عصمة النبي - سبیل المستبصرین إلی الصراط المستقیم و سفینة الناجین نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

سبیل المستبصرین إلی الصراط المستقیم و سفینة الناجین - نسخه متنی

صلاح الدین الحسینی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید



هل بقيت امتنا الإسلامية على الصراط المستقيم صراط الله ونبيه وأوصيائه أم أنها ضلت وتاهت كما ضل وتاه اليهود والنصارى؟

قبل الإجابة على كل تلك الأسئلة، لابد من تقديم موضوع عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم وما يتعلق بوصيته صلى الله عليه وآله، ومن ثم التوطئة إلى كل الإجابات من ذكر الصحابة وأنواعهم، وأهل البيت ومقاماتهم، فهذه المواضيع كلها سوف تمهد للقارئ العزيز استيعاب قضية إتباع المسلمين لليهود والنصارى وتقليدهم كما جاء في الحديث الشريف المذكور آنفا. إذن فلننتقل إلى مقدمات البحث مباشرة ثم بعدها نجيب على كل تلك الأسئلة. ولكن قبلها أذكرك أيها القارئ العزيز بأنني لن أتركك تضيع مع كل تلك الحقائق بل سأوجهك أيضا إلى سلوك سبيل النجاة، نحو الصراط المستقيم حتى تصل إلى سفينة النجاة، وتكون مع المهتدين، مع الفرقة الناجية أتباع أهل البيت وطريق أهل البيت ومنهجهم الذي هو طريق ومنهج رسولنا الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم.

عصمة النبي

عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم

العصمة عبارة عن لطف يفعله اللّه في المكلّف بحيث لا يكون له مع ذلك داع إلى ترك الطاعة ولا إلى فعل المعصية مع قدرته على ذلك، ويحصل انتظام ذلك اللطف بأن يحصل له ملكة مانعة من الفجور والإقدام على المعاصي مضافاً إلى العلم بما في الطاعة من الثواب، والعصمة من


العقاب، مع خوف المؤاخذة على ترك الأُولى، وفعل المنهي.. وربما تعرف بأنها قوّة تمنع الإنسان عن اقتراف المعصية والوقوع في الخطأ)

القرآن الكريم طرح عصمة النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ في أكثر من آية واهم تلك الآيات والتي فيها الكفاية قوله تعالى: (وَما يَنطق عن الهوى * إِن هُوَ إلا وَحيٌّ يُوحى.

كلمة ـ ما ـ التي في الآية هي من صيغ العموم، أي أن كل ما يتكلم أو ينطق به النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يكون عن هوى أو ميل النفس، بل إن كل ما ينطق به هو وحي من الله القي في روعه وأوحي إلى قلبه، وهذا النبي ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الذي لا يتكلم ولا ينطق عن الهوى أو عن ميل النفس بل يعتمد في منطقه على الوحي، يكون محفوظا ومصونا عن الزلل أو الخطأ أو السهو في كل ما يأخذ عن الله وكل ما يبلغ به، قال تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) وقال تعالى (ما زاغ البصر وما طغى).

فنرى الآيتين تشيران بوضوح إلى أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا ينطق عن ميول نفسانية وان ما ينطق به، وحي ألْقى في روعه وأُوحِي إلى قلبه، ومن لا يتكلّم عن الميول النفسانية ويعتمد في منطقه على الوحي يكون مصوناً من الزلل في المرحلتين: مرحلة الأخذ والتبليغ، إذ قال سبحانه: (ما كذب الفؤاد ما رأى... ما زاغ البصر و ما طغى.

وفي التعبير عن عصمة النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم نجد في نهج البلاغة للإمام علي عليه السلام في خطبته القاصعة يقول:

ولقد قَرَن اللّه به مِنْ لدن أن كانَ فطيماً أعظمَ ملك من ملائكته، يسلك به طريقَ المكارم، ومحاسنَ أخلاق العالم ليله ونهاره.

ودلالة هذه الجمل من هذه الخطبة على عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في القول والعمل عن الخطأ والزلل واضحة، فإن من ربّاه أعظم ملك من ملائكة اللّه سبحانه من لدن أن كان فطيماً، إلى أُخريات حياته الشريفة، لا تنفك عن المصونية من العصيان والخطأ، كيف وهذا الملك يسلك به طريق المكارم، ويربّيه على محاسن أخلاق العالم، ليلَه ونهارَه، لا يعصي ولا ينحرف عن الجادة الوسطى، وليست المعصية إلا سلوك طريق المآثم ومساوئ الأخلاق، و من يسلك الطريق الأوّل يكون متجنباً عن سلوك الطريق الثاني.

إنّ حياة الأنبياء من لدن ولادتهم إلى زمان بعثتهم، مشحونة بالمجاهدات الفردية، والاجتماعية، فقد كانوا يجاهدون النفس الأمارة أشدّ الجهاد، ويمارسون تهذيب أنفهسم بل ومجتمعهم، فهذا هو يوسف الصدّيق ـ عليه السَّلام ـ جاهد نفسه الأمارة وألجمها بأشد الوجوه عندما راودته من هو في بيتها سورة يوسف. الآية: 23 (وَغَلَّقَتِ الأَبْوابَ وَقالَتْ هَيْتَ لَك) فأجاب بالرد والنفي بقوله: سورة يوسف. الآية: 23 (مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ.


وهذا موسى كليم اللّه وجد في مدين امرأتين تذودان واقفتين على بعد من البئر، فقدم اليهما قائلاً: ما خطبكما فقالتا: أنا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، وعند ذلك لم يتفكر في شيء إلا في رفع حاجتهما، ولأجل ذلك سقى لهما ثم تولّى إلى الظل قائلاً: سورة القصص. الآية: 28 رَبِّ إِنّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْر فَقِيرٌ.

وكم هناك من شواهد تاريخية على جهاد الأنبياء وقيامهم بواجبهم في شبابهم إلى زمان بعثتهم التي تصدت لـذكرها الكتـب السماويـة وقصص الأنبياء وتـواريـخ البشر.

وليكن معلوما أن العصمة لا تتعارض مع مسألة لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين، لأن المعصوم أولا هو مكلف، قال تعالى في سورة الأعراف الآية 6 (فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين) إذا هم مكلفون كسائر البشر، ولذلك فإن ترك الطاعة وفعل المعصية يكون بداع نفسي يحمل الإنسان على الطاعة أو يحمله على ارتكاب المعصية، إلا أن العصمة تمسك المعصوم بحيث لا يبقى له داع إلى ارتكاب المعصية أو ترك الطاعة والتكليف الشرعي، فالعصمة موهبة إلهية لا تغير الطبيعة الإنسانية المختارة.

إنّ هذا العلم أعني ملكة العصمة لا يغيِّر الطبيعة الإنسانية المختارة في أفعالها الإرادية، ولا يخرجها إلى ساحة الإجبار والاضطرار كيف والعلم من مبادئ الاختيار، ومجرد قوة العلم لا يوجب إلا قوة الإرادة كطالب السلامة إذا أيقن بكون مائع ما سماً قاتلاً من حينه فإنه يمتنع باختياره من شربه قطعاً، وإنّما يضطر الفاعل ويجبر إذا أخرج المجبر أحد طرفي الفعل والترك من الإمكان إلى الامتناع. ويشهد على ذلك قوله سبحانه وتعالى في سورة الأنعام.الآيات: 87-88: وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إلى صِراط مُسْتَقيم* ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَو أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. تفيد الآية أنهم بإمكانهم أن يشركوا باللّه وإن كان الاجتباء أو الهدى الإلهي مانعاً من ذلك، وقوله سبحانه وتعالى في سورة لمائدة. الآية: 67: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إليك مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ، إلى غير ذلك من الآيات.

إن الهدف الأسمى والغاية القصوى من بعث الأنبياء وهداية الناس إلى التعاليم الإلهية والشرائع المقدّسة ولا تحصل تلك الغاية إلا بإيمانهم بصدق المبعوثين، وإذعانهم بكونهم مرسلين من جانبه سبحانه، وأنّ كلامهم وأقوالهم كلامه وقوله سبحانه، وهذا الإيمان والإذعان لا يحصل إلا بإذعان آخر وهو الإذعان بمصونيتهم من الخطأ في مجال تبليغ الرسالة، أعني المصونية في مقام أخذ الوحي أوّلاً، والمصونية في مقام التحفظ عليه ثانياً، والمصونية في مقام الإبلاغ والتبيين ثالثاً ومثل هذا لا يحصل إلا بمصونية النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عن الزلل والخطأ عمده وسهوه في تحمل رسالات اللّه وإبلاغها لعباده فالآيات القرآنية تؤكّد على عصمة الأنبياء في أخذ الوحي وحفظه وإبلاغه:.


قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة. الآية: 213: كانَ الناسُ أُمّة وَاحدة فبَعثَ اللّه النَبيّين مبشّرين ومُنْذرِين وأَنْزَلَ مَعْهُمُ الكتابَ بِالحقّ ليَحْكُم بين الناسِ فيما اختلفُوا فيهِ وَمَا اختلفَ فيه إلا الّذين أُوتُوه مِنْ بَعْدِ ما جاءتهُمُ البَيِّنات بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدى اللّه الّذينَ آمَنُوا لما اختلفُوا فيهِ مِنَ الحَقّ بِإذنهِ وَاللّهُ يَهْدي مَنْ يَشاءُ إلى صراط مُسْتَقيم.

الآية تصرّح بانّ الهدف من بعث الأنبياء هو القضاء بين الناس في ما اختلفوا فيه، وليس المراد من القضاء إلا القضاء بالحقّ، وهو فرع وصول الحقّ إلى القاضي بلا تغيير وتحريف.

ويقول سبحانه وتعالى في سورة النجم. الآية: 3 - 4: وَما يَنْطِقُ عَنِ الهَوى* إِنْ هُوَ إلا وحي يُوحى.

فالآية تصرح بأنّ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا ينطق عن الهوى، أي لا يتكلم بداعي الهوى. فالمراد إمّا جميع ما يصدر عنه من القول في مجال الحياة كما هو مقتضى إطلاقه أو خصوص ما يحكيه من اللّه سبحانه، فعلى كل تقدير فهو يدل على صيانته وعصمته في مجال إبلاغ الرسالة.

إنّ القرآن الكريم يؤكد و يصرح بأنّ الهدف من بعث الأنبياء. هو تزكية نفوس الناس وتصفيتهم من الرذائل وغرس الفضائل فيها قال سبحانه حاكياً عن لسان إبراهيم: قال سبحانه وتعالى في سورة البقرة الآية: 129 (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَيُزَكّيهِمْ إِنَّكَ أنت الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وقال سبحانه: (لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤْمِنينَ إذ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتابَ وَالحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلال مُبين.

والمراد من التزكية هو تطهير القلوب من الرذائل وإنماء الفضائل، وهذا ما يسمى في علم الأخلاق بـ "التربية". ولا شك أنّ تأثير التربية في النفوس يتوقف على إذعان من تراد تربيته بصدق المربي وإيمانه بتعاليمه، وهذا يعرف من خلال عمل المربّي بما يقوله ويعلمه وإلا فلو كان هناك إنفكاك بين القول والعمل، لزال الوثوق بصدق قوله وبالتالي تفقد التربية أثرها، ولا تتحقق حينئذ الغاية من البعث.

إن الله سبحانه يطرح عصمة الأنبياء في القرآن الكريم ويصفهم بهذا الوصف بشكل جلي واضح يدركه العقل السوي.

قال سبحانه وتعالى في سورة الأنعام الآيات من 84 - 87.: وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَنُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّـتِهِ داوُدَ وَسُلَيْمانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسى وَهارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* وَزَكَرِيّا وَيَحْيى وَعِيسى وَإِلْياسَ كُلٌّ مِنَ الصّالِحينَ* وَإِسْماعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاً فَضَّلْنا عَلَى الْعالَمينَ* وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيّاتِهِمْ وَإِخْوانِهِمْ وَاجْتَبَيْناهُمْ وَهَدَيْناهُمْ إلى صِراط مُسْتَقيم.


وقال سبحانه وتعالى قي سورة الأنعام. الآية: 90: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاّذِكْرى لِلْعالَمينَ.

والآية الأخيرة تصف الأنبياء بأنّهم مهديون بهداية اللّه سبحانه على وجه يجعلهم القدوة والأسوة.

هذا من جانب ومن جانب آخر نرى أنّه سبحانه يصرح بأنّ من شملته الهداية الإلهية لا مضلَّ له ويقول سبحانه وتعالى في سورة الزمر. الآية: 36 وَمَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هاد* وَمَنْ يَهْدِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِل.

وفي آية ثالثة يصرح بأنّ حقيقة العصيان هي الانحراف عن الجادة الوسطى بل هي الضلالة ويقول سبحانه وتعالى في سورة يس. الآية: 60 - 64 أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* وَأَنِ اعْبُدُونِي هذا صِراطٌ مُسْتَقيمٌ* وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبلاًّ كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ.

وبملاحظة هذه الآية الشريفة تظهر قضية العصمة بوضوح فإن الله سبحانه وتعالى يصف الأنبياء بأنهم القدوة، وان من شملته الهداية الإلهية لا ضلالة له ولا مضل له، وان العصيان هو نفس الضلالة ومقارن لها وملازم لها فعندما يقول الحق سبحانه وتعالى في سورة يس الآية 62: (ولقد أضل منكم جبلا كثيرا) فهل كانت ضلالتهم إلا العصيان ومخالفة أمر الله وعدم إجتناب نهيه.

فإذا كان الأنبياء مهديين بهداية اللّه سبحانه وتعالى فإن الضلال لا يتطرق إلى من هداه الله واجتباه واصطفاه لتبليغ الحق والهدى إلى العباد. ومن يحمل كل هذه الصفات فإن المعصية والتي هي في الأصل ضلال عن الحق لا يمكن أن تتطرق إليه أيضا فماذا بعد الحق إلا الضلال.

أضف إلى ذلك أن الله سبحانه وتعالى وعد المطيعين للّه والرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنّـهم من الذين يحشرون مع النبيين والصدّيقين والشهداء والصالحين الذين أنعم اللّه عليهم إذ يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء. الآية: 69 وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ وَالصِّدِّيقينَ والشهداء والصالحين وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

وعلى مفاد هذه الآية فالأنبياء من الذين أنعم اللّه عليهم بلا شك ولا ريب، وهو سبحانه يصف تلك الطائفة أعني: (من أنعم عليهم) بقوله: بأنّهم:(غير المغضوب عَلَيْهِمْ وَلاَ الضّالِّينَ.

فإذا انضمت الآية الأُولى الواصفة للأنبياء بالإنعام عليهم، إلى هذه الآية الواصفة بأنّهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، يستنتج عصمة الأنبياء بوضوح، لأن العاصي من يشمله غضب اللّه سبحانه ويكون ضالاً بقدر عصيانه ومخالفته.


ثم أن الحق تبارك وتعالى يصف جملة من الأنبياء ويقول في حق إبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وهارون وإسماعيل وإدريس في سورة مريم. الآية: 58 (أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوح وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنا وَاجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(

فهذه الآية الشريفة تصف الأنبياء بأنهم قد أنعم الله عليهم وأن الله هداهم واجتباهم وأنهم ملازمين لطاعته والإنابة إليه.

وفي آية أخرى يحث الحق سبحانه ويدعو المسلمين على إتباع واقتفاء اثر النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ومتابعته وطاعته بمختلف التعابير والعبارات، يقول سبحانه وتعالى في سورة آل عمران. الآية: 31-32 قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُوني يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَالرَّسُولَ فإن تَوَلَّوا فإن اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرينَ.

ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء. الآية: 80 مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ.

ويقول سبحانه وتعالى في سورة النور. الآية: 52 وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللّهَ وَيَتَّقهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزونَ.

كما أنّه سبحانه يندد بمن يتصور أن على النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يقتفي الرأي العام فيقول سبحانه وتعالى في سورة الحجرات. الآية: 7 وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللّهِ لَوْ يُطيعُكُمْ في كَثير مِنَ الأمر لَعَنِتُّمْ.

وخلاصة القول: إنّ هذه الآيات تدعو إلى إطاعة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم والإقتداء به بلا قيد وشرط، ومن وجبت طاعته على وجه الإطلاق أي بلا قيد وشرط يجب أن يكون معصوماً من العصيان ومصوناً عن الخطأ والزلل والسهو والغفلة والنسيان.

كيف وقد وصف الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنّه الأُسوة الحسنة في قوله سبحانه في سورة الأحزاب. الآية: 21 لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُو اللّهَ وَاليَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً.

فكونه أُسوة حسنة في جميع المجالات لا يتفق إلا مع عصمته المطلقة، بخلاف من يكون أُسوة في مجال دون مجال، وعلى ذلك فهو مصون من الخلاف والعصيان والخطأ والزلل.

وإليك الآن مجموعة أخرى من الآيات القرآنية والتي تدلل في معانيها على عصمة الأنبياء من الزلل والخطأ.

يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء. الآية: 105 أنا أَنْزَلْنَا إليك الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً


و يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء. الآية: 113 وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَّائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْء وَأَنْزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً.

ويقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة. الآية: 143 وَكَذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً

ويقول سبحانه وتعالى في سورة النساء. الآية: 41 فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمّة بِشَهِيد وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً،

ويقول سبحانه وتعالى في سورة النحل.الآية: 84 وَيَوْمَ نَبْعَثُ مِنْ كُلِّ أُمّة شَهِيداً ثُمَّ لا يُؤْذَنُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُون َ

ويقول سبحانه وتعالى في سورة الزمر الآية: 69: وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ

.والشهادة في هذه الآيات مطلقة غير مقيدة وظاهرها جميعها هو الشهادة على أعمال الأمم وعلى تبليغ الرسل كما تبين لك الآية التالية وهي قوله تعالى في سورة الأعراف الآية 6 فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ، وهذه الشهادة وإن كانت في الآخرة ويوم القيامة لكن يتحملها الشهود في الدنيا على ما يدل عليه قوله سبحانه وكُنْتُ عَلَيِهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّـا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أنت الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وأنت عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ ويقول سبحانه وتعالى وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً

ومن الواضح أنّ الشهادة فرع العلم، وعدم الخطأ في تشخيص المشهود به، فلو كان النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من الشهداء يجب إلا يكون خاطئاً في شهادته، فالآية تدلّ على صيانته وعصمته من الخطأ في مجال الشهادة.

كما تدلّ على سعة علمه إذا شهد فإذا شهد شهد على الكفر والإيمان، والرياء والإخلاص، وبالجملة على كل خفيّ عن الحس ومستبطن عند الإنسان، أعني ما تكسبه القلوب وعليه يدور حساب رب العالمين، قال تعالى: في سورة البقرة الآية: 225 وَلَكِن يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ، ولا شك أنّ الشهادة على حقائق أعمال الأُمّة خارج عن وسع الإنسان العادي إلا إذا تمسّك بحبل العصمة وولي أمر اللّه بإذنه.

هذه جملة من الآيات القرآنية تدلل بمجملها على عصمة الأنبياء والمرسلين جميعا، ونخص بالذكر نبينا ورسولنا محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، وهذا أمر لا مرية فيه ولا أدنى شك عند الأئمة المعصومين من أهل البيت سلام الله عليهم وأتباعهم، فهم على الاعتقاد بعصمة النبي محمد صلَّى الله عليه وآله وسلَّم منذ وفاته وحتى يومنا هذا.


فأتباع مذهب أهل البيت عليهم السلام يدرؤون عن كل ما أحيط بمسألة عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من شبهات وأقاويل، فهو بنظرهم معصوم في أمور الدين والدنيا وقبل النبوة وبعدها.

وأما أهل السنة فإنهم أيضا يفضلون شخص النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الأولين والآخرين، إلا أنهم يرون أن عصمته محدودة بالأمور الدينية فقط، والتي هي بنظرهم الأمور المتعلقة بتبليغ الرسالة ليس إلا، وما دون ذلك فهو كغيره من البشر يخطئ ويصيب.حتى أنهم ينفون عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم في تبليغ التشريع أيضا، والأمثلة على ذلك كثيرة نتطرق إليها لاحقا من خلال هذا البحث.

وكذلك عند علمائهم أبحاث مطولة في سؤالهم هل يجوز في حق الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يكون مجتهدا.؟ والغالبية العظمى منهم أقروا بأنه يجوز في حق الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أن يكون مجتهدا، فمن المعلوم أن المجتهد يصيب ويخطئ، وحتى يبرروا قولهم هذا استندوا إلى نصوص لا يمكن لكل عاقل منصف إن يقبل بها، ولكن أهل السنة اعتقدوا بتلك النصوص وضربوا بكل تلك الآيات التي تؤكد عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عرض الحائط.

اعتقاد أهل السنة في عصمة النبي

إعتقاد أهل السنة في عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم

عزيزي القارئ أقدم بين يديك صورا مما يعتقده أهل السنة بشأن عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من خلال كتبهم وصحاحهم لنرى بصورة جلية حقيقة موقفهم بهذا الشأن، ومن خلال ما يعتبرونه أصح الكتب بعد كتاب الله، وأحب أن ألفت نظر قارئي العزيز أن كل ما ستقرأه من أحاديث تطعن في عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ستلاحظ فيه وبشكل واضح لا أظنه يخفى عليك أن مقابل الطعن في عصمة النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يكون بمقابله وفي نفس النص فضيلة يصطنعونها لأبي يكر و عمر و عثمان، على حساب منزلة النبوة والرسالة، وإذا لم تكن في الحديث فضيلة فإن سبب وضع الحديث يكون تبريرا لفعل فاضح قد فعله بعض أولئك، ولذلك من أجل تبرير فعل ذلك الصحابي يتهمون النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بفعله أولا، حتى يبرر الفعل لفاعله الأصلي.

والآن أقدم بين يديك جملة من الأحاديث أعتبرها مختصرة وما تركته هو أكثر بكثير مما في هذا البحث. وحاولت أن أكتفي فقط بما يعتبر عند أهل السنة من الصحاح.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يعرف انه نبي

روى البخاري في صحيحه عن عائشة (رض) قالت: "... حتى فاجأه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه، فقال: اقرأ، فقال له النبي (ص): ما أنا بقارئ، فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ (... ثلاثا) فرجع بها ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال: يا خديجة، ما لي؟ ثم انطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي. وهو ابن عم


خديجة أخو أبيها، وكان امرءا تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العربي، فيكتب بالعربية من الإنجيل ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: أي ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال ورقة: ابن أخي ماذا ترى؟ فأخبره النبي (ص) ما رأى فقال ورقة: هذا الناموس الذي أنزل على موسى، يا ليتني فيها جذعا أكون حيا حين يخرجك قومك، فقال رسول الله (ص): أو مخرجي هم؟....

فهل يعقل أن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يكن يعلم بأن ما أنزل عليه كان النبوة، وأن ورقة بن نوفل - النصراني - هو الذي أعلمه بذلك وأنه أعلم منه؟؟ وهل يعقل أن يرسل الله سبحانه وتعالى رسولا لا يعرف الوحي من غير الوحي.

روى مسلم في صحيحه حدثني أحمد بن عمرو بن عبد الله بن عمرو بن سرح أخبرنا بن وهب قال أخبرني يونس عن بن شهاب قال حدثني عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أنها قالت ثم كان أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه وهو التعبد في الليالي أولات العدد قبل أن يرجع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى فجئه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ قال قلت ما أنا بقارئ قال فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره حتى دخل على خديجة فقال زملوني زملوني فزملوه حتى ذهب عنه الروع ثم قال لخديجة أي خديجة مالي وأخبرها الخبر قال لقد خشيت على نفسي قالت له خديجة كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدا والله إنك لتصل الرحم وتصدق الحديث وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى وهو بن عم خديجة أخي أبيها وكان امرأ تنصر في الجاهلية وكان يكتب الكتاب العربي ويكتب من الإنجيل بالعربية ما شاء الله أن يكتب وكان شيخا كبيرا قد عمى فقالت له خديجة أي عم اسمع من بن أخيك قال ورقة بن نوفل يا بن أخي ماذا ترى فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رآه فقال له ورقة هذا الناموس الذي أنزل على موسى صلى الله عليه وسلم يا ليتني فيها جذعا يا ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مخرجي هم قال ورقة نعم لم يأت رجل قط بما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا.

يتبين من تلك الروايات بحسب ما يدعي أهل السنة أن الـنـبـي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان شاكا ومترددا في نبوته حتى بعد نزول الوحي والقرآن عليه, وهبوط جبريل إليه, وكان لا يعرف ما الذي


يجري معه، وأظن أن واضعي مثل هذه الأحاديث المفتراة على رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم أرادوا بذلك تثبيت ما كان أهل الجاهلية يعتقدونه بعد نزول الوحي من أن الـنـبـي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كاهن أو شاعر مع انه كان يكره الكهان والشعراء، ولكن ورقة بن نوفل ساعده حتى اذهب عـنـه مـا كان فيه من الخوف والروع، وأخبره بأن ما جاءه هو الوحي والرسالة. ثم إنه لما توفي ورقه بن نوفل حزن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كثيرا وانقطع عنه الوحي فأراد الانتحار.

فعلى هذا, كيف يعقل أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يعلم انه نبي ورسول حتى بعد نزول الوحي عليه, في حين أن الكهنة والرهبان كانوا على علم برسالته منذ أمد بعيد.

وهـل يـعـقـل أن يبعث اللّه نبيا وليس للرسول خبر عن هذه الرسالة الملقاة على عاتقه؟ حتى انه لا يـسـتـطـيـع أن يـمـيـز بين الوحي الإلهي والوساوس.

إن جواب الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لجبرائيل الأمين لما قال له: أقرا فقال النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم: ما أنا بقارئ يفهم مـنـه أن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يعلم ولم يفهم مقصود جبرائيل، لأن جبرائيل كان يقصد من قوله: اقرأ أي رتل وكرر ما اتلوه عليك, ولكن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فهم عكس هذا القول وأن مقصود جبرائيل هو أن يقرأ ما كان مكتوبا عـلـى اللوح، وعلم الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ما قصده الملك في المرة الثالثة لما كرر جبرائيل قوله وأنهى ما كان فيه النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم من المعضل والترديد.

ولكن يتبادر سـؤال: هـل إن جبرائيل كان ضعيف البيـان والأداء، بحيث لا يستطيع أن يؤدي الرسالة حق الأداء؟ أم أن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم كان قاصر الفهم ولم يعلم المقصود؟ هل هذا ما أراده رواة تلك الأحاديث وهو الطعن في علم ومعرفة وعصمة رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم الذي وردت فيه عشرات الأحاديث أنه كان نبيا وآدم بين الماء والطين كما سيتبن لك من خلال البحث.

ورد فـي الـحـديـث أن سيدنا جبرائيل عليه السلام أخذ النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ثلاث مرات يهزه بشدة حتى أحس الـرسـول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بالوجع، وهذه الأخذة والهزة كما أشار إليها علماء أهل السنة لم تفعل بأحد من الأنبياء عليهم السلام، ولم ينقل عن أحدهم أنه جرى له عند ابتداء الوحي إليه مثله.

وهـل كـان الـنـبـي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فـاقـدا لـتلك القوة التي كانت عند سيدنا موسى عليه الصلاة والسلام لما لطم ملك الموت فأعماه وفقأ عينه كما ذكر البخاري في صحيحه؟.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (أرسل ملك الموت إلى موسى عليهما السلام، فلما جاءه صكه، فرجع إلى ربه، فقال: أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، قال: ارجع إليه، فقل له يضع يده على متن ثور، فله بما غطت يده بكل شعرة سنة.


جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يريد إن ينتحر

وكذلك روى البخاري إكمالا لتلك الرواية السابقة عن عائشة: بما هو أغرب من ذلك، وبما تقشعر له الأبدان: يقول البخاري عن عائشة في باب تعبير الرؤيا "... ثم لم ينشب ورقة حتى توفي وفتر الوحي فترة حتى حزن النبي (ص) فيما بلغنا حزنا غدا منه مرارا كي يتردى من رؤوس شواهق الجبال، فكما أوفى بذروة جبل لكي يلقي منه نفسه تبدى له جبريل فقال: يا محمد، إنك رسول الله حقا، فيسكن لذلك جأشه وتقر نفسه فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبل تبدى له جبريل فقال له مثل ذلك. وروى مسلم في صحيحه نفس رواية عائشة.

جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يحفظ آيات القرآن

وهل يمكن لمسلم أن يصدق بأن الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لم يكن يحفظ القرآن بكامله؟ مع أن الله سبحانه وتعالى أنزل في القرآن الكريم في سورة الأعلى الآية: 6 سنقرئك فلا تنسى. ويقول سبحانه في سورة الحجر. الآية: 9 {أنا نحن نزلنا الذكر وأنا له لحافظون}.. فهل يعقل إن لا يؤتمن رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على الوحي الذي أنزله الله إليه وائتمنه الله عليه؟ هل يعقل أن لا يهتم رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بما أنزل الله عليه من الآيات والذكر الحكيم؟ للأسف الشديد فأهل السنة يقبلون ذلك ويرضون به، فانظر لما سأقدمه لك من أحاديث صحيحة عندهم بل من أصح الكتب عندهم.

روى البخاري بالإسناد إلى عائشة (رض) قالت: " سمع النبي (ص) رجلا يقرأ في المسجد، فقال: رحمه الله لقد أذكرني كذا وكذا آية أسقطتها في سورة كذا وكذا ".هذه الرواية كررها البخاري في صحيحه في أكثر من موقع نكتفي بذكر هذه الرواية من عنده.

وروى مسلم في صحيحه بالإسناد إلى عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم: سمع رجلا يقرأ من الليل. فقال "يرحمه الله. لقد أذكرني كذا وكذا. آية كنت أسقطتها من سورة كذا وكذا".

وروى أبو داوود في سننه حدثنا محمد بن العلاء وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي قالا: أخبرنا مروان بن معاوية، عن يحيى الكاهلي، عن المسور بن يزيد المالكي: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يحيى: وربما قال: شهدت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في الصلاة فترك شيئاً لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول اللّه، تركت آية كذا وكذا. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هلا أذكرتنيها".

وفي مسند احمد حدثنا عبد الله قال حدثني سريج بن يونس قال حدثنا مروان بن معاوية عن يحيى بن كثير الكاهلي عن مسور بن يزيد الأسدي قال: -صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وترك آية فقال له رجل يا رسول الله تركت آية كذا وكذا قال فهلا ذكرتنيها.


جعلوا النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يسهو ولا يهتم بالصلاة

وأما بالنسبة لما يزعمونه من جواز سهو النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم،

فقد روي البخاري في صحيحه بالإسناد إلى جابر بن عبد الله أنه قال: " أن النبي (ص) جاءه عمر بن الخطاب يوم الخندق فقال: يا رسول الله، والله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس تغرب وذلك بعدما أفطر الصائم، فقال النبي (ص)، والله ما صليتها، فنزل النبي (ص) إلى بطحان وأنا معه فتوضأ ثم صلى العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب " (1). وقد تكررت هذه الرواية في صحيح البخاري أكثر من مره.

وروى مسلم في صحيحه وحدثني أبو غسان المسمعي ومحمد بن المثنى عن معاذ بن هشام قال أبو غسان: حدثنا معاذ بن هشام. حدثني أبي عن يحيى بن أبي كثير. قال: حدثنا أبو سلمة بن عبد الرحمن عن جابر بن عبد الله؛ أن عمر بن الخطاب، يوم الخندق، جعل يسب كفار قريش. وقال: يا رسول الله! والله! ما كدت أن أصلي العصر حتى كادت أن تغرب الشمس. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "فوالله! ما صليتها" فنزلنا إلى بطحان. فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم. وتوضأنا. فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العصر بعد ما غربت الشمس. ثم صلى بعدها المغرب.

وروى البخاري في صحيحه حدثنا مسدد قال: حدثني يحيى بن سعيد قال: حدثنا عوف قال: حدثنا أبو رجاء، عن عمران قال كنا في سفر مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنا أسرينا، حتى كنا في آخر الليل، وقعنا وقعة، ولا وقعة أحلى عند المسافر منها، فما أيقظنا إلا حر الشمس، وكان أول من استيقظ فلان ثم فلان ثم فلان - يسميهم أبو رجاء فنسي عوف - ثم عمر بن الخطاب الرابع، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ، لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه، فلما استيقظ عمر ورأى ما أصاب الناس، وكان رجلا جليدا، فكبر ورفع صوته بالتكبير، فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير، حتى استيقظ بصوته النبي صلى الله عليه وسلم، فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم، قال: (لا ضير أو لا يضير،ارتحلوا).

وروى مسلم في صحيحه حدثنا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي. أخبرنا النضر بن شميل. حدثنا عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن أبي رجاء العطاردي، عن عمران بن الحصين؛ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر. فسرينا ليلة. حتى إذا كان من آخر الليل، قبيل الصبح، وقعنا تلك الوقعة التي لا وقعة عند المسافر أحلى منها. فما أيقظنا إلا حر الشمس. وساق الحديث بنحو حديث سلم بن زرير. وزاد ونقص. وقال في الحديث: فلما استيقظ عمر بن الخطاب ورأى ما أصاب الناس. وكان أجوف جليدا. فكبر ورفع صوته بالتكبير. حتى استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم، لشدة صوته، بالتكبير. فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم شكوا إليه الذي أصابهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا ضير. ارتحلوا" وعن أبي هريرة قال: " أقيمت الصلاة وعدلت الصفوف قياما، فخرج إلينا رسول الله (ص) فلما قام في


مصلاه ذكر أنه جنب، فقال لنا: مكانكم، ثم رجع فاغتسل، ثم خرج إلينا ورأسه يقطر، فكبر فصلينا معه ".

وفي صحيحي البخاري ومسلم عن أبي هريرة أيضا: " فصلى بنا النبي (ص) الظهر ركعتين ثم سلم، ثم قام إلى خشبة في مقدم المسجد، ووضع يده عليها وفي القوم يومئذ أبو بكر وعمر فهابا أن يكلماه، وخرج سرعان الناس، فقالوا: قصرت الصلاة؟ وفي القوم رجل كان النبي (ص) يدعوه ذا اليدين، فقال: يا نبي الله، أنسيت أم قصرت؟ فقال: لم أنس ولم تقصر، قالوا: بل نسيت يا رسول الله، قال: صدق ذو اليدين ".

إذن النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ينسى ويسهو حسب ادعاء أبي هريرة في الأحاديث السابقة، بينما نجد في الروايات عن أبي هريرة نفسه أنه لا ينسى، واليك هذه الرواية في صحيح البخاري عن أبي هريرة قال:قلت: يا رسول الله، إني أسمع منك حديث كثيرا أنساه؟ قال: (أبسط رداءك). فبسطته، قال: فغرف بيديه، ثم قال: (ضمه) فضممته، فما نسيت شيئا بعده.

والسؤال المهم هنا الذي يطرح نفسه إذا كان رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم عنده القدرة على أن يجعل شخصا مثل أبي هريرة لا ينسى شيئا، فكيف جعلوا رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلَّم لا يستطيع أن يستخدم تلك القدرة لنفسه.

جعلوا الرسول صلَّى الله عليه وآله وسلَّم يلعن ويؤذي المؤمنين

إن القرآن الكريم وصف النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بأنه على خلق عظيم ولكن البخاري ومسلم أخرجا في كتابيهما أحاديث منافية تماما للقرآن ونقلا أحاديث حول أخلاق النبي صلَّى الله عليه وآله وسلَّم على عكس ما يصفه القرآن، والسبب في وضع هذه الأحاديث والتي تطعن في عصمة النبي الأكرم صلَّى الله عليه وآله وسلَّم هو أنه كان وبأمر من ربه قد لعن العديد من الصحابة المنافقين من أمثال مروان ابن الحكم وأبيه وبني أمية فحتى تتحول اللعنات إلى فضائل ومناقب وضعوا مثل تلك الأحاديث وطعنوا في عصمته وأخلاقه.

روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (اللهم فأيما مؤمن سببته، فاجعل ذلك له قربة إليك يوم القيامة).

وروى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: دَخَلَ عَلَىَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلاَنِ، فَكَلَّمَاهُ بِشَيْءٍ لاَ أَدْرِي مَا هُوَ، فَأَغْضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئاً مَا أَصَابَهُ هَذَانِ. قَالَ: "وَمَا ذَاكِ؟" قَالَتْ قُلْتُ: لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا. قَالَ: "أو مَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي، قُلْتُ: اللَّهُمَّ إِنَّمَا أنا بَشَرٌ، فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ لَعَنْتُهُ أو سَبَبْتُهُ فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْراً".

وروى مسلم في صحيحه أيضا عن عائشة. قالت: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان. فكلمها بشيء لا أدري ما هو. فأغضباه. فلعنهما وسبهما. فلما خرجا قلت: يا


/ 33