(1) كـان هـذا الامـر رد على من ذكر ان الالتزام باجزاء المامور به الظاهري -حتى بعد انكشاف الخلاف - يلازم التصويب في الاحكام والتكاليف الواقعية , ويظهر من صدر كلامه (ره ) الى ذيله ان
الـتـصويب الباطل هو ما كان يستتبع خلو الواقعة عن الحكم الواقعي الانشائي في حق الجاهل , وان
هذا لا يلزم من الالتزام بالاجزاء, فان معنى خلو الواقعة عن الحكم الواقعي في حق الجاهل هو ان لا
يـكون في حقه حكم الامؤدى الامارة او مقتضى الاصل , بحيث لو اغمض عن تلك الامارة او الاصل
لـم يـكـن فـي الواقع للواقعة حكم في حق الجاهل اصلا, والقول بالاجزاء لا يلازم ذلك ,لان الحكم
الواقعي المشترك بين العالم والجاهل في مرتبة الانشاء محفوظ, ولايختص بالعالم , ولكن هذا الحكم
الانـشائي لا يصل الى مرتبة الفعلية في ظرف قيام الامارة او وجود الاصل العملي على خلافه , بلا
فرق في ذلك بين الالتزام بالاجزاء اوعدمه , فالقائل بعدم الاجزاء متفق مع القائل بالاجزاء على عدم
الـفـعـلية في التكليف الواقعي في مورد الاصل او ظرف قيام الامارة فيما لو خالفا الواقع , والفرق ان
الاول يقول بصيرورته فعليا بعد انكشاف الخلاف ويلزم التدارك , والقائل بالاجزاء يقول بانه لايصير
فعليا, اما لحصول الملاك , او لعدم امكان استيفاء الباقي , وعليه فكيف يكون الاجزاء موجبا للتصويب ,
اي خـلو الواقعة عن الحكم , وان لا يكون في حق الجاهل حكم غير مؤدى الامارة ومفاد الاصل , مع
ان الجهل بخصوصية الواقعة او باصل حكمها موضوع لاعتبار الامارة والاصل , وما دام لم يفرض ان
في الواقعه حكما لا يتم الموضوع للاصل او لاعتبار الامارة .اقـول : الـتصويب تارة يكون باختصاص الاحكام الشرعية والتكاليف الواقعية بالعالمين بها, بان يكون
الـمجعول الواقعي قاصرا عن الشمول للجاهلين بها ولايكون في حق غير العالمين الا مقتضى الاصل
او مـدلـول الامـارة , وهذا النحو من التصويب منسوب الى الاشعري , ولازمه اخذ العلم بالحكم في
مـوضـوع ذلـك الـحكم , واخرى بان يكون الحكم المجعول في الوقائع بنحو الاقتضاء, يعني اعتبر
الـتـكـلـيـف والـحـكم في حق المكلف مطلقا ما لم يكن مقتضى الاصل او الامارة على خلافه , ومع
مخالفة مقتضاهما له يكون الحكم الثابت هو مقتضى الاصل او مدلول الامارة , وهذا النحومن التصويب
منسوب الى المعتزلي , والاجزاء المتقدم في بعض الاصول العملية كماالتزم به الماتن (ره ) ولو مع
دعـوى الـطريقية في مفادها, يلازم هذا النحو من التصويب , كما ان الالتزام بالسببية في الامارات
يـوجبه ايضا, فانه اذا اقتضى الاصل تحقق قيد متعلق التكليف وقيل ان الاصل المفروض حاكم على
ادلة شرائط متعلق التكليف , وانـه يوجب التوسعة فيه واقعا تكون الطهارة المعتبره في الصلاة ـفي
حـال الـشـك فيها اوسع من الطهارة الواقعية , وكذلك القول في الامارة القائمة على الشرط بناءا على
الـسـبـبية , وكذا فيما قامت الامارة بناءا عليها على تكليف مستقل ,كما اذا قامت الامارة على وجوب
القصر مع كون الحكم المجعول الاولي فيه هوالتمام , فانه لا محالة يتقيد وجوب التمام تعيينا في ذلك
المورد, بما اذا لم تقم الامارة على وجوب القصر, ومع قيامها اما يسقط وجوب التمام راسا, او يكون
وجـوبـه حـال قـيـام الامـارة الـمـفروضة تخييريا, وبالجملة الحكم المجعول اولا يتبع الصلاح
والـمـلاك ومع عدم انحصار الملاك في وجوب التمام عند قيام الامارة على خلافه يكون تخصيص
الوجوب التعييني بالتمام بلا ملاك .وبـتعبير اخر: كما ان طريان الاكراه او الاضطرار على الحرام الواقعي او ترك الواجب الواقعي
يـوجـب انـتـهاء تلك الحرمة او ذلك الوجوب , فيكون الثابت بعدطريان احدهما الحلية , كذلك قيام
الامـارة الـمخالفة للواقع بناءا على السببية او كون مفاد الاصل في مورد على خلافه يوجبان انتهاء
الحكم الواقعي . وهذا التصويب المعتزلي يلازم القول بالسببية في اعتبار الامارات والاصول , كما ان
الـقـول بـالـسببية يلازم الاجزاء, فالتزامه (ره ) بالاجزاء في موارد بعض الاصول العملية يلازم
القول بالسببية في مفادها الموجبة للتصويب لا محالة .نعم الالتزام بالاجزاء في موارد بعض الامارات -على ما ذكره في التذنيب الاول - لا يلازم التصويب
بـالـنـحـو الاول ولا بالنحو الثاني , لان المفروض في مواردهاان العمل على مفاد الامارة هو الذي
يلازم حدوث الملاك في الفعل لا قيام الامارة بحكم ذلك الفعل , فقيام الامارة على وجوب القصر في
مـورد وجـوب التمام او على وجوب الظهر في مورد وجوب الجمعة لا يوجب حدوث الصلاح في
الـقـصـر اوالـظـهـر, كـما هو مقتضى القول بالسببية في اعتبار الامارة , بل القصر والظهر بعد
قـيـام الامارة على وجوبهما باقيان على ما هما عليه من عدم الملاك , وان المصلحة الملزمة تكون في
الـتـمام او في الجمعة , الا ان الاتيان بالقصر او الظهر يلازم حدوث مصلحة فيها تسد مكان صلاح
الـتـمـام او الجمعة , ويعبر عن هذا الامر بالمصلحة السلوكية , ولكن هذا النحو من المصلحة ايضا
يـوجـب الـتقييد في المجعول الاولي بان ينشا الوجوب في ذلك المورد ما دام لم يات المكلف بالقصر
وينشا وجوب الجمعة مادام لم يعمل بامارة وجوب الظهر.وذلـك لان انشاء الحكم والتكليف بفعل يكون لغرض امكان كونه داعياللمكلف الى العمل عند وصوله
الـيـه , فـالانشاء لداع اخر -كالتعجيز والاستهزاء-لايدخل في الحكم والتكليف , واذا فرض عدم
الـملاك في التمام بعد الاتيان بالصلاة قصرا او في الجمعة بعد الاتيان بالظهر, يكون جعل الوجوب
المتعلق بهما مطلقالغوا.وقـد ظـهر مما ذكرنا ان الاجزاء فيما اذا اتى بفعل باعتقاد وجوبه او قيام الامارة على وجوبه وان
كـان لا يـلازم التصويب بالنحوين , فان التصويب -كما ذكرنا تغييرالحكم الواقعي في ظرف ثبوت
مـدلـول الامارة او مفاد الاصل . ومن الظاهر انه في الفرض يثبت الحكم الواقعي على ما هو عليه من
غير تغيير في ظرف قيام الامارة على الخلاف , وانما يكون سقوط الحكم الواقعي بعد العمل بمدلول
الامارة من اجل عدم امكان امتثاله لا لسبب اخر.وعليه فالالتزام بعدم وجوب الاعادة على المسافر الجاهل بالقصر بعد ما صلى تماما ثم علم بوجوب
القصر عليه , ليس التزاما بالتصويب , وهكذا في مسالة الجهرفي موضع الاخفات وبالعكس , ولكن لو
قـلـنـا بالمصلحة السلوكية المعبر عنهابالطريقية المخلوطة فقد يقال انها ايضا توجب التصويب لا
مـحـالـة (اي التبدل في الحكم الواقعي ) فيما لو كانت المصلحة السلوكية بحيث يتدارك بها مصلحة
الـواقـع ,فـانـه اذا قامت الامارة على وجوب صلاة الظهر يوم الجمعة , وكان الواجب بحسب الواقع
صـلاة الـجـمعة , وقيل بان قيام الامارة لا يوجب المصلحة في صلاة الظهر, بل العمل بتلك الامارة
والالـتـزام بـان مدلولها حكم من قبل الشارع , يشتمل على مصلحة يتدارك بها ما فات بترك الواجب
الواقعي , فانه مع انكشاف الخلاف قبل خروج الوقت وان لزم الاتيان بالواجب الواقعي لعدم فوته , الا
انـه اذا لـم يـنـكـشـف الخلاف الابعد الوقت لم يجب القضاء, باعتبار ان مصلحة الجمعة في الواقع
متداركة بصلاة الظهر الماتي بها بعنوان العمل بالامارة .فـالـلازم ان يـكـون الـتكليف الواقعي متعلقا باحد امرين اما بالجمعة او الاتيان بالظهر بعنوان العمل
بـالامارة مع فرض عدم انكشاف خلافها, هذا بالاضافة الى من قامت الامارة عنده على وجوب صلاة
الـظـهـر, وامـا فـي حق من لم تقم عنده هذه الامارة فالواجب في حقه صلاة الجمعة خاصة , فليس
وجوب صلاة الجمعة تعيينابمشترك بين العالم والجاهل , كما هو مبنى القول ببطلان التصويب حتى
المنسوب الى المعتزلي وغيره .لا يـقـال : في موارد كشف الخلاف بعد الوقت يتدارك مصلحة الفعل في الوقت لا مصلحة نفس الفعل ,
لئلا يلزم تداركه بالقضاء.فـانـه يـقال : لا سبيل لنا الى العلم بتعدد الملاك الملزم في الفعل في الوقت ليلتزم بوجوب القضاء مع
انكشاف الخلاف في خارج الوقت , والامر بالقضاء على من فاته الواقع لايكشف عن ذلك , فلعل الملاك
في الفعل خارج الوقت قد حصل بعد خروج الوقت في حق من لم يدرك مصلحة الفعل في الوقت , ولذا
من تدارك مصلحة الفعل في الوقت لا يجب عليه العمل بالامارة , فيلزم على القول بالمصلحة السلوكية
الالتزام بالاجزاء بالاضافة الى القضاء.وبالجملة الالتزام بالمصلحة السلوكية يوجب التغيير والتبدل في الحكم الواقعي بالاضافة الى من لا
يـنـكشف خلاف الامارة له اصلا, او حتى فيما اذا انكشف خلافها عنده بعد خروج الوقت , كما في
فرض وحدة الملاك الملزم في الفعل في الوقت وحدوث ملاك ملزم اخر في ذات الفعل بعد خروجه
في حق من فات عنه الملاك الملزم الذي كان في الفعل في الوقت لا مطلقا, كما لا يخفى .فـقد تحصل ان القول بالاجزاء يوجب التقييد في التكليف الواقعي بعدم الاتيان بمؤدى الامارة فيما اذا
لم يمكن تدارك مصلحة الواقع بعد العمل بها من غير ان يكون في العمل بها مصلحة شخصية , والا لزم
التبدل والتغير في الحكم الواقعي كما مر.ولا يـخـفى ايضا انه انما يلزم من الالتزام بالاجزاء تقييد الحكم الواقعي بعدم العمل بمدلول الامارة
الـمـخـالفة فيما اذا التزم بالاجزاء في مورد كشف الخلاف وجدانا, كما في مسالة التمام في موضع
القصر والاخفات او الجهر في موضع الاخر.وامـا اذا التزمنا بالاجزاء في خصوص كشف الخلاف بامارة معتبرة , كما في موارد تبدل الفتوى , او
عـدول الـعامي الى مجتهد اخر, فلايلزم من الالتزام بالاجزاءالتقييد في التكليف الواقعي اصلا, فان
معنى الاجزاء في هذه الموارد بقاء الامارة السابقة على اعتبارها بالاضافة الى الاعمال السابقة وعدم
اعتبار الامارة الحادثة الابالاضافة الى الاعمال الاتية , ولذا لو كان كشف الخلاف في الامارة السابقة
وجداناكان يجب تدارك العمل السابق والعمل على الوظيفة الواقعية .لا يقال : من اين علمنا ان الاحكام الواقعية في الوقائع والتكاليف الشرعية المجعولة في حق المكلفين
لم تقيد بعدم الاتيان بمؤديات الطرق والامارات القائمة على خلافها, حتى نلتزم بلزوم التدارك , فيما
اذا انكشف الخلاف مطلقا, او في خصوص الانكشاف الوجداني ؟
فـانه يقال : نكتشف عدم التقييد من الاوامر الواردة بالاحتياط في الدين والوقائع المبتلى بها, حتى مع
قيام الامارة فيها على تعيين الاحكام والتكاليف بنحو خبرالعدل والثقة وغيرهما, مما يحتمل مخالفتها
مـع الواقع , كما ياتي الكلام في ذلك في بحث شرائط العمل بالاصل ان شاء اللّه تعالى , كما ان اطلاق
هذه الاخبار ينفي التصويب حتى المنسوب منه الى المعتزلي .بـقي في المقام امر وهو ان ما ذكره الماتن (ره ) من عدم فعلية الحكم الواقعي في مورد قيام الامارة
عـلى خلافه -سواء قيل بالاجزاء ام لا ينافي ما اختاره في الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي في
مـبـحـث حجية الامارات . وقد ذكرنا ان الفعلية بالمعنى الذي التزم به وجعلها من مراتب الحكم امر
غـيـر صـحيح , وليست الفعلية في التكليف المجعول على نحو القضية الحقيقية الا تحقق الموضوع
لذلك التكليف المجعول خارجا, وبينا ان الفعلية في التكليف الواقعي مع جهل المكلف به لا ينافي الحكم
الظاهري , حيث ان الحكم واقعيا كان او ظاهريا, مجعول اعتباري يكون منافاته مع المجعول الاخر,
اما في الملاك او في الغرض من الجعل , والحكم الظاهري والواقعي يختلفان في الغرض ولا يتنافيان
في الملاك , ولتفصيل الكلام مقام اخر.المهم المبحوث عنه في هذه المسالة البحث عن الملازمة (1).
مقدمة الواجب
(1) المبحوث عنه في هذه المسالة هي الملازمة بين ايجاب شي ء وايجاب مقدمته , وان التفكيك بين ايـجـاب شـي ء وايـجـاب مـقـدمته ممتنع ام لا, وليس المرادمن وجوب المقدمة وجوبها المولوي
الـتـفصيلي , بان يكون القائل بوجوبها مدعياعدم تحقق الامر بشي ء الا مع الامر بمقدمته ايضا, ليقال
كـثـيـرا مـا لا يـكون الامر عندامره بشي ء ملتفتا الى مقدمته , فضلا عن امره بها ايضا. بل المراد
الـوجـوب الـمولوي الارتكازي , بمعنى ان الامر على تقدير لحاظ مقدمة الشي ء هل يعتبر الوجوب
لـهـاايـضا ام لا؟ ويعبر عن هذا الوجوب بالتبعي وهو على تقدير ثبوته غيري , بمعنى ان تعلقه بما
ينطبق عليه عنوان مقدمة الواجب يكون لغرض الوصول بها الى ذلك الواجب , لا لتعلق غرض بنفسها
مع الاغماض عن ذيها.وحـيـث ان نتيجة البحث عن الملازمة تقع في طريق الاستنباط تكون المسالة اصولية , اذ بناءا على
الملازمة يكون ثبوتها موجبا للعلم بوجوب الوضوء ونحوه في قياس استثنائي , فيقال :
لـو كـان الـشـي ء واجبا وجبت مقدمته ايضا, ولكن الصلاة تجب عند الزوال فتجب مقدمتها ايضا من
الوضوء وتحصيل الساتر وتطهير الثوب والبدن الى غيرذلك .وظاهر بعض عبارات الاصحاب ان المبحوث عنه في المسالة نفس وجوب المقدمة لا الملازمة بين
وجوب ذيها ووجوبها, حيث ذكر في عنوان البحث ان مالايتم الواجب الا به , واجب , وعليه لا تكون
المسالة اصولية , بل تكون فرعية , فان البحث عن وجوب المقدمة كالبحث عن وجوب الوفاء بالنذر,
ووجوب طاعة امرالوالد وغيرها من المسائل الفرعية .وقد ذهب السيد الاستاذ (ره ) الى ان البحث في مقدمة الواجب من المبادئ الاحكامية ((243)) .وفـيه : ان المبادى اما تصورية او تصديقية , والاولى هي التي يكون البحث فيهاعن نفس موضوعات
مـسـائل الـعـلـوم او مـحمولاتها, كالبحث عن المراد من الفاعل اوالمفعول او الحال او التمييز من
موضوعات مسائل علم النحو, او البحث عن المرادمن الرفع او النصب من محمولاتها.والـثـانـيـة -يـعـنـي الـمـبادى التصديقية - هي التي يحرز بها ثبوت المحمولات في مسائل العلم
لـمـوضـوعـاتها, وبتعبير اخر: بما ان مسائل العلم نظرية تحتاج الى الواسطة في الاثبات -كنتائج
الـمسائل الاصولية بالاضافة الى المسائل الفقهية -فتكون نتائج مسائل علم الاصول وسائط في اثبات
المسائل الفقهية .فـان اريد ان البحث في المقدمة من المبادئ التصديقية لعلم الفقه فهو صحيح ,كما هوالحال في جميع
المسائل الاصولية , وان اريد من المبادئ الاحكامية نفس المبادى التصورية لعلم الفقه , او معنى اخر
مـسـتقلا عنهما, فلا يمكن المساعدة عليه ,بل لا نتصور للمبادى الاحكامية معنى في مقابل المبادى
التصورية والتصديقية .نـعم , بناءا على ما اشتهر بينهم , والتزم به الماتن (ره ), من ان مسائل العلوم تكون بمفاد كان الناقصة ,
حـيـث يبحث في مسائل العلم عن العوارض الذاتية لموضوع العلم المنطبق على موضوعات مسائله ,
انطباق الكلي على مصداقه والطبيعي على فرده , يشكل جعل بحث الملازمة بين ايجاب شي ء وايجاب
مـقـدمـتـه مـن مسائل علم الاصول , فان الملازمة ان كانت بعينها حكم العقل فيكون البحث عن ثبوت
الملازمة بحثا بمفاد كان التامة , حيث يبحث عن ثبوت موضوع علم الاصول الذي عد منه حكم العقل
او عـن ثبوت مصداقه وان كانت امرا واقعيا يكشف عنه العقل , فيمكن ان يتكلف في المقام بان البحث
عنها بحث عن كشف العقل عن ذلك الامر الواقعي , ولكن المذكور في عنوان البحث الذي هو المعيار
فـي دخـول الـمـسـالـة فـي مـسـائل الـعلم هو البحث عن اصل ثبوت الملازمة بين وجوب شي ء
ووجوب مقدمته .وامـا بناءا على ما ذكرنا -من ان المعيار في كون مسالة من مسائل العلم هوترتب الغرض منه عليها,
سواء كان البحث فيها بمفاد كان التامة او الناقصة - فلا كلام في كون البحث في المقام بحثا عن مسالة
اصولية , وقد تقدم ترتب استنباط الحكم الشرعي على نتيجة المسالة في قياس استثنائي .ومـنـه ظهر ان المسالة ليست من مباحث الالفاظ من علم الاصول , كدلالة صيغة الامر او مادته على
الـوجـوب او الـفـور او الـمرة , بل المسالة عقلية وان الكلام في ثبوت الملازمة بين وجوب شي ء
ووجـوب مـقدمته بمعنى ان العقل هل يرى امكان تفكيك المولى وجوب الشي ء عن وجوب مقدمته او
لا؟ فلا تكون المسالة من مباحث الالفاظ, كما يظهر من كلام صاحب المعالم (ره ), حيث استدل على
نفي الملازمة بانتفاء الدلالات الثلاث , وذكرها في مباحث الالفاظ.وبـالـجـملة , فالمهم في المقام هو البحث عن الملازمة بين وجوب شي ءومنها تقسيمها الى الداخلية
(1).ووجـوب مـقدمته فان ثبوتها موجب للعلم بوجوب مثل الوضوء عند وجوب الصلاة على ما مر, واما
الـدلالـة الـلـفظية فلا يترتب على انتفائها عدم وجوب الوضوء عندوجوب الصلاة , لامكان ثبوت
الـمـلازمـة بين ايجاب شي ء وايجاب مقدمته من غيردلالة خطاب الامر بذي المقدمة على وجوب
مـقـدمـتـه , بـل لـلملازمة , ومعها تكون المقدمة واجبة بوجوب ذيها. ولو كان ثبوت الملازمة بين
الايـجـابـيـن محل مناقشة ,فاللازم هو البحث عنها لترتب المطلوب من المسالة الاصولية عليها, لا
البحث عن ثبوت الدلالة اللفظية للامر بذي المقدمة او عدمها, بل عدم دلالة الامر بشي ء على وجوب
مقدمته بالدلالة اللفظية امر واضح لا ينبغي البحث عنه .
المقدمة الداخلية والخارجية
(1) الـمـراد بالمقدمة الداخلية هي الداخلة في متعلق الوجوب النفسي , كاجزاءالمركب المتعلق به الـوجـوب . والـخـارجية هي الخارجة عن ذلك المتعلق , كالشرائط.ويقع الكلام في هذا الامر من
جهتين :
الاولى : هل اجزاء المركب مقدمة له , او ان الجزء بالاضافة الى كله لا يتصف بالمقدمة ؟
والـثانية : انه على تقدير كون الجزء مقدمة للكل , فهل يتعلق به الوجوب الغيري , بناءا على الملازمة
بـيـن وجوب شي ء ووجوب مقدمته , او ان المقدمة الداخلية لا يتعلق بها الوجوب الغيري , حتى بناءا
على الملازمة ؟
وقـد تـعـرض (ره ) لما قيل في الجهة الاولى من منع كون الجزء مقدمة للكل , بان كون شي ء مقدمة
والاخـر ذا المقدمة مقتضاه الاثنينية والتعدد بينهما, حيث تكون المقدمة سابقة في التحقق على ذيها
والحال ان الكل بحسب الخارج عين الاجزاءفلا اثنينية بينهما.واجـاب عـن ذلـك بـانه لا يعتبر في التعدد بينهما التعدد الخارجي بان يكون للمقدمة وجود ولذيها
وجود اخر, بل يكفي التعدد الاعتباري , وهذا التعدد متحقق بين الجزء والكل .حيث ان الكل هو الجزء بشرط سائر الاجزاء, والمقدمة هي الاجزاء لا بشرط,وبما انـه قد يتوهم
ان هذا الفرق بين الكل والجزء ينافي ما ذكر في المعقول من ان جزء الطبيعي مع اعتباره لا بشرط
يـكـون جـزءا تـحليليا, كالجنس والفصل , ومع اعتباره بشرط لا يكون جزءا خارجيا, كالهيولى
والصورة , تعرض (ره ) لدفع هذاالوهم بما حاصله :
ان مـا ذكـر فـي المعقول من اعتبار الجزء الخارجى بشرط لا انما هو في مقام التفرقة بينه وبين
الجزء التحليلي للماهية كالجنس والفصل , وما ذكرناه من ان الجزءالخارجي لا بشرط هو في مقام
التفرقة بينه وبين الكل , حيث ان الجزء بالاضافة الى كله يكون لا بشرط ومع اختلاف الاضافة لا
يكون في البين تناف , وقد تقدم في بحث المشتق بيان المراد من قولهم لا بشرط وبشرط لا وان
مرادهم من لابشرطوبشرط لا هناك بالاضافة الى الحمل , والمراد هنا بشرط سائر الاجزاء
ولابشرطبالاضافة الى الاجتماع .اضـف الى ذلك ان الكلام في المقام في المركبات الاعتبارية لا الحقيقية لينافي ما ذكروه في التفرقة
بـيـن الجنس والفصل وبين الهيولى والصورة بلا شرطوبشرطلا. ولعله يشير الى ذلك بقوله
فافهم .ثم انه ينبغي خروج الاجزاء عن محل النزاع (1).(1) ذكـر (ره ) ان الـجـزء وان كان مقدمة للكل الا انه ينبغي خروجه عن محل الخلاف في بحث
الـمـلازمـة بـيـن وجـوب فـعل ووجوب مقدمته , حيث انه لا يتعلق به الوجوب الغيري ولو على
الـمـلازمـة , لـما تقدم من ان الاجزاء عين الكل ذاتا,والاختلاف بينها وبين الكل بالاعتبار, فيكون
الوجوب النفسي المتعلق بالكل متعلقابنفس الاجزاء, فلا تكون واجبة بوجوب اخر, لامتناع اجتماع
المثلين , حتى بناءاعلى جواز اجتماع الامر والنهي في واحد بعنوانين .وذلك لان الجهة المصححة للاجتماع -كما سياتي - هي الجهة التقييدية , فمع تعددها -بان يكون في
فـعـل جهتان - جاز ان يتعلق به الامر من جهة , والنهي من جهة اخرى , وليس عنوان المقدمة عنوانا
تقييديا, لان الوجوب الغيري لا يتعلق به , حيث ان ذا المقدمة لا يتوقف على تحقق عنوان المقدمة , بل
على ما يكون بالحمل الشائع مقدمة , كالوضوء والغسل وتحصيل الساتر بالاضافة الى الصلاة . وبما ان
الـجـزء يـتعلق به الوجوب النفسى في ضمن تعلقه بالكل , لسبقه على الوجوب الغيري , فلا يمكن ان
يتعلق به الوجوب الغيري للزوم اجتماع المثلين , نعم عنوان المقدمة جهة تعليلية ,يعني انطباق عنوان
المقدمة على شي ء يوجب تعلق الامر الغيري به لولاالمحذور.وبالجملة وحدة تعلق الامر النفسي والغيري مانعة عن تعلق الوجوبين بالجزء,وبما ان الامر النفسي
سـابـق فـي المرتبة على الوجوب الغيري , يتعلق به الامر النفسي فقط دون الغيري حتى مع ثبوت
ملاك الامر الغيري ايضا فيه .اقول : محصل كلامه في المقام ان المقدمة للكل نفس الاجزاء, ولكن لم يلاحظفيها وصف اجتماعها لا
انــه لا يكون لها اجتماع , وذو المقدمة هو الكل ,يعني الاجزاء بلحاظ اجتماعها, وعبر عن فرض
عـدم لحاظ الاجتماع بلا بشرط,وعن لحاظ الاجتماع بشرط شي ء, وعليه فيكون للكل المتالف من
عـشـرة اجزاء,عشر مقدمات داخلية , لتوقف الكل على كل منها, ولكن مع ذلك لا يتعلق بهاالوجوب
الغيري , للزوم اجتماع المثلين من تعلقه بها.لـكـن الـصـحـيح ان الاجزاء لا تكون مقدمة لحصول الكل , بل الاجزاء عين الكل خارجا, والمقدمة
تقتضي الاثنينية الخارجية , وذلك لان الانسان اذا اراد فعلا وتوقف حصول ذلك الفعل على امر اخر
فـي الـخـارج تتولد من ارادته لذلك الفعل ارادة اخرى تتعلق بذلك الامر, فياتي به بداعوية الارادة
الـمتولدة من ارادته لذلك الفعل , فتكون ارادة الفعل اصلا ومنشا للارادة المتعلقة بذلك الامر, وبناءا
على الملازمة بين وجوب شي ء ووجوب مقدمته , حيث ان الفعل يتوقف حصوله خارجا على امراخر,
تـكـون الارادة الطلبية من المولى المتعلقة بفعل , منشا لارادته الطلبية الاخرى المتعلقة بذلك الامر
الـموقوف عليه , وهذا التوقف الخارجي الموجب لحصول ارادة اخرى من ارادة الفعل , هو الموجب
لـتـعـدد طلب المولى , فهناك طلبان , احدهمابالاصالة والاخر بالتبعية , ومن الظاهر ان موارد الكل
والـجـزء لا تكون من هذا القبيل ,اذ من يريد الاتيان بالكل ياتي بالاجزاء بنفس تلك الارادة المتعلقة
بـالـكـل , حيث ان الكل نفس تلك الاجزاء, فيكون الحال في الطلب المولوي المتعلق بالكل ايضاكذلك ,
حيث لا يكون في البين موجب لتولد طلب اخر يتعلق بالاجزاء, فان الاجزاءعين الكل , ولا يؤتى بها
الا بـارادة الـكـل لا بـارادة اخرى , وان شئت قلت : تكون الارادة بالاضافة الى كل جزء ضمنية لا
غـيـريـة , فيكون طلبها ايضا ضمنيا, فما ذكره (ره ) من حصول ملاك الوجوب الغيري في الاجزاء
ايضا, لكون الجزء مقدمة لحصول الكل , لا يمكن المساعدة عليه بوجه .والـعـجب انه (ره ) انكر على من زعم ان الاتيان بالفرد مقدمة للاتيان بالطبيعي ,وذكر ان الطبيعي
عـيـن الـفـرد ولا مـعنى للمقدمية , مع ان الاختلاف بين الطبيعي وفرده اعتبارا اوضح من اختلاف
الاجـزاء مـع الكل , لصدق الطبيعي على غير الماتي به ,بخلاف الكل فانه لا يكون الا عين الاجزاء
ولا يـصدق على غيرها, وكما ان الموجدللفرد ياتي به بنفس الارادة المتعلق منه بالاتيان بالطبيعي ,
كذلك الحال بالاضافة الى الاتي بالمركب .ولو اغمض عن ذلك وبني على ان الجزء مقدمة للكل وفيه ملاك الوجوب الغيري ايضا وانه لا يمكن
اجـتـماع المثلين , فلم لا يلتزم بتعلق وجوب واحد مؤكد,نظير سائر الموارد التي يكون في الفعل
ملاكين لوجوبين , فاجتماع الوجوبين بالمعنى الذي ذكره غير لازم , وبمعنى التاكد لا محذور فيه ,
بـل هـو واقـع كـثيرا, كما اذانذر المكلف الاتيان بفريضته اليومية , فان مع النذر يتاكد وجوبها لا
محالة .ومـا قـيـل مـن ان التاكد مع اختلاف الرتبة لا يمكن , فهو كما ترى , اذ اختلاف ملاك الحكمين في
الزمان -بمعنى عدم امكان اجتماعهما ينافي التاكد, وامااختلافهما في الرتبة فلا يمنع التاكد.اضـف الـى ذلك ان الايجاب وغيره من الاحكام امر اعتباري لا يجري فيه مسالة اجتماع المثلين او
الـضـديـن , ولا يـكـون من العرض بالاضافة الى متعلقه وموضوعه ,بل ان كان عرضا فهو من فعل
المولى , وانما لا يمكن اعتبار حكمين على متعلق واحد باعتبار تنافي ملاكهما, حيث ان الحكم يحتاج
الـى مـلاك غـالب او خالص في متعلقه او من ناحية الغرض من جعلهما, ولذا لا يمكن ثبوت حكمين
مـتـضـاديـن فـي مـتـعـلـق واحـد يـكون تضادهما من حيث الملاك والغرض , واما اذا لم يكن في
نـاحـيـة الـمـلاكـيـن تـنـاف , ولا في ناحية الغرض تضاد, فلا مانع من اعتبارهما كما في مسالة
نذرالفريضة .ثم انه قد يقال انه يترتب على تعلق الوجوب الغيري بالجزء -كتعلقه بسائرالمقدمات - انحلال العلم
الاجمالي بالتكليف عند دوران امر الواجب بين الاقل والاكثر الارتباطيين , كما اذا دار امر الصلاة
بـيـن كـون اجـزائهـا تسعة او عشرة , فانه على القول بتعلق الوجوب الغيري بالاجزاء ينحل العلم
الاجمالي الى علم تفصيلي بوجوب التسع , اما نفسيا او غيريا, كما هو ظاهر كلام الشيخ الانصاري
(ره ) في ذلك البحث ويكون وجوب الزائد مشكوكا.ولكن لا يخفى ان الاجزاء متعلقة للوجوب الضمني لا محالة , فيكون تعلق الوجوب بالاقل محرزا, اذ
هي اما نفس متعلق الوجوب النفسي اذا كان الواجب هوالاقل , او نفس متعلق الوجوب الضمني اذا كان
الواجب هو الاكثر, ولو كان هذاالمقدار من المعلومية موجبا لانحلال العلم لما كان حاجة الى ثبوت
الامر الغيري بها,وان لم يكن كافيا فلا يفيد في الانحلال الالتزام بتعلق الوجوب الغيري بالاجزاء,
لماذكروا من ان الوجوب الضمني او الغيري يكون فعليته بفعلية الوجوب المتعلق بالواجب النفسي لو
كـان ذلـك هو الاكثر, ولو كان فعلية الوجوب المتعلق بالاقل موجبا لعدم فعلية الوجوب النفسي اذا
كان متعلقا بالاكثر لزم الخلف .مـع انــه يلزم من الانحلال المفروض عدم الانحلال , وذلك فان فعلية وجوب الاقل على كل تقدير
يـسـتـلـزم عـدم فعلية الوجوب النفسي لو كان متعلقا بالاكثر,وقد ذكر لها اقسام اطيل الكلام في
تحديدها (1).وعدم فعليته يوجب ان لا يكون وجوب الاقل فعليا على كل تقدير المستلزم لعدم الانحلال , وما يلزم
من وجوده عدمه محال .(1) قد ذكر في اقسام المقدمة الخارجية السبب والمقتضي والشرط وعدم المانع , واطيل الكلام في
تعريف كل منها, كما في القوانين وغيرها, الا انه لا يترتب المهم -وهو ثبوت الملازمة بين وجوب
شي ء ووجوب مقدمته - على تحقيق الفرق بين السبب والشرط والمانع .
المقدمة العقلية والشرعية والعادية
ومن تقسيمات المقدمة , تقسيمها الى شرعية وعقلية وعادية . امـا الـمـقـدمة الشرعية فهي ما يتوقف الواجب على امر لكون التقيد به ماخوذافي الواجب النفسي ,
كالطهارة بالاضافة الى الصلاة , فان الطهارة بنفسها وان لم تؤخذفي متعلق الامر بالصلاة الا ان تقيد
الصلاة بها داخل في تعلق الامر, وتكون نفس الطهارة مقدمة خارجية شرعية لتوقف الصلاة المامور
بـهـا عليها شرعا, ولكن لا يخفى انـه بعد فرض اخذ التقيد بالطهارة في متعلق الامر بالصلاة يكون
توقف الصلاة المامور بها عليها عقليا لانتفاء المشروط والمقيد بانتفاء شرطه وقيده عقلا.وامـا الـمقدمة العقلية فهي ما يتوقف الواجب النفسي على امر من غير ان يكون ماخوذا فيه لا بنفسه
ولا بتقيده , كتوقف الحج من النائي على السفر, ويطلق على السفر المقدمة الخارجية العقلية .وامـا الـمـقـدمة العادية فان اريد بها ما لا يتوقف الواجب عليها عقلا, بان امكن الاتيان بالواجب فعلا
بـدونها, ولكن قد جرت العادة على الاتيان بها قبل الواجب ,ومنها تقسيمها الى مقدمة الوجود ومقدمة
الصحة , ومقدمة الوجوب ومقدمة العلم (1).كـالاكـل والشرب قبل الفجر بالاضافة الى صوم الغد, فلا وجه لادخالها في محل الكلام في المقام ,
فـانـه لا يـتـعـلق به الوجوب المولوي حتى بناءا على القول بالملازمة ,لعدم كونها مما يتوقف عليه
الواجب .وان اريد منها ما لا يكون الاتيان بالواجب بدونها ممتنعا ذاتا, ولكن الواجب موقوف عليها فعلا, كنصب
الـسـلم للصعود على السطح لغير المتمكن من الطيران ,وهو الانسان الموجود المكلف بالفعل , فهذا
القسم داخل في المقدمة العقلية لامتناع تحقق الصعود او الكون على السطح للانسان فعلا بدون نصب
السلم ,ولافرق بين الكون على السطح الموقوف على نصب السلم وبين المشي الى الحج من النائي .وبـالـجـملة تنحصر مقدمة الواجب بالعقلية , غاية الامر كون شي ء مقدمة عقلية له تارة ينشا من تقيد
الـواجـب الـنـفـسي بذلك الشي ء, كما في توقف الصلاة المامور بهاعلى الطهارة , واخرى من توقف
الـواجب النفسي على ذلك الشي ء خارجا من غير ان يؤخذ في الواجب تقيده به , كالحج بالاضافة الى
سفر النائي .
المقدمة الوجودية والعلمية و...
(1) لا يخفى ان مقدمة الصحة ترجع الى مقدمة الوجود, ولو على القول بان اسامي العبادات موضوعة للاعم , فان الكلام في المقام في مقدمات الواجب لا في مقدمات المسمى باحد تلك الالفاظ.واذا كـان التقيد بالطهارة ماخوذا في متعلق الوجوب النفسي , تكون الطهارة بنفسها من مقدمات وجود
الـصـلاة المامور بها كما مر, وهذا الكلام بناءا على ما ذكرنافي بحث التعبدي والتوصلي من امكان
اخـذ قصد التقرب في متعلق الامر بالصلاة -مثلا صحيح , فانه عليه تنحصر مقدمة الواجب بمقدمة
الوجود.وامـا بـنـاءا على ما سلكه الماتن (ره ) وغيره من امتناع اخذ قصد التقرب في متعلق الامر بها تكون
مـقـدمـة الصحة غير مقدمة الوجود لا محالة , ويتعين تقسيم المقدمة الى مقدمة الوجود والى مقدمة
الصحة , حيث يمكن للقائل بالملازمة نفي الملازمة بين وجوب شي ء ومقدمة صحته والالتزام بها في
خـصوص مقدمة الوجودكما عليه الماتن (ره ) ايضا, فلا وجه لاعتراضه على التقسيم المفروض .نعم ما ذكرفي كلماتهم مثالا لمقدمة الصحة من الشرائط محل نظر, بل منع .وعـلـى كل حال , فمقدمة الوجوب خارج عن مورد الكلام في المقام , فانه لايمكن ان يتعلق الوجوب
الغيري بتلك المقدمة , حيث لا وجوب للواجب النفسي الا على تقدير حصولها, وتعلق الوجوب بها بعد
حصولها من طلب الحاصل .وكـذلك مقدمة العلم بحصول الواجب , فان لزوم مقدمة العلم لا يبتني على الملازمة بين وجوب شي ء
وجوب مقدمته , حيث ان اللزوم في مقدمة العلم عقلي لاشرعي , وملاك اللزوم العقلي فيها غير ملاك
الـوجـوب الـشـرعـي الغيري لمقدمة الوجود, فان المقدمة العلمية لا تكون مقدمة لوجود الواجب
ضرورة ان الصلاة الى القبلة -مثلا لا تتوقف على الاتيان بها الى جهتين في مورد اشتباه القبلة فيها,
بـل احـراز الاتـيـان بالصلاة الى القبلة موقوف على تكرارها بالاتيان اليهما, وتحصيل العلم بالاتيان
بالمامور به لازم عقلا, للامن من العقاب , فيكون امر الشارع به كامره بالاطاعة لمجرد الارشاد الى
مـا يـستقل به العقل في مقام الامتثال من لزوم احرازومنها تقسيمها الى المتقدم والمقارن والمتاخ -ر
بالاضاف -ة الى ذي المقدمة (1).سـقوط التكليف والفرار من العقاب المحتمل , بخلاف الوجوب الشرعي لمقدمة وجود الواجب , فانه
منبعث من وجوب الواجب النفسي على ما تقدم , وملاكه المقدمية في الوجود والتحقق , كما لا يخفى .
المقدمة المتقدمة والمقارنة والمتاخرة
(1) قـد ذكروا في تقسيمات المقدمة تقسيمها الى المتقدم -ة والمقارن -ة والمتاخرة , وهذا التقسيم بـلـحـاظ زمان حصول المقدمة بالاضافة الى زمان حصول ذيها, وبما انـه لا ينبغي التامل في انـه لا
يـحصل المعلول الا بحصول علته بتمام اجزائها, ضرورة ان المؤثر في المعلول علته , ففرض شي ء
مـن اجـزاء الـعلة , وفرض حصول المعلول قبله , غير ممكن , حيث انه لو لم يكن ذلك الشي ء مؤثرا
ودخـيـلا فـي حـصـول الـمـعـلـول لـزم الخلف , وان كان مؤثرا او دخيلا لزم تاثير المعدوم في
حصول الشي ء.
الشرط المتاخر
وعـلـى ذلـك , فـقـد اشكل الامر في موارد قد ثبت فيها من الشرع كون شي ء شرطاللمامور به او الـتـكليف او الوضع , مع انـه متاخر في الوجود عن زمان وجود الماموربه , او التكليف , او الوضع ,
كالاغسال الليلية المعتبرة عند بعض في صحة صوم المستحاضة , فان الصوم يتحقق في اليوم وينتهي
بدخول الليل مع ان شرطه -وهوالغسل - يكون في الليل بعد انقضاء اليوم .ومـنـهـا كـون الاجـازة شرطا في العقد الفضولي بنحو الكشف , فان الملكية والتحقيق في رفع هذا
الاشكال ان يقال (1).تحصل من حين العقد, مع ان شرط حصولها وهو الاجازة توجد بعد حين ,وكالوضوء من ماء قد وقف
على الوضوء للصلاة في المسجد, فان جواز الوضوء منه يحصل من قبل مع ان شرط الجواز -وهو
الصلاة في المسجد- يحصل بعد ذلك .والمذكور في الكلمات وان كان التعرض للاشكال في الشرط المتاخر الا ان الماتن (ره ) قد اجراه
فـي الـمـقـتضي او الشرط المتقدم ايضا, فان ملاك الاستحالة المزعومة في المتقدم والمتاخر امر
واحد, وهو تحقق الشي ء مع عدم ما يتوقف عليه .وليس المراد انه لو كان الشي ء من اجزاء العلة فلا يمكن تحققه قبل وجودالمعلول بزمان , بل المراد
انــه لابـد في تاثيره ودخله من بقائه الى زمان تحقق سائراجزاء العلة , الا اذا كان السابق من قبيل
الـمـعـد, بان يكون السابق مقدمة لللاحق ,كالصعود على السطح بالسلم , فان التدرج في السلم للكون
عـلـى الـسـطـح لاجـل ان الصعود على الدرج الاول مقدمة للكون على الدرج الثاني , والصعود من
الثاني مقدمة للكون على الدرج الثالث وهكذا, والتدريجية في مثل ذلك لا باس بها, بل لابد منها لامتناع
الطفرة .والـمـراد مـن تـقـدم الـعلة على المعلول بجميع اجزائها هو التقدم رتبة المصحح لدخول الفاء على
المعلول , بان يقال : (وجدت فوجد) لا التقدم بحسب الزمان , والاتخلف المعلول عن علته التامة .(1) قـد قـسـم (ره ) مـوارد توهم انخراج القاعدة العقلية الى قسمين , الاول : ان يكون المتقدم او
الـمتاخر شرطا للتكليف او الوضع , يعني الحكم الوضعي , والثاني :ما يكون المتقدم والمتاخر شرطا
في متعلق التكليف .
الاول , شرط الحكم
وحاصل ما ذكره في دفع الاشكال في القسم الاول هو ان الدخيل في ثبوت التكليف او الوضع لحاظ ما يـسـمى شرطا لا تحققه الخارجي , ليقال بان المتاخر اوالمتقدم لا يؤثر ولحاظهما كلحاظ الشرط
المقارن مقارن لجعل التكليف , او اعتبارالوضع وانتزاعه . وبتعبير اخر: بما ان الحكم فعل اختياري
لـلـحاكم يكون صدوره عنه موقوفا على انقداح الداعي في نفسه الى جعله , وليس الداعي له اليه ما
يطلق عليه الشرط بوجوده الخارجي , بل بوجوده اللحاظي , ويكون لحاظه مقارنا لجعل الحكم ,سواء
كـان وجوده الخارجي متقدما على الحكم او متاخرا او مقارنا, بلا فرق في ذلك بين الحكم التكليفي
والوضعي .وناقش في هذا الدفع المحقق النائيني (ره ) وبنى على امتناع الشرط المتاخرللتكليف او الوضع .وحاصل مناقشته : ان جعل الحكم على نحوين :
الـنحو الاول : ان يجعله على وجه الاطلاق بمفاد القضية الخارجية , كما اذااحرز المولى الصلاح
في كون عبده خارج البلد في زمان خاص لاستقبال ولده من سفره , فيامره بالذهاب الى خارج البلد في
ذلـك الزمان من غير تعليق واشتراط,فيكون الحكم في هذه الصورة فعليا حتى لو فرض عدم قدوم
ولـده مـن سفره في ذلك الزمان كما اذا كان اعتقاد المولى بقدومه مخطئا, لان فعلية الحكم في هذا
النحومن الجعل لا تكون مسببة عن تحقق قدوم ولده خارجا, بل يكون اعتقاده ولحاظه داعيا للمولى
الى طلبه وحكمه .وبـالجملة الدخيل في هذا النحو من الطلب هو اللحاظ والاعتقاد بحصول الشي ء, وهذا حاصل مقارنا
لـلـجـعل والطلب , ولا عبرة بحصول نفس الملحوظ في المستقبل , فلا مجال لتوهم انخرام القاعدة
العقلية في نظائره .وامـا النحو الثاني : فهو ان يجعل الحكم بمفاد القضية الحقيقية معلقا على حصول شرط, كالمثال فيما
اذا كـان حـكـمـه بالكون في خارج البلد معلقا على مجي ءالولد في ذلك الزمان , بان كان الجعل بمفاد
القضية الحقيقية , وفي هذا الفرض تكون فعلية الحكم دائرة مدار تحقق الشرط خارجا, ولو احرز
الـعبد قدوم الولد في ذلك الزمان لزم عليه الكون خارج البلد, ويكون قدومه كاشفا عن فعلية الحكم
مـن الاول ,والـشـرط الـمـتـاخـر بـهـذا المعنى غير ممكن , لان الدخيل في فعلية الحكم وجود
الـشـرطوتـحـقـقه خارجا, وكيف يثبت الحكم ويكون فعليا في زمان مع عدم حصول شرطه فيه ؟
وبـتـعـبير اخر: الاشكال في المجعول بنحو القضية الحقيقية وشرائط فعلية الحكم لا في شرائ
ط جـعـلـه , والا فـشرط الجعل -ومنه كون الفعل الذي يعتبره واجبا ذامصلحة - يكون ايضا باللحاظ
واعـتـقـاد الـمـولى ولو بنحو الخطا, فما ذكره في الكفاية خلط بين شرائط الجعل وشرط فعلية
المجعول ((244)) .اقـول : لا يـخفى ما فيه , فان فعلية الحكم المجعول بنحو القضية الحقيقية تابعة لكيفية الجعل , ولكن
الـشـرط بـوجوده الخارجي -كقدوم الولد في المثال - غير مؤثرفي فعلية الحكم , اذ فعلية الحكم
كـانت على تقدير حصول الشرط في المستقبل لكون الجعل بهذا النحو وعدم فعليته على تقدير عدم
حصوله انما هو لعدم الجعل على تقدير العدم في الحال .