قلنا: تشابهت الصور المنحوتة كلها فيالمعنى الذي قصد بها التصوير لأجله، و هومضارعة ذي الأرواح، و ما نحت للعبادة إنماقصد به تشبيه ذي روح، فلما كان هذا المعنىالجامع لها وجب تحريم كل صورة منافرةللملائكة فإن قيل: فما وجه الترخيص فيمارقم في ثوب، فذلك لأنها ليست مقصودة فينفسها و إنما المقصود الثوب الذي رقمت فيهفإن قيل: فما بال الثياب رخص في محاكاتهابالتصوير، و ذات أنواط في العرب مشهورةمعلومة فاعلم أن ذات أنواط إنما كانت شجرةفي أيام العرب الجاهلية تعلق عليها يومافي السنة فاخر ثيابها، و حلي نسائها، لأجلاجتماعها عندها و راحتها في ذلك اليوم، ولم يكونوا يقصدونها بالعبادة لما كانتبغير صفة التماثيل المنحوتة و الأصنام، ولو كان ذلك ما سأل أصحاب رسول الله صلّىالله عليه وسلّم أن يجعل لهم ذات أنواط،حتى أنكر النبي صلّى الله عليه وسلّم ذلكعليهم، و لو عبدت فقد عبد كثير من خلق اللهتعالى، كالملائكة و الشمس و القمر و بعضالنجوم و المسيح عليه السلام و عليّ رضيالله عنه، و لم يعبدوا ما نحت على شكلالنبات، فلم تعبد من هذه إلا ذات روح، فماأبعد عن دركها من حرمه الله تعالى إياها،فله الحمد و هو أهله.
بيان أصناف أهل الاعتقاد المجرد
و أما أهل الاعتقاد المجرد عن تحصينهبالعلم، و توثيقه بالأدلة، و شدّهبالبراهين فقد انقسموا في الوجود إلىثلاثة أصنافأحدهم: صنف اعتقدوا مضمون ما أقروا به،
و حشوا به قلوبهم من غير تردد و لا تكذيب،أسروه في أنفسهم و لكنهم غير عارفينبالاستدلال على ما اعتقدوا، و ذلك لفرطبعدهم و غلظ طبائعهم، و اعتياص طرق ذلكعليهم، و يقع عليهم اسم الموحدين