صحة الحمل وعدمه وصحة السلب وعدمه
(1) حاصل ما ذكر (ره ) في عدم صحة السلب المعبر عنه بصحة الحمل وفي صحة السلب المعبر عـنه بعدم صحة الحمل هو انه لو لم يصح سلب معنى لفظ (والمراد المعنى المرتكز منه اجمالا في
الاذهـان عـلى قرار ما تقدم في التبادر)عن معنى وصح حمله عليه بالحمل الاولي , كان ذلك علامة
كون المعنى عين معنى اللفظ المرتكز في الاذهان , كما ان عدم صحة سلب ذلك المعنى المرتكز عن
شـي ء, وصـحـة حـمله عليه بالحمل الشائع علامة لكون الشي ء المفروض من مصاديق ذلك المعنى
المرتكز.
كما ان صحة السلب بالسلب الاولي علامة لعدم كون المعنى المفروض هو المعنى المرتكز من ذلك
الـلـفـظ, كـمـا ان صـحة السلب الشايع علامة عدم كون الشي ء المفروض من مصاديق ذلك المعنى
المرتكز من ذلك اللفظ.
وان قـلنا بان اطلاق اللفظ المفروض وحمل معناه المرتكز على ذلك الشي ء لايكون من باب المجاز
فـي الـكلمة , بل اللفظ يستعمل في معناه المرتكز ويطبق عليه بالادعاء والعناية , فيكون المجاز في
الامر العقلي , لان انطباق المعنى على مصاديقه خارج عن استعمال اللفظ في معناه , بل هو امر يدركه
العقل , فلذا يقال : ان المجازفي هذه الموارد في امر عقلي كما صار اليه السكاكي .
ومـما ذكر في التبادر, يظهر ان كون صحة الحمل علامة للحقيقة او لكون المصداق حقيقيا وكون
صحة السلب علامة للمجاز او لعدم كون الشي ء مصداقا حقيقة لا يستلزم الدور للتغاير بين الموقوف
والموقوف عليه بالاجمال والتفصيل ,او ان احدهما علم المستعلم , والاخر علم اهل المحاورة .
اقـول : صحة الحمل الاولي وان كان يكشف عن اتحاد المحمول مع الموضوع مفهوما, لكنه لا يكشف
عن اتحادهما من جميع الجهات , بل قد يكون بينهما تغاير بالاجمال والتفصيل (كما في قولنا: الحيوان
الناطق انسان ) اوباعتبار اخر (كما في قولنا: الانسان بشر), وعليه فلا يكون صحة الحمل الاولي
كـاشفا عن كون المعنى المحمول عليه هوبعينه المعنى المرتكز لللفظ, بل غاية ما يثبت بذلك صحة
الاستعمال , وهو اعم من الحقيقة .
وتظهر ثمرة ذلك فيما اذا كان احد العنوانين موضوعا لحكم خاص في خطاب الشارع دون الاخر,
فـانـه وان صـح حمل الموضوع على العنوان الاخر بالحمل الاولي الا ان الحكم لا يترتب الا على
العنوان الاول , مثلا: اذا حكم الشارع بطهارة الدم المتخلف في الحيوان المذبوح , وذبح حيوان وشك
فـي دم فـي جـوفه انه من الدم المتخلف او انـه رجع الى جوفه لعارض كعلو راس الحيوان او جر
نـفـسه الدم من الخارج , فانه باستصحاب عدم خروج الدم المفروض الى الخارج لا يثبت عنوان الدم
المتخلف , مع انه يحمل بالحمل الاولي على عنوان (دم لم يخرج من جوفه عند ذبحه ) الا ان حكمه
لم يثبت عليه , فتدبر.
نـعـم صحة السلب -يعني سلب المعنى المرتكز من اللفظ- عن شي ء شك بدواولعله بملاحظة نوع
العلائق (1).
فـي كـونـه مصداقا له علامة عدم كون المسلوب عنه مصداقا وفردا لذلك المعنى , فان الطبيعي لا
يـسـلـب عن فرده ومصداقه في حال , بل يحمل عليه في جميع الاحوال , ولو صح حمل عنوان على
شي ء في حال خاص لثبت انه فرده في ذلك الحال فقط, فتدبر جيدا.
الاطراد
(1) وحـاصـله ان القائل بكون الاطراد في استعمال اللفظ في معنى علامة الحقيقة , وعدم اطراده علامة المجاز لاحظ نوع العلائق التي ذكروها للاستعمالات المجازية , وراى ان اللفظ لا يستعمل
فـي كل معنى يكون بينه وبين معناه الموضوع له احدى هذه العلاقات , ولاحظ ايضا اللفظ الموضوع
لمعنى وراى انه يستعمل فيه دائما, فذكر ان استعمال اللفظ في معنى مطردا علامة كونه حقيقة فيه
وعـدمه كما ذكر علامة كونه مجازا, والا فلو لاحظ هذا القائل خصوص علاقة يصح بها استعمال
الـلـفـظ في معنى بتلك العلاقة لراى انه يصح استعماله في ذلك المعنى مكررا, فمثلا استعمال لفظ
الاسـد فـي الحيوان المفترس مطرد, وكذلك استعماله في الرجل الشجاع , وعلى ذلك فلا يعلم من
مجرد اطراد الاستعمال في لفظبالاضافة الى معنى من المعاني انـه على نحو الحقيقة او المجاز.
وذكر صاحب الفصول (ره ) ان الاطراد بلا تاويل علامة الحقيقة ((29)) .
وفـيـه ان زيادة قيد (بلا تاويل ) او (على وجه الحقيقة ) وان كان موجبا لاختصاصه بالحقيقة فانه
لابـد فـي الاسـتعمال المجازي من التاويل واعمال العناية ,الا ان الاطراد على ذلك لا يكون علامة
الـحـقيقة الا بوجه دائر, لتوقف احراز كون الاطراد بلا تاويل على العلم بالوضع ,فلو توقف العلم
بالوضع عليه لدار.
لا يقال : الموقوف على الاطراد العلم التفصيلى , والاطراد موقوف على العلم الاجمالى بالوضع , كما
تقدم في الجواب عن الدور في التبادر وعدم صحة السلب .
فانه يقال : الجواب المتقدم غير جار في المقام , فان انسباق المعنى من اللفظ الى ذهن السامع لا يتوقف
عـلـى علمه التفصيلي بوضع ذلك اللفظ لذلك المعنى , فالعلم التفصيلي يحصل للسامع بالتبادر, بخلاف
الـمـقـام , فان الاطراد هوشيوع استعمال اللفظ في معنى بلا تاويل وعناية , واحراز هذا الاطراد
يـتـوقـف على حصول العلم التفصيلي بالوضع قبل احراز الاطراد وذلك لان العلم التفصيلي يحصل
بملاحظة استعمال واحد واحراز الاطراد يتوقف على ملاحظة اكثر من استعمال واحد.
وكـذلـك الامـر, بناءا على ان التبادر عند العالم علامة للمستعلم , حيث انه يمكن للمستعلم احراز
الـمعنى المتبادرمن اللفظ عند اهل المحاورة قبل علمه بالوضع , بل يحصل هذا العلم له نتيجة علمه
بالتبادر عندهم .
وهذا بخلاف الاطراد فان احراز الشخص ان هذا اللفظ يستعمل عند اهل المحاورة بنحو الشيوع
والـتـكرار بلا عناية في معنى خاص فرع علمه بالوضع عندهم لذلك المعنى , والا فكيف يحرز ان
هذه الاستعمالات كلها بلا لحاظ علاقة وعلى وجه الحقيقة ؟
اقـول : لعل مراد القائل بكون الاطراد علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز هوللفظ احوال خمسة :
وهي التجوز والاشتراك والتخصيص ... (1).
انـه لـو اراد الـمستعلم ان يعلم كون استعمال لفظ في معنى خاص عند اهل المحاورة بنحو الحقيقة
ومن قبيل استعمال اللفظ فيما وضع له او انه يستعمل فيه بنحو المجاز, فعليه ان يلاحظ استعمالاتهم
فاذا راى صحة التعبير عندهم عن ذلك المعنى بذلك اللفظ حتى في استعمالاته التي لا تناسب رعاية
العلاقة المحتمل رعايتها في بعض تلك الاستعمالات , علم بوضع اللفظ لذلك المعنى .
واذا راى عدم صحة استعمال اللفظ المفروض في ذلك المعنى في جميع التراكيب المتعارفة , فيعلم
بـان اسـتعماله انماهو بلحاظ تلك العلاقة التي كان يحتمل وقوعه بلحاظها, كما في المرق الرقيق ,
فـانـه قد يطلق عليه الماء في موارد الطعن على صاحبه مثلا, او اكليه , وقد لا يطلق عليه الماء في
جميع الموارد كما اذا لم يكن عند المكلف ماء للوضوء والغسل وكان عنده المرق , فانه لا يقول عندي
مـاء, وهذا بخلاف ماء الكوز ونحوه فانه يطلق عليه الماء في جميع الموارد,ووصفه في بعضها بانه
قليل لا يقدح فيما هو المهم فيه .
احوال اللفظ
(1) فـانـه ان استعمل اللفظ في غير ما وضع له بلحاظ العلاقة يكون مجازا, وان استعمل في معنى اخـر بـاعـتـبـار انـه الموضوع له ايضا بلا هجر معناه الاول يكون مشتركا, ومع هجره ورعاية
الـمناسبة يكون منقولا, وباعتبار عدم ارادة بعض مدلوله جدا يكون تخصيصا, وباعتبار تقدير الدال
على المراد يكون اضمارا.
وافـراد التخصيص عن المجاز مبني على ما هو الصحيح من انه كالتقييد لايكون موجبا للمجاز في
استعمال العام ,واما عدم ذكره (ره ) التقييد, فلعل مراده وهو ان الوضع التعييني كما يحصل بالتصريح
بانشائه (1).
بـالتخصيص ما يعمه , كما ان عدم تعرضه للمجاز والعناية في الاسناد لدخوله في التجوز عنده من
باب الاستخدام .
ثـم اذا احـرز ظـهور اللفظ في معنى , واحتمل ان يكون مراد المتكلم غير ذلك الظاهر بان احتمل
استعماله في غيره مجازا,او انه موضوع للمعنى الاخر عنده بلاهجر معناه الاول , او مع هجره او
انه اراد غير ذلك الظاهر بنحو الاضمار, او كون مراده الجدي غيره بنحو التخصيص او التقييد,
تكون اصالة الظهور متبعة كما هو المقرر في مبحث حجية الظهور.
وامـا اذا احرز ان مراده غير معناه الظاهر وتردد مراده بين الانحاء المذكورة او بين بعضها, فلا
اعتبار بشي ء مما قيل في ترجيح بعضها على بعض ما لم يكن في البين ظهور لكلامه في تعيين احدها.
الحقيقة الشرعية
(1) ذكـر (ره ) ان انـشاء الوضع التعييني كما يكون بالقول , كذلك قد يكون بنفس استعمال لفظ في مـعـنى غير موضوع له ,على نحو استعمال اللفظ فيما وضع له بان يقصد الحكاية والدلالة على ذلك
الـمـعـنـى بـنفس اللفظ لا الحكاية عنه باللفظمع القرينة , نعم لابد في البين من قرينة دالة على ان
استعمال اللفظ فيه والحكاية عنه بنفس اللفظ لغاية تحقق وضعه له -وهذه غير قرينة المجاز, حيث
ان القرينة فيه تكون على حكاية اللفظ معها عن المعنى - وعدم كون استعمال اللفظ في المعنى في مقام
وضـعـه لـه , من الاستعمال الحقيقي (حيث ان المفروض حصول الوضع بعد تحقق ذلك الاستعمال )
ولامـن الـمـجاز (حيث ان المعتبر في الاستعمال المجازي لحاظ العلاقة بين المعنى المستعمل فيه
ومـعناه الموضوع له ) غير ضائر, بعد كون هذا النحو من الاستعمال مما يقبله الطبع ولا يستهجنه ,
وقد تقدم ان في الاستعمالات الشائعة ما لا يكون حقيقة ولا مجازا, ولكن مما يقبله الطبع ,كاستعمال
اللفظ في اللفظ.
واورد الـمـحـقـق النائيني (ره ) على ما ذكر من حصول الوضع بالاستعمال , بان الاستعمال يقتضي
لـحـاظ الـلفظ فانيا في المعنى بحيث يكون الملحوظ استقلالا هو المعنى ويكون اللفظ مغفولا عنه ,
بـخـلاف الوضع فانه يقتضي لحاظ اللفظاستقلالا, فلو حصل الوضع بالاستعمال لزم كون اللفظ في
ذلك الاستعمال ملحوظا اليا واستقلاليا.
ولـكـن لا يـخـفـى مـا فيه , فانه -كما سياتي في بحث استعمال اللفظ في اكثر من معنى - ان مجرد
اسـتعمال اللفظ في معنى لا يقتضي كون اللفظ ملحوظا استقلالا, لاانه يقتضي عدم لحاظه استقلالا,
فـلو كان في الاستعمال غرض يقتضي لحاظ اللفظ استقلالا فلا ينافيه الاستعمال , كما اذا كان غير
الـعـربي يتكلم باللغة العربية ويعبر عن مراداته بتلك اللغة في مقام اظهار معرفته بها, فيكون كمال
التفاته الى الالفاظ ويستعملها لتفهيم مراداته .
ولـو اغـمـض عـن ذلـك وقلنا بان الاستعمال يقتضي فناء اللفظ في المعنى وكونه مغفولا عنه , فان
مقتضى ذلك ان لايكون اللفظ بنفسه ملحوظا استقلالا عند انشاء المعنى المراد من اللفظ او الحكاية
عنه , وهذا لا ينافي كون النفس ملتفتة الى الاستعمال المفروض فتعتبره وضعا لذلك اللفظ بازاء ذلك
المعنى المنشا والمحكي عنه .
فلا يكون حقيقة ولا مجازا (1).
واورد ايضا على ما ذكره الماتن (ره ) من ان المقصود في مورد الوضع بالاستعمال الحكاية والدلالة
على المعنى بنفس اللفظ لا بالقرينة , كما في المجاز, بان دلالة اللفظ على المعنى المفروض لا تكون
بـلا قـريـنـة , وذلك لعدم امكان انتقال المعنى الى ذهن السامع من اللفظ بدون الوضع وبدون القرينة
لـبـطـلان الدلالة الذاتية في الالفاظ, واذا لم يكن وضع قبل حصول الاستعمال كما هو المفروض ,
فكيف يكون الانتقال من اللفظ الى ذلك المعنى بلا قرينة ؟ غاية الامر القرينة الدالة على كونه في مقام
الـوضـع تـكـون مـغـنـيـة عن قرينة مستقلة للدلالة عليه , ولو فرض في مورد عدم كفايتها, لزم
نصب قرينة اخرى ايضا للدلالة .
ولـكـن لا يـخفى ما فيه , فان دلالة اللفظ على المعنى وان لم تكن ذاتية ولكنها لاتتوقف على الوضع
الـحاصل من قبل او القرينة , بل الموجب للدلالة هو العلم بالوضع , ولو بالوضع الحاصل بالاستعمال ,
فـالـقـريـنـة عـلـى الـوضع بالاستعمال ,في الحقيقة قرينة على جعل نفس اللفظ دالا على المعنى
المفروض , فيكون ذلك اللفظ بنفسه دالا, ولذا ذكر انها تغني عن القرينة الاخرى .
(1) لعل نظره (ره ) في عدم كون الاستعمال المفروض حقيقة الى عدم تحقق الوضع عند الاستعمال
وكـون الاسـتعمال انشاءا للوضع مقتضاه ان لا يتصف الاستعمال المفروض بكونه موضوعا له , واما
عدم كونه استعمالا مجازيا فلان المفروض عدم كون الاستعمال بلحاظ العلاقة واعمال العناية .
اقول : ماذكره من عدم كون الاستعمال حقيقة فيما اذا اريد تحقق الوضع لايمكن المساعدة عليه , فان
حـصـول الوضع بالاستعمال لكون الابراز مقوما في الانشائيات ومنها الوضع في الالفاظ, وعلى ذلك
فلا يكون المعنى قبل الاستعمال ويدل عليه تبادر المعاني الشرعية منها (1).
مـتصفا بكونه موضوعا له , وكذا في مرتبة الاستعمال , ولكن زمان حصول الاستعمال متحد مع زمان
الـوضـع الذي يكون اعتباره بالنفس وابرازه بالاستعمال , ولا ح -اجة في كون الاستعمال حقيقة الى
ازيـد مـن ذلـك , اذ معه لا يحتاج المتكلم الى لحاظ العلاقة واعمال العناية . وقد تقدم ان ما اشار اليه
الـمـصنف من ان في الاستعمالات المتعارفة ما لا يكون بحقيقة ولا مجاز غير صحيح , وان استعمال
اللفظ في اللفظ امر لا اساس له .
(1) قـد يـقال : تبادر المعاني الشرعية من الفاظ العبادات الواردة في محاورات الشارع اول الكلام ,
وعـلى تقديره فلا يكون مثبتا للوضع بالاستعمال , ولكن الظاهر عدم ورود الاشكال , فانه لا يحتمل
ان يـكـون مثل قوله سبحانه : (كتب عليكم الصيام ) الاية ((30)) , عند نزولها من المجملات , ولم
تكن ظاهرة في الصدر الاول في المعاني الشرعية , او كانت ظاهرة في معانيها اللغوية .
نـعـم , يبقى في البين احتمال كون تلك الالفاظ موضوعة لتلك المعاني قبل الشريعة الاسلامية ايضا,
كـمـا استشهدالماتن لذلك بغير واحد من الايات , مثل قوله تعالى (كتب عليكم الصيام كما كتب على
الـذيـن مـن قبلكم ), وقوله سبحانه : (واذن في الناس بالحج ) ((31)) , وقوله سبحانه : (واوصاني
بـالصلاة والزكاة ما دمت حيا) ((32)) , فتكون الفاظها حقيقة لغوية لا شرعية , واختلاف الشرائع
فـي تـلـك الـحـقـائق جـزءا او شـرطـا لا يوجب تعدد المعنى , فان الاختلاف يمكن ان يكون في
المصاديق والمحققات كاختلافها بحسب الحالات في شرعنا.
ثـم انـه (ره ) ايـد ثـبوت الحقيقة الشرعية في تلك الالفاظ, بعدم ثبوت علاقة معتبرة بين المعاني
الشرعية وبين معانيهااللغوية , وقد مثل بلفظ الصلاة حيث لاعلاقة بين معناها الشرعي وبين معناها
الـلـغوي , ومجرد اشتمال معناها الشرعي على الدعاء لا يوجب ثبوت العلاقة المعتبرة في استعمال
اللفظ الموضوع للجزء في الكل , حيث انه لا تركيب حقيقة ,وليس الجزء من الاجزاء الرئيسية .
فـعـدم ثـبـوت الـعلاقة المعتبرة يكشف عن عدم كون استعمال لفظ الصلاة في معناها الشرعي في
مـحاورات الشارع من قبيل الاستعمال المجازي , والوجه في جعل ذلك مؤيدا لادليلا يمكن ان يكون
احد امرين :
الاول : ان عـدم العلاقة على تقديره لا يكشف عن وضع الشارع , لامكان كون تلك الالفاظ موضوعة
للمعاني الشرعية قبل الاسلام , كما استشهد لذلك بالايات .
والـثاني : امكان صحة استعمال اللفظ في المعنى , ولو مع عدم العلاقة المعتبرة وبلا وضع , كما تقدم
من وقوعه في بعض الاستعمالات المتعارفة لحسنها بالطبع .
واورد الـمـحـقق النائيني (ره ) على ما ذكره -من ان ثبوت المعاني الشرعية في الشرائع السابقة
يوجب كون تلك الالفاظ حقائق لغوية - بان ثبوت بعض المعاني الشرعية او كلها في الشرائع السابقة
لا يـوجـب انتفاء الحقيقة الشرعية ,لان ثبوتها فيها لا يكشف عن كون اساميها المتداولة عندنا كانت
موضوعة لها قبل الاسلام في لسان العرب السابق ,حيث لم تكن لغة جميع الانبياء السابقين (على نبينا
والـه وعـلـيهم السلام ) عربية , فيحتمل ان العرب في ذلك الزمان كانوايعبرون عنها بغير الالفاظ
الـمـتـداولة عندنا, بل كانوا يعبرون بغير اللغة العربية كما نراهم فعلا يعبرون عن بعض الاشياء
الـمـخـترعة بلغات سائر الامم , ووجودلفظ الصلاة في الانجيل المترجم بلغة العرب لا يدل على
سـبـق اسـتعمال لفظ الصلاة او غيره في تلك المعاني قبل الاسلام , لاحتمال حدوث الاستعمال عند
ترجمة الانجيل بلغة العرب بعد الاسلام .
وبـالـجـملة , ثبوت الحقيقة الشرعية لا يتوقف على عدم وجود المعاني الشرعية قبل الاسلام , بل
مـوقوف على عدم كون الالفاظ المتداولة عندنا موضوعة لتلك المعاني الشرعية قبل الاسلام , سواء
كان ذلك لعدم المعنى الشرعي سابقا اولعدم وضع اللفظ له قبل الاسلام ((33)) .
اقـول : المدعى ان الناس قد فهموا من قوله سبحانه (كتب عليكم الصيام ) ((34)) عند قراءة النبي
(ص ) لـهـا ولـغـيرهامن الايات , المعاني الشرعية ولايكون ذلك عادة الااذا كان تعبيرهم عن تلك
المعاني الشرعية السابقة على الاسلام بهذه الالفاظ المتداولة .
لا يـقـال : كـيف يمكن دعوى الجزم بان المعاني الشرعية كانت هي المتبادرة في محاورات الشارع
وعـنـد نـزول الايات المشار اليها, مع ان ما ورد في الروايات المعتبرة في قضية تيمم عمار شاهد
لكون المتفاهم عندهم كانت هي المعاني اللغوية ؟
فـانه يقال : المدعى ان جل تلك الالفاظ كانت حقيقة في تلك المعاني لا كلها,ومع الغض عنه فالانصاف
منع حصوله في زمان الشارع في لسانه ولسان تابعيه مكابرة (1).
بحيث لا يشذ منه لفظ او لفظان , ولفظ التيمم -على ما يظهر من الروايات - لم يكن له معنى خاص في
الشرائع السابقة ,كما يشير اليه قوله (ص ): جعلت لي الارض مسجدا وطهورا ((35)) .
ودعـوى ان لفظ الصلاة ايضا كان ظاهرا في معناه اللغوى وانما كان يستعمل في معناه الشرعي في
محاورات الشارع مجازا او بلحاظ العلاقة , حيث ان الصلاة في اللغة بمعنى الميل والعطف , والعطف
مـن اللّه سبحانه الرحمة والمغفرة ,ومن العباد طلبها, فيكون من باب استعمال اللفظ الموضوع للكلي
وارادة فـرده الـخـاص , لايـمكن المساعدة عليها, فانه لايحتمل ان يكون قوله سبحانه (واقيموا
الصلاة ) ((36)) مرادفا عندهم لقوله (واستغفروا اللّه ) ولا مناسبا له , كما لايخفى .
(1) يـعـنـي لـو فـرض الاغماض عما تقدم والتسليم بان الاستعمالات في تلك الالفاظ كانت بنحو
المجاز والعناية , فلاينبغي المناقشة في انها صارت حقائق في المعاني الشرعية باستعمالات الشارع
واسـتـعـمالات تابعيه , يعني المسلمين ,وانكار ذلك مكابرة , ويكفي في الجزم بذلك تداول بعض تلك
الالـفـاظ فـي محاورات الشارع والمسلمين في كل يوم مرة او مرات , نعم يمكن منع حصول الوضع
بكثرة الاستعمال في خصوص كلام الشارع واستعمالاته .
اقول : هذا مبني على حصول الوضع بكثرة الاستعمال وصيرورة اللفظ ظاهراواما الثمرة بين القولين
(1).
فـي مـعـنـاه الجديد بكثرة الاستعمال , بحيث لا يحتاج في استعماله فيه الى تعيين , ولكن ذكرنا ان
التعيين يحصل لا محالة ولو بنحو انشائه بالاستعمال .
(1) تـظهر الثمرة بين القولين فيما اذا ورد من تلك الالفاظ في كلام الشارع بلاقرينة , فعلى القول
بـانـكار الحقيقة الشرعية يحمل على معناه اللغوي , وبناءا على ثبوت الحقيقة الشرعية بنحو الوضع
التعييني يحمل على المعنى الشرعي , وكذااذا قيل بالحقيقة الشرعية بنحو الوضع التعييني فيما اذا
كـان صدور الكلام بعد حصوله بخلاف ما اذا كان صدوره قبل حصوله , ويكون الكلام مجملا فيما
اذا دار امر صدوره بين التقدم والتاخر.
وعـن الـمحقق النائيني (ره ) انـه لم يوجد في كلام الشارع من تلك الالفاظ ما دار امره بين حمله
عـلى المعنى اللغوي او الشرعي بان يجهل مراد الشارع , وعليه فيصبح البحث في الحقيقة الشرعية
بحثا علميا محضا ((37)) .
اقـول : يـمكن المناقشة فيه بان المراد من الصلاة في قوله سبحانه : (قد افلح من تزكى وذكر اسم
ربـه فصلى ) ((38)) مردد بين الدعاء ومعناه الشرعي , وكذا في قوله سبحانه (يا ايها الذين امنوا
صـلـوا عـلـيـه وسلموا تسليما) ((39)) فانه يدور امره بين الدعاء ولو بقول القائل : (اللهم ارفع
درجـات الـنبى (ص )), وبين كونها الصلاة المتعارفة عند المتشرعة ,وكذا ما وصل الينا من كلام
النبي (ص ) من غير طرق ائمتنا (ع ) فانه وان وصل غالب كلامه الينا بواسطتهم (ع ) وكان عليهم
نقله بحيث يفهم مراده (ص )واصالة تاخر الاستعمال (1).
وغاية ما يمكن ان يقال في تصويره (2).
لوقوع النقل فهم في مقام بيان الاحكام الشرعية الا ان قليلا منه قد وصل بغير واسطتهم فاستظهار
المراد من كلامه يبتنى على البحث في الحقيقة الشرعية .
(1) قـد يـقال : انه اذا دار امر الاستعمال بين وقوعه قبل الوصول الى مرتبة الوضع التعيني او بعد
وصوله , فيحمل على المعنى الشرعي لاصالة تاخر الاستعمال .
فنقول : ان كان المراد باصالة التاخر استصحاب عدم صدور الاستعمال المفروض الى زمان حصول
الـوضـع ويثبت به ظهوره في المعنى الشرعي وهو موضوع الحجة , فهذا مع الغض عن كونه مثبتا
حـيث ان ظهوره في المعنى الشرعي اثرعقلي لتاخر الاستعمال , معارض باصالة تاخر الوضع , يعني
استصحاب عدم حصول الوضع الى زمان ذلك الاستعمال .
وان اريد باصالة تاخر الاستعمال عدم حصول النقل في اللفظ المفروض زمان استعماله وان هذا اصل
عقلائي يعبر عنه باصالة عدم النقل .
ففيه : ان اصالة عدم النقل انما تعتبر عند العقلاء فيما اذا شك في مراد المتكلم من ذلك اللفظ ولم يعلم
حصول النقل فيه اصلا, واما اذا علم النقل وشك في تقدمه وتاخره فلا تعتبر ولا يمكن احراز مراد
المتكلم بها.
الصحيح والاعم
(2) ذكـر (ره ) مـا حـاصـلـه ان جـريـان البحث في الصحيح والاعم على القول بانكار الحقيقة الشرعية , والبناء على ان استعمال الشارع تلك الالفاظ في معانيها الشرعية كان بنحو المجاز يتوقف
على امرين :
الاول : عدم ملاحظة الشارع العلاقة بين كل من الصحيح والاعم وبين المعاني اللغوية لتلك الالفاظ,
بل كانت الاستعمالات في احدهما بملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي , واستعماله في الاخر
منها بنحو سبك المجاز عن مجاز, يعني بملاحظة العلاقة بينه وبين المعنى المجازي الاول .
والـثـاني : اثبات انـه بعد فرض وحدة المجاز المسبوك عن المعنى اللغوي جرى ديدنه عند ارادة
المعنى المسبوك من الحقيقة على الاكتفاء بنصب قرينة صارفة فقط, وانه عند ارادة المعنى المسبوك
عن المجاز كان ملتزما بنصب قرينة معينة عليه ونتيجة هذين الامرين حمل كلامه على المسبوك من
مـعناه اللغوى عند قيام القرينة الصارفة على عدم ارادته , فللمتزم بالامرين ان يتكلم في المعنى الذي
لاحـظ الشارع العلاقة بينه وبين المعنى اللغوي , والذي جرت عادته عند ارادته على نصب قرينة
صـارفـة فـقـط, هـل كـان هـو الـصـحـيـح او الاعـم , ولكن لا يمكن لمنكر الحقيقة الشرعية
والـقائل بمجازية استعمالات الشارع اثبات هذين الامرين , اذ من المحتمل ملاحظة الشارع العلاقة
بين كل من الصحيح والاعم ,وبين المعنى اللغوي في عرض واحد, او كان ديدنه نصب قرينة معينة
لكل منهما.
وذكـر بعض الاعاظم (رض ) انه يكفي في جريان النزاع على القول بمجازية استعمالات الشارع
اثـبـات احـد الامـريـن المفروضين , فانه لو ثبت سبك احد المعنيين عن الحقيقة , وسبك الاخر من
الـمـجـاز, كـان كلامه عند قيام القرينة الصارفة عن المعنى اللغوي ظاهرا في ارادة المسبوك من
الـمـعـنـى الـحـقيقي لا محالة , كما انـه لو قيل بانه كانت عادته على عدم نصب قرينة معينة لاحد
الـمـعـنـيـيـن , بـل كـان تـفـهيمه بالقرينة الصارفة فقط, كان اللفظ ظاهرا فيه عند قيام القرينة
الـصـارفـة فـقـط, حـتـى مـع مـلاحظته العلاقة بين كل من المعنيين والمعنى اللغوي في عرض
واحد ((40)) .
اقول : لايخفى مافيه , فانه كيف يكون ظهور اللفظ في احد المعنيين بخصوصه بقيام القرينة الصارفة ,
فيما اذا ثبت ان استعماله فيه كان بنحو سبك المجاز عن الحقيقة , مع احتمال جريان عادته على نصب
القرينة لتعيين كل منهما, نعم لوثبت الامر الثاني من الامرين لكفى في جريان النزاع , ولا حاجة معه
الى اثبات الامر الاول .
وذكر المحقق النائيني (ره ) النزاع بوجه اخر -بناءا على كون استعمالات الشارع بنحو المجاز-
وهـو ان يكون النزاع في مقتضى الادلة الدالة على الحقيقة عند المتشرعة من التبادر وغيره , وفي
انـهـا دالـة عـلى كون الالفاظ حقيقة عندالمتشرعة في خصوص الصحيح او في الاعم , وحيث ان
الـمعنى الحقيقي (اي المسمى بلفظ الصلاة ) عندهم كاشف عن المراد الشرعي عند الاطلاق الذي
هو مجاز عنده -حسب الفرض -, فان منشا هذه الحقيقة ذلك المجاز, فيتعين بتعيينها ((41)) .
ولا يـخفى ما فيه ايضا, فانه لا تكون ثمرة البحث مترتبة على ما ذكره , وذلك لانـه لو ثبت مثلا ان
الـحـقيقة الشرعية هي الاعم , وعلم ايضا ان منشا هذا استعمال الشارع اللفظ فيه مجازا, فلا يمكن
اثـبـات ان الـشـارع لم يكن يستعمل اللفظفي الصحيح اصلا, ولو في بعض الاحيان , ليكون المعنى
الاعم تعيينا في كلامه فيما اذا احرزنا انه لم يرد في الاستعمال المفروض معناه اللغوي , فانا نحتمل
ان يكون وقد انقدح بما ذكرنا تصوير النزاع على ما نسب الى الباقلاني (1).
انما هو بالمهم من لوازمها (2).
صـيرورة اللفظ حقيقة في الاعم عند المتشرعة لشيوع استعمال اللفظ عندهم في المعنى الاعم من
غير سبق هذا الشيوع في استعمالات الشارع .
(1) وتـقـريـره : انــه بناءا على المنسوب الى الباقلاني وان كانت تلك الالفاظ مستعملة في كلام
الـشـارع فـي مـعـانـيـها اللغوية دائما وانما الخصوصيات التي لها دخل في المامور به من الاجزاء
والـشـرائط مستفادة من دال اخر, الا انه لم تكن الدلالة عليها دائما بذكرها تفصيلا, فلم يكن يقول
دائمـا: صـلـوا, واركعوا, واسجدوا, وكبروا, الى غير ذلك , بل كان ينصب على تلك الخصوصيات
دالا يـدل عليها بالاجمال , اي بنحو دلالة لفظ الدار على اجزائها, فيقع البحث في ان ذلك الدال عليها
بـالاجـمال المعبر عنه بالقرينة المضبوطة كان دالا على عدة منها كما في دلالة لفظ الصلاة عليها
على القول بالاعم او كان دالا على جميعها, كما لو قيل بوضعها للصحيح , ولا يخفى ان هذا التصوير
لم يعلم مما ذكره قبل ذلك , فلا يظهروجه لقوله (ره ): وقد انقدح بما ذكرنا.
(2) لا يـخـفـى ان اسقاط القضاء او موافقة الشريعة وان كانا من اللوازم , الا انهما من لوازم صحة
الـمـاتي به , بمعنى مطابقته لمتعلق الامر, وكلامنا في المقام في صحة المتعلق لا الماتي به , حيث ان
صحة الماتي به تكون بعد تعلق الامر,وفي مرحلة الامتثال , والبحث في المقام في الصحة التي تكون
مـاخوذة في المسمى على مسلك الصحيحي والمتاخرعن الامر لا يؤخذ في متعلقه , فضلا عن اخذ
لـوازمـه . وبتعبير اخر: مثل الصلاة مركب اعتباري وقوامه باعتبار معتبره , فمايوجد من الافراد
يـضـاف الى ذلك المركب , فان كان شاملا لجميع الماخوذ فيه يكون تاما, وان كان فاقدالبعضها يكون
فـاسـدا, فيقع الكلام في المقام في ان الموضوع له للفظ الصلاة مثلا تمام ذلك المركب بحيث يكون
اطـلاقـهـاعلى الناقص بالعناية , او ان الموضوع له هو المركب الموصوف بالتمام تارة , وبالناقص
اخـرى , والـصـحـة بـمـعنى التمام والفساد بمعنى النقص لا تكون الا في المركبات او المقيدات ,
وبـالـجملة المحتمل اعتباره في الموضوع له ليس عنوان الصحة او الصحيح , بل على تقدير الاخذ
يكون الماخوذ في الموضوع له , ما به يوصف بالصحة والتمام .
وذكـر الـمـحـقق الاصفهاني (ره ) في تعليقته مناقشة اخرى في كلام الماتن (ره ), وحاصلها: ان
مـوافـقة الامر او اسقاطالقضاء ليسا من لوازم الصحة , يعني التمامية , بل تكون التمامية بهما حقيقة ,
حـيـث لا حـقـيـقة للتمامية الا التمامية من جهتهما, ولايمكن ان يكون اللازم متمما لمعنى ملزومه ,
وتـمـامـيـة حـقيقة الصحة بهما كاشفة عن عدم كونهما بالاضافة اليها من قبيل اللازم بالاضافة الى
ملزومه , فتدبر ((42)) .
ثم ذكر في الهامش في وجه التدبر ان ما ذكر من عدم امكان تمامية معنى الملزوم بلازمه انما هو في
لوازم الوجودحيث انه لا يعقل فيه دخالته وتمامية ملزومه به , واما بالاضافة الى عارض المهية اي
مـحـمـولها الخارج عنها مفهوما,فيمكن ان يكون الشي ء خارجا عن تلك الماهية ومع ذلك دخيلا في
تـماميتها وحصولها, كالناطق بالاضافة الى الحيوان ,حيث انه عارض للحيوان ولكن يكون به حصول
الحيوان ((43)) .
اقول : قد تقدم ان التمامية اذا كانت وصفا للماتي به , فالمراد بها مطابقته لمتعلق الامر, فيكون سقوط
الـقضاء او موافقة الامر من اثار صحة الماتي به , واذا كانت وصفا لما تعلق به الامر فالمراد اشتماله
عـلـى جميع ما يوصف معه بالصحيح بمعنى التام , وسقوط القضاء او موافقة الامر لا يرتبط بالمتعلق
وليسا من لوازمه , فانه يوصف بالصحة قبل تعلق الامروفي مرحلة التسمية .
وامـا ما ذكره (ره ) من التفرقة بين لوازم الوجود والمهية , من ان عارض الوجود لايدخل في معنى
ملزومه , ولكن عارض المهية يمكن دخله في تماميتها, فان كان المراد من التمامية صيرورة الماهية
نوعا فهو وان كان صحيحا الا ان الكلام هنافي الدخول في معنى الملزوم , كما لا يخفى , وصيرورة
المهية نوعا وعدمها اجنبي عن مورد الكلام في المقام .
ثم انه قد يقال الصحة في العبادة تغاير الصحة في المعاملة اي -العقود والايقاعات -, حيث ان الصحة
فـي المعاملة بمعنى ترتب الاثر عليها خارجا والمعاملة لا يترتب عليها الاثر -اي الاثر المترقب من
تلك المعاملة -.
ووجـه الـفـرق بين الصحتين هو ان الحكم المجعول للمعاملة بنحو القضية الحقيقية يكون انحلاليا
يـثبت لوجودات تلك المعاملة , فمعنى قوله سبحانه (احل اللّه البيع ) ((44)) ثبوت الحلية الوضعية
لكل ما ينطبق عليه عنوان البيع خارجا, فالبيوع التي لا تثبت لها تلك الحلية يعبر عنها بالفاسدة , وهذا
بـخـلاف الـتـكـاليف فان الامر لايتعلق بالوجودالخارجي للمتعلق , فانه يكون من طلب الحاصل بل
يـتعلق انه لابد على كلا القولين من قدر جامع كان هو المسمى بلفظ كذا, ولا اشكال في وجوده بين
الافراد الصحيحة (1).
بـالعنوان ومعنى الامر به طلب صرف وجوده بالمعنى المصدري , فالماتي به اذا كان صرف وجوده
يكون مسقطا للامر به فينتزع الصحة للماتي به عن مطابقته للعنوان المتعلق به الامر بمعنى اشتماله
على تمام ما اعتبر في ذلك المتعلق من الاجزاء والقيود.
ولـكـن الظاهر ان ترتب الاثر ليس بمعنى الصحة حتى في المعاملة , حيث ان كلامنا في الصحة في
مقام التسمية , فيكون المراد من كون الفاظ المعاملات اسامي للصحيحة او الاعم كونها موضوعة لما
يكون جامعا لجميع ما يلاحظ في امضائها او انها موضوعة لما يلاحظ في امضائها في الجملة ولو لم
تـكـن جـامـعة لجميعها, ولذا لو سئل احد عن البيع الصحيح , لاجاب بمقوماته بجميع قيوده , وبهذا
الاعـتـبار تتصف المعاملة بالصحة قبل تحققها, نعم لا تكون الصحة الفعلية الا اذا حصل ذلك الجامع
الملحوظ خارجا بتمام قيوده الملازم لامضائها, وليس كلامنا في المقام في الصحة الفعلية بل الصحة
في مقام التسمية .
(1) الاشتراك اللفظي في مثل لفظ الصلاة , بان يوضع اللفظ لكل ما يطلق عليه الصلاة بوضع مستقل ,
او يوضع لهابالوضع العام والموضوع له الخاص غير محتمل , كما يشهد بذلك خطور المعنى الواحد
عند الاطلاق , مع ان الثاني ايضايستدعي وجود الجامع ولو بين الافراد الصحيحة , والتزم المصنف
(ره ) بـامـكـان وجـود الجامع بين الافراد الصحيحة , بل التزم بوجود الجامع المفروض لا محالة ,
اعـتـمـادا عـلى قاعدة الواحد لا يصدر الا من الواحد حيث ان كل ما يطلق عليه الصلاة ويوصف
بـالـصـحـة لـه اثـر واحـد كـمـا يـفـصـح عن ذلك قوله سبحانه : (ان الصلاة تنهى عن الفحشاء
والـمـنـكـر) ((45)) , وقوله (ع ) -على ما ادعي -: الصلاة معراج المؤمن ((46)) , حيث ان
المؤثر في الواحديكون واحدا, كما هو مقتضى لزوم السنخية بين الشي ء وعلته , يمكن الاشارة في
مقام الوضع الى ذلك الجامع ولو بذلك الاثر, فيوضع له لفظ الصلاة , او يستعمل فيه لفظها مجازا, او
بنحو تعدد الدال والمدلول .
ثم اورد (ره ) على ذلك , بان الجامع المفروض لا يمكن ان يكون مركبا من الاجزاء والشرائط, فان
كـل مـا يـفرض من المركب منها, يمكن ان يكون صحيحا في حال وفاسدا في حال اخر, لما تقدم من
اخـتـلاف الصحيح بحسب الحالات والاشخاص , وان الصحيح في حال او من شخص فاسد في حال
اخر او من شخص اخر. وكذا لا يمكن ان يكون الجامع المفروض امرا بسيطا بحيث لا يصدق ذلك
العنوان البسيط الا على الافراد الصحيحة , فان البسيط اما عنوان المطلوب ,او عنوان ملزوم لعنوان
المطلوب , واما كون لفظ الصلاة موضوعا لعنوان المطلوب فغير معقول , لان هذا العنوان يحصل بعد
تـعـلـق الـطلب بالصلاة , ويستحيل ان يتعلق الطلب بعنوان يتوقف على تعلق الطلب به , هذا مع عدم
الترادف بين لفظالصلاة ولفظ المطلوب , واما كون المسمى عنوان المطلوب او ملزومه المساوي له
فـلازمـه ان لا تجري البراءة عند الشك في جزئية شي ء او قيديته للصلاة مثلا, فان الشك فيها لا
يـكون شكا في نفس متعلق التكليف , بل فيما يحصل به ذلك المتعلق , والشك والاجمال فيما يحصل به
الـمـتـعلق مجرى قاعدة الاشتغال , وبهذا يظهر ان المسمى للصلاة على الصحيحي , كما لا يمكن ان
يـكـون عـنـوان المطلوب كذلك لا يمكن ان يكون ملزومه المساوي له , فانه عليه ايضا لا يمكن ان
تجري البراءة في موارد الشك في جزئية شي ء او شرطيته لكون الشك في المحصل للصلاة .
واجاب عن الايراد, بالالتزام بان المسمى عنوان بسيط, ملزوم لعنوان المطلوب بعد تعلق الامر به ,
والـمعنى البسيطالمنتزع بلحاظ الاثر الواحد يمكن ان ينطبق على المركب بتمام اجزائه وقيوده ,
لا ان تـكون الاجزاء والقيود محصلة له كما في عنوان (حافظ الانسان من برودة الجو) فان عنوان
الحافظ ينطبق على البيت المركب من الاجزاء بتمام شرائطه ,انطباق الكلي على مصداقه , والاجمال
في اجزاء المركب المفروض وشرائطه عين اجمال ذلك العنوان بحسب وجوده , فيؤخذ عند الشك ,
بالمقدار المتيقن من المطلوب , ويرجع في المشكوك الى اصالة البراءة كان المشكوك جزءااو شرطا
وقيدا.
وانـمـا لا يؤخذ بالبراءة فيما اذا كان متعلق الامر واحدا خارجيا, مسببا وجوده عن وجود مركب
مـردد امـره بين الاقل والاكثر, كالطهارة من الحدث بناءا على انها حالة للنفس تحصل من الغسل او
الـوضوء, وفي مثل ذلك اذا شك في كون شي ء جزءا او شرطا للوضوء او الغسل , فلامورد للبراءة ,
بـل مـقـتـضى استصحاب بقاء الامر بالطهارة وقاعدة لزوم احرازالامتثال بعد احراز اشتغال الذمة
بشي ء, لزوم الاحتياط.
اقول : يستفاد من كلامه (ره ) من صدره الى ذيله امور:
الاول : لزوم الجامع على كل من القولين , الصحيحي والاعمي .
الثاني : ان تحقق الجامع بين الافراد الصحيحة مقتضى البرهان , يعني برهان لزوم السنخية بين الشي ء
وعلته , ويكون ذلك الجامع المستكشف بالبرهان هو الموضوع له على الصحيحي .
الـثالث : ان الجامع المستكشف بمقتضى البرهان بسيط يتحد مع الاجزاء والشرائط خارجا, وملزوم
لعنوان المطلوب ولوبعد تعلق الامر بذلك الجامع ((47)) .
الرابع : انه من تعلق الامر بذلك الجامع البسيط عنوانا, لا يلزم الاحتياط في موارد الشك في جزئية
شي ء اوشرطيته وانما يجب الاحتياط فيما اذا كان للعنوان البسيط وجود خارجا مسبب عن المركب
او تردد امر المركب بين الاقل والاكثر(2).
امـا الامـر الاول : فـقـد ناقش فيه المحقق النائيني (ره ), وذكر ما حاصله ان للصلاة مراتب تكون
اعـلاها صلاة المختار, وادناها صلاة الغرقى , وبينهما مراتب لها عرض عريض , فيمكن القول بان
الـصـلاة وضـعت للمرتبة الاعلى اولاوهي الصلاة الاختيارية من جميع الجهات , ثم انها استعملت
وطبقت على سائر المراتب بالادعاء والتنزيل , او من باب الاكتفاء بها في سقوط التكليف , من غير ان
تكون فردا تنزيليا, كما في صلاة الغرقى , فانه يمكن ان لا تكون فردا تنزيليا,بل يكتفى بها في مقام
الامـتـثـال , نـظـيـر مـا ذكـره الـشـيـخ (ره ) فـي نـسيان بعض اجزاء الصلاة وشرائطها مما
لايـدخل في المستثنى من حديث لا تعاد, حيث التزم بان الماتي به خارجا المنسي بعض اجزائه او
شرائطه لا يعمه متعلق الامر,ولكن مع ذلك يسقط به التكليف بالصلاة .
نعم بالاضافة الى صلاة المسافر والحاضر لكونهما في مرتبة واحدة وعرض واحد, لابد من فرض
جامع بينهما.