اعتبار العلو في الامر - أصول نسخه متنی

اینجــــا یک کتابخانه دیجیتالی است

با بیش از 100000 منبع الکترونیکی رایگان به زبان فارسی ، عربی و انگلیسی

أصول - نسخه متنی

جواد تبریزی

| نمايش فراداده ، افزودن یک نقد و بررسی
افزودن به کتابخانه شخصی
ارسال به دوستان
جستجو در متن کتاب
بیشتر
تنظیمات قلم

فونت

اندازه قلم

+ - پیش فرض

حالت نمایش

روز نیمروز شب
جستجو در لغت نامه
بیشتر
لیست موضوعات
توضیحات
افزودن یادداشت جدید


اعتبار العلو في الامر





(1) قـيل يعتبر في معنى الامر وصدقه على الطلب علو الطالب , او استعلائه , ويستدل عليه بتقبيح طـلب السافل المستعلي فان توبيخه بمثل (ليس لك ان تامره ) دليل على ان الصادر من المستعلي امر,
ولو كان المعتبر هو العلو فقط,لما امكن صدوره من السافل ليتوجه عليه التوبيخ .


والـجواب : ان التوبيخ لا يكون لطلبه حقيقة , بل لاستعلائه ورؤية نفسه عاليا, واطلاق الامر على
طـلـبـه بـلحاظ نظرالمستعلي حيث يرى نفسه عاليا وطلبه امرا, ولذا يمكن سلب الامر عن طلبه
فـيقال : انه ليس بامر, ولكنه لغروره يرى نفسه عاليا, ولو كان الاستعلاء كافيا في كون الطلب امرا
لما صح هذا السلب .


دلاله مادة الامر على الطلب الوجوبي



(2) لا يخفى ان لزوم الحذر يختص بمحالفة الامر الوجوبي , والطلب الندبي خارج عن المراد من الامـر في الاية الكريمة يقينا, ولكن يدور الامر بين ان يكون خروجه عنه بالتخصص كما اذا كان
الامر حقيقة في الطلب الوجوبي فقط, او يكون خروجه عنه بالتقييد, كما اذا كان حقيقة في الاعم ,
ولا مـعين للخروج بالنحو الاول , فان اصالة عدم التقييد غير جارية في موارد العلم بالمراد, من ثم
جـعل (ره ) الاية مؤيدة لا دليلا. ومما ذكر يظهر وجه المناقشة في الاستدلال بقوله (ص ):لولا
اشـق على امتي لامرتهم بالسواك مع كل صلاة ((157)) فانه لو لم يكن الامر حقيقة في خصوص
الـطلب الوجوبي , لزم التقييد في الرواية بان يراد لامرتهم وجوبا بالسواك , وقد تقدم انه لا اعتبار
باصالة الاطلاق في مثل ذلك مما علم المراد.


وامـا رواية بريرة ((158)) فلم يظهر انها سالت رسول اللّه (ص ) عن الطلب الوجوبي ليستظهر
ان لـفـظ الامـر حقيقة في الوجوب , بل لعل السؤال عن اصل الطلب المولوي , فلا وجه لعد الرواية
مؤيدة ايضا.


نعم , صحة الاحتجاج على العبد, ومؤاخذته على مخالفته وتوبيخه عليها, فيما اذا قال اني امرك بكذا
فخالف ,دليل قطعي على ظهور مادة الامر في الطلب الوجوبي .


لكن يبقى الكلام في ان هذا الظهور وضعي او اطلاقي حاصل من مقدمات الحكمة .


فـنـقول : الصحيح ان مادة الامر بنفسها دالة على الطلب الوجوبي , بخلاف صيغة الامر, فان دلالتها
على الطلب الوجوبي بالاطلاق , وذلك لانـه لا فرق في المستعمل فيه للصيغة , بين كون الطالب عاليا
ام لا, مثلا نفرض ان احدالموالي طلب من عبده وعبد غيره قراءة القران , بان قال لكل منهما: (اقرء
القران ) فانا لا نجد في انفسنا فرقا في المستعمل فيه للصيغة بين الموردين , ولكن يصدق الامر على
الـطلب من العبد الاول , ولا يصدق على الطلب من العبدالثاني , فتكون خصوصية علو الطالب ماخوذة
في صدق الامر على الطلب , وهذا العلو غير ماخوذ في معنى صيغة (افعل ).


المائز بين الوجوب والندب



وكذلك في موارد كون الطلب وجوبيا او استحبابيا, فانا لا نجد فرقا بين المستعمل فيه للصيغة , في مـوارد كـون الـطلب وجوبيا او استحبابيا, كما لو ورد في قول الشارع (اغتسل للجمعة ومن مس
الـمـيـت ) وان كـان الطلب بالاضافة الى الاول استحبابيا وبالاضافة الى الثاني وجوبيا, فان افتراق
الوجوب عن الندب , بثبوت الترخيص في الثاني دون الاول .


وبـتعبير اخر: انه اذا لم يكن في البين ترخيص في الترك , ينتزع عنوان الوجوب , وفيما اذا ثبت ,
يـنـتـزع عـنـوان الندب , فان المنشا -بالفتح - بصيغة (افعل ) هوالنسبة الطلبية , فمع كون المنشا
-بالكسر- في مقام البيان وعدم ترخيصه في الترك ,يستفاد الوجوب , وهذا بخلاف مادة الامر, فانها
-بـمـقتضى وضعها تنفي الترخيص في الترك , كما يجد ذلك كل من لاحظ مرادف مادة الامر بمعنى
الطلب في سائر اللغات كلفظة (فرمان ) في اللغة الفارسية وصحة سلب عنوان الامرو(فرمان ) عن
الطلب الاستحبابي .


وبـالجملة دلالة صيغة الامر على الوجوب انما هو بمقتضى اطلاقها الوارد في مقام البيان , بخلاف
مادة الامر, فانه بمقتضى وضعها له , وذلك لان الفرق بين الوجوب والاستحباب لايكون بشدة الطلب
وضعفه , كما عليه الماتن (ره ).


لـكـن لا مـن اجـل ان الـوجـوب والـنـدب امران اعتباريان والشدة والضعف لايكونان في الامور
الاعتبارية , وذلك لثبوتهما في بعض الامور الاعتبارية كالتعظيم والتحقير وغيرهما, فيكون الفعل
الفلاني اقوى تعظيما من الفعل الاخر.


بـل لانا نرى بالوجدان ان الطلب لا يكون شديدا في موارد الوجوب وضعيفا في موارد الاستحباب .


واما شدة الشوق وضعفه , فهو خارج عن الحكم ومدلول صيغة الامر ومادته .


كما ان الفرق بين الوجوب والاستحباب لا يكون بتركب الوجوب من طلب الفعل والمنع عن تركه ,
والاستحباب طلب الفعل مع الترخيص في تركه كما عليه القدماء, بل الفرق بينهما في اطلاق الطلب ,
فـانـه لا يـكـون فـي موارد الوجوب ترخيص في ترك الفعل , بخلاف موارد الندب فان الطلب فيها
موصوف بثبوت الترخيص في الترك , ولذا يكون مجردالطلب مع عدم الترخيص كافيا في استقلال
العقل بلزوم اتباعه ولا يحتاج الى احراز المنع عن تركه .


ومما ذكرنا يظهر ان ما يذكر في امتياز الوجوب عن الندب بكون مصلحة الفعل في الاول تامة وفي
الـثـاني ناقصة لايمكن المساعدة عليه , فان المائز بين الطلب الوجوبي والندبي هو ما ذكرناه , حتى
بـنـاءا على انكار المصالح والمفاسدفي المتعلقات , نعم المصلحة غير الملزمة توجب الترخيص في
الترك بخلاف الملزمة .


ولا يـخفى ان الطلب لو كان مستفادا من مادة الامر, فجميع مشتقاتها تدل على الطلب بلا فرق بينها,
دون مـا اذا كـان مستفادا من صيغة الامر فحسب , حيث ان الهيئة تكون دالة على الطلب , والمادة تدل
على متعلق النسبة الطلبية .


وعـن المحقق النائيني (ره ) ان كلا من الوجوب والندب من حكم العقل وليسا من المداليل اللفظية ,
فـان الـعـقـل يـرى بمقتضى العبودية والرقية لزوم الخروج عن عهدة ما امر به المولى , ولا معنى
لـلـوجـوب الا ادراك الـعـقل لابدية الخروج عن عهدة الفعل , وذكر ايضا ان المنشا بمادة الامر او
بصيغته كون المادة في عالم التشريع على المكلف وايقاعها عليه ((159)) .


اقـول : لا اظن ان احدا لا يلتزم بحكم العقل في موارد طلب الفعل وايجابه على المكلف , ولكن حكم
الـعقل بلابدية الفعل يختص بصورة وصول التكليف المجعول على المكلف مع عدم وصول الترخيص
فـي الترك , كما ان العقل مع وصول الطلب وترخيص المولى في الترك لا يحكم باللابدية , بل يحكم
بكون المكلف على خيار, الا ان الكلام في المقام في منشا هذا الحكم .


وقد ذكرنا ان منشاه اطلاق الطلب او اقترانه بالترخيص كما ذكرنا ان مادة الامر بمقتضى وضعها
تـثـبـت الطلب المطلق بلا حاجة الى ضم مقدمات الاطلاق , بخلاف صيغة (افعل ) فان ظهورها في
الـطـلـب المطلق بمقدمات الحكمة لابالوضع , وهذا كما يقال في الفرق بين العام الوضعي والاطلاق
الشمولي او غيره .


وامـا مـا ذكره (ره ) من ان المنشا والمعتبر, في موارد استعمال الصيغة او مادة الامر, كون المادة
عـلـى المكلف , كماهو ظاهر الايقاع عليه , فيدفعه شهادة الوجدان على ان السامع لا يجد فرقا في
الـمـسـتـعمل فيه للصيغة بين موارد الطلب الوجوبي والطلب الندبي , فلو كان المستعمل فيه لصيغة
الامـر ايـقـاع الـمـادة عـلى المكلف , لكان هو المستعمل فيه في كلاالموردين , والحال انه لم يكن
مـستعملا فيه في الندب بالضرورة , فلم يكن في الوجوب ايضا كذلك . نعم اعتبار المولى الفعل على
عهدة المكلف داخل في عنوان الايجاب , فيما اذا كان بداعي صدور الفعل من الجهة الرابعة : الظاهر
ان الطلب الذي يكون هو معنى الامر (1).


الـمـكلف , الا ان هذا ليس بالمعنى الموضوع له والمستعمل فيه للصيغة , بل المتبادر منها في موارد
اسـتعمالها, البعث الى المادة وتحريك المخاطب نحو صدور الفعل عنه , غاية الامر البعث والتحريك
اعتباري , فاذا كان مطلقا اتصف بالايجاب , واذا كان مقترنا بالترخيص في الترك , اتصف بالندب , كما
ذكر.


وامـا مـا فـي الكلمات من ان الوجوب بمعنى الثبوت , فلا يدل على ان معنى الثبوت هو الثبوت على
الذمة , بل الثبوت بالمعنى اللغوي يعم الندب ايضا, لثبوت الطلب بالاضافة الى المندوبات ايضا.


الطلب والارادة



(1) حاصله ان للطلب نحوين من التحقق : الـنـحـو الاول : الـطـلب الاعتباري الذي يوجد وينشا باستعمال اللفظ ويحمل عليه الطلب بالحمل
الاولـي , بـناءا على انحصار الحمل الشائع الصناعي بحمل الطبيعي على فرده العيني , على ما ذكره
بـعض في بحث الوجود الذهني , ولفظالامر موضوع لهذا النحو من الطلب سواء كان انشائه بصيغة
الامر او بمادته او بمادة الطلب , فانه اذا قيل : امر فلان فلانا,يفهم منه انه طلب منه طلبا انشائيا.


والـنـحو الثاني : الطلب الحقيقي الذي هو امر نفساني يحمل عليه عنوان الطلب بالحمل الشائع , وان
ابـيـت الا عـن كون لفظ الامر موضوعا لمطلق الطلب , فلا اقل من كونه منصرفا عند اطلاقه الى
الانـشـائي منه , لما ذكرنا من تبادره منه ,فيكون لفظ الامر حاله حال لفظ الطلب , فان لفظ الطلب مع
كـونـه مـوضوعا لمطلق الطلب ينصرف عند اطلاقه الى الانشائي منه , وكذلك للارادة نحوين من
الوجود: حقيقي واعتباري , وعند اطلاقها تنصرف الى الحقيقي منهما الذي هو عين الطلب الحقيقي ,
عـكس لفظ الامر والطلب , فلفظالارادة ولفظ الطلب مترادفان ومتحدان مفهوما ومصداقا, ومختلفان
في المعنى المنصرف اليه , حيث ان الاول ينصرف الى الحقيقي منه , والثاني الى الانشائي منه .


ولا يـبـقـى مجال لتوهم ان في النفس غير الارادة ومقدماتها صفة اخرى قائمة بها تكون طلبا, كما
التزم به ابوالحسن الاشعري , وسماه بالكلام النفسي , الذي يكون في موارد الامر, والوجه في عدم
الـمـجال لذلك ان مراجعة الانسان وجدانه كافية في ان يحصل له اليقين بانه عند طلب الفعل ولو من
الـغير لا يجد من نفسه شيئا غير الارادة , اي الشوق المؤكد المستتبع لتحريك عضلاته في موارد
ارادة الـفـعـل بـالـمباشرة , او المستتبع لامر عبده في موارد ارادته لا بالمباشرة ,ولا توجد صفة
اخـرى لـتـكـون حـقـيـقـة الطلب , بل لا توجد في النفس مع الارادة الا مقدماتها التي تتحقق عند
خـطورالشي ء على قلبه والميل اليه اي هيجان رغبته اليه , والتصديق بفائدته , وهي الجزم بدفع ما
يوجب توقفه عن طلب الفعل وارادته لاجل تلك الفائدة . وبتعبير اخر: الجزم المفروض في الحقيقة
هـو الـجزء الاخير من مبادى الارادة , وتحصل الارادة عندخطور الفعل -اي حضوره في الذهن -
والميل اليه والتصديق لفائدته والجزم بعدم المانع عن ارادته .


ثـم انـه (ره ) قد تعرض لحال سائر الصيغ الانشائية والجمل الخبرية , وذكر ان في موارد انشاء
الـترجي والتمني مثلالا يكون في النفس غير الترجي وغير التمني وفي مورد الاخبار غير العلم
بثبوت النسبة او لا ثبوتها, صفات اخرى تكون تلك الصفات حقيقة التمني والترجي وحقيقة الاخبار,
كما التزم به الاشعري وسماها بالكلام النفسي , وزعم ان الكلام اللفظي دال عليه , كما يشير اليه ما
قيل :
ان الكلام لفي الفؤاد وانما ----- جعل اللسان على الفؤاد دليلا
وعمدة ما استدل به الاشاعرة على مغايرة الطلب مع الارادة هو امر المولى عبده بفعل لا يريده منه ,
كـمـا فـي مواردالاختبار والاعتذار -والمراد بالاعتذار ان يكون غرض المولى من امره عصيان
الـعـبـد, لـيـعتذر عن توبيخه وعقابه على مخالفته - ففي موردهما يجد الامر من نفسه حقيقة امره
وطـلـبه , مع انـه لا يريد فعله , وهذا شاهد لكون الطلب غيرالارادة كما استدل على ثبوت الكلام
النفسي بثبوت المدلول في مقامات الاخبار كذبا او ترددا ((160)) .


ولـكـن لا يخفى ما فيه , فانه كما لا ارادة في موارد الاختبار والاعتذار, كذلك لا طلب حقيقي في
مـواردهـمـا, بل الموجود الطلب الانشائي , وقد يعبر عنه بالارادة الانشائية , وانما الاختلاف بين
الارادة والطلب , كما تقدم في المعنى المنصرف اليه منهما.


وذكـر (ره ) انـه يـمـكـن ان يـقـع التصالح بين الطرفين ويرتفع النزاع في البين بان يكون مراد
الاشعري من المغايرة مغايرة الطلب الانشائي مع الارادة الحقيقية , ومراد معظم الاصحاب والمعتزلة
من الاتحاد اتحاد الطلب الحقيقي مع الارادة الحقيقية .


اقول : لا يمكن ان يكون النزاع بين الطرفين لفظيا, فان الاشعري يلتزم بالكلام النفسي , ويجعله من
صـفات الحق (جل وعلا) وانـه غير العلم والارادة , ويقول بان الكلام اللفظي كاشف عنه وطريق
الـوصـول اليه , وعليه فلابد من فرض صفة زائدة على العلم والارادة , حيث انه سبحانه كما يوصف
بانه عالم ومريد, يوصف بانه متكلم , ولعله الى ذلك اشار في اخركلامه بقوله فافهم .


وذكر المحقق النائيني (ره ) ما حاصله : ان قضية الكلام النفسي على ما التزم به الاشعري وان كان
امـرا مـوهـومـا -اذ ليس في النفس غير الارادة ومبادئها, وغير العلم بثبوت النسبة او لا ثبوتها,
وغـير تصور النسبة باطرافها, امر اخر يكون كلامانفسيا, والارادة الخارجية وان لم تكن مدلولا
للامر لا بمادته ولا بصيغته ولا بغيرهما, كما لايكون مدلول الجملة الخبرية العلم بثبوت النسبة او
لا ثبوتها, اذ دلالتها على تصور المتكلم لمدلول الكلام عقلية , والعلم بتحقق النسبة خارجا يستفادمن
امـر اخـر غير نفس الكلام - الا انه مع ذلك كله لا يكون الطلب حقيقة عين الارادة , فان الطلب هو
الاشـتـغـال بـتـحقيق المطلوب والوصول اليه بالشروع في فعل او افعال يترتب عليه او عليها ذلك
المقصود جزما او احتمالا, ولذا يطلق على من يجتهد في تحصيل متاع الدنيا وغرورها انـه طالبها,
ولـلـحاضر في المجالس العلمية بغرض التعلم انـه طالب العلم ,وعلى السائر في مظان الوصول الى
الضالة بغرض الوصول اليها انـه طالبها, والطلب في هذه الموارد حقيقي , وهو كماترى غير الشوق
الـمـؤكـد الـمـحرك للعضلات نحو الفعل , فلا يكون مجرد الاشتياق طلبا مهما كان بالغا وشديدا,
وانماالطلب هو التصدي لتحصيل المطلوب بالاشتغال بالفعل والشروع فيه .


وبـالـجلمة ان كان المدعى ان المفهوم من لفظ الطلب عين المفهوم من لفظ الارادة , فلم يقم على ذلك
دلـيل , الامجرد دعوى الوجدان , ولعله لم يذهب اليه غير صاحب الكفاية (ره ), والقائلون بالاتحاد
يريدون الاتحاد عينا,واستشهدوا بالوجدان على هذا الاتحاد, مع ان صدق الارادة دون الطلب فيما
اذا لـم يـتـصدلتحصيل المطلوب كاف في الاذعان باختلافهما مفهوما وخارجا, حيث ان الارادة من
الكيف النفساني , والطلب من مقولة الفعل .


وعـلـى ذلك فتصدي المولى لتحصيل مقصوده بامر الغير باتيان المطلوب يكون طلبا, فيكون الامر
بـمادة الامر او بصيغته او بغيرهما مصداقا للطلب , لا ان المستعمل فيه في الموارد المذكورة معنى
لـفظ الطلب ومفهومه , كما هو ظاهر الكفاية ,بل المستعمل فيه في جميع ذلك ايقاع المادة على الغير
تشريعا واعتبار كون الفعل على عهدته , كما تقدم ((161)) .


اقول : ما ذكره (ره ) من ان الطلب غير الارادة فهو صحيح , سواء قيل بان الارادة هي الشوق المؤكد
المحرك للعضلات نحو الفعل , او قيل بان الارادة غير الشوق المفروض , كما سياتي , بل هي عبارة
عن اختيار احد طرفي الشي ءمن الفعل او الترك , فان الطلب لا يطلق على شي ء منهما, بل هو عنوان
للحركة نحو الفعل والتصدي لحصوله .


الا ان مـا ذكـره (ره ) من ان المنشا بمادة الامر وبصيغته او بغيرهما هو النسبة الايقاعية , ويكون
المنشا بعد انشائه واعتباره مصداقا للطلب , حيث ان الطلب تصدي المولى للوصول الى مقصوده وهو
فـعل العبد, لا يمكن المساعدة عليه , اذ تقدم ان الوجدان في موارد ايجاب الفعل وندبه شاهد على ان
الـمستعمل فيه للصيغة امر واحد, مع انه لا يكون للمكلف عهدة في موارد الندب , فلابد من ان يكون
كـون الفعل على العهدة خارجا عن المستعمل فيه , ولا منافاة بين ان يكون اشكال ودفع : اما الاشكال
(1).


الـمـنشا فيها عنوان الطلب , ويكون المنشا بعد انشائه مصداقا للطلب , فلاحظ قول البائع : بعت مالي
بكذا, فانه انشاءلعنوان البيع , ويكون المنشا بعد انشائه مصداقا للبيع .


نـعـم لا ينحصر مصداق الطلب بانشاء عنوانه , بل يحصل ذلك العنوان باعتبار الفعل على عهدة العبد
وابـرازه بـمبرز, مثل قوله : عليك او عليه هذا العمل , فيما اذا كان القصد انبعاثه الى ذلك العمل او
لرجاء الانبعاث , الا ان ذلك ليس معنى الصيغة , كما تقدم .


ثـم انـه قـد يراد من الارادة معنى الطلب , اي التصدي لتحصيل الشي ء والوصول اليه , كما يقال لمن
يـفـحص عن ضالته بالمشي او بغيره : انه يريد ضالته , اي يطلبها, ويقال : يريد اللّه (عز وجل ) من
العباد, يعني يطلب منهم , الى غيرذلك . الا ان الكلام في ظهور الارادة ومعناها الانسباقي وهو غير
الطلب , لا في جواز استعمال كل منهما في الاخر مع القرينة .


بيان مسلك الجبر وشبه الجبر وابطالهما



(1) يـعـني بناء على ان الارادة عين الطلب الحقيقي , ففي موارد تكليف الكفار بالايمان بل في تكليف الـعـصـاة بـالواجبات وترك المحرمات اما ان لا يكون تكليف جدي بان يكون التكليف بالاضافة اليهم
صوريا وانشائيا محضا بان لا تكون في البين ارادة من اللّه سبحانه بالاضافة الى عملهم , واما ان يلزم
تـخـلـف ارادته تعالى عن مراده فيما اذا كان التكليف جديا,وهذا كما ذكرنا مبني على اتحاد الطلب
الـحقيقي والارادة , واما بناءا على تغايرهما وتعددهما خارجا فالتكليف والطلب الحقيقي يثبت في حق
الكفار والعصاة كما يثبت في حق اهل الايمان والطاعة , فلا يلزم محذور عدم ثبوت التكليف الجدي .


واجاب (ره ) بثبوت التكليف الجدي في حق الكفار والعصاة بثبوت الارادة في موارد التكليف , حتى
بالاضافة اليهما,ولا يلزم تخلف ارادة اللّه (عز وجل ) عن مراده , لان الثابت في موارد التكليف هي
الارادة الـتشريعية , وتخلف هذه الارادة لامحذور فيه , وانما المحذور في تخلف الارادة التكوينية
عن المراد, ولا يلزم في موارد التكاليف ثبوت الارادة التكوينية على وفاق الارادة التشريعية .


وتوضيح ذلك على ما ذكره (ره ) ان الارادة التكوينية التي هي من صفات الذات للّه (جل وعلا) هي
الـعـلـم بـالنظام على النحو الكامل التام ((162)) , وهذه الارادة لا يمكن ان تتخلف عن المراد. واما
الارادة التشريعية فهي العلم بالصلاح في فعل العبد وهذه الارادة التي لابد منها في التكليف يمكن ان
تـتخلف , وعلى ذلك فان توافقت الارادة التشريعية والتكوينية بان كان العلم بالصلاح داخلا في العلم
بـالـنظام على النحو الكامل التام , فلابد من الاطاعة والايمان , واذا لم يدخل فيه فلابد من ان يختار
العبد الكفر والعصيان حيث ان ما لم يرد بالارادة التكوينية لا يكاد يوجد.


ومـن هـنـا ينفتح باب المناقشة في اختيار العباد في افعالهم بانه اذا كان الكفر والعصيان والاطاعة
والايمان بارادته (تعالى ) التي لا يمكن تخلفها عن المراد, فكيف يمكن تعلق التكليف بافعالهم الخارجة
عن اختيارهم ؟ مع ان الاختياريعتبرفي التكليف عقلا.


واجاب الماتن (ره ) عن الاشكال بما حاصله : ان الارادة التكوينية تعلقت بالكفر والعصيان او الايمان
والـطـاعـة الـنـاشـى كل منها عن ارادة العبد واختياره , وهذا التعلق لا يوجب خروج افعالهم عن
اخـتـيارهم لئلا يصح التكليف بها, ولو خرجت بذلك عن اختيارهم لزم تخلف ارادة اللّه (تعالى ) عن
مـراده , حيث ان المراد هو الكفر والعصيان والايمان والطاعة الصادرة من العباد عن اختيارهم , وما
تقدم من انـه اذا توافقتا فلا محيص عن الطاعة والايمان فالمراد انه لا محيص عن الطاعة والايمان
الاخـتـيـاريـين , كما ان المراد من قولنا: (فلا محيص عن الكفر والعصيان ) هو انه لامحيص عن
اختيارهما.


ولـكـن لا يخفى ان المناقشة في كون افعال العباد اختيارية لهم , لا تنتهي بما ذكره , والى ذلك اشار
بـقوله ان قلت : ان الكفر والعصيان من الكافر والعاصي ولو كانا مسبوقين ... الخ وحاصلها ان الكفر
والـعصيان وان كانا ناشئين عن ارادة العبدواختياره , الا ان ارادة العبد واختياره ناش عن مباد غير
اختيارية وحاصلة بارادة اللّه (تعالى ) ومشيته , حيث ان خطورالفعل والتصديق بفائدته والميل (اي
هـيـجـان الرغبة ) والجزم بعدم المانع لا يكون من واجب الوجود حتى لا يحتاج الى علة , ولايكون
حـصولها بارادة العبد والا لزم التسلسل , فلابد من ان يؤثر فيها ارادة اللّه (تعالى ) ومشيته , فتكون
النتيجة ان العقاب والمؤاخذه تكون على ما يكون بالمال بلا اختيار, وهذا في الحقيقة مذهب الجبرية ,
وهو ان المؤثر في فعل العبد ارادة اللّه (تعالى ) ومشيته .


واجـاب عـن ذلـك ان العقاب يكون على الكفر والعصيان , وبتعبير اخر:استحقاق العقاب يتبع الكفر
والـعصيان (اي يلزمهما) والكفر والعصيان يتبعان ارادتهما, وارادتهما ناشئة عن مبادئهاالناشئة عن
الـشـقاوة الذاتية للكافر والعاصي , واللازم الذاتي لايحتاج الى الجعل والعلة , فان السعيد سعيد في
بـطن امه ,والشقي شقي في بطن امه ((163)) , والناس معادن كمعادن الذهب والفضة ((164))
كـمـا فـي الـخـبر. وعليه فالاطاعة والايمان من المؤمن والمطيع تتبع ارادتهما الناشئة من مبادئها
الناشئة عن السعادة الذاتية اللازمة لخصوص الذات ,ونتيجة كل ذلك , بما ان لوازم الذات لا يتعلق بها
الجعل , فلا تكون مبادى ارادة الطاعة والايمان او الكفر والعصيان حاصلة بارادة الحق (جل وعلا),
كما هو مقتضى مذهب الجبرية . وقوله : قلم اينجا رسيد سر بشكست كناية عن انقطاع السؤال بلم .


حقيقة الارادة من اللّه (سبحانه ) ومن العبد



اقول : ما ذكره في المقام وان كان غير مذهب الجبرية المتلزمين بان تعلق الارادة الازلية بفعل العبد, هـو الموجب لحصول الفعل منه بالارادة , وان ارادة العبد مغلوبة لارادة اللّه (تعالى ) وارادة اللّه هو
الـموجب للفعل , الا ان ما ذكره شبه الجبر في نفي الاختيار حقيقة عن العباد في افعالهم , فان افعالهم
وان كانت بارادتهم , وارادتهم هي الموجبة لحصولها, الا ان سلسلة صدور الفعل ينتهي الى ما لا يكون
باختيار العباد, وهي المبادى المنتهية الى شقاوة الذوات وسعادتها.


فينبغي في المقام التعرض لما يظهر من كلام الماتن (ره ) وجوابه , وبسط الكلام عن ارادة اللّه (عز
وجل ) وارادة العبد بما يسع المجال في هذا المختصر, فنقول وعليه التكلان :
انه يمكن تلخيص ما ذكره ضمن امور:
الاول : ان الـمـنـشا بالامر حتى في الخطابات الالهية هو الطلب الانشائي , والطلب الانشائي يكون
مـنـبـعثا من الطلب الحقيقي , والطلب الحقيقي من اللّه (سبحانه ) هو علمه بصلاح الفعل الصادر عن
المكلف دون الارادة التكوينية منه (تعالى ) التي هي العلم بالنظام الكامل التام . نعم ربما توافقت الارادة
التكوينية والطلب الحقيقي المعبر عنه بالارادة التشريعية , فلا محيص عن اختيار الطاعة والايمان ,
وربما تخالفتا فلا محيص عن اختيار الكفر والعصيان .


الـثـانـي : ان لزوم الطاعة والايمان عند توافق الارادتين واختيار الكفر والايمان عند تخالفهما لا
يوجب خروج الفعل عن اختيار العبد وصدوره عنه بارادته , وان المؤثر في حصول الفعل هي ارادة
العبد التي فسرها في كلماته -تبعا للقوم -بالشوق المؤكد المحرك للعضلات .


الـثـالـث : ان ارادة العبد المتعلقة بالطاعة والايمان او بالكفر والعصيان , وان افتقرت في تحققها الى
الـمؤثر لعدم كونهاضرورية وواجبة حتى تستغني عن العلة وان مبادئها عند اجتماعها هي المؤثرة
فـي تحقق الارادة , الا ان حصول تلك المبادى غير مستند الى ارادة اللّه (سبحانه ), بل تستند الى ما
هـو لازم الذات من السعادة والشقاوة , وشي ء منهما لايعلل , حيث ان اللازم للذات لا يحتاج الى علة ,
بل يوجد بتبع وجود الشي ء لا محالة .


وا ساس هذه الامور الثلاثة , هو الالتزام بامرين :
احدهما: ان ارادة اللّه (سبحانه ) من صفات الذات , وعليه تكون ارادته تعالى عين علمه , سواء كانت
الارادة تـكـوينية اوتشريعية , وبذلك صرح في كلامه (ره ) في وهم ودفع فذكر ان المنشا في
الخطابات الالهية ليس هو العلم , اذ العلم بالصلاح يتحد مع الارادة خارجا, لا مفهوما. وقد عرفت ان
الـمنشا ليس الا المفهوم لا الطلب الخارجي , ولا غرو اصلافي اتحاد الارادة والعلم عينا وخارجا,
بـل لا مـحـيص عنه في جميع صفاته (تعالى ) لرجوع الصفات الى ذاته المقدسة ,قال اميرالمؤمنين
(ع ): وكمال توحيده الاخلاص له , وكمال الاخلاص له نفي الصفات عنه ((165)) .


ثـانيهما: ان الممكن لا يوجد الا مع تمامية علته على ما هو المعروف بينهم من ان الشي ء ما لم يجب
لم يوجد ((166)) , بلا فرق بين الافعال وغيرها, ارادية كانت او غير ارادية .


اقـول : اما الامر الاول وهو ما ذكره (ره ) من ان ارادة اللّه (سبحانه ) من صفات الذات وعين العلم
بالنظام على النحوالتام الكامل , وارادته التشريعية عين العلم بمصلحة الفعل , فقد اورد عليه المحقق
الاصفهاني (ره ) في تعليقته بان صفات الذات تختلف كل منها مع الصفات الاخرى مفهوما, وانما يكون
مطابقها -بالفتح - واحدا خارجا, لانـه تعالى بذاته صرف القدرة وصرف العلم وصرف الارادة , ولكن
كـل مـنها غير الاخر مفهوما, وعلى ذلك فلا يصح تحديد ارادته (سبحانه ) بالعلم بالنظام الكامل التام
والعلم بالصلاح , ولذا قال اكابر القوم ((167)) : ان الارادة في ذات الحق (جل وعلا) هو الابتهاج
والـرضـا ومـايقاربهما في المعنى , لا العلم بالنظام او الصلاح في الفعل . نعم الارادة فينا هي الشوق
المؤكد.


والـسـر فـي الاخـتلاف وتحديد الارادة منا بالشوق المؤكد وفي ذات الحق (جل وعلا) بصرف
الابـتـهاج الذاتي والرضا هو انالمكان امكاننا وقصور فاعليتنا حيث نحتاج -في ظهور هذه الفاعلية
الـى الفعلية - الى مقدمات زائدة على ذاتنا من تصورالفعل والتصديق بالفائدة , فبالشوق الاكيد تصير
الـقوة الفاعلية فعلية ومحركة للعضلات , بخلاف ذات الحق (جل وعلا),فانه خال عن جهات القوة
والنقص وعدم الفعلية , فانه فاعل بذاته المريدة , حيث ان ذاته بذاته مبتهجة اتم الابتهاج وينبعث عن
الابتهاج الذاتي الارادة الفعلية , كما وردت الاخبار بذلك عن الائمة الاطهار (صلوات اللّه وسلامه
عليهم ),انتهى ما اردنا ايراده من كلامه (ره ) ((168)) .


ولكن لا يخفى ان الشوق المؤكد منا لا يطلق عليه الارادة , فان الارادة تطلق على احد امرين :
احدهما: القصد الى الفعل والعزم والبناء على العمل .


ثـانـيهما: بمعنى الاختيار, وهو صرف القدرة في احد طرفي الشي ء من الفعل او ابقائه على عدمه ,
والـشوق المؤكدغير هذين الامرين , والشاهد على عدم كون الشوق المؤكد علة لصدور الفعل منا
فـضـلا عـن كونه علة تامة هو صدوربعض الافعال عن الانسان باختياره بلا اشتياق منه الى الفعل
المفروض , فضلا عن كونه مؤكدا, كما اذا اصابت عضو الانسان افة ,يتوقف دفع سرايتها الى سائر
بـدنـه والـتـحـفظ على حياته على قطع ذلك العضو, فان تصديه لقطعه بالمباشرة او بغيرهايكون
بلااشتياق منه الى القطع , بل ربما لا يحب الحياة بدون ذلك العضو المقطوع , ولكن يقطعه امتثالا لما
هـو الـواجـب عليه شرعا تخلصا من عذاب مخالفة التكليف , وايضا الشوق المؤكد قد يتعلق بفعل لا
يـتـمكن منه ويعلم بعدم الوصول اليه , مع ان العاقل لا يريد غير المقدور له , وكل من الامرين شاهد
قـطـعـي على ان الشوق المؤكد غير الارادة التي لا تتعلق بغير المقدور مع الالتفات الى انـه غير
مـقـدور, نـعم قد يكون الاشتياق ـمؤكدا او غير مؤكد- داعيا له الى ارادة المشتاق اليه او ارادة
الاتـيـان باعمال يترتب عليها ذلك المشتاق اليه جزما او احتمالا, وهذا امر نتعرض له ان شاء اللّه
تعالى .


هذا بالاضافة الينا, واما بالاضافة الى ذات الحق (جل وعلا) فلا دليل على ان ارادة اللّه (سبحانه )
مـن صـفـات الـذات حـتى تفسر بالعلم او بالابتهاج الذاتي والرضا, بل قام الدليل على انها من صفات
الافـعال , كما ان الرضا والسخط ايضا من صفات الافعال , ولا يرتبطان بصفات الذات , كالقدرة والعلم
والحياة .


فـقـد ورد فـي صحيحة عاصم بن حميد عن ابي عبداللّه (ع ) قال قلت : لم يزل اللّه مريدا, قال : لا
يكون المريد الالمراد معه , لم يزل اللّه عالما قادرا ثم اراد ((169)) .


وفـي صـحـيـحـة صفوان بن يحيى قال : قلت لابي الحسن (ع ): اخبرني عن الارادة من اللّه ومن
الـخـلق ؟ فقال : الارادة من الخلق الضمير وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل , واما من اللّه تعالى فارادته
احداثه لا غير ذلك , لانـه لا يروي ولا يهم ولا يتفكر, وهذه الصفات منفية عنه وهي صفات الخلق ,
فـارادة اللّه الـفـعل لا غير, يقول له كن فيكون , بلا لفظ ولا نطق بلسان , ولا همة ولا تفكر, ولا
كيف لذلك , كما انـه لا كيف له ((170)) , وظاهر نفي الكيف نفي الابتهاج .


والـوجدان اكبر شاهد على ان افعال العباد من الطاعة والعصيان والايمان والكفر, كلها خارجة عن
ارادة اللّه ومـشـيـته , بل ارادته ومشيته (جلت عظمته ) قد تعلقت بتشريع تلك الافعال على العباد,
وجـعـل الدنيا دار الابتلاء والامتحان لهم ,ليتميز الخبيث من الطيب , ومن يستمع قول الحق ويتبعه
عـمـن يـعـرض عنه وينسى ربه ويوم الحساب , ويشتغل بالدنياوغرورها. نعم بما ان افعال العباد
تـصـدر عـنـهم بحول اللّه وقوته , يعني بالقدرة التي اعطاها رب العباد اياهم , وارشدهم الى ما فيه
الرشد والهداية وسعادة دنياهم وعقباهم , يصح ان يسند اللّه (سبحانه ) افعال الخير الى نفسه , كما
فـي قـولـه سـبـحانه : (وما رميت اذ رميت ولكن اللّه رمى ) الاية ((171)) , وقوله سبحانه : (وما
تشاءون الا ان يشاء اللّه ) ((172)) ,حيث ان كل ما يصدر عنا هو من قبيل تحريك العضلات , ولكن
مـعـطي قـوة الـحركة ونفس العضلات هو اللّه (سبحانه ),واذا امسك قوتها فلا نتمكن من الفعل ,
فيكون صدور الفعل عنا باختيارنا وارادتنا, على تقدير اعطاء اللّه وعدم انهاء مابذله , فيصح ان يقول
اللّه (سـبـحـانـه ): لا يـصدر عنك فعل الا بمشيتي , واذا لاحظت مثل هذه الامور كما اذا اوجد
شـخـص امـرا تكون تمام الاته ومعداته بيد الغير وكانت باعطائه , تجد من نفسك انه يصح للغير ان
يقول : انا اوجدت الامر وفعلك ذلك كان بمشيتي , فكذلك يصح ان يقال ان افعال العباد تكون بمشية اللّه
(عـز وجـل ), وربما يضاف الى صحة الاسنادالى اللّه (عز وجل ) ملاحظة لطفه وتاييده وعنايته
(سبحانه ) الى العبد.


في قاعدة الشي ء ما لم يجب لم يوجد وموردها



وامـا الامـر الـثـانـي ان مـا بنى عليه الماتن (ره ) -تبعا لاهل المعقول من ان الشي ء ما لم يجب لم يـوجـد ((173)) وان فعل العبد مالم يكن بالغا حد الوجوب لم يتحقق خارجا, بدعوى ان هذا لازم
امـكان الشي ء بلا فرق بين الافعال وغيرها,ولذلك التزموا بان الارادة بالمعنى الذي فسروها به من
الـشوق المؤكد علة للفعل , وذلك الشوق ايضا يوجد بمبادئه المترتبة على حسن الذات وسعادتها او
خـبثها وشقاوتها, والسعادة والشقاوة من لوازم الذات لا تحتاج الى علة , لانـهاتوجد بالعلة الموجدة
لـنفس الذات - فمما لا يمكن المساعدة عليه , اذ لو كان الامر كما ذكره , فكون افعال العباداختيارية
لهم , مجرد تسمية لا واقع لها, ولا يكون في البين من حقيقة الاختيار شي ء.


كـمـا ان مـا تـقدم منه (ره ), من تعلق ارادة اللّه (عز وجل ) التكوينية بالافعال الصادرة عن العباد
بـاخـتيارهم , ان كان المراد منه انـه على تقدير صدور الفعل عن العباد بارادتهم , فذلك الفعل متعلق
ارادة اللّه (عـز وجـل ), فـهـذا من قبيل ارادة ما هوالحاصل . وان كان المراد انـه لا محيص عن
صـدور الفعل المفروض , فيكون مقتضى ارادة اللّه حصول مبادى الارادة للعبد, وهو يقتضي لابدية
صـدور الفعل , فهذا ايضا يساوي مسلك الجبر, اذ مع حصول مبادى الارادة تكون ارادة العبد واجبة
الوجود والمفروض ان ارادة العبد علة تامة لصدور الفعل عنه , فاين الاختيار,وكيف يصح التكليف ,
وكـيـف يصح عقابه على مخالفة التكليف ؟ مع ان العبد البائس المسكين لايتمكن من ترك المخالفة مع
حـصـول مبادى الارادة بتبع شقاوة ذاته , او بارادة اللّه (عز وجل ), ومعه كيف يصح التوبيخ بمثل
قـولـه سـبـحـانـه (قـل هـو الـذي انـشـاكـم وجـعـل لـكم السمع والابصار والافئدة قليلا ما
تشكرون ) ((174)) .


مـع ان لـلعبد المسكين ان يجيب باني لا اتمكن من الشكر لك , فانت الذي اوجدت مبادى ارادة الكفر
والـطـغـيان في نفسي , او ان لي ذاتا لازمها الشقاوة المستتبعة لمبادى الكفر والنفاق والطغيان , ولا
حـيـلـة لـي بغيرها, فكيف يصح عقابه ؟وفي الصحيح عن يونس بن عبدالرحمن , عن عدة , عن ابي
عـبـداللّه (ع ) قـال لـه رجـل : جعلت فداك اجبر اللّه العباد على المعاصي ؟ فقال : اللّه اعدل من ان
يجبرهم على المعاصي , ثم يعذبهم عليها, فقال له : جعلت فداك , ففوض اللّه الى العباد؟ فقال : لو فوض
الـيـهم لم يحصرهم بالامر والنهي , فقال له : جعلت فداك , فبينهما منزلة ؟ قال فقال : نعم , اوسع مابين
السماء والارض ((175)) .


الملاك في اختيارية افعال العباد



وبـالـجملة ما ذكروه من قاعدة عدم امكان حدوث شي ء الا عن علة تامة وان الشي ء ما لم يجب لم يـوجـد لا تـجـري فـي الافـعـال الاخـتـيـاريـة , حـيث ان المعلول وجوده ترشحي , او انفعال
بـالـخاصية ,بخلاف الفعل الاختياري , فان قدرة الفاعل على امر لا تتحقق الا اذا تساوى طرفاه من
الـفـعـل او الترك بالاضافة الى الفاعل , فلو لم يكن الفاعل متمكنا على كل من ايجاده وتركه قبل ان
يـصدر منه الفعل , لما كان في البين قدرة , بل كان جبر واضطرار, حتى بالاضافة الى الواجب (جل
عـلا), حـيـث انه بقدرته الذاتية يختار كون الشي ء فيوجد, بلا فرق بين تعلق ارادته بالوجود عن
طريق المقدمات الاعدادية او بدونها.


والـحـاصـل امكان صدور الفعل عن الفاعل بالاختيار لا يحتاج الى غير قدرته عليه , نعم العاقل لا
يصرف قدرته فيما لايعنيه و ما ليس له فيه صلاح , بل يصرفها على احد طرفي الشي ء لغرض , من
غير ان يكون ترتب الغرض على ذلك الطرف موجبا لسلب قدرته عن الطرف الاخر, وبتعبير اخر:
يـكـون تـرتب الغرض على احد طرفي الشي ء مرجحا لذلك الطرف على الاخر, ولذا يسمى اعمال
الـقـدرة وصـرفـهـا في احد طرفي الشي ء اختيارا, لان الانسان ياخذ بما فيه الخير,وقد اعترف
الـمـاتـن (ره ) فـي بحث التجري ((176)) ببعض ما ذكرناه -من كون اختيارية الفعل بالتمكن من
عـدمه - حيث ذكر ان بعض مبادى اختيار الفعل اختيارية , لتمكنه من عدمه بالتامل فيما يترتب عليه ,
فمراجع .


ان قـلـت : افـلا يكون مقتضى التوحيد والاعتراف بوحدانية الخالق , هو الالتزام بان ما يحصل في
الكون -ومنهاافعال العباد- مخلوقة للّه (سبحانه ), لئلا يكون مؤثرافي الوجود وخالقا للكون الا هو
وانما يصح العقاب حينئذ على فعل العبد, فلاجل ان الفعل في الحقيقة وان كان بارادة اللّه , الا ان اللّه
تـعـالـى يـريـد فعل العبد, اذا تعلقت ارادة العبد به , فيكون المؤثر في ذلك ارادة اللّه , والعبد ايضا
ارادتـحـقيقه وايجاده , ولكن ارادته لا تؤثر في الواقع شيئا, ويعبر عن ارادة العبد كذلك بالكسب ,
فيكون العقاب على كسب العبد, وان شئت فلاحظ من اراد رفع حجر عن مكان , باعتقاد انه متمكن من
رفـعـه , ولكن عند تصديه للرفع يظهر عدم تمكنه منه , فيضع شخص اخر اقوى منه يده تحت ذلك
الـحـجر ويرفعه , فارتفاع الحجر عن مكانه يكون برفع هذاالشخص الثاني خاصة , ويستند الرفع
اليه دون الاول , الا ان سبب رفع الثاني للحجر هو تعلق ارادة الاول برفعه , ولاجله لا مانع من اسناد
الرفع الى المريد خاصة .


قـلت : ان ما ذكر لا في تصحيح العقاب يجدي ولا في التحفظ على وحدة الخالق والمؤثر في الكون
ومنه افعال العباد.


امـا الاول , فـلانـه لا يصح عند العقل ان يذم رافع الحجر حقيقة , مريد الرفع خاصة ويوبخه على
الرفع , لانـه لم يرفعه , بل اراد رفعه فحسب , فالتوبيخ والذم يرد على رافع الحجر حقيقة الذي هو
الـشـخص الثاني . نعم يصح توبيخ الاول على ارادة الرفع لا على نفس الرفع , واذا فرض ان ارادته
ايـضـا فعل مخلوق يكون المؤثر فيه ارادة اللّه (سبحانه ) فلايصح عقابه ولا توبيخه على الارادة
الـمخلوقة , وان قيل بان ارادة المريد ناشئة عن مباديها, ومباديها ناشئة عن خبث السريرة والشقاوة
الذاتية كما تقدم في كلام الماتن (ره ) ثبت ايضا انه لا مصحح للعقوبة على ارادته ولا على فعله .


واما الثاني فيظهر جوابه مما اجبنا انفا عن مقالة الفلاسفة في قاعدة ان الشي ء ما لم يجب لم يوجد
فراجع .

/ 26