الفصل الثالث: فيما يشرع له التيمم
و فيه مسائل:
المسالة الاولى:
مشروعية التيمم للصلاة عند تعذر المائية اجماعية، بل ضرورية دينية منصوصة كتابا و سنة.
و لا فرق فيها بين الحاضرة و الفائتة، لعموم الآيتين، و رواية ابي همام: «يتيمم لكل صلاة حتى يوجد الماء» (1) و سائر المطلقات و العمومات. و لا بين اليومية و غيرها، كالجمعة و العيدين و الآيات و المنذورة، و لا بين
الواجبة و النافلة المرتبة و غيرها، ذات السبب و المبتداة، بلا خلاف ظاهر في
شي ء منها، لما ذكر. و كذا يشرع لكل ما تجب له المائية و يبيحه عند تعذرها، وفاقا للمعظم، كالشيخ في
المبسوط و الجمل و العقود (2) ، و الاصباح و المعتبر و الشرائع و الجامع و
المنتهى و التذكرة و القواعد و البيان و روض الجنان و الكركي (3) ، بل في المعتبر:
عليه اجماع علماء الاسلام، و في اللوامع و المعتمد: نقل الاجماع عن الفاضل ايضا (4) ،
و في موضع من الحدائق: ان المشهور ان التيمم يبيح ما تبيحه المائية مطلقا، و في
موضع آخر منه: ان عليه الاصحاب (5) ، و في التذكرة نفى الخلاف عن استباحة المس و
التلاوة (6) . للرضوي-المنجبر ضعفه بما مر-: «و التيمم غسل المضطر و وضوؤه » (7) فان من وجب عليه
المشروط بالمائية و لم يتمكن منها مضطر، و عمومه الجنسي يشمل جميع افراده، و
يلزمه كونه مبيحا لكل ما تبيحه، اذ بفرض وجوبه و لو بالنذر يباح بالتيمم، فكذا
قبله، لعدم الفصل قطعا. و تدل عليه في خصوص اللبث في المساجد الآية ايضا، حيث نهي فيها عن قرب الصلاة
التي اريد بها المسجد-كما ورد في الاخبار (8) -الا عبورا حتى يغتسل، ثم قال: «و
ان كنتم مرضى...» (9) فدل على الجواز بعد التيمم. و تؤيد المطلوب: استفاضة النصوص بطهورية التراب، و انه احد الطهورين، و ان الله
جعله طهورا كما جعل الماء طهورا (10) ، و في الصحيح: انه بمنزلة الماء، و في خبر ابي ذر:
«يكفيك الصعيد عشر سنين » (11) و ان ما يبيح اعظم العبادات يبيح غيره بطريق اولى، و
ما ورد في الاخبار الكثيرة من اطلاق الامر بالتيمم لذوي الاعذار، و صحيحة
زرارة في رجل يتيمم: «يجزيه ذلك الى ان يجد الماء» (12) . و جعل هذه ادلة-ككثير
منهم-غير جيد. خلافا للمحكي عن فخر المحققين في استباحة اللبث، لقوله سبحانه: «حتى تغتسلوا» و مس المصحف، لعدم فصل الامة بينهما (13) . و فيه: انه لا ينافي ثبوت البدلية بدلالة خارجة، مع انها تثبت بدلالة متصلة، كما
مر. و لصاحب المدارك، فقال بانه يبيح ما يبيحه مطلق الطهارة، كالصلاة، لقوله عليه
السلام: «لا صلاة الا بطهور» (14) و مس المصحف، لقوله تعالى: «لا يمسه الا المطهرون » (15)
دون ما يتوقف على نوع خاص منها كصوم الجنب، اذ المستفاد من الاخبار انه
طهور، و كالماء في الطهورية، فيكفي فيما يتوقف عليها دون ما يتوقف على خصوص
الوضوء او الغسل، لعدم ثبوت بدليته عنهما عموما (16) . و فيه-مع توقفه على ثبوت الحقيقة الشرعية للطهارة، ثم كونها مشتركة معنوية بين
الثلاثة-: ان هذا انما يتم لو اريد من الطهارة فيما تبيحه مطلقها، و هو باطل
جزما، لعدم كفاية المطلق، لتعين المائية مع التمكن منها، فيكون المراد منها
الفرد الخاص لا القدر المشترك، فلا يفيد. و القول بان التيمم مع وجود الماء ليس طهورا، فالمراد مطلقها اي ما يحصل به
الطهر، سواء كان تيمما كما في بعض الاوقات، او وضوءا كما في بعض آخر، او غسلا
كما في ثالث، مدفوع: بانه انما يفيد لو ثبت طهورية التيمم عند فقد الماء مطلقا
ايضا، و هو محل النزاع.
الثانية:
ظاهر نهاية الاحكام ان التيمم يستحب لكل ما يستحب له الوضوء و الغسل عند
تعذرهما (17) ، و به صرح الاردبيلي (18) و والدي العلامة رحمه الله، و بعض مشايخنا المحققين (19)
، و بعض سادة مشايخنا في منظومته (20) ، و الحدائق، و نسبه فيه الى المشهور (21) . و هو الحق، لكفاية فتوى هؤلاء مع الشهرة المحكية في اثبات الاستحباب، و لذا قال
الشيخ علي في شرح القواعد: و الحق ان ما ورد به النص او ذكره من يوثق به من
الاصحاب-كالتيمم بدلا من وضوء الحائض للذكر-يصار اليه (22) . انتهى. مضافا الى الرضوي: «و صفة التيمم للوضوء و الغسل من الجنابة و سائر ابواب
الغسل واحد» (23) .فان المستفاد منه مشروعية التيمم المستلزمة لرجحانه في جميع
ابواب الغسل، حيث ان الجمع المضاف مفيد للعموم. و يثبت في جميع ابواب الوضوء ايضا بعدم الفصل، بل بما بعد قوله المتقدم:
«التيمم غسل المضطر و وضوؤه » : «و هو نصف الوضوء من غير ضرورة اذا لم يجد الماء» (24)
دل على انه نصف الوضوء حين لا يوجد الماء مطلقا في غير حال الوجوب، و المراد
نصفيته في الترغيب او الثواب او الفضيلة او اضراب ذلك، و كل ما كان يفيد
الرجحان، بل ذكره عليه السلام لذلك انشاء لبيان الرجحان.و ضعفهما بعد جبرهما
بما مر غير ضائر، مع ان المقام مقام المسامحة. و يؤيد المطلوب: خبر ابي ذر (25) ، و رواية المنزلة (26) ، و نحوهما.خلافا للمنتهى في بحث
الاغسال المستحبة، و المدارك، فقالا بعدم كونه بدلا عن الغسل المستحب اصلا،
للاصل (27) . و للكركي، فخص البدلية بما كان مبدله رافعا (28) ، و اختاره في روض الجنان في غير غسل
الاحرام (29) . و عن الشهيد التردد في غير الرافع، لاخبار الطهورية في الرافع، و الاصل في
غيره (30) . و للفاضل الخوانساري في شرح الدروس، فخصها بما يستحب له مطلق الطهارة (31) ، لمثل
ما مر في المسالة السابقة (32) . و ضعف الكل يظهر مما ذكرنا.
الثالثة:
يجوز التيمم لصلاة الجنازة لغير المتطهر، و لو مع التمكن من استعمال الماء،
على الاشهر الاظهر، بل عليه الاجماع عن الخلاف و المنتهى و التذكرة (33) . و هو الحجة لكون المقام مقام المسامحة، مضافا الى اطلاق موثقة سماعة، السابقة
في المسالة الخامسة من الفصل السابق (34) ، و مرسلة حريز: «و الجنب يتيمم و يصلي على
الجنازة » (35) . خلافا للمحكي عن الاسكافي و المعتبر (36) ، فخصاه بخوف الفوت، تمسكا باصالة
اشتراط عدم التمكن من الماء في التيمم، و صحيحة الحلبي: عن الرجل تدركه
الجنازة و هو على غير وضوء، فان ذهب يتوضا فاتته الصلاة، قال: «يتيمم و يصلي » (37) و
تضعيفا للاجماع بكونه منقولا، و الموثقة بوقف الراوي و اضمار الرواية. و يضعف الاول: بمنع ثبوت الاصالة عموما، و تخصيصها بما مر لو ثبتت. و الثاني: بان التقييد انما هو في كلام الراوي، و هو لا ينافي ثبوت الاطلاق. و الثالث: بعدم ضيره في مقام التسامح، مع عدم قدح الوقف و الاضمار بعد ثبوت
العدالة و من مثل سماعة. ثم جوازه انما هو على الاستحباب دون الوجوب، لعدم نهوض ما ذكر لاثباته،
مضافا الى الاجماع على عدم وجوب الطهارة في تلك الصلاة. و قيل: يستحب للنوم ايضا و لو مع وجود الماء (38) ، بل في الحدائق: الظاهر انه لا خلاف
فيه، و في اللوامع انه مجمع عليه. و لكن المستفاد من بعض مشايخنا المحققين اختصاص القول به بجملة من متاخري
المتاخرين (39) . احتج القائل بالاستحباب: بمرسلة الفقيه: «من تطهر ثم اوى الى فراشه باب و
فراشه كمسجده، فان ذكر انه على غير وضوء فليتيمم من دثاره كائنا ما كان » (40) . و لا يخفى ان مقتضاها اختصاص الاستحباب بحال تذكره في فراشه عدم الوضوء، كما
هو ظاهر مختار والدي قدس سره، لا مطلقا كما هو الظاهر من غيره. و مع ذلك فهي معارضة بمفهوم الشرط في رواية ابي بصير و محمد، المروية في العلل و
الخصال: «لا ينام المسلم و هو جنب، و لا ينام الا على طهور، فان لم يجد الماء
فليتيمم بالصعيد» (41) . و لذا يظهر من بعض مشايخنا الميل الى عدم جوازه الا مع العجز عن الماء (42) . الا انه يمكن ان يقال: ان المرسلة-لاختصاصها بحال تذكر عدم الوضوء في
الفراش-اخص من وجه من الرواية فتساقطان، و الاصل و ان اقتضى عدم مشروعية
التيمم مطلقا، الا ان نفي الخلاف و الاجماع المنقول يكفيان لاثبات استحبابه،
الا انهما يثبتانه في صورة التذكر في الفراش خاصة، لتعارضهما في غيرها مع
الرواية النافية له. ثم انه لا تجوز الصلاة و سائر مشروطات الطهارة بذلك التيمم و سابقه و ان حصل
العجز بعد التيمم.و الوجه ظاهر. نعم لو صادف العجز حال الفعل ايضا، جازت. تعليقات: 1) التهذيب 1: 201-583، الاستبصار 1: 163-568، الوسائل 3: 379 ابواب التيمم ب
20ح 4. 2) المبسوط 1: 30، الجمل و العقود (الرسائل العشر) : 169. 3) المعتبر 1: 407، الشرائع 1: 50، الجامع للشرائع: 46، المنتهى 1: 154، التذكرة 1:
64، القواعد 1: 23، البيان: 87، روض الجنان: 130، الكركي في جامع المقاصد 1: 550. 4) التذكرة 1: 64. 5) الحدائق 4: 370 و 372. 6) التذكرة 1: 65. 7) فقه الرضا (ع) : 88. 8) انظر: الوسائل 3: 205 ابواب الجنابة ب 15. 9) النساء: 43. 10) انظر: الوسائل 3: 385 ابواب التيمم ب 23. 11) الفقيه 1: 59-221، التهذيب 1: 199-578، الوسائل 3: 369 ابواب التيمم ب 14ح 12.
12) التهذيب 1: 200-579، الوسائل 3: 386 ابواب التيمم ب 23 ح 3. 13) ايضاح الفوائد 1: 66 و 67. 14) التهذيب 1: 49-144، الاستبصار 1: 55-160، الوسائل 1: 365 ابواب الوضوء ب 1ح 1.
15) الواقعة: 79. 16) المدارك 1: 23. 17) نهاية الاحكام 1: 215. 18) مجمع الفائدة و البرهان 1: 243. 19) الوحيد البهبهاني في شرح المفاتيح (المخطوط) . 20) بحر العلوم في الدرة النجفية: 47. 21) الحدائق 4: 370. 22) جامع المقاصد 1: 79. 23) فقه الرضا (ع) : 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 احكام التيمم ب 9 ح 1. 24) فقه الرضا (ع) : 88، و عنه في مستدرك الوسائل 2: 535 احكام التيمم ب 9 ح 1. 25) المتقدم في ص 413. 26) التهذيب 1: 200-581، الاستبصار 1: 163-566، الوسائل 3: 385 ابواب التيمم ب
23ح 2. 27) المنتهى 1: 132، المدارك 1: 24. 28) جامع المقاصد 1: 79. 29) روض الجنان: 20. 30) الذكرى: 25. 31) مشارق الشموس: 50. 32) المدارك 1: 23. 33) الخلاف 1: 160، و المنتهى 1: 156، و التذكرة 1: 65. 34) راجع ص 399. 35) الكافي 3: 179 الجنائز ب 50 ح 5، التهذيب 3: 204-480، الوسائل 3: 112 ابواب
صلاة الجنازة ب 22 ح 2. 36) المعتبر 1: 405، و حكاه عن الاسكافي في ص 404. 37) الكافي 3: 178 الجنائز ب 49 ح 2، الوسائل 3: 111 ابواب صلاة الجنازة ب 21 ح 6. 38) كما في روض الجنان: 20، و المفاتيح 1: 60، و الحدائق 4: 411. 39) توجد في «ح » حاشية منه رحمه الله تعالى: قال-اي الوحيد البهبهاني-في شرحه على
المفاتيح: و لم يذكر المصنف ان احدا افتى به، بل ظاهره انه لم يفت به احد، و
الظاهر انه كذلك، الا ان الظاهر من المصنف و لعل غيره ايضا من جملة متاخري
المتاخرين افتوا بالاستحباب مع وجود الماء مطلقا.شرح المفاتيح (المخطوط) . 40) الفقيه 1: 296-1353، الوسائل 1: 378 ابواب الوضوء ب 9 ح 2. 41) علل الشرائع: 295-1، الخصال: 613، الوسائل 2: 227 ابواب الجنابة ب 25 ح 3. 42) كشف الغطاء: 169.