اخلاق نظری (2) نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
نعوذ بالله من سِنَةِ الغَفْلَةِ وسوءِ الزلّة.هذا كُلُّه على تقدير سلامتِكَ في تلك الدار مِنْ عظيم الأخطار وعذابِ النار، وأنّى لكَ بالأمان مِن ذلك؟ وقد عرفتَ أنّ أكثرَ هذه العلوم واجبٌ إمّا على الأعيان أو الكفاية، وأنّ الواجب الكفائي إذا لم يَقُمْ به مَنْ فيه كفايةٌ يَأْثَمُ الجميعُ بتركه، ويَصيرُ حكمُه في ذلك كالواجب العينيِّ. وأينَ القائم في هذا الزمان، بل في أكثر الأزمان، بالواجب مِنْ تحصيل هذه العلوم الشرعيّة، والحاصلُ على درجتها المرضيّة؟ سيّما التفقُّهِ في الدين; فإنّ أقلَّ مراتِبه وُجُوبُه على الكفاية، وأدنى ما يَتَأَدّى به هذا الواجبُ أنْ يكونَ في كلِّ قُطْر منه قائمٌ به مِمَّنْ فيه كفايةٌ، وهذا لا يحصُلُ إلاّ مع وجود خلق كثير مِنَ الفقهاء في أقطار الأرض.ومتى اتَّفَقَ ذلك في هذه الأزمنة؟ فالتقاعد عنه والاشتغال بغير العلم، ومقدِّماتِه، قد صار مِنْ أعظم العصيان، وإنْ كان بصورة العبادة مِنْ دعاء أو قراءة قرآن، فأينَ السلامةُ مِنْ أهوال القيامة للقاعِدِ عن الاشتغال بالعلوم الشرعيّة.واعْتَبِر ـ على تقدير السلامةِ من ذلك كُلِّه ـ أنّ امتيازَك عن سائر جنسك مِن الحيوانات ليس إلاّ بهذه القُوَّة العاقلة، التي قد خَصَّكَ الله بها مِن بينها، المُمَيِّزَةِ بينَ الخطأ والصواب، الموجِبَةِ لتحصيل العلومِ النافعة لك في هذه الدار وفي دار المآب.فقعودُك عن استعمالها فيما خُلِقْتَ له، وانهماكك في مَهْلكِكَ من المأكَل والمشْرَب، وغيرِهما من الأعمال التي يُشارِكُكَ فيها سائرُ الحيوانات حتّى الديدان والخنافس ـ فإنَّها تأكُلُ وتَشْرَبُ وتجمَعُ القُوتَ وتتناكَحُ وتَتَوالَدُ ـ مع أنّك قادرٌ على أنْ تصيرَ مِنْ جملة الملائكة المقرَّبين باستعمال قُوَّتِكَ في العلم والعمل بل أعظمَ مِن الملائكة، عينُ الْخُسران المبين(145). فَتَنَبَّهُوا مَعْشَرَ إخواني وأحِبّائي ـ أيْقَظَنا الله وإيّاكُم ـ مِنْ غَفْلَتِكُمْ واغْتَنِمُوا أيّامَ مُهْلَتِكُمْ، وتَلافُوا تَفْرِيطَكُم، قبلَ زوال الإمكان وفوت الأوان والحصول في حَيِّزِ «كان» فَيالَها حَسْرَةً لا يُتَدارَكُ فارِطُها، ونَدامَةً تَخْلُدُ مِحْنَتُها !!