كفر، فلا تذهل عما يشار لك إليه و إنماالمرغوب تنبيهك و الله المستعان، و قلمابين الصنف الثاني و الأوّل من التفاوت منحيث إن أولئك مقلدون فيما يعتقدونه دليلا،غير أنهم أوثق رباطا من الأولين، لأنأولئك إن وقع إليهم من شككهم ربما شكوا، وانحل رباط عقدهم، و هؤلاء في الأغلب لاسبيل إلى انحلال عقودهم، إذ لا يرونأنفسهم أنهم مقلدون، و إنما يظنون أنهممستدلون عارفون، فلهذا كانوا أحسن حالا
و الصنف الثالث: أقروا و اعتقدوا كما فعلالذين من قبلهم
و قدموا النظر أيضا، و لكنهم لعدم سلوكهمسبيله مع القدرة عليه، و معهم من الذكاء والفطنة و التيقظ، ما لو نظروا لعلموا، و لواستدلوا لتحققوا، و لو طلبوا لأدركوا سبيلالمعارف و وصلوا، و لكنهم آثروا الراحة، ومالوا إلى الدعة، و استبعدوا طريق العلم،و استثقلوا الأعمال الموصلة إليه و قنعوابالقعود في حضيض الجهل، فهؤلاء فيهم أشكالعند كثير من الناس في البديهة، و يترددحالهم في النظر، و هل يسمون عصاة أو غيرذلك، يحتاج إلى تمهيد آخر ليس هذا مقامه، والالتفات إلى هذا الصنف أوجب خلافالمتكلمين في العوام على الإطلاق، من غيرتفريق بين بليد و متيقظ و فطن، فمنهم من لمير أنهم مؤمنون، و لكن لم يحفظ عنهم أنهمأطلقوا اسم الكفر عليهم
و لعلك تقول: إن مذهبهم المشهور، أن المحللا يخلو عن الصفات إلا إلى ضدها، فمن لميحكم له بالإيمان، حكم عليه بالكفر، كماأن من لم يحكم له بالحركة، حكم عليهبالسكون، و كذلك الحياة و الموت و العلم والجهل و سائر ماله من الصفات، قلنا: فلئنصح ذلك في الصفات التي هي أعراض، فقد لايصح في الأوصاف التي هي أحكام الإيمان، والكفر و الهداية و الضلال و البدعة و السنةربما كانت ليست من قبيل الأعراض، و إنماذكرت لك هذا في معرض الشك، في شعوب ما نوردعلى ذلك، و منهم من أوجب لهم الإيمان، ولكن أوجب لهم المعرفة و قدرها لهم، و عجزهمعن العبادة، و وجوب العبادة في الشرع جارعلى هذا النحو، و هؤلاء لم يخالفواالمذكورين قبلهم، لأن أولئك سلبواالإيمان عمن لم يصدر اعتقاده