إخلاص التوحيد، و الصدق في العمل، و عدمالإجحاف بالخوف و الرجاء، و التزين بالصبرو الشكر، لأن هذه كلها و ما يتعلق بها منعلم الأمر و النهي واجبة، قال الله تعالىفَاتَّقُوا الله ما اسْتَطَعْتُمْ و قدسبق التنبيه عليه، و أما الذي هو في حكمالغايات مثل انقلاب الهيئات، و النظربالتوفيق بحكم الموافقة و الرضابالإثبات، و التوكل بالتجريد، و حقيقة علممعانى التوحيد و سير معانى التقرير، وأوصاف أهل أبيات اليقين، فهو درجات ومقامات، و منازل و مراتب. و منح يخص اللهتعالى بها من شاء من عباده، من غير أن ينالبطلب و لا بحث و لا تعليم، و لو كان ذلك لماقيل للناظر السالك حين أراد الارتقاء إلىدرجة أعلى من درجته بلسان السؤال، ارجع لاتتخطى رقاب الصديقين، لكنها مواهب أكرمالله تعالى بها أهل صفوته، و ولايته، و هيمراتب الصدق في العلم، و بركات الإخلاص فيالعمل، فمن لم يرث من علمه و عمله المفترضعليه، فطلبه و العمل به شتان من هذهالمعاني، فليس في شيء من الحقيقة، و إنكان حقا غير أن حاله معلول، إما مفتونبدنياه، أو محجوب بهواه، و ربك على كلشيء قدير.
فصل و أما لأي شيء ذكرت هذه العلومبالإشارات دون العبارات
و بالرموز دون التصريحات، و بالمتشابه منالألفاظ دون المحكمات. و إن كان قد سبق هذامن الشارع فيما له أن يمتحن به من كلف، ويتلو من بعيد، و لكن للعلم رجال مخصوصونفما بال من لم يجعل شارعا. و لم يبعث لغيرأن يسلك ذلك و الجواب عنه أن العالم هووارث النبي صلّى الله عليه وسلّم، و إنماورث العلم ليتجمل بعمله، و يحل فيه كمحله،و النبي صلّى الله عليه وسلّم لا ينطق عنالهوى، إن هو إلا وحي يوحى، علمه شديدالقوى ذو مرة فاستوى، و حكم الوارث فيماورث حكم الموروث فيما ورث عنه، فما عرف فيهالحكم من فعل الموروث عنه امتثله، و ما لميصل إليه فيه شيء كان له اجتهاده، فإنأخطأ كان له أجر، و إن أصاب كان له أجران