اخلاق نظری (2) نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
والأكابرُ وأهل الدنيا، فَبَبْذُلُونَ لهم دنياهم ويَلْتَمِسونَ منهم علمَهم، فيبالغونَ في دفعهم ورَدِّ مِنَّتِهمْ عنهم، فَصَغُرَتِ الدنيا في أعيُنِ أهلها وعَظُمَ قَدْرُ العلم عندهم; نظراً منهم إلى أنَّ العلمَ لولا جَلالتُه وَنفاسَتُه ما آثَرَه هؤلاءِ الفضلاءُ على الدنيا، ولولا حَقارَةُ الدنيا وانحطاطُها لَما تركوها رغبةً عنها.ولَمّا أقبلَ علماءُ زمانِنا على الملوك وأبناء الدنيا وبَذَلُوا لهم علمَهم التماساً لدنياهم، عَظُمَتِ الدنيا في أعينهم، وصَغُرَ العلمُ لديهم لعين ما تَقَدَّمَ»(1).واعلمْ أنّ القدرَ المذمومَ مِنْ ذلك ليس هو مجرَّدَ اتّباع السلطان كيف اتَّفَقَ، بل اتّباعُه ليكون توطِئةً له ووسيلةً إلى ارتفاعِ الشأن والتَّرَفُّعِ على الأقْران وعِظَمِ الجاهِ والمقدار وحُبِّ الدنيا والرئاسِة ونحو ذلك; أمّا لو اتَّبَعَهُ ليجعلَه وُصْلَةً إلى إقامة نظامِ النوع وإعلاءِ كلمة الدين وترويج الحقِّ وقَمْعِ أهل البِدَعِ والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك، فهو مِن أفضلِ الأعمال فضلاً عن كونه مُرَخَّصاً; وبهذا يُجْمَعُ بينَ ما ورد مِن الذمِّ وما ورد أيضاً مِن الترخيص في ذلك، بل من فعلِ جماعة مِن الأعيان كعليِّ بنِ يقطين وعبد اللهِ النجاشي وأبي القاسم بن روح أحد الأبواب الشريفة ومحمّد بنِ إسماعيل بن بَزِيع ونوح بنِ دَرّاج، وغيرهم مِنْ أصحاب الأئمّة، ومِن الفقهاء مثلِ السيِّدَين الأجلّين المرتضى والرضي وأبيهما والخواجه نصيرِ الدين الطوسي، والعلاّمةِ بحر العلوم جمالِ الدين ابن المطهَّر وغيرِهم.وقد روى محمّدُ بنُ إسماعيلَ بنِ بَزِيع ـ وهو الثقة الصدوق ـ عن الرضا(عليه السلام) أنّه قال:إنّ لِلّه تعالى بأبْوابِ الظالمين مَنْ نَوَّرَ الله به البرهانَ ومَكَّنَ له في البلادِ، لِيَدْفَعَ بهم عن أوليائه ويُصْلِحَ الله به أُمورَ المسلمين; لأنّه مَلْجَأُ المؤمنين من الضرر، وإليه يَفْزَعُ ذوالحاجة مِنْ شيعتنا، بهم يُؤْمِنُ الله رَوْعَةَ المؤمنِ في دار الظَلَمَةِ، أُولئك المؤمنون حَقّاً، أُولئك أُمناءُ اللهِ في أرضه، أُولئك نورُ الله تعالى في رَعِيَّتِهِمْ يومَ القيامة، وَيَزْهَرُ نُورُهم لأهل السماوات، كما تَزْهَرُ الكواكبُ الدرّيّة لأهل الأرض، أُولئك مِنْ نُورِهِم يومَ القيامة تُضِيءُ منهم القيامةُ، خُلِقُوا واللهِ لِلْجَنَّةِ وخُلِقَتِ