على الجملة، إذ النبوة لا يعرفهابالحقيقة إلا نبي. فإن انكشف ذلك لقلب أحدبطل العلم في حقه بارتفاع المحنة له،بالأمر المتوجه عليه بطلبه، و البحث عنه،و التفكر فيه، فيكون كالنبي إذا سئل عنشيء لو وقعت له واقعة لم يحتج إلى النظرفيها، و لا إلى البحث عنها، بل ينتظر ماعود من كشف الحقائق بإخبار ملك، أو ضربمثل، يفهم عنه أو اطلاع على اللوحالمحفوظ، أو إلقاء في روع، فيعود مخترعاتهو لم يعلم مقدار الدنيا و ترتيب الآخرةعليها، و لا عرف خواصها، و لا تنزه فيعجائبها، و لا لاحظ الملكوت ببصر قلبه، ولا جاوز التخوم إلى أسفل من ذلك بسره ولبّه، و لا فهم أن الجنة أعلى النعيم، و أنالنار أقصى العذاب الأليم، و أن النظرإليه منتهى الكرامات، و أن رضاه و سخطهغاية الدرجات و الدركات، و أن منح المعارفو العلوم أسنى الهبات، و يرى أن العالمبأسره أخرجه من العدم الذي هو نفي محض إلىالوجود الذي هو إثبات صحيح، و قدره منازل وجعله لميقات، فمن حي و ميت، و متحرك وساكن، و عالم و جاهل، و شقي و سعيد، و قريبو بعيد، و صغير و كبير، و جليل و حقير، وغني و فقير، و مأمور و أمير، و مؤمن و كافر،و جاحد و شاكر، و ذكر و أنثى، و أرض و سماء،و دنيا و أخرى، و غير ذلك مما لا يحصى، والكل قائم به موجود بقدرته، و باق بعلمه، ومنته إلى أجله، و مصرف بمشيئته، و ذلك علىبالغ حكمته، فما أكمل جبل من لا يجديه إلاقدماه، و لا من يصرفه إلا استبداده، و لاملكه إلا ملكه فيعود المحدث قديما، والمربوب ربا، و المملوك مالكا، فيعودالخلق من خلق الله كهو، تعالى الله عن جهلالجاهلين، و تخييل المعتوهين، و زيغالزائغين
فصل و أما حكم هذه العلوم المكتوبة فيالطلب و سلوك هذه المقامات
و رفق هذه الدرجات، و استفهام هذهالمخاطبات، أ هي من قبيل الواجبات أوالمندوبات أو المباحات فاعلم أن المسئولعنه على ضربين، أحدهما: ما هو في حكمالمبادئ، و الثاني: في حكم الغايات، فأماالذي هو في حكم المبادئ فطلبه فرض على كلأحد، بقدر بذل المجهود، و إفراغ الوسع، وجميع ما يقدر عليه من العبادة. و ذلك ماتضمنه أصول علم المعاملة. مثل