فـتـحـصـل ان مـا ذكـره الـفلاسفة من قاعدة ان الشي ء ما لم يجب لم يوجد لايجري في الفاعل بـالاخـتـيـار, فانه بعد لحاظالشي ء والتصديق بفائدته والميل اليه والجزم بعدم المانع , يبقى الفاعل
المختار قادرا على اختيار كل من الفعل والترك ,والمبادي لا تجعل الفعل من قبيل واجب الوجود, بل
انها مرجحة لاختياره طرف الفعل , حيث ان الفاعل الحكيم لايختار الفعل الا مع الصلاح في شخصه
او الـمـزية في الجامع بينه وبين فعل اخر, كما اذا لم تكن مزية في خصوص احدالفعلين بالاضافة
الـى الاخـر, فـان قـيـام الـمزية في الجامع كاف في كون اختيار الفعل بالحكمة , ويدلك على ذلك
ان الهارب يختار احد الطريقين مع عدم المزية لاحدهما بالاضافة الى الاخر.وحكي عن الفخر الرازي ((177)) استدلاله على ذلك بانه لا مرجح لحركة الشمس من المشرق
الـى الـمغرب , وقدطعن عليه صدرالمتالهين في شرحه على اصول الكافي ((178)) , ولم يات في
الرد عليه الا بالطعن والشتم .ولكن لا يخفى ما في المحكي , حيث ان حركة الارض حول نفسها, او حركتها حول الشمس , ليست
مـن الافعال الاختيارية لها, فلابد من خصوصية خارجية تقتضي تعين تلك الحركة . نعم خلق الشمس
او الارض بـتـلـك الـخـصـوصـية من فعل اللّه (سبحانه ), ولا سبيل لنا الى الجزم بان الخلق بتلك
الخصوصية كان لمرجح في الجامع بين الخصوصتين .ونظير ما ذكره الفلاسفة بالاضافة الى الافعال -من دعوى اقتضاء التوحيد ونفي الشرك في الخلق -
الالتزام بان افعال العباد مخلوقة للّه (سبحانه ) تمسكا ببعض الايات :
مثل قوله (سبحانه ): (واللّه خلقكم وما تعملون ) ((179)) .وقوله (سبحانه ): (وما تشاءون الا ان يشاء اللّه ) ((180)) .وقوله (سبحانه ): (ولاتقولن لشي ء اني فاعل ذلك غدا الا ان يشاء اللّه ) ((181)) .وقوله (سبحانه ): (وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن اللّه ) ((182)) .وقـولـه (سـبـحـانـه ): (الـذي له ملك السموات والارض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في
الملك ) ((183)) اي الخلق . الى غير ذلك .والجواب عنها: ان الايات المذكورة ونحوها اذا لوحظت في مقابل مثل قوله (سبحانه ): (ان اللّه لا
يظلم مثقال ذرة وان تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه اجرا عظيما) ((184)) .وقوله (سبحانه ): (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك احدا) ((185)) .وقوله (سبحانه ): (انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا) ((186)) .ومـثـل قوله (سبحانه ) حكاية عن اهل النار: (قالوا بلى قد جائنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل اللّه من
شـي ء ان انـتم الافي ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع او نعقل ما كنا في اصحاب السعير فاعترفوا
بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير) ((187)) ونحوها, يتضح كمال الوضوح ان اسناد الافعال الى اللّه
(سـبحانه ) في مثل الحسنات والافعال الحسنة ,انما هو باعتبار ان القدرة على العمل والمعدات التي
يـتـوقف عليها العمل كلها من اللّه (سبحانه ), ولذا لن تجد موردا في كتاب اللّه (سبحانه ) او غيره
اسـند فيه العمل القبيح الصادر عن العبد اليه (تعالى ), ولذا ذكرنا ان التوحيد لا يقتضي اسنادالظلم
الـى اللّه (تعالى ) بان تكون ارادته المشار اليها في قوله تعالى : (انما امره اذا اراد شيئا) ((188))
مـتعلقة بافعال العبادالاختيارية التي يتعلق بها التشريع , بل تلك الارادة تعلقت بكونهم مختارين , حيث
ان الـدنيا دار الفتنة والامتحان . واماقولنا: اراد اللّه ان نصلي ونصوم , فمعناه انـه سبحانه طلب منا
العمل وامرنا ان نفعل .فتلخص من جميع ما ذكرنا انـه اذا لوحظ صحة تكليف العباد وجواز مؤاخذتهم على ما ارتكبوا من
المعاصي ,ولوحظت الايات الواردة في امر العاصين بالتوبة والاستغفار وامر المؤمنين بالاستقامة في
الدين ولوحظ ما ورد من الايات من كون العاصين ظالمي انفسهم , تجدان اسناد بعض الافعال الى اللّه
(سـبحانه ) ليس بمعنى نفي اختيار العبد فيها, بل بمعنى ان القدرة عليها بمشية اللّه وارادته , وربما
يـلـقـي (سـبـحـانـه ) حب العمل والشوق اليه في انفسهم , فيكون ذلك تاييدا للعبد على الاستقامة
ونيل الثواب , بعد علمه (سبحانه ) ان العبد يهم بالطاعة والاجتناب عن السيئات ما امكن .ويـظـهـر من ذلك بطلان توهم علية سوء السريرة , او حسنها لحصول المبادي التي من قبيل العلة
الـتـامة لحصول الارادة -يعني الشوق المؤكد المحرك للعضلات -, وكذا بطلان توهم ان اختيارية
فعل العبد ينافي مسلك التوحيد الافعالي ,والالتزام بالملك المطلق للّه (سبحانه ).
ابطال مسلك التفويض
واما مسلك التفويض المقابل للجبر, فقد يقال انه مبني على مسلك استغناء الممكن في بقائه عن العلة . ولـكـن لا يـخـفى سخافة هذا البناء والمبنى , وذلك لان بقاء الممكن بلا علة , كحدوثه بلا علة في
الامـتـناع , حيث ان اختلاف الاشياء الممكنة في البقاء والزوال , واختلافها في طول البقاء وقصره ,
يـكـون مـستندا الى امر لا محالة , ولو كان مجرد العلة لحدوث شي ء كافيا في بقائه مع استواء البقاء
والـزوال بـالاضـافـة اليه لامكن تحققه كذلك في الان الاول ايضابعين وجه تحققه في الان الثاني .وبالجلمة فما في الكون من الممكنات تحتاج في بقائها, كحدوثها الى الموجب .وينبغى ان يبتني مسلك التفويض على امر اخر, وهو ان الممكن وان كان محتاجا في بقائه الى العلة ,
الا ان حـاجة الكائنات ومنها الانسان الى ذات الباري (عز وجل ) من قبيل حاجة المنفعل والمصنوع
الـى الـفاعل والصانع , فتكوين الانسان وسائر الكائنات وان حصل بارادة اللّه (عز وجل ) ومشيته
التي بها تكونت الاشياء وظهرت من ظلمات الماهيات الى نور الوجود الا ان بقائها مستند الى موجبات
الـبـقاء فيها من الخصوصيات والاستعدادات المكنونة في بعض الاشياءواستمداد بعضها من البعض
الاخر نظير البناء, فانه وان احتاج في حدوثه الى البناء, ولكن بقائه مستند الى القوة والاستعداد في
الاجزاء المستعملة في البناء.واللّه (سـبـحانه ) خلق الاشياء وكونها بارادته ومشيته , بما فيها من الخصوصيات والاستعدادات ,
ولـكـن تلك الخصوصيات والاستعدادات الحادثة بعد حدوث المثل او قبله تنتهي وتفنى , واذا انتهى
بعض ما في الكون الظاهر لنامن الخصوصيات والاستعدادات يظهر ان كل شي ء منه فان ويبقى وجه
ربـك ذو الـجـلال والاكرام , وعلى ذلك فالانسان المخلوق في الكون والباقي منه الموجود بتوليد
الـمثل يكون كل ما يفعله بارادته واختياره من نفسه , ولا يستند شي ءمنها الى الخالق (سبحانه ) لعدم
استناده في البقاء اليه .ولكن لا يخفى سخافة هذا الوجه ايضا, فان الكائنات في العالم لا تقاس بالبناء الحاصل من فعل البناء,
فـان خـالـق الكائنات حي قيوم له ملك السموات والارض , اذا اراد شيئا يكون , واذا اراد عدمه فلا
يكون , بلا فرق في ذلك بين الاشياء الحاصلة بالعلل المادية او من افعال الانسان او غيره .وليس المراد ان العلية بين المعلولات وعللها باطلة وانما جرت عادة اللّه (سبحانه ) ان يخلق بعض
الاشياء بعد خلق بعضها الاخر كما يقول به القائل بالجبر تحفظا على التوحيد.بـل المراد ان بقاء الشي ء المستند الى علته المبقية -ليصير علة لوجود شي ء اخر انما ينشا من عدم
تـعلق ارادة اللّه بافنائه كما ان حصول شي ء من شي ء اخر موقوف على تعلق ارادة اللّه بحصوله منه ,
والا فان تعلقت ارادته (جلت قدرته ) بان لا يوجد فلا يوجد, اما بارادة زوال العلة او بخلق المزاحم
للتاثير والعلية (وكان اللّه بكل شي ء محيطا) ((189)) .وقـد تقدم ان مشيته (جلت عظمته ) قد تعلقت بكون الانسان قادرا متمكنا من الافعال , ومنها الافعال
التي تعلق بها طلبه وارادته بمعني الايجاب والندب , وما تعلق به زجره ومنعه , كي يتميز المطيع من
الـعاصي , والكافر من المؤمن , والصالح من الطالح , (واللّه من ورائهم محيط) ((190)) , (واللّه بما
يـعملون محيط) ((191)) , (ولو شاء اللّه ما فعلوه فذرهم ومايفترون ) ((192)) , (ولو شاء ربك
لامن من في الارض كلهم جميعا) ((193)) , (ولو شئنا لاتينا كل نفس هداها) ((194)) .
ومـع كـون العباد وافعالهم محاطا بهم (وكان اللّه على كل شي ء رقيبا)((195)) قد الفصل الثاني
فيما يتعلاق بصيغة الامروفيه مباحث : الاول : انه ربما يذكر للصغية معان قد استعملت فيها (1).تصيب رحمته ورافته العبد ويؤيده حتى يجتنب الحرام , او يفعل الطاعة , قال (عز من قائل ): (ومن
يـؤمـن بـاللّه يـهـدقـلبه ) ((196)) , (فاعلموا ان اللّه يحول بين المرء وقلبه ) ((197)) , وقال
سـبـحـانه : (اللّه خالق كل شي ء وهو على كل شي ءوكيل ) ((198)) , (قالت اليهود يد اللّه مغلولة
غـلـت ايـديهم ولعنوا بما قالوا) ((199)) , الى غير ذلك من الايات الواضحة في انـه (تعالى ) هو
القاهر فوق كل شي ء, وانه يحيي ويميت , وينزل الغيث , ويرزقكم من السماء, وبيده ملكوت كل شي ء.والـبـرهان العقلي على ذات الحق (جل وعلا) مقتضاه ايضا ما ذكر, والتعرض له لا يناسب المقام ,
ومن اللّه الهداية والرشاد.
معنى صيغة الامر
(1) ذكر (ره ) انـه قد يذكر لصيغة الامر معان استعملت فيها ويعد منها الترجي والتمني والتهديد والانذار والاهانة والاحتقار والتعجيز والتسخير, الى غير ذلك مما انهاها بعضهم الى خمسة عشر
معنى , فيقع الكلام في ان استعمال صيغة الامر في الموارد المفروضة هل هو من قبيل استعمال اللفظ
فـي معانيه المتعددة كما ذكر,فمثلا ان قول القائل : (يا رب تب علي ) مرادف لقوله : (لعل اللّه يغفر
لي ), وقوله : (ليت ربي يرجعني ) مرادف لقوله :(يارب ارجعني ) الى غير ذلك , او ان المستعمل فيه
لـلـصـيـغة في جميع الموارد امر واحد وهو انشاء الطلب المتعلق بالمادة , الا ان الداعي الى انشائه
يختلف , فتارة يكون الغرض ارادة حصول داعي الانبعاث لدى المطلوب منه فيكون الطلب المنشا بعثا
وتـكـلـيفا, واخرى يكون الداعي الى انشائه ترجي المادة او تمنيها, وثالثة اظهار عجز المطلوب
منه ,ورابعة اظهار وهنه فيكون تحقيرا, والى غير ذلك .والذي يشهد به الوجدان في موارد استعمالات الصيغة , هو ان المستعمل فيه انشاء طلب المادة ممن
يتوجه اليه الطلب , والاختلاف انما هو في ناحية الدواعي الى انشائه .وغـايـة مـا يـمكن ان يقال انه اشترط في وضع صيغة الامر لانشاء الطلب , كون الداعي والغرض
حـصـول مـا يـمكن ان ينبعث به المطلوب منه نحو الفعل وايجاد المادة , وهذا نظير اشتراط قصد
الانشاء والاخبار, او قصد اللحاظ الالي والاستقلالى في وضع الحروف والاسماء.وبـالجملة فاختلاف الدواعي في انشاء الطلب امر واختلاف المستعمل فيه لصيغة الامر امر اخر,
وقـد اشـتـبه احدهما بالاخر, وعلى ما ذكرنا يكون استعمالها في غير موارد البعث والتحريك من
استعمال اللفظ في معناه , ولكن بغير الوضع , فيكون مجازا.وقد يقال : ان الصيغة في موارد الطلب تستعمل لابراز كون المادة على عهدة الغير, واما اذا استعملت
فـي غـيـر مقام الطلب , يكون المستعمل فيه امرا اخر, وكون ايقاظ: لا يخفى ان ما ذكرنا في صيغة
الامر جار في سائر الصيغ الانشائية (1).اسـتعمالها في معنى واحد في جميع المقامات -مع الاختلاف في الدواعي كما ذكر- مبني على كون
الانشاء ايجاداللمعنى باللفظ لا ابرازا للاعتبار الحاصل بالنفس .اقـول : الـظاهر عدم الفرق بين القول بان الانشاء عبارة عن قصد ايجاد عنوان اعتباري بالتلفظ, او
انـه ابراز لامر اعتباري حاصل من النفس مع قطع النظر عن الابراز بالتلفظ, حيث ان اعتبار الفعل
عـلـى عـهدة الغير وابرازه قد يكون لغرض التصدي الى حصول الفعل منه خارجا, واخرى لغرض
اظـهـار عجزه عنه او وهنه وحقارته , الى غير ذلك , هذا وقد تقدم عدم كون مدلول الصيغة اعتبار
الفعل على العهدة .نـعم هذا الاعتبار اذا حصل وابرز ممن له ولاية الطلب على الغير فهو يعتبر ايجابا وطلبا منه , الا
ان الـصـيـغـة لم توضع له , ويشهد له عدم اختلاف معنى الصيغة في موارد استعمال العالي والداني ,
وموارد الايجاب والاستحباب , على ماتقدم .(1) مـراده : كـما ان صيغة الامر تستعمل في انشاء الطلب ويكون الاختلاف في الدواعي لانشائه ,
كـذلـك في التمني والترجي والاستفهام , فان صيغة كل واحدة منها وضعت لانشاء الترجي او غيره ,
غـايـة الامـر تارة يكون الداعي الى انشاءالترجي مثلا ثبوت الترجي الحقيقي في النفس , واخرى
يـكـون الـداعي الى انشائه حصول طلب الفعل والبعث اليه , وفي اداة الاستفهام يكون المستعمل فيه
انشاء طلب الفهم , والداعي الى انشائه قد يكون قصد الفهم , فيكون استفهاماحقيقيا, وقد يكون حصول
الاقـرار مـمـن تـوجـه الـيه طلبه او الانكار او غير ذلك , فيكون اقرارا او استفهاما انكاريا او
غـيرذاك , وعليه فلا وجه للالتزام بان هذه الصيغ اذا استعملت في كلامه ولا يبعد تبادر الوجوب
(1).(تـعالى ) تنسلخ عن معانيها الموضوعة لها, لاستحالة مثل هذه المعاني في حقه (تبارك وتعالى ) التي
تستلزم العجزوالجهل , وذلك لان الصيغ لم توضع للحقيقي من معانيها, بل الموضوع له فيها الانشائي
منها, غاية الامر الداعي الى انشائها قد يكون غير ثبوتها حقيقة حسب ما يقتضيه الحال .اقـول : يـمكن ان يقال : ان اداة التمني والترجي وضعت لاظهار الصفة النفسانية (اي اظهار ثبوتها)
وان التمني يطلق على هذا الاظهار, الا ان ابراز ثبوتها قد يكون لثبوتها واقعا, فيكون تمنيا وترجيا
حقيقة , وقد يكون الاظهار لغرض اخر من طلب الفعل ونحوه .وان شـئت الـتـوضـيـح فلاحظ الجمل الخبرية في موارد الكنايات , فانها موضوعة لاظهار ثبوت
محمولاتهالموضوعاتها ولكن الاظهار تارة يكون لحكاية الثبوت الواقعي , واخرى لثبوت امر اخر,
حـيـث ان قول القائل (زيد كثيرالرماد) لا يكون لغرض الحكاية عن ثبوت مدلول الجملة واقعا, بل
لغرض ثبوت ما يلازم مدلولها. وبالجملة الممتنع في حق الباري (جل وعلا) الثبوت الواقعي للتمني
او الترجي او الاستفهام لا اظهار ثبوتها لغرض اخر غير ثبوت معانيهاالحقيقية المستحيلة في حقه
(تعالى ).
دلالة صيغة الامر على الوجوب
(1) المراد بالوجوب كما تقدم اطلاق الطلب , ويقابله اقتران الطلب واتصافه بثبوت الترخيص في تـرك الـفعل , واما حكم العقل بلزوم الاتيان بالمامور به , بمعنى استحقاق العقوبة على المخالفة , فهو
يترتب على وصول الطلب الى المطلوب منه وكثرة الاستعمال فيه (1).صـغـرى وكـبرى , ولكن اتصاف الطلب بالوجوب والندب انما هو قبل ملاحظة الوصول اليه , كما
تقدم .والـحـاصـل ان اطلاق الطلب او اتصافه بثبوت الترخيص في الترك خارجان عن المدلول الوضعي
لـلـصـيـغة وهما وصفان للطلب الصادر عمن له ولاية الحكم واذا تمت مقدمات الاطلاق في ناحية
الطلب , يكون ظهور الصيغة بملاحظة حال منشاالطلب ظهورا اطلاقيا في وجوب الفعل , ومع ثبوت
الـتـرخيص ينتفي عنها الظهور في الوجوب , ويشهد لخروج الوصفين عن المدلول الوضعي للصيغة
عدم الفرق في المعنى المتفاهم عرفا من نفس الصيغة بين موردي الوجوب والندب , وهذا بخلاف ما
تقدم في مادة الا مر, فانها بنفسها دالة على تعنون الطلب بعنوان الوجوب , ولذا يصح ان نقول ما امرنا
بـصـلاة الليل وامرنا بالصلوات اليومية . وبالجملة اطلاق الطلب من العالي يكون وجوبا, ومع ثبوت
تـرخـيـصه يكون ندبا, واذا لم يؤخذ في مدلول الصيغة خصوصية الطالب , فكيف يكون الوجوب او
الـندب داخلا في المدلول الوضعي للصغية مع انهما فرع علو الطالب , وما ذكره (ره ) من عدم صحة
الاعتذار عن المخالفة باحتمال ارادة الندب , لايكون دليلا على ان الظهور وضعي لا اطلاقي , ولعله
لذلك عده مؤيدا.(1) هـذا شـروع في الرد على صاحب المعالم (ره ), حيث ذكر عدم ظهور الصيغة في الوجوب ,
مـعـللا بكثرة استعمالها في الندب في الاخبار المروية عن الائمة (ع ) فيشكل الحكم بوجوب فعل
بمجرد ورود الامر به بالصيغة .وحـاصل الدفع ان استعمال الصيغة في الاستحباب وان كان كثيرا, الا ان كثرة الاستعمال اذا كانت
بالقرينة المتصلة في اكثر الموارد لا توجب انقلاب ظهور اللفظلتعدد المجازات (1).او اجماله , وانما توجب ذلك اذا كانت مع القرينة المنفصلة , فانه في هذه الصورة يحصل للذهن انس
بين اللفظ ومعناه المجازي , فيوجب انقلابه او اجماله , الا ترى ان صيغ العموم او اداته قد استعملت
في الخصوص عندصاحب المعالم (ره ) كثيرا, بحيث قيل : ما من عام الا وقد خص , الا ان الكثرة بما
انها تكون مع المخصص المتصل , لا توجب انقلاب ظهورها.
مدلول الجملة الخبرية المستعملة في مقام الانشاء
(1) وجـه لـعـدم ظهور تلك الجمل في الوجوب , والظاهر ان المراد بالمجازات الوجوب والندب ومطلق الطلب , فيقال انه بعد قيام القرينة على عدم استعمال الجملة الخبرية في الاخبار والحكاية , لا
يكون لها ظهور في خصوص الوجوب لتعدد المجازات وعدم كون الوجوب اظهر المعاني المجازية
واقواها.وذكـر الماتن (ره ) بان الجملة الخبرية المستعملة في مقام الطلب , تكون ظاهرة في وجوب الفعل ,
بـل تكون دلالتهاعليه اظهر واقوى من دلالة الصيغة عليه , والوجه في ذلك ان الجملة الخبرية في
ذلـك الـمـقـام لا تـسـتعمل في غير معناها,بل تكون مستعملة في حكاية حصول الشي ء خارجا في
الـمـستقبل , الا ان الداعي الى الحكاية ليس ثبوت الشي ءخارجا, بل بداعي البعث والطلب بنحو اكد,
حـيـث ان الـمـستعمل حكى وقوع الشي ء خارجا في مقام طلبه لاظهار انه لايرضى بعدم وقوعه ,
فـالجمل الخبرية تستعمل في قصد الحكاية عن ثبوت الشي ء او لا ثبوت , ولكن بداعي الطلب ,وهذا
نظير ما تقدم في الصيغ الانشائية من انها تستعمل دائما في معانيها الانشائية , ولكن بدواع مختلفة .مع انه اذا اتى بها في مقام البيان فمقدمات الحكمة (1).(1) يـعني لو نوقش فيما ذكره من ان الاخبار بوقوع شي ء مستقبلا بداعي البعث والطلب يدل على
شدة الطلب وعدم الرضا الا بوقوع الفعل فلا ينبغي التامل في انه لو كان الطالب في مقام البيان واخبر
بـوقـوع الـفعل مستقبلا بداعي الطلب يكون الطلب بالاخبار المفروض متعينا في الوجوب بمقتضى
مـقـدمات الحكمة , لان شدة مناسبة الاخبار بوقوع الفعل مع الطلب الوجوبي موجبة لتعين ارادته اذا
كان الطالب في مقام الطلب ولم ينصب قرينة على غير الطلب الوجوبي .والـفرق بين هذه الدعوى ودعوى الظهور المتقدم هو ان هذا الظهور اطلاقي موقوف على جريان
مـقـدمات الحكمة ,بخلاف الظهور السابق , فانه ظهور انصرافي ولا حاجة في الظهور الانصرافي
الى اجراء مقدمات الحكمة .اقول : الصحيح عدم الفرق بين الظهور في صيغة الامر, والظهور في الجملة الخبرية التي تستعمل
في مقام الطلب ,في ان كلا من الظهورين اطلاقي , حيث ان تفهيم المولى عبده طلب الفعل -سواء كان
بانشائه بالصغية او بغيره - مع عدم ثبوت الترخيص منه في تركه , مصحح لمؤاخذته على المخالفة ,
كما تقدم في بيان دلالة الصيغة على الطلب الوجوبي .ويؤيد ذلك استعمال الجملة الخبرية في موردي الوجوب والاستحباب , وعدم الفرق في المستعمل
فـيـه بـينهما,كما في قوله (ع ) فيمن وجد في انائه فارة وتوضا منه مرارا وصلى : يعيد وضوئه
وصـلاته ((200)) , فان الاعادة بالاضافة الى الوضوء استحبابي , وبالاضافة الى الصلاة وجوبي ,
وكذا نظائره .ان اطلاق الصيغة هل يقتضي كون الوجوب توصليا (1).ان التقرب المعتبر في التعبدي (2).
التعبدي والتوصلي
(1) لا يخفى ان قصد التقرب باي معنى فرض لا يكون قيدا للوجوب , بان يكون الوجوب بالاضافة الـيـه مطلقا اومشروطا, بل القصد المفروض على تقدير كونه قيدا فهو قيد للواجب , يعني ماخوذا
فيه , فالمبحوث عنه في المقام اطلاق المادة وعدم اطلاقها بالاضافة اليه , لا اطلاق الهيئة , وحينئذ
يبحث في ان اطلاق المادة هل يدل على كون الواجب توصليا او ان اطلاقها لا يكشف عن ذلك .نـعم قد يطلق التعبدي والتوصلي على الواجب بمعنى اخر على ما ذكره المحقق النائيني (ره ) وهو
ان الـتـكـلـيـف التعبدي ما لا يسقط عن المكلف بفعل غيره , او بفرد غير اختياري صادر بلا قصد
والتفات , او بفرد محرم لا يعمه الترخيص في التطبيق , والتكليف التوصلي يسقط عن المكلف به بفعل
غـيره او بالفرد غير الاختياري او بالفرد المحرم والتوصلي بهذاالمعنى ربما يكون تعبديا بالمعنى
الاول , نظير سقوط التكليف بقضاء ما على الميت من الصلاة والصوم عن الولد الاكبربفعل الاخرين ,
ومـقـتضى اطلاق الهيئة ثبوت التكليف وعدم سقوطه بفعل الغير او الاتيان بالفرد غير الاختياري
اوالمحرم , كما ياتي .
انحاء قيود المتعلق
(2) الـقـيـود الـمـاخوذة في صحة العمل بحيث لا يسقط التكليف الا مع الاتيان بالمتعلق معها على نحوين :
الاول : مـا لا يـمكن تحقيق ذلك القيد في الخارج ولحاظه تفصيلا الا بعد الامربالعمل وتعلق الطلب
بالفعل .الـثـانـي : مـا يـمكن تحقيقه خارجا ولحاظه تفصيلا قبل الامر بالعمل , كما في الطهارة من الحدث
الـماخوذة في الصلاة , فان التوضى ولحاظه التفصيلي قبل الامر بالصلاة المشروطة به امر ممكن ,
وهـذا الـنـحو من القيد يمكن للامر اخذه في متعلق الوجوب ثبوتا واثباتا, ومع عدم اخذه في متعلق
الـتكليف في خطابه وعدم وروده في خطاب اخر ايضا يؤخذ باطلاق متعلق التكليف في الخطاب مع
تمامية مقدمات الاطلاق , فيثبت عدم اعتباره في متعلق التكليف ثبوتا ايضا.امـا الـقسم الاول من القيود, فلا يمكن للامر اخذها في متعلق التكليف بالعمل لا ثبوتا ولا اثباتا, فان
اخـذهـا في متعلق التكليف يكون بلحاظها حين لحاظ المتعلق عند اعتبار الوجوب , والمفروض عدم
امـكـان لحاظها الا بعد الامر,وعلى ذلك فلا يكون عدم اخذها في المتعلق في خطاب التكليف كاشفا
ودلـيلا على صحة العمل بدونه , وكذلك عدم ذكرها في الخطاب المتكفل لبيان متعلق ذلك الوجوب
من حيث اجزائه وقيوده المتعلق بها التكليف لا يكون كاشفا.ثم ان قصد التقرب والامتثال بمعنى داعوية الامر للمكلف الى الاتيان بمتعلقه من القسم الاول , حيث
ان داعـويـة الامـر انما تكون بعد تحقق الامر, كما ان لحاظ داعوية شخص ذلك الامر الى الاتيان
بمتعلقه يكون بعد الامر به ,وقوله (ره ): لاستحالة اخذ ما لا يكاد يتاتى الا من قبل الامر اشارة الى
القسم الاول من القيود, والى كون قصد الامتثال منها, فيكون قصد الامتثال مما يعتبر في صحة العمل
عقلا فيما اذا كان الغرض والملاك مما لا يحصل بمجرد الاتيان بذات متعلق الامر خارجا, حيث ان
العقل مستقل بلزوم الاتيان بالعمل بنحو يحصل غرض المولى من الامر.وتوهم امكان تعلق الامر (1).ان قلت : نعم , ولكن نفس الصلاة ايضا صارت مامورا بها بالامر بها مقيدة (2).(1) وقد يقال ان قصد الامتثال يمكن اخذه في متعلق الامر, حيث يمكن للشارع ان يامر ثبوتا بالصلاة
الـخـاصـة مثلا,وهي الصلاة التي اريد بها امتثال الامر, وبعد الامر بالصلاة الخاصة يمكن للمكلف
الاتيان بها كذلك , لان القدرة المعتبرة في التكليف هي القدرة على متعلقه في ظرف الامتثال , لا القدرة
حـال الامـر, فـان الـمـوجب لخروج التكليف عن اللغوية هو الاول دون الثاني , وتوقف لحاظ قصد
شخص الامر وتصوره تفصيلا على تحقق الامر, لا يوجب عدم امكان لحاظه بنحو الكلي او بالعنوان
المشير الى الشخص الموجود بالامر فيما بعد, فلا محذور في اخذ قصد الامتثال في متعلق الامرلا
للمولى ولا للعبد في ظرف الامتثال .ودفـع (ره ) هذا التوهم : بان تصور الصلاة الخاصة في مقام الامر وان كان ممكنا, الا انـه مع تعلق
الامـر بتلك الصلاة لايتمكن المكلف من الصلاة بداعوية الامر بها حتى في ظرف الامتثال , حيث ان
قـصـد الامـتثال عبارة عن الاتيان بالعمل بداعوية الامر بذلك العمل , والمفروض ان الامر لم يتعلق
بـنـفـس الـصلاة (اي بذات العمل ) ليمكن للمكلف الاتيان به بداعويته الى الاتيان , بل تعلق بالصلاة
الخاصة , ومن الظاهر ان الامر لا يكاد يدعو الا الى متعلقه لا الى غيره , وداعوية الامر المفروض
الى نفس الصلاة من داعوية الامر الى غير متعلقه .(2) وحاصل الاشكال ان تعلق الامر بالصلاة المقيدة بقصد امتثال الامر لا يوجب عدم تمكن المكلف
مـن الاتـيان بها بداعوية الامر بها, فان ذات المقيد -يعني نفس الصلاة - تكون متعلقة للامر المتعلق
بالصلاة المقيدة .ان قلت : نعم , هذا كله اذا كان اعتباره في المامور به بامر واحد (1).واجـاب (ره ) عن ذلك بان الامر المتعلق بالمقيد لا يكون امرا بذات المقيد, حيث ان انحلال المقيد
الى الذات والتقييدعقلي , فان المقيد بما هو مقيد له وجود واحد تعلق به وجوب نفسي واحد.لـكـن قد يقال : ان عدم تعلق الامر بنفس الصلاة مثلا انما يصح فيما اذا اخذ قصد الامتثال في متعلق
الامـر بـنـحـو القيدوالاشتراط, واما اذا اخذ في متعلق التكليف جزءا بان يكون متعلق الامر الكل
المركب من ذات العمل وقصد امتثال امره , كانت نفس الصلاة متعلقا للامر الضمني لا محالة , اذ ليس
الكل الا نفس الاجزاء, فيمكن للمكلف الاتيان بنفس الصلاة بداعوية الامر المتعلق بها ضمنا.واجاب (ره ) عن ذلك بوجهين :
الوجه الاول : ان الفعل وان كان بالارادة والقصد اختياريا, الا ان نفس الارادة والقصد غير اختياري
لعدم كونه بارادة اخرى والا تسلسل , فالقصد بما انـه غير اختياري لا يتعلق به التكليف , وعليه فلا
يكون قصد الامتثال جزءا من متعلق الامر.الوجه الثاني : ان داعوية الامر الضمني الى الاتيان بالجزء انما هي في ضمن داعوية الامر بالكل الى
الاتـيـان بـالـكـل ,وفيما نحن فيه لابد للخصم من افتراض داعوية الامر الضمني بالصلاة داعوية
مستقلة , اذ لا يحصل المركب من قصدالامتثال وغيره , بقصد امتثال الامر بذلك المركب , فان لازمه
ان يتعلق الامر بقصد الامتثال نفسه , ومن الواضح ان الامريحدث منه الداعوية لا انـه يتعلق بداعوية
نفسه .(1) وتـقـريـره ان لـزوم الـمحذور من اخذ قصد الامتثال في متعلق التكليف انما هو فيما اذا كان
التكليف واحدا وقداخذ في متعلقه قصد الامتثال جزءا, واما اذاكان في البين تكليفان مولويان , احدهما
يـتـعـلق بنفس الصلاة , وثانيهما بالاتيان بها بقصد امتثال الاول , فلا يلزم محذوراصلا, غاية الامر
تفترق الواجبات التعبدية عن التوصلية , بان التكليف المولوي في التوصليات واحد يتعلق بنفس العمل ,
وفـي الـتـعبديات يثبت في كل منها تكليفان يتعلق احدهما بذات العمل , والاخر بالاتيان به بداعوية
الامـر الاول ,فلا يدعو شي ء من التكليفين الا الى الاتيان بمتعلقة , لا الى قصد امتثال نفسه , كما كان
عليه الحال مع فرض وحدة التكليف .واجاب (ره ) عن ذلك : بان من المقطوع به عدم الفرق بين التعبدي والتوصلي بثبوت تكليفين مولويين
في الاول وتكليف مولوي واحد في الثاني , هذا اولا.وثـانـيـا: اذا فرض كون الامر الاول المتعلق بنفس العمل مولويا, كما هو الفرض , فان كان يسق
ط بـمـجـرد الاتـيـان بذات العمل ولو لم يقصد به الامتثال الذي يقتضيه الامر الثاني , فلا يبقى مجال
لـمـوافـقة الامر الثاني , لانتفاء موضوعه فلم يصل المولى الى غرضه بجعل تكليفين , وان لم يسق
ط الـتكليف الاول بالاتيان بنفس المتعلق , فلابد من ان يكون عدم سقوطه لعدم حصول غرضه من امره ,
ولـو سقط التكليف بلاحصول غرضه لم يكن الغرض موجبا لحدوثه , ومع عدم سقوطه لعدم حصول
غـرضـه , لا حـاجـة الـى الـتكليف الثاني , لاستقلال العقل بلزوم الاتيان بالمتعلق على نحو يحصل
غرض المولى والامر, فلا يكون في التكليف المولوي الثاني ملاك .والـحـاصل : ان تعلق امر بفعل وتعلق امر اخر باستناد ذلك الفعل الى داعوية الامر الاول -فيما اذا
كانا من قبيل الامرين النفسيين - يوجب احد المحذورين : اما سقوط الامرين معا بالاتيان بذات الفعل ,
لـسـقـوط احـدهـمـا بـهذا الاتيان ,والثاني لارتفاع موضوعه , واما ان لا يكون للامر الثاني ملاك
المولوية , كما اذا لم يسقط الامرالاول بالاتيان بذات الفعل .اقول : يمكن افتراض امر واحد يكون لمتعلقه جزئان , احدهما ذات الفعل , والاخر استناد ذلك الفعل
الى داعوية امره الضمني بان يكون احد الضمنيين متعلقا بذات الفعل , والضمني الاخر متعلقا بداعوية
الضمني الاول الى متعلقه , ولايلزم من ذلك محذور, لان داعوية الامر الضمني بذات الفعل , بداعوية
الضمني الاخر الذي دعى الى متعلقه , وهواستناد الفعل الى الامر الضمنى به .وما تقدم في كلامه من ان داعوية الامر الضمني الى متعلقه انما هي في ضمن داعوية الامر بالمركب
الـى الـمـركـب ولا تكون داعويته مستقلة , فانما يصح لو كان كل من جزئي المركب تعبديا, او لم
يـحصل الجزء الاخر بمجرد امتثال الامر الضمني , وبما ان المفروض في المقام ان الضمني الاخر
قـد تـعـلق باستناد الفعل الى داعوية الضمني الاول , فبقصدامتثال الامر الضمني الاول يحصل كلا
جزئي المركب .والـحاصل : انه لم يتعلق شي ء من الامرين الضمنيين بداعوية نفسه الى متعلقه ليقال ان الامر لا يتعلق
بـداعـويـة نـفـسـه لانه من قبيل كون الشي ء علة لعلية نفسه , بل تعلق احدهما بذات العمل والثاني
بداعوية الاول الى متعلقه .ومـمـا ذكرنا ظهر انـه لا موجب للالتزام بثبوت امرين مستقلين في التعبديات يتعلق احدهما بذات
الـعـمـل والثاني بداعوية الامر الاول الى متعلقه ليقال ان من المقطوع به عدم الفرق بين التوصليات
والتعبديات بثبوت الامر المولوي الواحد في الاول وثبوت امرين مولويين في الثاني .لا يـقـال : لا يمكن التبعيض في الامر الواحد المتعلق بالمركب في الجعل اذ لو كان استناد الفعل الى
الامـر الـضمني المتعلق بذاته , متعلقا للامر الضمني الاخر, لزم فرض حصول الامر الضمني بذات
العمل قبل حصول الامر الضمني المتعلق بقصد التقرب , مع ان التبعيض في حصول الامرين الضمنيين
غير ممكن .فـانـه يقال : الملحوظ في متعلق الامر الضمني الثاني , طبيعي الامر الضمني المتعلق بذات العمل , لا
الضمني الموجودوذلك الطبيعي يحصل بالامر الواحد بالمركب .وذكـر المحقق النائيني (ره ) في استحالة اخذ قصد التقرب في متعلق الامر وجها اخر وهو انـه
لابـد فـي تـقييدالمتعلق بقصد الامر من اخذ الامر بالفعل مفروض الوجود كما هو مقتضى كل قيد
غـيـر اخـتـياري ماخوذ في الواجب , فانه يؤخذ في الواجب مفروض الوجود, ولذا لا يكون الامر
بـالـواجـب الـمفروض الا على هذا التقدير, وبما ان الامر بالفعل الذي يتمكن المكلف من الاتيان به
بـقـصـد امتثال امره , خارج عن اختيار المكلف فلا بد في الامر بالفعل , من فرض وجود ذلك الامر
بـعـينه , وهذا معنى اتحاد الحكم والموضوع في مرحلة الجعل , بل لا يمكن فعلية ذلك الامر ايضا,
الابـوجـه دائر لان فـعـلـية الحكم بفعلية موضوعة , وحيث ان الحكم ماخوذ في ناحية الموضوع
ومفروض وجوده , تكون فعلية الحكم موقوفة على فعلية نفسه , كما هو مقتضى كون الموضوع هو
نفس حكمه ((201)) .وقـال (ره ) ان التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة فيعتبر في الاطلاق امكان التقييد,
واذا لم يمكن تقييد متعلق الامر بقصد التقرب (بمعنى العمل بداعوية الامر به ) لما تقدم من المحذور
-يـعـني اتحاد الحكم والموضوع -فلايكون لمتعلق الامر اطلاق ليثبت به كونه توصليا, ويتبع مقام
الاثبات مقام الثبوت ((202)) .وقد ظهر ان المحذور في اخذ قصد التقرب في متعلق الامر غير ناش من ناحية عدم تمكن المكلف
من الاتيان به بداعوية الامر به كما ذكر صاحب الكفاية (ره ), بل الامتناع من ناحية عدم امكان الامر
بالنحو المذكور, فيكون جعل الحكم وفعليته دوريا.وذكـر ايـضـا ان العمل بقصد التقرب (اي الاتيان بمتعلق الامر بداعويته ) من الانقسامات اللاحقة
لـمـتـعـلق الامر, بعدالامر به , كما ان كون المكلف عالما او جاهلا بالحكم من الانقسامات اللاحقة
لموضوع الحكم بعد جعله , ولو كان الغرض المفروض في البين في متعلق الامر على نحو يعم العالم
بالحكم والجاهل به , فعلى الامر ان ينشا خطابا اخريكون مفاده تعميم الحكم في حقهما, كما انـه لو
كـان غـرضه في خصوص العالم به فاللازم ان يكون مفاد الخطاب الاخرنفي الباس عن الجاهل في
ترك العمل بالخطاب الاول , كما دل على ذلك ما ورد في التمام في موضع القصر, او الجهرفي موضع
الاخـفـات وبـالعكس , وورد في غير ذلك ما يقتضي اشتراك العالمين والجاهلين في احكام الشرع ,
كـالادلـة الـدالة على وجوب تعلم الاحكام , وعدم كون الجهل بها عذرا, وكذلك فيما يكون الغرض
مـخـتـصا بصورة الاتيان بمتعلق الامر بقصد التقرب , فانه لابد من خطاب اخر يتضمن الامر بذلك
الـفعل مع قصد التقرب (اي الاتيان بمتعلق الامر الاول بداعويته ) بخلاف ما لوكان توصليا, فانه لا
يـحـتـاج الـى الـخـطاب الاخر, بل يكون عدم ورود الخطاب الثاني مع احراز ان المولى في مقام
اظهارتمام ما له الدخل في غرضه , من الاطلاق المقامي المقتضي للتوصلية .والـحاصل , تمتاز التعبديات عن التوصليات بثبوت امرين في التعبدي , وامر واحد في التوصلي , وما
فـي الـكـفـاية من ثبوت امر واحد -بلا فرق بين التعبدي والتوصلي , بدعوى ان العقل يستقل بلزوم
رعـايـة قصد التقرب مع احراز دخله اواحتمال دخله في حصول الغرض - غير صحيح , فان شان
الـعقل الادراك لا الالزام والحكم في مقابل حكومة الشرع ,فالزام المكلف بقصد التقرب لا يكون الا
مـن قـبـل الـشارع , ولكن كلا الامرين في التعبدي لا يكونان من الامرين النفيسين ,كوجوب صلاة
الـظـهـر ونـذر الاتـيـان بها جماعة , او في المسجد, بان يكون لكل منهما ملاك ملزم وان لم يكن
لامـتثال وجوب الوفاء بالنذر مجال بعد الاتيان بالصلاة فرادى او في غير المسجد بل كلا الامرين
فـي المقام ناشئان عن ملاك ملزم واحد, قائم بالفعل القربي ويحتال الامر وبجعل الامرين وسيلة الى
بعث المكلف الى ما فيه غرضه , فيكونان مساويين في الثبوت والسقوط, ونظير ذلك , الامر باغتسال
الـجنب ليلا والامر بالصوم بناء على ان وجوب الصوم مقيدبطلوع الفجر فان الامرين في حكم امر
واحـد, ولـهـما ملاك واحد, وانما جعلا وسيلة لبعث المكلف الى ما فيه الغرض ,يعني الصوم المقيد
بالطهارة ((203)) .اقول : يستفاد من كلامه امور ثلاثة :
الاول : ان اخـذ قصد التقرب -بمعنى الاتيان بالمتعلق بداعوية الامر- في متعلق ذلك الامر, يوجب
اتحاد الموضوع والحكم في مقام الجعل وكون فعليته دوريا.الـثـانـي : ان التقابل بين الاطلاق والتقييد في مقام الثبوت كالاطلاق والتقييد في مقام الاثبات , تقابل
الـعدم والملكة , ولايتحقق اطلاق فيما لم يمكن تقييده , ولذا لايكون في ناحية الموضوع للحكم , او
المتعلق للامر, اطلاق بالاضافة الى الانقسامات المترتبة على جعل الحكم وثبوت الامر.الـثـالث : انه لابد في موارد الانقسامات اللاحقة من متمم الجعل , وفي مورد الامر التعبدي لابد من
ثـبوت امر اخرباتيان العمل بداعوية الامر الاول , وفي مورد التوصلي لا حاجة الى ذلك , للاطلاق
المقامي -اي عدم الامر بالفعل بقصد التقرب - على ما تقدم .لا يـقال : الوجدان حاكم بان الشارع لو اخبر بعد الامر بفعل , ان الغرض الملحوظ عندي لا يحصل
بغير قصدالتقرب , يكفي هذا الاخبار في تعبدية الامر الاول , فلا يحتاج الى الحكم المولوي الثاني .فـانه يقال : الاخبار بعدم حصول الغرض , بداعي البعث الى الاتيان بالفعل بقصد التقرب , بنفسه يعتبر
امرا اخر.امـا الامـر الاول فـفيه : ان الوجه في اخذ قيود الواجب غير الاختيارية مفروضة الوجود في مقام
الجعل هو عدم امكان التكليف في فرض عدم تلك القيود, حيث يكون التكليف مع فرض عدمها من قبيل
الـتـكليف بغير المقدور,ويختص ذلك بماكان في البين صورتان صورة وجود القيد وصورة عدمه ,
وحـيث ان التكليف في احدى الصورتين من قبيل التكليف بما لا يطاق , فاللازم تقييد موضوع التكليف
بـصـورة اخرى , وهي صورة حصول القيد, واما اذا كان القيد غير الاختياري يحصل بنفس اعتبار
الـتكليف , كما هو الفرض في المقام , حيث ان قصد التقرب يكون بالامر وهذا الامر غير الاختياري
يحصل بنفس اعتبار التكليف فلا موجب لفرض وجوده .ثـم ان فـرض وجود القيد لا ينحصر بما اذا كان القيد امرا غير اختياري , بل يمكن فرض وجود
امـر اخـتـياري ايضا اذا كان الملاك الملزم في متعلق التكليف متوقفا على اتفاق وجوده , فيعتبر في
الـتكليف مفروض الوجود, كما ياتي توضيحه في بحث الواجب المعلق والمشروط, هذا في التكاليف
الوجوبية .