اقول : عنوان الشي ء والذات كما يحمل على ممكن الوجود, كذلك يحمل على واجب الوجود بالذات , ومـن الـواضـح ان الـواجب بالذات لا ماهية له ليكون له جنس الاجناس , وحمل الوجود على الشي ء
كـحـمـلـه على الجواهر والاعراض لايدل على كونه جنس الاجناس للاعراض والجواهر, فان
الـعنوان الانتزاعي الاعتباري من كل الموجودات خارجا اوالملحوظة ذهنا, لا يدخل في الماهيات
الـمـتـاصلة , ليكون جنسا او فصلا او نوعا او يكون جوهرا او عرضا وذلك ظاهر,ولذلك يصدق
الشي ء على المستحيلات ايضا باعتبار لحاظها وعلى الجواهر والاعراض وغيرهما.
وبـالـجملة ما ذكر من ان العرض العام يكون خاصة للجنس البعيد كالتحيز بالاضافة الى الجسم , او
خاصة للجنس القريب , كالماشي بالاضافة الى الحيوان ((137)) والشيئية ليست خاصة فتكون جنسا
لانــهـا جهة جامعة بين الماهيات , لايثبت ان عنوان الشي ء جنس بمجرد كونها جهة جامعة , كما لا
يـثـبـت انــه عـرضي في باب الكليات الخمس , لان العنوان الانتزاعي الاعتباري خارج عن قسم
الـجـوهـر والـعـرض في باب الكليات ((138)) فلا يكون جنسا, وما يقال من ان الشيئية مساوقة
لـلـوجـود لايـراد بـه الـوجود الخارجي فحسب , ولذا يحمل الوجود على الشي ء,فالشي ء عنوان
انتزاعي اعتباري , كما لا يخفى .
وامـا مـاذكر(ره ) من ان المراد بالناطق الذي يذكر فصلا للانسان هو صاحب النفس الناطقة , فلا
يـمـكـن المساعدة عليه ,وياليت اقتصر على النفس الناطقة فان صاحب نفس الناطقة هو الانسان ,
وخـصوصيات الافراد لا دخل لها, فيكون صاحبها هو النوع ولا يمكن دخول النوع في الفصل , واما
النفس الناطقة فلم يذكر المراد منها ليعرف كيف تكون فصلا.
ثم انه (ره ) استدل على بساطة معنى المشتق وخروج مفهوم الشي ء والذات عنه بامرين :
الاول : انــه على تقدير دخوله , تكون النسبة الناقصة ايضا داخلة فيه , حيث لايرتبط المبدا بالذات
بـدونها, واذادخلت النسبة في معناه , لزم كون المشتقات كسائر الاسماء المتضمنة لمعاني الحروف
مبنيات ((139)) .
وتنظر فيما افاده بقوله وفيه نظر لان الذات الماخوذة (1).
وفـيـه : ان الـمـوجب للبناء في الاسماء وضعها بمادتها وهيئتها لمعنى يتضمن المعنى الحرفي , ولا
يـجري في مثل المشتق الذي يكون لمادته وضع ومعنى ولهيئته معنى اخر, مع انا لا نسلم الملازمة
بين تضمن لفظ للمعنى الحرفي وبين كونه مبنيا دائما.
الـثاني : ان معنى المشتق بعينه معنى المبدا الا ان الهيئة في المشتق موضوعة لقلب المبدا عن بشرط
لا, الـى الـلابـشـرط,ومـعه يتحد المبدا مع الذات , فان وجود العرض بما هو عرض عين وجود
المعروض , لا وجود اخر ((140)) .
وفيه : اولا: ان وجودالمبدا زائد على وجود الذات , فكيف يتحد معها؟
وثانيا: ان المبدا قد لا يكون عرضا, بل حكما شرعيا كالحلال والحرام , او اعتبارا عقليا كالواجب
والـمـمكن , اوعقلائيا كالحسن والقبيح الى غير ذلك , فلايمكن الالتزام باتحاد الموضوع والحكم ,
وقـد لا يـكـون الـمبدا عرضا بالاضافة الى الذات المتلبسة به , كما في اسم الزمان والمكان والالة
وغـير ذلك مما لا يمكن الالتزام فيها بالاتحاد, بل في صحة الحكم على عنوان المشتق في الخطاب
بلااعتماده على موصوف كفاية للجزم بان معنى الهيئة في جميع المشتقات يتضمن الذات المبهمة على
ما تقدم .
(1) هـذا تقريب من صاحب الفصول (ره ) لدعوى انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية , وحاصل
تقريبه : انه لوكان معنى قولنا: الانسان كاتب , الانسان انسان له الكتابة , بان كانت الذات الماخوذة في
المحمول عين الموضوع , فان كان الموضوع وقد انقدح بذلك عدم نهوض ما افاده (1).
فـي القضية مقيدا بقيد الكتابة واقعا وفي نفس الامر, صدق الايجاب بالضرورة , فان ثبوت انسان له
الـكـتابة للانسان المفروض له الكتابة ضروري , وان لم يكن الموضوع مقيدا بها بحسب الواقع , بان
كـان فـاقـدا لـهـا, صـدق السلب بالضرورة ,فلا تكون في البين قضية ممكنة , فتتم دعوى انقلاب
النسبة ((141)) .
وقـد اورد الـماتن (ره ) على هذا التقريب بان القضية انما تكون موجهة باحدى الجهات من الامكان
والضرورة والدوام وغيرها, فيما اذا لوحظت نسبة المحمول الى الموضوع المفروض في القضية ,
لا ذلك الموضوع مقيدا بثبوت المحمول له واقعا, او عدم ثبوته له كذلك .
وان شئت قلت : ثبوت المحمول للموضوع واقعا, او عدم ثبوته له واقعا, مناط صدق القضية وكذبها
وهو غيرماخوذ في موضوع القضية قيدا, والالانحصرت القضايا بالضرورية , اذ الموضوع بشرط
الـمـحـمـول اي مع اخذ المحمول فيه قيدا, يستلزم ضرورية ثبوت المحمول له , حتى في القضية
الممكنه , سواء قيل بعدم دخول الذات في معنى المشتق وبساطته , او قيل بتركبه .
وامـا دعـوى الـسـيـد الـشريف فهي لزوم انقلاب القضية الملحوظ فيها نسبة المحمول الى نفس
الـمـوضـوع , من الممكنة الى الضرورية , لا انقلاب القضية الى الضرورية بشرط تقيد الموضوع
بالحمول , فانه اجنبي عن دعواه , ولايمكن توجيه دعواه بما تنظر به .
(1) زعـم صـاحـب الفصول (ره ) انه يمكن ابطال الوجه الاول -اي احتمال دخول مفهوم الشي ء في
مـعـنـي الـمـشـتـق - بـلـزوم الانقلاب ايضا, بان يقال : لو اخذ مفهوم الشي ء في معنى المشتق لزم
انقلاب القضية الممكنة الى الضرورية ((142)) .
واجاب عنه الماتن (ره ) بعدم لزوم الانقلاب من ذلك , لان صدق عنوان الشي ء على مصداقه وان كان
ضـروريـا, الا ان الـضـرورة انـما هي مع اطلاق مفهومه وعدم تقييده -اي تضييقه بقيد- واما مع
التضييق فلا, حيث يمكن ان يكون ثبوته مع التقييد ممتنعا فضلا عن الضرورة , كما اذا قيل : الانسان
شـي ء يـتـمكن من الجمع بين النقيضين . نعم لو كان اخذ القيدولحاظه في ناحية الموضوع ايضا, بان
كانت القضية بشرط المحمول , لكانت ضرورية , ولكن قد تقدم ان القيد لا يؤخذفي طرف الموضوع
اصلا.
ثم ان الماتن (ره ) استدل على بساطة المشتق وعدم دخول مصداق الشي ء في معناه , بلزوم اخذ النوع
في الفصل ,وقال ان السيد الشريف لو جعل التالي في الشرطية الثانية لزوم دخول النوع في الفصل
كـان الـيق بالشرطية الاولى , وكان الاستدلال تاما, سواء جعل الناطق فصلا حقيقيا او عرضا خاصا
اقـيـم مـقام الفصل , اما على تقدير كونه فصلا حقيقيا,فللزوم دخول النوع في الفصل فيما اذا قيل :
(الانـسان ناطق ), ومن المعلوم ان الناطق جزءالنوع , فكيف يكون النوع جزءامنه ؟ واما على تقدير
كونه خاصة , فلان الخاصة خارجة عن الذات وذاتياتها كما في سائر العرضيات , فكيف تكون الذات
بذاتياتها داخلة فيها؟
واسـتدل ايضا على بساطة معنى المشتق بمعنى عدم دخول الشي ء في معناه ارشاد : لا يخفى ان معنى
البساطة بحسب المفهوم وحدته ادراكا وتصورا(1).
مـفـهـومـا ومصداقا, بضرورة عدم تكرار الموصوف في مثل زيد الكاتب , مع انـه يلزم التكرار من
دخول الشي ء في معنى الكاتب مفهوما او مصداقا, ولكن لا يخفى ان لزوم التكرار في المثال وما شابهه
انـمـا هـو على تقدير اخذ مصداق الشي ءفي معنى المشتق , واما بناءا على اخذ مفهومه فيه , فالشي ء
الـمـقـيـد بان له الكتابة ليس تكرارا للانسان , نعم يلزم التكرارفي مثل قول القائل الماء شي ء بارد
بالطبع كما لا يخفى .
(1) اقول : لا ريب في امكان انحلال معنى المشتق بحسب التحليل العقلي , فانه لا يقل عن مبدئه وعن
سـائر الـجـوامدكالانسان والحجر وغيرهما مما هو قابل للتحليل العقلي , وانما الكلام في انحلال
معنى المشتق الى مفهوم الشي ء اومصداقه , بحيث يكون مفهومه او مصداقه جزءا لما ينحل اليه معناه .
وامـا من ذهب الى بساطة معناه واستدل عليه بماتقدم من المحقق الشريف , او بان الشي ء معنى اسمي
فلا يدخل في معني الهيئة لان معناها حرفي وقد تقدم التصريح عن المحقق النائيني (ره ) بان الفرق
بين المشتق ومبدئه ان معنى المشتق بعينه معنى المبدا, الا ان الهيئة في المشتق تدل على جهة اتحاده
مـع الذات فهو لا يمكنه الالتزام بانحلال معناه البسيط الى الذات مفهوما ومصداقا, فكيف ينحل معناه
بالتحليل العقلي اليه ؟ مع ان الانحلال عبارة عن : فتق معنى اللفظ, كانحلال الانسان الى حيوان ناطق ,
وكذا انحلال سائر الانواع الى الجنس والفصل .
لا يـقـال : كـيـف ينحل الانسان الى ما له الانسانية , والحجر الى ما له الحجرية , وكذا غيرهما من
الانواع , مع ان مفهوم ماوالشي ء واحد؟
فـانـه يقال : لو اريد بالشي ء الاشارة الى الهيولي والمادة القابلة للصور فهوالثاني : الفرق بين المشتق
ومبدئه مفهوما انه بمفهومه لا يابى عن الحمل على ما تلبس بالمبدا (1).
صـحـيـح , فان الانواع من الجواهر, لها اجزاء خارجية هي الهيولى والصورة , واجزاء عقلية هي
الـجـنـس والـفصل , ولو اريدان مفهوم الشي ء بنفسه يدخل في معنى الانواع , فهو غير ممكن , لان
المفهوم والعنوان العرضي لا يكون مقوما للذات .
نـعـم معنى المشتق عنوان عرضي فلا مانع من دخول مفهوم الشي ء والذات فيه , وذلك هو المصحح
لحمل المشتق على الذات .
(1) كـان مراده (ره ) ان للمشتق معنى , وذلك المعنى باعتبار اتحاده مع الذات بنحو من الاتحاد, لا
يابى عن الحمل عليها, بخلاف المبدا, فان له معنى غير معنى المشتق , ويكون في نفسه ابيا عن حمله
عـلـى الـذات , لعدم اتحاده معهابوجه , بل اذا قيس معناه الى الذات يرى انه غيرها مفهوما وخارجا,
وملاك الحمل هو الاتحاد في موطن ما, من ذهن اوخارج .
وهـذا هو مراد اهل المعقول مما ذكروه في مقام التفرقة بين المشتق ومبدئه , من ان المشتق مفهومه
لا بشرط,بخلاف المبدا فانه بشرط لا, ومرادهم لا بشرط وبشرط لا بالاضافة الى الحمل , لا ان
كـلـيـهـمـا موضوع لمعنى واحد, غاية الامر لوحظ ذلك المعنى في احدهما لا بشرط وفي الاخر
بشرط لا ليكون تغاير المعنيين بالعرض لا بالذات .
ولـكـن زعـم صـاحب الفصول (ره ) ان اهل المعقول يرون اتحاد المشتق ومبدئه بالذات ويفرقون
بـيـنـهما بلا بشرطوبشرط لا بالعرض , فالتفرقة بينهما عرضي وانهم يقولون بان مفهوم المشتق
بعينه مفهوم المبدا لا انه مفهوم اخر, فاوردعليهم بان مفهوم العلم مثلا غير قابل للحمل على الذوات
حتى وان لوحظ لا بشرط بالاضافة الى ما هو خارج عنه ((143)) .
ولـم يتفطن الى ان مرادهم هو عين ما ذكره من ان معنى المشتق في نفسه , غير معنى المبدا, وذلك
الـمـعـنى قابل للحمل على الذوات بخلاف معنى المبدا فانه معنى اخر في نفسه وعاص عن الحمل ,
فاعتبار اللابشرطية الذاتية في معنى المشتق والبشرط لا الذاتية في معنى الذات انما هو بالاضافة
الـى الحمل على الذات كما لا يخفى . ويتضح ذلك بملاحظة كلام اهل المعقول في الفرق بين الجنس
والـمـادة وبـين الفصل والصورة , بان الجنس والفصل لا بشرط, فيحمل احدهما على الاخر وعلى
النوع , بخلاف الهيولى والصورة فانهما بشرط لا, فلا يحمل احدهما على الاخر.
وبـيان ذلك على الاختصار ان العقل يلاحظ الشي ء تارة ويقايسه الى سائر الاشياء, فيرى ان له معها
جهة اشتراك يكشفها اشتراكها في بعض الاثار فتكون الجهة المشتركة بينها جنسا, كما يرى ان له
جـهـة امـتـياز عن غيره , فيكون ذلك فصلا, واخرى يلاحظ الشي ء بحسب مراتب وجوده وسيره
بـصـوره النوعية , فيرى ان في جميع المراتب جهة باقية الى المرتبة التالية , لا ان الشي ء ينعدم من
اصله وتحصل المرتبة التالية من العدم المحض , فتلك الجهة الباقية يعبر عنهابالهيولى والقوة القابلة
وتـكـون فـعـلـيـتـهـا بامر اخر يعبر عنه بالصورة , فالصورة والهيولى جزءان خارجيان للجسم
بحسب ملاحظة مراتب وجوده .
والجنس والفصل جزءان له -بحسب التحليل العقلي - في مقام مقايسته الى سائر الاشياء, ويصح حمل
الـجنس على الفصل وبالعكس , وحمل كل منهما على النوع , فيكون كل منهما بالاضافة الى الحمل لا
بشرط, بخلاف الهيولى والصورة , فانه لا يصح حمل احدهما على الاخر, بل وحتى حمل كل منهما
عـلى الجسم الخارجي , فيكون كل منهما بالاضافة الى الحمل بشرط لا, وليس مراد اهل المعقول ان
الجنس بعينه هو الهيولى والفرق بينهما بالاعتبار, وكذلك الفصل مع الصورة .
والـحاصل ان كلا من الهيولي -اي المادة القابلة - والصورة متقابلان بالذات , فلايحمل احدهما على
الاخـر, بخلاف الجنس والفصل , فان كلا منهما اخذ للشي ء بلحاظ مقابلته مع سائر الانواع , فيكون
كل منهما بالاضافة الى الاخر لابشرط ذاتا, فيحمل احدهما على الاخر لاتحادهما خارجا.
وذكر المحقق الاصفهاني (ره ) بعد قوله فان قلت : فما وجه حمل الجنس على الفصل والفصل على
الـجـنـس , مـع ان طـبـيـعـة الـجنس في الخارج غير طبيعة الفصل ؟ وهل المصحح الا الاعتبار
الـلابـشـرطي , مـا حـاصله : ان التركيب بين الجنس والفصل اتحادي لا انضمامي , لان المركبات
الحقيقية لابد لها من جهة وحدة حقيقية , والاكان المركب اعتبارياوالوحدة الحقيقية لا تكون الا اذا
كـان احـد الـجـزئيـن بـالقوة والاخر بالفعل , فانه لو كان كل منهما فعليا, لكانت كل فعلية تابى عن
الاخرى .
واذا كان احد الجزئين بالفعل والاخر بالقوة لم يكن في البين الا جعل واحد, فيكون الجزئين بجعل
واحد, فانه لوفرض ان كلا من الجزئين مجعول مستقل لما كان في المركب وحدة حقيقية , واذا كان
الجزءان مجعولين بجعل واحد,لكان احد الجزئين -اي الاصل - مجعولا بالذات والاخر بالتبع , حتى
تـصـح نسبة الجعل الى الجزئين مع فرض وحدة الجعل حقيقة , وعلى ذلك يكون مرور الفيض -اي
فيض الوجود- من الاصل الى التابع -اي من الصورة الى المادة او من الفصل الى الجنس -.
ثم ذكر (ره ) انه بذلك تبين الفرق بين الجنس والفصل , وبين العرض ومعروضه , فان التركيب في
الـثـانـي اعـتباري فيكون كل من العرض والمعروض بالاضافة الى الاخر بشرط لا ذاتا, بخلاف
الـجـنـس والـفصل , كما تبين معنى اتحاد الجنس والمادة واتحاد الفصل والصورة ذاتا واختلافهما
بـالاعـتبار, حيث ان مبدا الجنس الطبيعي اذا لوحظ بما له من الوجودالساري يكون مادة ولم يحمل
على الفصل , واذا لوحظ اتحادهما في الوجود الساري يكون جنسا ويصح الحمل عليه .انتهى ما اردنا
ايراده من كلامه (ره ) في المقام ((144)) .
اقـول : ظـاهـر كـلامـه اتـحاد الجنس مع المادة ذاتا, وكذا اتحاد الفصل مع الصورة , وانما يكون
الاختلاف بينهمابالاعتبار, فانه اذا لوحظ مبدا الجنس الطبيعي بما له من الوجود الساري , يكون مادة
لا يـحـمـل عـليه الفصل , كما انـه اذالوحظ اتحادهما في الوجود الساري صح الحمل وكان جنسا,
ولـكـن قـد تـقـدم ان كون شي ء جنسا لطبيعي وشي ء اخرفصلا له , امر يدركه العقل بالاضافة الى
الـطـبـائع الاخـر, بخلاف كون شي ء مادة له خارجا, وشي ء اخر صورة له , فانه بملاحظة مراتب
وجـود الـطـبيعي , فكل منهما غير الاخر ذاتا, ولكن مع ذلك ظاهر كلام اهل المعقول في المشتق ,
وكـذافي التفرقة بين الجنس والمادة , والفصل والصورة , هو عدم الاختلاف الذاتي , وكلام بعضهم
كـالصريح في ان الجنس هوالمادة عينا والاختلاف بالاعتبار, كما تقدم في كلام المحقق الاصفهاني
(ره ).
الثالث : ملاك الحمل كما اشرنا اليه هو الهوهوية والاتحاد (1).
(1) ذكـر صاحب الفصول (ره ) ان مصحح الحمل اما اتحاد الموضوع والمحمول حقيقة وتغايرهما
اعـتـبارا, كما في (الانسان حيوان ناطق ), واما تغايرهما حقيقة واتحادهما اعتبارا, كما في قولنا:
(الانسان ناطق ) او (الانسان جسم ) فان الانسان لايتحد مع الجسم او الناطق مفهوما كما هو واضح ,
ولا وجـودا فـلابـد في مثل ذلك من ملاحظة التركيب واعتباره في ناحية الموضوع , بان يراد من
الموضوع مجموع امرين يصدق على ذلك المجموع , المحمول الملحوظ بنحو لابشرط ((145)) .
واورد عـلـى ذلـك الماتن (ره ) بانه في موارد الحمل يكون الموضوع والمحمول متحدين حقيقة ,
ومـخـتـلفين بالاعتبار, كمافي المشتقات بالاضافة الى الذوات , وحتى في مثل (الانسان جسم ) او
(ناطق ) حيث ان الانسان خارجا هو الجسم اوالناطق كما تقدم في الامر السابق , ومع هذا الاتحاد لا
موجب لملاحظة التركيب في ناحية الموضوع , بل يكون لحاظه مخلا بالحمل , لانـه يوجب المغايرة
بـيـن الموضوع ومحموله بالكل والجزء, بان يكون الموضوع مثلا مجموع الجسم والروح ويحمل
عـليه الناطق لا بشرط, مع ان من الواضح عدم ملاحظة التركيب في موضوعات القضايا المستعملة
فـي مـقـام الـتـحـديـد بـالفصل او الخاصة وغيرها, ضرورة انه لا يلاحظ في القضايا في طرف
الـمـوضـوعـات الا مـفـاهـيمها, كما هوالحال في ناحية المحمولات , وانما يحمل المحمول على
الموضوع لاتحادهما من وجه مع تغايرهما بنحو من الاعتبار.
وبعبارة اخرى : يعتبر في حمل شي ء على شي ء امران :
احـدهـمـا: ان يـكون بين الموضوع والمحمول مغايرة ما, لئلا يلزم حمل الشي ء على نفسه او قيام
الـنـسـبـة بين الشي ءونفسه , فالحمل يقتضي التغاير بين الموضوع والمحمول ليكون هذا موضوعا
وذاك محمولا.
والثاني : ان يكون بينهما نحو من الاتحاد ليصح حمل الثاني على الاول , وعلى ذلك فقد يكون الاتحاد
والـتـغـاير كلاهمافي مقام الذات والمفهوم , كتحديد الانسان بانه حيوان ناطق , حيث ان التغاير بين
الـموضوع والمحمول بالاجمال والتفصيل مع اتحادهما ذاتا ومفهوما, فيكون الحمل اوليا ذاتيا, وقد
يكون التغاير بالمفهوم , والاتحاد بحسب الوجود,فالحمل فيه شائع صناعي , كما في حمل الناطق او
الـجـسـم على الانسان الخارجي , ومن هذا القبيل حمل المشتق على الذات , مثل (الانسان كاتب ) او
(زيـد ضـارب ), فـلو كان بين الشيئين تغاير بحسب الذات والمفهوم , وبحسب الوجودمطلقا, ذهنا
وخارجا, لم يكن للحمل مصحح , كما في قولنا: (زيد علم ) او (انـه ضرب ) او غير ذلك .
وقـد اضـاف صـاحـب الـفـصـول (ره ) على ملاك الحمل امرا اخر, وهو ان يكون بين الموضوع
والـمـحـمـول تـغـايـر ذاتـاووجـودا, واتـحـاد اعـتبارا, ومثل لذلك بقوله (الانسان ناطق ) او
(جـسـم ) ((146)) , وعـبارة الماتن (ره ) في الامر الثالث : ولايعتبر معه ملاحظة التركيب بين
المتغايرين واعتبار كون مجموعهما بما هو كذلك واحدا ((147)) ناظرة الى الجواب عنه ,وانه
بـعد ما ثبت ان اتحاد الفصل مع الجنس في الخارج الرابع : لاريب في كفاية مغايرة المبدا مع مايجري
عليه المشتق مفهوما(1).
حقيقي لاانضمامي , فلا موجب لملاحظة التركيب في مثل (الانسان ناطق ) او (جسم ) او غير ذلك .
(1) الصفات الجارية على الواجب (جل وعلا) المسماة بصفات الذات , فيها جهتان من الاشكال :
الاولى : ان الذات الماخوذة في معنى المشتق على القول بالتركيب , والخارجة عنه على القول الاخر,
زائدة عـلـى الـمـبدا, فيلزم كون المبدا زائدا على ما يحمل عليه معنى المشتق , لينطبق عليه معنى
الـمـشتق باعتبار المبدا, مع ان عنواني العالم والقادر يحملان على ذات الحق (جل وعلا) ومبادئها
ليست زائدة على ذاته المقدسة على مذهب الحق .
والثانية : ان المعتبر في معنى المشتق , انتساب المبدا الى الذات وقيامه بها, والعلم والقدرة ليسا كذلك
فـي ذاتـه الـمـقدسة , فانهما ليسا بعرضين ليقوما به , وعلى ذلك يقع الكلام في انـه كيف تحمل هذه
العناوين المشتقة على ذاته تعالى ؟
واجاب الماتن (ره ) عن الجهة الاولى في هذا الامر, وعن الجهة الثانية في الامر الاتي , وحاصل ما
ذكره في الجهة الاولى : انه لا يعتبر فيما يجري عليه عنوان المشتق , الا تغايره مع المبدا مفهوما لا
تـغايره معه وجودا, وبما ان مفهوم العلم والقدرة مغاير لذات الحق (جل وعلا) فلا اشكال في حمل
عنوان العالم والقادر عليه سبحانه .
ومـا في الفصول من ان الصفات الجارية عليه (سبحانه ) منقولة عن معانيها الاولية , او مستعملة في
غـيـرها مجازا,وبتلك المعاني المنقولة اليها او المجازية تحمل عليه (سبحانه ) ((148)) لا يمكن
المساعدة عليه , حيث لا ملزم لما التزم به , بعد عدم مغايرة المبدا مع الذات وجودا.
اقول : لا يعتبر في صدق المشتق وحمله على الذات مغايرتها مع المبدا حتى مفهوما, واية ذلك صدق
الـمنير على النور,والموجود على الوجود ونحوهما, والوجه في ذلك ان الذات الماخوذة في معنى
المشتق امر مبهم سيال حتى في نفس المبدا.
والـحاصل : انه لا يعتبر في حمل المشتق تغاير المبدا مع الذات المحمول عليها حتى مفهوما, بل ولا
تغايره مع معنى المشتق ولو اعتبارا.
وقـد يـورد عـلـى ما ذكرنا -من عدم اعتبار المغايرة وان الذات الماخوذة في معنى المشتق مبهمة
تصدق على نفس المبدا بانه يلزم صدق الضارب على الضرب , والقاتل على القتل , الى غير ذلك , مع ان
قول القائل (الضرب ضارب )غلط فاحش , ولكن لا يخفى ان الذات المبهمة ليست تمام المدلول بحيث
يـنـطبق معناه على نفس المبدا في كل مورد,بل يعتبر في بعض المشتقات -بمقتضى مبادئها التلبس
بنحو خاص , اي صدورا او نحوه , والذات الماخوذة بهذه الخصوصية لا تنطبق على الضرب والقتل
ونحوهما.
ولكن يرد على الماتن (ره ) بان ما ذكره في هذا الامر ابطال لما تقدم منه سابقا في الفرق بين المشتق
ومبدئه , من كون الاول لابشرط بالاضافة الى الحمل , والثاني بشرط لا, فان مقتضى ذلك عدم صحة
حـمـل الـعلم والقدرة والح -ياة على ذات الخامس : انه وقع الخلاف بعد الاتفاق على اعتبار المغايرة
(1).
الـح -ق (جـل علا), مع انـه قد ذكر في هذا الامر ان اتحاد المبدا في القادر والعالم مع ذات الحق
(عز وجل ) حقيقي ,والتغاير اعتباري , ولازم ذلك صحة حمل ذات المبدا على ذاته سبحانه , وهذا
يتنافى مع كونه بشرط لا بالاضافة الى الحمل على الذات .
الـلـهم الا ان يراد من بشرط لا, عدم اخذ الذات في معنى المبدا, فلا يتحد مع الذات في كل مورد
يتحد معه مفهوم المشتق مع الذات .
ثـم لا يخفى ان الاشكال في المقام والجواب عنه يجريان في خصوص صفات الذات , ولا يعمان مثل
الـرحيم والكريم ونحوهما من صفات الافعال , فلا موجب فيها بالالتزام باتحاد المبدا مع الذات عينا
وتغايرهما مفهوما, كما هوظاهر الماتن (ره ), حيث جعل صفات الذات (المعبر عنها بصفات الكمال )
مع صفات الافعال (المعبر عنها بصفات الجمال ) سواء في الاشكال والجواب .
(1) حـاصل ما ذكره (ره ) في المقام انـه بعد الاتفاق على لزوم المغايرة بين المبدا وما يحمل عليه
المشتق مفهوما,يقع الكلام في انـه هل يعتبر في حمل المشتق على الذات قيام المبدا بها, ليكون صدق
المشتق عليها على نحوالحقيقة , او لا يعتبر ذلك ؟
وقـد اسـتـدل مـن قـال بـعدم الاعتبار بصدق الضارب والمؤلم على الذات مع قيام الضرب والالم
بالمضروب .
ولـكن لا ينبغي التامل في اعتبار تلبس الذات بالمبدا في صدق المشتق عليها حقيقة , الا ان التلبس لا
يـنحصر بقيام المبدا بالذات قيام العرض بمعروضه , بل للتلبس انحاء, والقيام بها احد انحائه الناشئة
مـن اخـتلاف المواد تارة ,واختلاف الهيئات اخرى من القيام صدورا, او حلولا, او وقوعا عليه , او
فـيـه , وانتزاع المبدا عن الذات مفهوما مع اتحاده معهاخارجا من احد انحاء التلبس , حيث ان العينية
الـخارجية نحو من انحاء التلبس , ضرورة ان كون الشي ء واجدا لنفسه اقوى من كونه واجدا لغيره ,
وايضا من انحاء التلبس ما اذا كانت الذات متصفة بالمبدا خارجا, ولكن لم يكن في الخارج بازاء المبدا
وجـود, بان يكون المبدا امرا اعتباريا عقليا او عقلائيا, كما في حمل الواجب والممكن على الذات
خـارجـا اوحـمل الزوج والزوجة عليها, فيكون من خارج المحمول في مقابل المحمول بالضميمة
الذي يكون بازاءه وجود, كمافي حمل الابيض او الاحمر على الجسم الخارجي .
وعلى ذلك فلا يبقى اشكال في صفات الذات الجارية على ذات الحق (جل وعلا), حيث يكون المبدا
مغايرا له (سبحانه ) مفهوما, ومتحدا معه عينا, وقد تقدم ان هذا احد انحاء التلبس , فيكون حمل العالم
والـقادر عليه (سبحانه )حقيقة , حيث لم يعتبر في صدقها الا التلبس بمبدا العلم والقدرة , لا التلبس
بهما بنحو قيام العرض بمعروضه , وعدم اطلاع العرف على التلبس العيني لا يضر بكون انطباقهما
عـلـيـه (تعالى ) بنحو الحقيقة , فان نظر العرف متبع في تشخيص معنى اللفظ, واما ان انطباقه على
مورد بنحو الحقيقة , بعد وضوح المفهوم , فالمتبع فيه نظر العقل .
اقـول : كـان يـنبغي للماتن (ره ) ان يضيف الى اختلاف انحاء التلبس اختلاف الذوات , فان اختلافها
كاختلاف المبادى والهيئات .
ثـم ذكـر (ره ) انــه لا مـجـال لدعوى صاحب الفصول (ره ) ان الصفات الجارية عليه (سبحانه )
مـنـقـولـة , او مستعملة في غير معانيها اللغوية مجازا, ولذا لا تصدق على غيره (سبحانه ) وتكون
اسمائه تعالى توقيفية .
والوجه فيه , مضافا الى ما ذكر من صدقها عليه (سبحانه ) بما لها من المعاني لغة , ان النقل او التجوز
يوجب كون تلك الالفاظ مجرد لقلقة والفاظا بلا ارادة المعنى , فان معانيها المنقولة اليها, او المستعملة
فـيها مجازا, مجهولة لنا. والعجب انه جعل نقل الصفات او التجوز فيها علة لعدم جواز اطلاقها على
غيره (سبحانه ), مع ان اطلاق عالم وقادر وحي على غيره (سبحانه ) شائع .
اقـول : قـد تقدم في الامر السابق عدم اعتبار مغايرة المبدا مع الذات المحمول عليها عنوان المشتق
حـتـى مـفهوما, ولوكانت العينية الخارجية مصححة للتلبس المعتبر في معنى العالم والقادر لانطبق
معناهما على نفس القدرة والعلم , ولصح قول القائل (علمه عالم ) و(قدرته قادرة ) وعدم مقبولية هذا
الحمل في اذهان العامة لم ينشا الا من عدم التفاتهم الى التلبس بنحو العينية .
ولا نـريـد بـذلك ان عنوانا من العناوين اذا كان محكوما بحكم شرعي يثبت ذلك الحكم لكل ما يراه
الـعقل مصداقاله , وان لم يكن مصداقا بنظر العرف , فان الخطابات الشرعية متوجهة الى العرف , فما
يفهمه العرف من الموضوعات الواردة فيها يكون هو المراد منها.
واما ما ذكره الماتن (ره ) -من الاستدلال على عدم النقل والتجوز من انـه لو كانت الصفات الجارية
عـليه (سبحانه )منقولة , او مستعملة في غير معانيها الاصلية لكانت لقلقة اللسان والفاظا بلا معنى -
فلا يمكن المساعدة عليه , فان كون تلك المعاني معلومة بالاجمال يكفي في خروجها عن مجرد لقلقة
الـلـسـان , وكـون تـلـك الصفات عين ذات الواجب (جل وعلا) مما يوجب الاشارة الى معانيها ولو
بالاجمال .
السادس : انه لا يعتبر في صدق المشتق وجريه على الذات حقيقة التلبس بالمبدا (1).
(1) وحاصله ان استعمال المشتق في معناه امر, وتطبيق ذلك المعنى على شي ء امر اخر, وفيما كان
الـشـي ء غـيـر مـتلبس بالمبدا حقيقة , بل كان التلبس في غيره حقيقة يكون المجاز في تطبيق معنى
المشتق واسناده الى الشي ء الاول لا في استعمال المشتق في معناه , كما في قوله (الميزاب جار).
وبـتـعبير اخر: يكون المجاز في الاسناد لا في الكلمة , فان المجاز في الكلمة عبارة عن استعمالها
في غير ما وضعت له ,والمشتق في موارد المجاز في الاسناد لايستعمل في غير معناه الموضوع له ,
بـل يـكـون تطبيق ذلك المعنى الموضوع له عليه بالعناية , فما عن صاحب الفصول (ره ) من اشتراط
تلبس الذات بالمبدا في استعمال المشتق حقيقة ((149)) غيرصحيح .
اقـول : عـبـارة الـمـاتن لا تخلو عن التعقيد والاضطراب , والمراد ما ذكرنا, فان المراد من قوله
حـقـيقة ليس قيداللصدق والجري , بل قيد للمشتق , اي لا يعتبر في حمل المشتق بمعناه الحقيقي
على الذات , تلبس تلك الذات بالمبداحقيقة , بل يكفي تلبسها بالعناية , فيكون الاسناد مجازيا.
المقصد الاول : في الاوامر
الفصل الاول : مادة الامر
الاولى : انـه قد ذكر للفظ الامر معان متعددة (1).
معنى مادة الامر
(1) ذكر للفظ الامر معان عديدة : منها: الطلب , فيقال : امره فلان بكذا.
ومنها: الشان والمراد به الحال مطلقا, او فيما كان خطيرا فيقال :(شغله امر كذا).
ومنها: الفعل , كما في قوله سبحانه (وما امر فرعون برشيد) ((150)) .
ومنها: الفعل العجيب , كما في قوله سبحانه (فلما جاء امرنا) ((151)) .
ومنها: الشي ء, كقولك : (رايت امرا عجيبا).
ومنها: الحادثة , كقوله : (فلما وقع الامر).
ومنها: الغرض , كقوله (جئتك لامر).
وذكـر الـمـاتـن (ره ) ان الظاهر عدم استعمال لفظ امر في جميع هذه المعاني , بل عد بعضها من
معانيه من قبيل اشتباه المصداق بالمفهوم , وذلك لان لفظ امر في قولك (جاء زيد لامر كذا) استعمل
فـي مـعنى الشي ء, واللام الداخلة عليه تدل على ان الشي ء المفروض مصداق للغرض , لا ان مدخول
الـلام استعمل في معنى الغرض ومفهومه , وكذا استعمل في قوله سبحانه (فلما جاء امرنا) في معنى
الـشي ء, لافي معني التعجب . غاية الامر ان الشي ء المفروض مصداق للعجيب , وكذا الحال في الحادثة
والشان .
فـمـا عـن صـاحـب الـفـصـول (ره ) مـن ان لـفـظ امر حقيقة في المعنيين الاولين يعني الطلب
والـشـان ((152)) غير سديد, حيث ان عد الشان من معانيه من اشتباه المصداق بالمفهوم ايضا, فلا
يبعد ان يكون مشتركا لفظا بين الطلب في الجملة -على تفصيل ياتي - وبين معنى الشي ء.
وذكـر الـمحقق النائيني (ره ) انه لا اشكال في كون لفظ امر حقيقة في الطلب , واما بقية المعاني
فـكـلـهـا راجـعـة الـى معنى واحد, وهي الواقعة التي لها اهمية , وهذا المعنى ينطبق على الحادثة
والغرض وغيرهما من المعاني ((153)) .
ولكن فيه , اولا: انـه لم يؤخذ في معناه الاهمية , بل قد يوصف بعدم الاهمية , فيقال : (لا يهمه الامر
الـفـلانـي , او ان الامر الفلاني لا اهمية له ), ولو كان قيد الاهمية ماخوذا في معناه , لكان توصيفه
بعدمها من توصيف الشي ء بعدمه .
وثـانـيـا: ان الامـر يجمع على نحوين , فيصح اطلاق احدهما على الطلب , ولايصح اطلاق الاخر
عـلـيـه , فمثلا يطلق على الطلب المتعدد اوامر, ولا يطلق عليه الامور, وكذا العكس . وايضا يصح
الاشـتـقاق منه بمعنى الطلب , ولا يصح منه الاشتقاق بمعناه الاخر فلا يمكن ان يقال ان جميع معانيه
ترجع الى معنى واحد, حتى يكون مشتركا معنويا.
وعـن الـسـيـد الاسـتاذ (رضوان اللّه تعالى عليه ) انـه مشترك بين الطلب في الجملة واما بحسب
الاصطلاح , فقد نقل الاتفاق على انـه حقيقة في القول المخصوص (1).
وبـيـن الـفعل , الذي يعبر عنه باللغة الفارسية بلفظ (كار), واختلاف جمعه باعتبار المعنيين , فانه
بمعنى الطلب يجمع على اوامر, وبمعنى الفعل يج -مع على امور ((154)) .
اقول : هذا الكلام ايضا لا يمكن المساعدة عليه , فان لفظ امر قد يستعمل في موارد لا يصلح لشي ء
مما ذكر, كما يقال (البياض امر خارجي , بخلاف الامكان فانه امر عقلي ) كما ان ما ذكر في الكفاية
ايـضـا غـير تام , فانه لا يصح في مثل قوله (سبحانه ) (وما امر فرعون برشيد) وضع لفظ الشي ء
مكانه .
فـالحق في المقام هو انه لايبعد كونه مشتركا في كل من الطلب , والشي ء, والعمل , بنحو الاشتراك
اللفظي ويعين المراد بالقرائن في موارد الاستعمال .
ومـا يـقـال مـن ان الامـر لا يـطـلـق عـلـى الجواهر كما عن السيد الاستاذ (رضوان اللّه تعالى
عـلـيه ) ((155)) , لا يمكن المساعدة عليه ايضا, فانه يقال : (مفهوم الانسان امر ذهني وواقعه امر
خارجي ).
(1) وحـاصـلـه ان لـفـظ امـر بحسب اصطلاح الاصوليين , حقيقة في المعنى الاول من المعاني
الـمتقدمة , وهوالطلب في الجملة , وما ذكروا في تعريفه بيان للمعنى الاول , وعليه فيرد عليهم ان
الـقول المخصوص لعدم كونه معنى حدثيا غير قابل للاشتقاق منه , مع ان الاشتقاقات منه بلحاظ معناه
الاصطلاحي (اي بلحاظنعم , القول المخصوص اي صيغة الامر (1).
المعنى الاول من المعاني المتقدمة ), فلا يبعد ان يكون مرادهم في التعريف -من القول المخصوص -
الطلب بالقول المخصوص , ليمكن الاشتقاق منه . نعم لو ثبت ان لهم فيه اصطلاح خاص , بان يكون لفظ
الامـر فـي اصـطـلاحهم منقولاعن المعنى اللغوي وموضوعا للقول المخصوص , فلا مشاحة فيه ,
وعليه فتكون الاشتقاقات منه بلحاظ المعنى اللغوي ,اي الطلب في الجملة , لا معناه الاصطلاحي , اي
القول المخصوص .
اقـول : لم يظهر وجه اشتقاق المشتقات من المعنى الاصطلاحي لتتم المناقشة في تعريفهم , وظاهر
القول المخصوص في كلامهم هو المقول المخصوص , كصيغة افعل , حيث لا خصوصية للقول بمعناه
المصدري الا الجهر والاخفات , واماسائر الخصوصيات -ككونه صيغة الامر ونحوها فهي اوصاف
المقول , والمقول -باعتبار جموده - غير قابل للاشتقاق منه .
لا يقال : ما ذكره (ره ) من ان مرادهم بالقول المخصوص الطلب ليكون قابلا للاشتقاق منه , غير تام ,
فان الامر بهذاالمعنى ايضا غير قابل للانشاء, والقابل للانشاء هو نفس الطلب , لا الطلب بالقول .
فانه يقال : تقييد الطلب بالقول المخصوص للاشارة الى الحصة الخاصة منه , حيث ان في الطلب المنشا
ضـيق ذاتي , نظير ضيق المعلول من ناحية علته , ويكون المدلول بمادة الامر او بصيغته هي الحصة
من الطلب في مقابل حصته الاخرى , يعني الطلب الحقيقي الذي لا يكون قابلا للانشاء.
(1) هذا بيان ان تعريف الامر في كلماتهم بالقول المخصوص غير صحيح , فان القول المخصوص لا
يكون مساويالمعنى الامر والطلب .
نـعم القول المخصوص كصيغة الامر عند استعمالها, يكون باعتبار مدلوله مصداقا لعنوان الطلب , لا
بـما هو قول مخصوص , بل من حيث مدلوله من كونه طلبا مطلقا او مخصوصا كما في صيغة (بعت ),
فـانـها باعتبار المنشا بها (اي الملكية ) تكون مصداقا للبيع , لا بما هي لفظ وقول مخصوص وكما لا
يصح تعريف البيع بانه القول المخصوص فكذلك الامر كما لا يخفى .
وذكـر الـمـحـقـق الاصفهاني (ره ) ان القول المخصوص بنفسه قابل للاشتقاق منه , حيث ان القول
المخصوص صنف من الكيف المسموع وعرض قائم بالانسان , وعليه فان لوحظ بنفسه من دون لحاظ
صـدوره وقـيامه بالانسان -مثلا فهوالمبدا الساري في جميع المشتقات , وان لوحظ قيامه به بنحو
الـحـدوث فـهـو الـمـعـنـى المصدري , وان لوحظ انتسابه اليه في الحال او الاستقبال فهو المعنى
المضارعي , وان لوحظ انتسابه اليه في الماضي فهو المعنى الماضوي الى غير ذلك .
والحاصل ان هيئة افعل لا تكون من الجواهر كالحجر الذي لا يكون له قيام بالغير ولا يمكن فيه
الـلـحـاظ بـالانحاءالمتقدمة ليكون مبدا او مصدرا او ماضيا او مستقبلا الى غير ذلك . وعليه فلفظ
(امـر) بـصـيـغـة الماضي , موضوع للصيغة المنتسبة الى الفاعل بانتساب تحققي في الماضي ولفظ
(يامر) موضوع لها بالانتساب المتحقق في الحال او الاستقبال ,وصيغة الامر موضوعة للدلالة على
طلب ايجاد الفعل من الفاعل ((156)) .
اقـول : مـجرد كون شي ء عرضا خارجا لا يصحح جعله مبدا اشتقاق , اذ معنى وقد استعمل في غير
واحد من المعاني في الكتاب والسنة (1).
الـعرض ومعنى الجوهر في ذلك على حد سواء, بل لابد في الاشتقاق من تضمن معنى حدثي ليكون
اظـهـار فـعليته على نحو التحقق ماضيا وعلى نحو الترقب مضارعا الى غير ذلك , وليس وجه عدم
الاشـتـقاق من معنى الجوهر كونه جوهراوعدم قيامه بالغير خارجا, بل الوجه عدم تضمنه المعنى
الحدثي .
والـحـاصـل ان الـقـول المخصوص بمعناه المصدري (اي التلفظ به ) قابل للاشتقاق منه ولكن مادة
(ام -ر) لم توضع له , ولايقال لمن تلفظ بمادة الامر او بصيغة الطلب بدون قصد انشاء الطلب : انه قد
امـر, بل الامر من مقولة المعنى (اي المعنى الانشائي ) على نسق ما ذكر في البيع والوكالة والوضع
وغيرها من الانشائيات .
وعليه , فاللازم في صدق الامر من فرض الطلب وانشائه بصيغة (افعل ) او غيرها من فعل او قول
لـيقال على المنشابلحاظ انشائه امرا, واما القول المخصوص (اي ما هو ملفوظ) مع قطع النظر عن
الانشاء به , فغير قابل للاشتقاق .
(1) لا ارى وجـهـا تـامـا لهذا الكلام بعد اختياره (ره ) ان لفظ الامر حقيقة في الطلب في الجملة
والـشـي ء, فانه مع فرض كونه حقيقة فيهما على نحو الاشتراك اللفظي , لم يكن مورد لقوله ان لفظ
الامـر قد استعمل في الكتاب والسنة في معان , ولا حجة على كونه من الاشتراك لفظا او معنى , او
انـه بـالـحـقـيقة والمجاز, كما لا وجه لما ذكر في اخر كلامه من ظهوره في المعنى الاول (اي
الـطـلـب ), لـلانسباق من الاطلاق , فان مفهوم الشي ء مع مفهوم الطلب لا يشتبه , وليس استعماله في
احدهما كثيرا وفي الاخر نادرا حتى يحمل في موارد الدوران على المعنى الغالب , باعتبار ان ارادة
المعنى النادر يحتاج الى القرينة دون المعنى الغالبي .
الظاهر اعتبار العلو في معني الامر (1).
ولا يبعد كون الامر حقيقة في الوجوب (2).