فأما العلماء بحقيقة عقدهم فلا يخلو كلواحد أن يكون بلغ الغاية التي أعدت لصنفهدون النبوّة أو لم يبلغ و لكنه قريب منالبلوغ. فالذي لم يبلغ و كان على قرب همالمقربون، و هم أهل المرتبة الثالثة، والذين بلغوا الغاية التي أعدت لهم، و همالصديقون، و هم أهل المرتبة الرابعة و هذاالتقسيم ظاهر الصحة إذ هو دائر بين النفي والإثبات، و محصور بين المبادئ و الغايات،و لم يدخل أهل المرتبة الأولى في شيء منتصحيح هذا التقسيم إذ ليس هم من أهله إلابانتساب كاذب، و دعوى غير صافية، ثم لا بدمن الوفاء بما وعدناك به من إبداء بحث، ومزيد شرح، و بسط بيان، تعرف منه بإذن اللهحقيقة كل مرتبة و مقام و انقسام أهله فيهبحسب الطاقة و الإمكان، بما يجريه الواحدالحق على القلب و اللسان
بيان مقام أهل النطق المجرد و تمييزفرقهم
فأقول: أرباب النطق المجرد أربعة أصناف،أحدهم: نطقوا بكلمة التوحيد مع شهادةالرسول صلّى الله عليه وسلّم، ثم لميعتقدوا معنى ما نطقوا به، لما لم يعلموهلا يتصوّرون صحته و لا فساده و لا صدقه و لاكذبه و لا خطأه و لا صوابه، إذ لم يبحثواعليه و لا أرادوا فهمه. إما لبعد همتهم وقلة اكتراثهم، و إما لنفورهم من التعب وخوفهم أن يكلّفوا البحث عما نطقوا به، أويبدوا لهم ما يلزمهم من الاعتقاد و العمل،و ما بعد ذلك فإن التزموها فارقوا راحاتأبدانهم العاجلة، و فراغ أنفسهم، و إن لميلتزموا شيئا من ذلك، و قد حصل لهم العلمفتكون عيشتهم منغصة و ملاذهم مكدرة، منخوف عقاب ترك ما علموا لزومه، و مثل هؤلاءمثل من يريد قراءة الطب، أو يعرض عليه ولكنه يمنعه عنه مخافة أن يتطلع منه، على مايغير عنه بعض ملاذه من الأطعمة، و الأشربةو الأنكحة، أو كثير منها فيحتاج إلى أنيتركها، أو يرتكبها على رقيه، و خوف أنيصيبه صورة ما يعلم ضرورة منها، فيدعقراءة الطب رأسا، سئل هذا الصنف عن معنى مانطقوا به، و هل اعتقدوه؟ فيقولون لا نعلمفيه ما يعتقد، و ما دعانا النطق إلا مساعدةالجماهير، و انخراطا بإظهار القول فيالجمّ الغفير، و لا نعرف