتي الماء و هو جنب و قد صلى، قال:
«يغتسل و لا يعيد الصلاة » (52) . و صحيحة ابن مسلم: عن رجل اجنب فتيمم بالصعيد و صلى ثم وجد الماء، قال: «لا يعيد، رب
الماء رب الصعيد» (53) . و صحيحة زرارة: فان اصاب الماء و قد صلى بتيمم و هو في وقت؟ قال: «تمت صلاته و لا اعادة عليه » (54) و بمضمونها صحيحة الاحمر (55) ، الى غير ذلك. خلافا في الصورة الاولى-ان وجد فيما دون النصاب-للقواعد و شرحه (56) ، بل في الاخير
نسبه الى الاكثر، كما في الحدائق الى المشهور (57) ، و عن ظاهر المنتهى: الاجماع
عليه (58) . لان ظهور الماء في موضع الطلب كاشف عن اشتغال ذمته بالصلاة مع المائية و قد
تركها، و من يترك صلاة فعليه فعلها ثانيا كما تركها. و لرواية ابي بصير: عن رجل كان في سفر و كان معه ماء فنسيه و تيمم و صلى، ثم ذكر
ان معه ماء قبل ان يخرج الوقت، قال: «عليه ان يتوضا و يعيد الصلاة » (59) . و ردها بورودها في النسيان و هو اخص من المدعى، و فيما وقع التيمم في السعة و هو
خلاف المفروض.مردود: بان النسيان لا ينفي وجوب الطلب، و الرواية شاملة لمن لم
يطلب ايضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمم و الصلاة لا ينافي و الرواية شاملة لمن لم
يطلب ايضا، و بقاء وقت الصلاة بعد التيمم و الصلاة لا ينافي خروج وقت الطلب و
الصلاة معا، مع ان ظن الخروج و ظهور خلافه ممكن. نعم تكون الرواية حينئذ اخص من مدعاهم الذي هو الاعادة و القضاء، و لا يبعد ان يخصص
المدعى ايضا بذلك، حيث ان الوارد في كلامهم هو الاعادة الظاهرة فيما يفعل في
الوقت. و على هذا فيمكن ان يستدل لهم ايضا: برواية يعقوب: عن رجل تيمم فاصاب بعد صلاته
ماء ايتوضا و يعيد الصلاة ام تجوز صلاته؟ قال: «اذا وجد الماء قبل ان يمضي الوقت
توضا اعاد، فان مضى الوقت فلا اعادة عليه » (60) . و المروي في التذكرة مرسلا المنجبر بما مر: «لو اخل بالطلب ثم وجد الماء في
رحله او مع اصحابه اعاد الصلاة » (61) . و الجواب اما عن الاول: فبمنع تركه الصلاة، و انما ترك بعض مقدماتها التي
ظهر وجوبها بعد قيام غيره مقامه، مع ان في ظهور الاشتغال بما ذكر ايضا كلاما. و اما عن الروايات: فبعدم دلالة الاوليين على خارج الوقت لو كان النزاع فيه
ايضا، و عدم افادة الاخيرتين للوجوب، فيحتملان الاستحباب كما تؤيده موثقة
ابن حازم: في رجل تيمم و صلى ثم اصاب الماء، قال: «اما انا فان كنت فاعلا كنت
اتوضا[و اعيد]» (62) . و كون الطرفين-لاختصاصهما بمن كان الماء معه فكان فيما دون النصاب-
معارضين لاخبارنا المختصة بغير من تيمم و صلى في السعة بدون الطلب بالعموم
من وجه، فيرجع الى الاصل. و في الصورتين للدروس (63) ، و لعله لمثل ما مر من اشتغال ذمته بالصلاة المسبوقة
بالطلب و لم يفعلها.و جوابه قد ظهر. ثم انه لو ضاق الوقت عن الطلب في بعض الجهات دون بعض لم يجز له التيمم،
لاصالة عدم مشروعيته، و عدم شمول الخبرين (64) لمثله. ح: لو كان معه ماء فاتلفه، او مر به و لم يتطهر، او كان متطهرا فاحدث
اختيارا و حضرت الصلاة، يتيمم و يصلي، سواء كان الاتلاف و اخواه قبل الوقت او
فيه. وفاقا للجميع في الاول، و للاكثر في الثاني، و ظاهر شرح القواعد عدم الخلاف في
الثاني ايضا مع ظن وجود الماء (65) ، بل ظاهر المعتبر مطلقا حيث نسب الخلاف الى
العامة (66) ، لصدق عدم الوجدان. و لا اعادة، للاصل، و اجزاء الامر بالتيمم الذي هو بدل المائية قطعا، و عدم تعقل
وجوب البدل و المبدل منه، و للاخبار المتقدمة النافية للاعادة على من صلى
بالتيمم و لو وجد الماء في الوقت (67) . خلافا للدروس في الوقت مطلقا (68) ، لتعلق الصلاة مع المائية بذمته بدخول الوقت و وجود
الماء، و لم يات بالمامور به على وجهه. و للبيان فيه مع العلم باستمرار الفقدان (69) ، لما مر، و لعصيانه، و التيمم رخصة لا
يناط بالمعاصي. و جواب الاول يظهر مما مر، و الثاني: منع العصيان كما قيل (70) ، ثم منع عدم اناطة
الرخصة بالمعصية على الاطلاق. و لبعض مشايخنا (71) ، فاوجب الاعادة فيه دون القضاء-و يمكن ان يكون ذلك مراد
الدروس و البيان لتصريحهما بلفظ الاعادة (72) -لرواية ابي بصير (73) . و جوابه قد ظهر. و لتوقف العلم بالبراءة اليقينية عليه. و فيه: انه ان اريد شغل الذمة بالصلاة فقد فعلها، و ان اريد بالصلاة مع المائية
فكذلك، للاتيان بما هو بدل قطعا، و للاخبار. ثم انه قد مر تصريح البيان بترتب العصيان على الاتلاف في الوقت و نحوه، و
لازمه بطلان بيعه و صلحه و هبته، و قد افتى به.فهل هو كذلك-كما اختاره في
التذكرة و المنتهى ايضا (74) -ام لا، كما صرح به في المعتبر (75) ؟ الحق هو الاول. لا لما قيل من انه مقتضى وجوب الطلب (76) ، اذ ليس الا للاقتدار على الماء، و العلة
بعينها هنا موجودة، و لانه اذا طلب و وجد فان جازت الاراقة كان الامر بالطلب
لغوا و الا ثبت المطلوب. و من انه متمكن من الماء فيجب عليه الوضوء، فيحرم تركه، فيحرم ملزوم
الترك ايضا. و ان الوضوء مع القدرة واجب و هو في الفرض مقدور، فتكون مقدمته-التي هي حفظ
الماء-واجبة. لامكان رد الاول: بمنع الاقتضاء، و الثانيين: بانه ان اريد التمكن حال وجود
الماء فمسلم و يمتنع التلف فيه، و ان اريد في الحال التي بعده فالتمكن غير
معلوم بل مشروط بعدم الاتلاف. و ايضا: ان اريد وجوب الوضوء حال التمكن-و هو الآن الذي فيه-فلا معنى للتكليف
فيه، و ان اريد بعده فالتمكن ممنوع. فان قيل: كيف لا يتمكن مع انه لو لم يتلفه لتمكن، و الاتلاف باختياره، فهو في
الآن اللاحق ايضا متمكن، فيجب الوضوء، فيحرم ملزوم تركه، و تجب مقدمته.و
الحاصل: ان في آن وجود الماء متمكن من الوضوء في الآن اللاحق بان يبقي الماء. قلنا: ان كان ظرف التمكن من الوضوء في الآن اللاحق الآن السابق فهو واه، و ان
كان الآن اللاحق فالتمكن فيه ممنوع، بل هو مشروط بعدم الاتلاف. نعم، يتمكن في الآن السابق من جعله متمكنا في اللاحق و من ابقاء تمكنه فيه، و
وجوبه عين النزاع. مع انه ان اريد كون ظرف التمكن الآن اللاحق، لزم عدم جواز التيمم فيه، و
الظاهر انه لم يقل به احد. فان قيل: معنى قوله: ان لم تجدوا، اي في الوقت، و مقتضاه عدم التيمم المستلزم
لوجوب الوضوء على من صدق عليه الواجد في الوقت، و مع وجود الماء في جزء منه يصدق عليه
انه واجد الماء في الوقت، فيجب عليه الوضوء و تترتب عليه لوازمه. قلنا-مع ايجابه بطلان التيمم فيه-: انه على ذلك يكون لواجد الماء في الوقت
فردان: المتمكن حين ارادة الوضوء، و الغير المتمكن منه، و لا شك ان الثاني مخرج
حيث لا يجوز التكليف بما لا يطاق، فيختص بالاول، فلا يفيد. بل (77) لفهم العرف و حكم العقل بذلك من الخطاب، كفهمه و حكمه بوجوب المقدمة و سائر
لوازم الخطابات و مفاهيهما، فان مما لا شك فيه انه لو قال المولى لعبده: كن
على السطح، و كان له سلم، فكسره بعد الامر اختيارا يذمه العقلاء غاية الذم، و
يستحق العقاب و اللوم عند اهل العرف. و كذا اذا قال: كن على السطح ان قدرت على السلم، و الا فكن في السرداب. و كذا اذا قال له: اشتر لي فرسا فان لم تجده فحمارا، فوجد في السوق فرسا
موافقا لمطلوب مولاه يبيعونه، فلم يشتره حتى يباع بالغير ثم اشترى حمارا،
يذم غاية الذم و يلام حق الملامة. بل التحقيق ان ذلك مقتضى وجوب مقدمة الواجب، و ما يدل عليه يثبته، و حكم الابقاء
بعينه حكم التحصيل، فيكون الحكم كذا في كل مقدمة يكون الواجب بالنسبة اليها مطلقا.
بل يظهر مما ذكرنا عدم الاختصاص بالوقت، بل حرمة الاتلاف و نحوه فيما قبله
ايضا مع عدم ظن الوجدان، لجريان الدليل فيه ايضا، كما صرح به بعض مشايخنا
المحققين (78) . و يؤكده ما في بعض الروايات من الامر باغتسال المجدور لو اجنب اختيارا و
تيممه لو احتلم (79) ، و ما دل على عدم رضاه عليه السلام بالمسافرة الى الارض
التي لا ماء فيها و انه اهلاك للدين (80) ، بل هذا ظاهر جدا. و اما عدم الامر بالمامور به بعد نفي القدرة فكعدم الامر بالواجب الذي صار
ممتنعا بالاختيار، فانه و ان لم يكلف به بعد الامتناع و لكنه يعاقب على الترك، لانه
متروك بالاختيار. ط: لو وجد من الماء ما لا يكفيه لطهارته فهو في حكم العدم فيتيمم، و لا يجب
صرفه الى بعض الاعضاء-اجماعا-في الوضوء بل في الغسل ايضا، و عليه الاجماع في
الناصريات و التذكرة و المنتهى (81) ، و هو الحجة فيه. مضافا الى عدم توقيف لهذا النوع من التطهير شرعا، و ظهور ان المراد من عدم
الوجدان عدم وجدان ما يفي بالمطلوب. و في روض الجنان: انه ربما حكي عن الشيخ في بعض اقواله التبعيض (82) . فان كان مراده ان يطهر ما يفي به الماء به و بالتراب غيره، فمعه ظاهر الآية في
بادى ء النظر، الا ان الاجماع على الارتباط، و عدم كون غسل كل عضو واجبا مستقلا،
و ظهور ذلك من الاخبار ايضا يدفعه. و ان كان مراده صرف الماء في بعض الاعضاء مع التيمم التام، كما احتمله في
نهاية الفاضل و الحبل المتين-في الغسل (83) -فعموم نحو: الميسور لا يسقط
بالمعسور، مع عدم المانع منه في الغسل من بطلانه بفوات الموالاة يقربه، الا ان
عدم دلالته-كما ذكرنا مرارا-مضافا الى ظواهر الصحاح الثلاث لابن مسلم (84) و
الحلبي (85) و جميل (86) ، و رواية الحسين بن ابي العلاء (87) يطرده. هذا اذا كان مكلفا بطهارة واحدة، و لو كان مكلفا بطهارتين و كفى الماء
لاحداهما فان كفى للوضوء خاصة تعين، و ان كفى للغسل تخير على الاظهر، لانهما
فرضان مستقلان و لا مرجح. بل مقتضى القواعد التخيير بين الطهارة من الخبث و الحدث لو وجبتا و لا يكفي
الماء الا لاحداهما. و لكن الظاهر الاتفاق على تقديم رفع الخبث و التيمم، كما صرح به في المعتبر و
المنتهى و التذكرة (88) . و تؤيده صحيحة الحذاء: الحائض ترى الطهر و هي في السفر و ليس معها من الماء ما
يكفيها لغسلها و قد حضرت الصلاة، قال: «اذا كان معها بقدر ما تغسل فرجها فتغسله
ثم تتيمم و تصلي » (89) . دلت بترك الاستفصال على تقديم غسل الفرج على وضوء الحائض. و قد يعلل ايضا: بان رفع الحدث له بدل بخلاف رفع الخبث (90) . و يضعف: بان البدلية انما هي مع عدم الماء، مع ان البدلية معارضة بتجويز الشارع
الصلاة في النجاسة مع تعذر ازالتها، او عاريا. ثم على القول بتعيين التقديم لو عكس لم يجزى ء، لعدم كون ما اتى مامورا به.
الثاني من المسوغات: ضيق الوقت عن الطهارة و ادراك ركعة مع وجود الماء عنده
سوغ معه التيمم في المنتهى و الحدائق (91) . لما ورد في الاخبار من ان التراب بمنزلة الماء، و انما يكون كذلك لو ساواه في
احكامه، و ان رب الماء رب الصعيد الذي هو كناية عن اتحادهما في جميع الاحكام.و
ان الله جعل التراب طهورا كما جعل الماء طهورا (92) . و لوجوب الصلاة في الوقت، فاما تجب بدون الطهور، او مع المائية، او الترابية.
و الاول باطل، و الثاني تكليف بما لا يطاق، فلم يبق الا الثالث. و لان علة مشروعية التيمم محافظة وقت الصلاة، و الا لوجب تاخيرها الى حين
التمكن، و هذه العلة موجودة في المورد فيشرع فيه التيمم. و لان المقصود الاصلي الصلاة في الوقت، و الطهارة مقصودة بالعرض، و لا يترك ما
بالذات لتحصيل ما به العرض الذي له عوض. و لان الله سبحانه اختار وقوع الصلاة في الوقت على طهارة الثوب و البدن، و
القيام، و الاستقرار، و القراءة، و الاستقبال، و غير ذلك من الاجزاء و الشرائط، و
الطهارة المائية ايضا مثلها ضرورة. و مرجع الدليل الى الاستقراء او القياس على سائر الشرائط و الاجزاء، كما كان
الدليل الثالث قياسا على سائر المسوغات. و لكون التمكن من الاستعمال شرطا في
وجوب المائية، و هو هنا مفقود، لعدم رضا الشارع بفوت الصلاة. و يرد على الاول: منع عموم التنزيل كما بين في محله.و منع كون ما ذكر كناية عن
التساوي في جميع الاحكام سيما مع الاختلاف في كثير منها.و منع التشبيه في
كيفية الطهورية، لكونه خلاف الواقع، بل انما هو في مجرد الجعل. و على الثاني: منع وجوب الصلاة في الوقت، و العمومات الدالة عليه مخرجة منها ما
اذا لم يتمكن من ايقاعها مع ما ثبت طهوريته قطعا.و هنا كذلك، لعدم التمكن من
ايقاعها مع المائية، و عدم ثبوت طهورية التراب في المورد.و لا يلزم منه عدم
كونه معاقبا لو اخل عمدا، بل هو كبعيد ترك الذهاب الى الحج حتى دخل وقت لا يمكنه
الوصول الى الموقف. و على الثالث: انه قياس مردود.و التعليل المذكور ممنوع، و الا لزم جواز التيمم
بالدقيق و الزجاجة مع فقد الارض، بل جواز الصلاة بدون الطهور مع عدم التمكن منه. و على الرابع: انه محض استبعاد لا يصلح للاستدلال. و على الخامس: انه اما استقراء ظني لا حجية فيه، بل يمكن منع افادته ظنا ايضا حيث
انه تسقط الصلاة بتعذر الطهور و هو من الشرائط، او قياس يعلم ضعفه مما مر. و على السادس: انه عين المصادرة، لمنع عدم رضاه بفوتها حينئذ و ان لم يكن راضيا
قبل انتفاء التمكن، كما في مثال الحج. و لاجل ما ذكر من ضعف هذه الادلة، و اصالة عدم مشروعية التيمم، و صدق وجدان الماء،
و التمكن من الاستعمال-غاية الامر عدم اتساع وقت الصلاة له، و لم يثبت كون
ذلك مسوغا للتيمم-ذهب في المعتبر الى وجوب الطهارة المائية و القضاء، و حكم
بعدم جواز التيمم (93) ، و استظهره في المدارك (94) ، و هو الظاهر من البيان حيث اوجب
الاعادة على مثل ذلك لو تيمم و صلى (95) ، و جعله في شرح القواعد مقتضى مذهب الشيخ في
مسالة المخل بالطلب (96) . و فرق المحقق الشيخ علي في شرح القواعد بين من كان الماء موجودا عنده بحيث يخرج
الوقت باستعماله، و بين من كان بعيدا عنه بحيث خرج بالسعي اليه، فلم يجوز
التيمم و اوجب المائية في الاول دون الثاني، استنادا الى انتفاء صدق عدم
الوجدان في الاول و صدقه في الثاني (97) . و هو الحق.لا لما ذكره، لما اورده عليه في روض الجنان من ان المراد بوجدان
الماء في باب التيمم فعلا او قوة، فلا يتم الفرق، لصدق الوجدان في الصورتين (98) .بل
لقوله عليه السلام في مرسل العامري السابق: «و لم ينته الى الماء» (99) الى آخره،
فانه يشمل من علم وجود الماء و لم يمكنه الوصول اليه الا بفوات الوقت. ثم انه لا فرق في جميع ما ذكر بين ما اذا كان تاخير الطهارة بالماء الى
الضيق عمدا او نسيانا او اضطرارا، كان يكون نائما او محبوسا او نحو ذلك،
لجريان الدليل و ان احتاج في تعدي المرسلة الى جميع الصور الى ضم الاجماع
المركب. و صرح في البيان بالتيمم في الاخير مطلقا (100) . و لو احتاط فيه بالتيمم و الصلاة ثم القضاء بالمائية-بل في الاولين ايضا-
كان اولى.
الثالث: عدم الوصلة الى الماء مع وجوده
اما بالعجز عن الحركة المحتاج اليها في تحصيله لكبر او مرض او ضعف، و لم يجد
معاونا و لو باجرة مقدورة، او بفقد الآلة التي يتوصل بها اليه، كان يكون في بئر، او
بكونه ملكا للغير و لم يبذله الا بثمن لا يقدر عليه، بالاجماع في الجميع، و صدق عدم
الوجدان. و لو امكن له شد الثياب بعضها ببعض في الثاني و جعلها آلة-و لو ببلها و
عصرها-وجب، الا ان تكون ثياب بدنه و خاف ببلها الضرر. و لو توقف على شق الثوب الموجب لنقص القيمة، قالوا بوجوبه (101) . و فيه اشكال لو وصل حد الضرر عرفا، و قياسه على ثمن الماء مشكل. و مثل الثمن الغير المقدور الثمن الذي يخاف ببذله تلف نفسه اجماعا، له، و
لقوله تعالى: «و لا تلقوا بايديكم الى التهلكة » (102) و المروي في الدعائم-المنجبر ضعفه
بما ذكر-في المسافر يجد الماء بثمن غال: «ان يشتريه[اذا كان واجدا لثمنه و لا
يتيمم، لانه]اذا كان واجدا لثمنه فقد وجده، الا ان يكون في دفعه الثمن ما يخاف
على نفسه التلف ان عدمه و العطب فلا يشتريه و يتيمم بالصعيد و يصلي » (103) . و كذا الثمن الذي يوجب بذله عليه الحرج، او المشقة باعتبار وقوعه في الفقر و
المسكنة و ذل السؤال، او الضيق في المعيشة، او مكادحة الديان و نحو ذلك، لادلة نفي
العسر و الحرج، المعارضة مع ما ياتي مما يدل على وجوب الشراء و لو باضعاف الثمن
بالعموم من وجه، الموجب للرجوع الى اصالة عدم وجوب الشراء، المستلزم لجواز
التيمم بالاجماع المركب. و اما ما لا يوجب بذله ما ذكر فيجب بذله و شراء الماء و لا يجوز التيمم و لو
كان اضعاف ثمنه، اجماعا كما عن الخلاف (104) ، بل و لو كان اجحافا كثيرا، وفاقا
للسيد و ابن سعيد و الارشاد و روض الجنان و الحدائق (105) ، و اللوامع، بل الاكثر على
ما هو المحتمل من كلامهم من كون المراد من الضرر الحالي المشترط انتفاؤه
عندهم ما ذكرنا، كما يومى ء اليه ايجابهم الشراء باضعاف الثمن، و استدلال
بعضهم على اشتراطه بالنهي عن التهلكة و قتل الانفس (106) ، و صرح بذلك والدي-قدس سره- في
اللوامع. لتوقف الوضوء الواجب عليه، و لصدق الوجدان فلا يجوز التيمم فلم يبق الا وجوب
الشراء. و للمروي في الدعائم المتقدم (107) ، و صحيحة صفوان: عن رجل احتاج الى الوضوء للصلاة و
هو لا يقدر على الماء، فوجد قدر ما يتوضا به بمائة درهم او بالف درهم و هو واجد لها،
يشتري و يتوضا او يتيمم؟ قال: «لا، بل يشتري، قد اصابني مثل هذا فاشتريت و توضات، و
ما يشتري (108) بذلك مال كثير» (109) . و في تفسير العياشي مسندا الى العبد الصالح: عن قول الله عز وجل: فلم تجدوا ماء،
ما حد ذلك؟ فان لم تجدوا بشراء او بغير شراء، ان وجد قدر وضوئه بمائة الف او الف و
كم بلغ؟ قال: «ذلك على قدر جدته » (110) . و في حاشية الارشاد لفخر المحققين: ان مولانا الصادق عليه السلام اشترى وضوءه
بمائة دينار. خلافا للمحكي عن الاسكافي، فنفى الوجوب مع غلاء الثمن مطلقا، بل قال: يتيمم و يصلي و
يعيد اذا وجد الماء (111) ، و هو محتمل نهاية الفاضل (112) ، لان بذل الزائد ضرر و عسر و حرج،
و هي في الشريعة منفية، و لسقوط السعي في طلبه للخوف على شي ء من ماله، كما في الاخبار (113) .
و يضعف الاول: بان الضرر و اخويه قد يثبت بالدليل، كما في جميع موارد بذل
المال، و الاخبار المتقدمة ادلة خاصة بالنسبة الى ادلتها، لان بذل القدر
المذكور فيها ضرر و عسر لا محالة، فيجب تخصيصها بها، مع ان في قوله عليه
السلام: «و ما يشتري بذلك مال كثير» (114) اشارة الى منع الضرر و العسر.و الثاني:
بانه قياس باطل. و لمحتمل المحكي عن الاكثر (115) ، فنفوا الوجوب مع التضرر ببذل الثمن بحسب
حال المكلف، كما هو احد احتمالي كلامهم، او في حال الشراء المقابل لزمان
الاستقبال، كما هو الاحتمال الآخر، لادلة نفي العسر و الضرر. و يضعف: بان المراد بالضرر ان كان ما ذكرناه فهو كذلك، و ان كان ما دون ذلك
فلا، لاخصية اخبار الشراء عن ادلة نفيها كما ذكر، بل ينافي تصريحهم بوجوب
الشراء و لو كان باضعاف ثمنه، و استدلالهم بحديث مائة درهم و الف و مائة الف و مائة
دينار، حيث ان كل ذلك ضرر و لو كان المكلف ذا سعة و ثروة كثيرة، و لذا يستدلون على
ثبوت خيار الغبن بتفاوت ما هو اقل من ذلك باخبار نفي الضرر، و كذا في
موارد كثيرة اخرى، و الاجحاف الذي وقع في كلام بعضهم لا قدر معين له و لا دليل على
نفيه في المقام، الا ان يراد به ما ذكرناه. و قد يستدل له: بعدم تبادر صورة الاجحاف من الاخبار، و بجواز التيمم مع
الخوف على قليل من المال في السعي الى الماء، و النهي عن تضييع المال، و جواز
المدافعة عنه. و يضعف الاول: بمنع عدم التبادر جدا، بل ما صرح به فيها هو عين الاجحاف ان
اريد به ما هو ظاهره. و البواقي: بكونه قياسا مع الفارق و هو النص، و الاجماع في بعض الموارد، و مفهوم
الآية في المقام، و عموم نفي الضرر الخالي عما يصلح للتخصيص في البواقي. لا ما قيل من ان الحاصل بالبواقي عوض المال على غاصبه و هو منقطع، و بالمقام
الثواب و هو دائم (116) ، لتحقق الثواب فيها ايضا مع البذل اختيارا طلبا
للعبادة، بل قد يجتمع فيها العوض و الثواب معا. فرع: لو وهب الماء او اعيرت الآلة وجب القبول، على ما هو ظاهر الاصحاب، لصدق
الوجدان.و كذا لو وهب ثمنهما او وهبت الآلة، وفاقا للشيخ و المدارك-قدس سرهما-و
المنتهى (117) ، و اللوامع، لما ذكر. و خلافا للمعتبر (118) ، بل للمحكي عن الاكثر، لاستلزامه المنة و لا يجب تحملها. و فيه: انه ربما يخلو عن المنة، و على فرضها ليس في تحملها الحرمة، بل و لا الضرر و
المشقة، فيجب من باب المقدمة. و لو علم مع قوم ماء فان علم اباءهم من البذل، لم يجب طلبه منهم، لعدم الفائدة، و
الا وجب، لانه نوع تحصيل لشرط الواجب فيجب.
الرابع: احتياج تحصيل الماء الى مشقة شديدة يصدق معها العسر او الحرج
لمرض او بعد مسافة او نحو ذلك، لادلة انتفائها المعارضة لدليل وجوب التحصيل
بالعموم من وجه، الموجب للرجوع الى اصالة عدم وجوب تحملهما، المستلزم لعدم
وجوب الوضوء، المستلزم لتسويغ التيمم، بالاجماع.
الخامس: الخوف من تحصيل الماء على النفس
بالاجماع المحقق و المصرح به في كلام جماعة (119) ، و هو الحجة فيه. مضافا الى عمومات نفي العسر، فانه لا شك في انه في التحصيل مع ذلك الخوف
عسرا شديدا، و رواية الرقي، المتقدمة (120) . و رواية يعقوب بن سالم: عن الرجل لا يكون معه ماء، و الماء عن يمين الطريق و
يساره غلوتين او نحوهما، قال: «لا آمره ان يغرر بنفسه فيعرض له لص او سبع » (121) . و المروي في الدعائم: و قالوا صلوات الله عليهم في المسافر: «اذا لم يجد الماء
الا بموضع يخاف فيه على نفسه-ان مضى في طلبه-من لصوص او سباع، او ما يخاف منه
التلف و الهلاك يتيمم و يصلي » (122) . و الاستدلال له باخبار الركية و البئر (123) غير جيد، لان عدم ايجاب دخول البئر
يمكن ان يكون للخوف و للمشقة، فلا يمكن الاستدلال به لشي ء منهما. بل و كذا لو خاف غيره على نفسه بذهاب من معه الى تحصيل الماء، لظاهر الاجماع، و
لزوم العسر على ذلك الغير لولاه، بل الظاهر الاجماع على سقوط الوجوب لو خاف
الذاهب على الغير و ان لم يخف ذلك الغير لصغر او جنون او نوم. و لا فرق بين ان يكون الخوف على الهلاكة او الجراحة او الضرب الشديد الذي يشق
تحمله عادة، لاطلاق تعرض اللص و الخوف منه، و صدق العسر. و كذا لو كان الخوف على المال الكثير او القليل الصادق على تلفه الضرر عرفا
اذا كان خوفه لاجل القطع-و لو عادة-بالتلف، لادلة نفي الضرر. و لو كان خوفه لمجرد احتمال التلف او مظنته ففيه اشكال، لعدم جريان ادلة نفي
الضرر، الا ان يكون المال كثيرا بحيث يكون في تعريضه في مظنة التلف عسر حتى
تجري فيه ادلة نفيه، فيسقط وجوب التحصيل ايضا. و ظاهر المشهور: السقوط مع الخوف مطلقا على المال كذلك. و الاستدلال بروايتي الرقي و ابن سالم (124) ضعيف، لصراحتهما في الخوف على النفس، و
لذلك-مع وجوب تقديم ادلة وجوب الطهارة على ما يعارضها من ادلة نفي الضرر و
الحرج-ذهب بعض مشايخنا الاخباريين الى عدم السقوط بالخوف على المال مطلقا (125) .
و ما ذكره من وجوب التقديم لا وجه له. و مثل الخوف على النفس الخوف على البضع و العرض، لكون تعريضهما في مظنة الضياع
حرجا و اي حرج. و كذا الخوف الحاصل بسبب مجرد الجبن اذا كان شديدا يعد تحمله عسرا، وفاقا
للمعتبر و نهاية الاحكام و التذكرة (126) ، بل في اللوامع: عليه ظاهر الوفاق، و
خلافا للتحرير و البيان (127) ، و توقف في المنتهى (128) . بل و كذا مع جبن الغير، فيسقط ذهاب رفيقه الى تحصيل الماء، لما مر، بل مما ذكر
يظهر السقوط مع الخوف على مال الغير اذا كان قاطعا بالتلف، و اما بدونه فلا
دليل على السقوط الا اذا كان تعريضه في مظنة التلف موجبا لعسر.
السادس: الخوف من استعمال الماء على النفس او البدن
لوجود مرض يخاف شدته، او ازدياده، او بط ء برئه، او عسر علاجه، او قرح او جرح كذلك،
او لخوف حدوث مرض، فان كل ذلك مسوغ للتيمم، بالاجماع. مضافا في المريض باقسامه: الى اطلاق الآية الدالة على مشروعية التيمم لكل مريض،
خرج من لا يخاف شيئا مما ذكرنا بالاجماع، فيبقى الباقي. و مرسلة ابن ابي عمير: «يتيمم المجدور و الكسير بالتراب اذا اصابته
الجنابة » (129) و قريبة منها مرسلته الاخرى (130) ، و مرسلة الفقيه (131) . و فيه و في المقروح و المجروح: الى المروي في الدعائم: «و من كانت به قروح او علة
يخاف منها على نفسه يتيمم » (132) . و فيهما و في خائف الحدوث: الى استلزام التكليف باستعمال الماء الضرر فيما
علم تحقق هذه الامور عادة، و العسر و الحرج اذا ظن ذلك. و في الثاني خاصة: الى صحيحة محمد: عن الرجل يكون به القرح و الجراحة يجنب، قال:
«لا باس بان لا يغتسل، يتيمم » (133) . و موثقته: في الرجل تكون به القروح في جسده فتصيبه الجنابة، قال: «يتيمم » (134) . و صحيحتي ابن سرحان و البزنطي: في الرجل تصيبه الجنابة و به قروح او جروح او
يخاف على نفسه البرد، فقال: «لا يغتسل و يتيمم » (135) . و في الاخير كذلك: الى فحوى السقوط مع خوف الشدة، و صحيحة ابن سنان: عن الرجل
تصيبه الجنابة في الليلة الباردة و يخاف على نفسه التلف ان اغتسل، قال: «يتيمم
و يصلي، فاذا امن البرد اغتسل و اعاد الصلاة » (136) و قريبة منها مرسلة جعفر (137) . كل ذلك اذا لم يجنب متعمدا، و اما معه فيجب عليه الغسل-على الاظهر- و ان
اصابه ما اصابه، ما لم يخف التلف على نفسه.وفاقا للاسكافي (138) ، و ظاهر الفقيه و
صريح الهداية (139) ، و المفيد (140) ، و الشيخ في بعض كتبه (141) ، و المحقق في النافع (142) ، و
الحر العاملي من المتاخرين (143) . لصحيحة محمد: عن رجل تصيبه الجنابة في ارض باردة و لا يجد الماء و عسى ان يكون
الماء جامدا، فقال: «يغتسل على ما كان » حدثه رجل انه فعل ذلك فمرض شهرا من
البرد، فقال: «اغتسل على ما كان فانه لا بد من الغسل » (144) . و صحيحة سليمان: عن رجل كان في ارض باردة فتخوف ان هو اغتسل ان يصيبه عنت من
الغسل، كيف يصنع؟ قال: «يغتسل و ان اصابه ما اصابه » قال: «و ذكر انه كان وجعا شديد الوجع فاصابته جنابة و هو في مكان بارد و كانت ليلة
شديدة الريح، فدعوت الغلمة فقلت لهم: احملوني فاغسلوني، فقالوا: انا نخاف عليك،
فقلت: ليس بد، فحملوني و وضعوني على خشبات ثم صبوا علي الماء فغسلوني » (145) . تعارضتا مع الاخبار المتقدمة حيث انها اوجبت التيمم على من ذكر مطلقا، و
هما اوجبتا الغسل عليه، فخصت المتقدمة بغير المتعمد، و هما بالمتعمد، بشهادة
المرفوعتين: احداهما: عن مجدور اصابته جنابة، قال: «ان اجنب نفسه فليغتسل، و ان كان احتلم
فليتيمم » (146) . و الاخرى: «ان اجنب نفسه فعليه ان يغتسل على ما كان منه، و ان كان احتلم
فليتيمم » (147) . مع ان بملاحظة الاجماع المحقق على سقوط الغسل عن غير المتعمد، و اختصاص
الصحيحين بالمتعمد قطعا، يصيران اخص مطلقا من اخبار التيمم، فيجب تخصيصها
بهما، كما يجب تخصيصهما و تخصيص المرفوعتين بغير من خاف تلف نفسه بصحيحة
ابن سنان و مرسلة جعفر، المتقدمتين (148) ، حيث تتعارضان معها بالعموم من وجه و
ترجحان عليها بموافقة الكتاب الموجب للتيمم على المريض و النافي للعسر و
الحرج و الناهي عن التعرض للتهلكة، كما هو ظاهر الشيخ و صريح النافع (149) . خلافا للهداية و المفيد (150) ، فلم يخصصاها، و اوجبا الغسل و ان كان فيه تلف نفسه.و
لا وجه له. كما لم يخصص الاكثر متعمد الجنابة عن اخبار التيمم مطلقا، و اوجبوا عليه
التيمم ايضا، اتكالا على عدم صلاحية الصحيحتين و المرفوعتين لمعارضتها،
لمخالفتها لما دل على عدم تحريم تعمد الجنابة حينئذ من الاجماع و النصوص و خصوص
فعل المعصوم كما في الصحيحين، فلا يترتب على فاعلها عقوبة و انتقام.و
مناقضتها للاصول القطعية الكتابية و السنية المثبتة لليسر و السهولة، النافية
للحرج و الضرر، الكاشفة عن تقديم اعتناء الشارع بالابدان على اعتنائه بالاديان،
الموجبة لطرح الصحيحين و اخويهما، لتواتر الاخبار بان كل خبر مخالف
للكتاب و السنة مردود.و مضادتها لحكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون. مع ما في الصحيحين من عدم التفرقة فيهما بين المتعمد و غيره بل ظهورهما في غير
المتعمد، و في ثانيتهما من اعمية العنت عن المشقة اليسيرة ايضا، و في
المرفوعتين من عدم ظهورهما في حصول الضرر بالغسل و ضعف سنديهما، و في الاربعة
من مخالفة الشهرة الموجبة للشذوذ المخرج عن الحجية. مضافا الى معارضتها بالتساوي مع صحيحة محمد: عن الرجل اجنب في السفر و لم يجد
الا الثلج او ماء جامدا، فقال: «هو بمنزلة الضرر، يتيمم » (151) الحديث، حديث انها
ظاهرة في المتعمد. و كذا رواية السكوني في حكاية ابي ذر انه اتى النبي صلى الله عليه و آله فقال: يا
رسول الله هلكت، جامعت على غير ماء، قال: فامر النبي صلى الله عليه و آله بمحمل
فاستترت به[و بماء]فاغتسلت انا و هي، ثم قال: «يا ابا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين »
(152) فانها صريحة في المتعمد. و يجاب: بان عدم تحريم تعمد الجنابة-لو سلم-لا يخالفها، اذ لا ملازمة بين وجوب
الغسل و ان خيف الضرر و بين تحريم التعمد، و لا يلزم ان يكون ذلك عقوبة، بل يجوز
ان يكون من جهة اقدام المكلف نفسه على ذلك الضرر، و قد ثبت في الشريعة من الضرر
بواسطة اقدام المكلف ما لا يثبت اذا لم يتعمد عليه، و لذا لا يحكم بخيار الغبن
مع علم المغبون. و اما الاصول المذكورة فلا شك انها بعنوان العموم و الاصل، فتخصص مع الدليل
الخاص، و لذا يثبتون التكاليف الشاقة و المضار الكثيرة من الضمانات و
الجنايات و غيرها بالادلة المخصوصة، و يقدمون الاديان على الابدان في مجاهدة
الكفار و مقارعة السيف و السنان و مبارزة الشجعان، و ما نحن فيه من ذلك
القبيل، اذ ما ذكر ادلة خاصة بالنسبة الى الاصول المذكورة. و منه يظهر الجواب عن رد الخبر المخالف للكتاب و السنة، فانه انما هو اذا لم
يكن بالعموم و الخصوص المطلقين (و لذا اجمعوا على تخصيص عام الكتاب بخاص
الاخبار، و كذا تقديم الموافق للكتاب و السنة عند التعارض انما هو اذا لم يكن
بالعموم و الخصوص المطلقين) (153) و الا فالخاص مقدم كما فيما نحن فيه، مع ان
تلك الاخبار الاربعة ايضا لها موافقة مع آية الغسل في غير المرضى. و اما حكم العقل بوجوب دفع الضرر المظنون على القطع-فمع كونه في حيز المنع
جدا-انما هو اذا لم يكن على عدم الوجوب دليل. و القول بانه امر عقلي لا يقبل التخصيص، واه جدا، لانه مخالف لما ثبت من الشرع
قطعا من الامور المضرة، كالجهاد و الحج و الزكاة و الخمس، فاذا لم يجب دفع
الضرر المقطوع بل وجب تحمله فكيف بالمظنون! ؟ و القول بان بعد امر الشارع و القطع بان بازائها اجرا عظيما لا يكون ضررا، يجري
في المقام ايضا. و اما عدم التفرقة في الصحيحين بين المتعمد و غيره ظاهرا فغير ضائر، لان
الاجماع و المرفوعتين قرائن على التخصيص، و خروج بعض افراد المطلق لا يوجب
عدم حجيته في الباقي. و كذا اعمية العنت، لان بعد شموله للمشقة الشديدة يكون حجة فيها ايضا، سيما مع
التاكد بقوله: «و ان اصابه ما اصابه » و سيما مع ذكر غسله عليه السلام مع شدة
الوجع بحيث حملوه و غسلوه، و سيما مع ما في الصحيح الاول من حكاية حدوث المرض
شهرا. و اما دعوى ظهورهما في غير المتعمد فلا اعرف له وجها سيما الصحيح الثاني، بل
استشهاده بفعله على السلام قرينة على التعمد، لما قد ثبت من عدم احتلامهم عليهم
السلام. و اما توهم عدم صراحة المرفوعتين في التضرر بالغسل فهو من الغرائب، اذ
امره عليه السلام بالتيمم مع الاحتلام قرينة على التضرر. و اما الرد بضعف السند فهو عندي غير معتمد، و بمخالفة الشهرة فهو غير سديد، لان
الشهرة الموجبة لشذوذ مخالفها هي الشهرة القوية من القدماء، و مع موافقه مثل
الصدوق و الشيخين و الاسكافي (154) -الذين هم من اعيان القدماء و اركانهم-كيف ينسب
الخبر الى الشذوذ و يخرج عن الحجية؟ ! سيما مع موافقة مثل المحقق و بعض آخر من
المتاخرين (155) . و اما الروايتان الاخيرتان فصراحة اولاهما بل ظهورها في المتعمد ممنوعة، و
الثانية صريحة في ان سبب التيمم عدم الماء، فلا تعارض معها، مع انه لو سلم
اختصاص الاولى بالمتعمد فهي عامة من جهة شمولها للخوف من الضرر و لعدم امكان
الغسل بسبب عدم القدرة على اذابة الثلج و الجمد، و ما مر مخصوص بالخوف، لوجود
الماء، بقرينة الامر بالاغتسال للمتعمد، فيقدم. ثم الظاهر اختصاص وجوب المائية مع التعمد بغسل الجنابة، كما هو مورد الاخبار،
فلا يتعدى الى غيره، كغسل المس، و الوضوء لمن احدث عمدا. و هل التعمد الموجب للاغتسال مع خوف الضرر هو ما كان حال المرض او الخوف؟ او
يشمل ما اذا تعمد الجنابة صحيحا غير خائف ثم حدث قبل الغسل ما يوجب الخوف؟ فيه
وجهان.
فروع:
ا: المدار في المرض المسوغ للتيمم-حدوثا او زيادة-هو ما يعد ضررا و كان تحمله
عسرا عادة، لان انتفاءهما شرعا هو سبب التسويغ، فيقتصر على مورد خوفهما. و اما اطلاق الآية و الاخبار في المريض و ان اقتضى الاكتفاء بغير ما اخرجه
الاجماع و ان كان يسيرا، الا ان المروي عن الصادقين في المجمع انه المرض
الذي يضر معه استعمال الماء، و الذي يوجب العجز عن السعي اليه (156) -المنجبر ضعفه
بالشهرة بل بعمل كل الاصحاب كما في البحار (157) -اوجب التقييد بالمضر، فلا يتعدى
الى غيره. ثم ان مراتب الضرر متفاوتة، فهل المسوغ هو الضرر مطلقا و ان كان يسيرا،
كالصداع و وجع الضرس، كما عن الشهيد و الكركي (158) ، بل الارشاد و نهاية الفاضل حيث
علقا الجواز على مطلق المرض (159) ، و استصوبه بعض مشايخنا المحققين (160) ؟ او الشديد،
كما اختاره الفاضلان (161) ؟ التحقيق: ان المدار على ما يشق تحمله عادة و لم يعد سهلا يسيرا عرفا، لان الحكم
في الادلة لا يخلو عن كونه معلقا على الضرر او المرض او العسر او الحرج، و الظاهر
اتحاد موارد الاربعة في المقام و ورود الجميع على ما يعد تحمله شاقا في العادة،
فان ما لم يكن كذلك لا يصدق عليه شي ء من العنوانات، و ما كان كذلك يصدق عليه احدها
او جميعها، و من هذا يتجه كون النزاع لفظيا. و لا يشترط ان يكون الامر الحادث ما يسمى مرضا عرفا و المتصف به مريضا، بل
يكفي كونه اذى يعسر تحمل مثله عادة. ب: الخوف من المرض المسوغ للتيمم اعم من ان يكون بعنوان اليقين، او الظن
الحاصل من التجربة، او اخبار ذي تجربة عادل او غير عادل، مسلم او كافر،
امراة او صبي، واحد او متعدد.لعموم الآية و اخبار القروح و الجروح (162) ، و لم يعلم
سوى خروج صورة عدم حصول ظن اصلا.و اختصاصها بالمريض بالفعل غير ضائر، لعدم
الفاصل.مع ان ارتكاب امر يظن معه حدوث ما لا يتحمل عسر و حرج، فلا تكليف به.و لو
وقع التعارض بين اخبار ذوي التجارب فالمرجع الظن. ج: خوف الشين (163) حدوثا و زيادة مسوغ للتيمم ان بلغ حدا يتاذى به و يشق تحمله
عادة، بالاجماع المحقق و المحكي من الفاضلين (164) و غيرهما (165) ، لنفي الضرر و العسر،
بل-في بعض صوره-لاطلاق اخبار القروح و الجروح المنضم مع عدم الفصل بين خوف
الحدوث و الزيادة، الا ان يجنب عمدا، فيغتسل، لما مر. و في التعدي الى مطلق الشين و ان لم يتفاحش بحيث يتاذى به و يعسر تحمله قولان: اولهما صريح نهاية الاحكام و الروض (166) ، بل هو ظاهر اطلاق الاكثر، و لا دليل عليه
يعتمد. و الثاني للمنتهى (167) ، و اللوامع، و غيرهما (168) .و هو المعتمد، لان المناط حصول
الضرر او العسر، و هما غير متحققين في مطلقه، و الظاهر تحققهما فيما اذا بلغ حد
تشقق الجلد او خروج الدم، بل في الادون منهما ايضا. د: لو اندفع الضرر بتسخين الماء، او بتحصيل ماء الحمام، او بالغسل في
الحمام-و لو باجرة مقدورة-وجب، و كذا شراء النار و الحطب.و الحكم في الثمن و
الاجرة كما مر في الماء و آلته (169) .
السابع: المشقة الشديدة
الحاصلة من التالم الذي لا يسهل تحمله عادة في استعمال الماء و ان لم يخش
الضرر و سوء العاقبة، كالتالم بالبرد الشديد، او الوجع، او الحرقة في خراجه (170) و
ان لم يزد المرض، او الحر الشديد، كما يتفق في بعض الحمامات اذا لم يمكن غيره. و هي مسوغة للتيمم، وفاقا لنهاية الشيخ و المبسوط و الاصباح و ظاهر الكافي و
الغنية و المراسم و الجامع و النافع و المنتهى و نهاية الاحكام و البيان (171) ،
و اختاره بعض مشايخنا المحققين (172) ، لعموم ادلة نفي العسر و الحرج، بل صحيحتي ابن
سرحان و البزنطي (173) ، فان الظاهر من قوله: «او يخاف على نفسه البرد» انه يخاف من
التاثر بالبرد، لا ان يتلف، و الا لقال: من البرد. الا ان يتعمد الجنابة فيغتسل لما مر، كما صرح به في الاول من الكتب المذكورة (174) .
و خلافا للقواعد و الاردبيلي، فقالا: يغتسل مطلقا (175) ، للصحيحيتين المتقدمتين
لمحمد و سليمان (176) . و يجاب عنهما: بمعارضتهما مع الصحيحتين المذكورتين، و بقاء نافيات العسر
بلا معارض، مع ان بعد تخصيص صحيحتي التيمم بغير المتعمد-كما مر- تصيران اخصين
مطلقا من صحيحتي الغسل، فتخصص الاخيرتان بالاوليين.بل المرفوعة الثانية (177) ،
لاجل اختصاص موضوعها بذي عذر غير فقد الماء-للامر بالغسل للمتعمد فيها-و هو
الخائف او المتالم، تكون اخص مطلقا منهما ايضا، فتخصيصهما بها لازم.