اقـول : اولا: انـه قـد اعترف (نور اللّه مضجعه الشريف وجزاه عن العلم واهله خيرا) بان سماع الجملة الخبرية الاسمية يوجب انتقال الذهن الى ثبوت المحمول للموضوع , وكذا ثبوت الشي ء لشي ء
او وقوعه منه , فيما كانت الجملة الخبرية فعلية , مثل ضربت او قمت , وحينئذ نقول : ما الموجب لهذا
الانـسـباق ؟ هل هو الا الوضع , فلوكانت الهيئة موضوعة لقصد الحكاية عن النسبة الخارجية لكان
الـذهـن يـنـتقل الى قصد الحكاية عنها, لا الى نفس صورة الثبوت الخارجي او لا ثبوته , مع انـه لا
يـحـرز قـصـد الـحكاية الا اذا احرز ان المتكلم شاعر يريد بكلامه تفهيم المعنى ,فليست الهيئة
مـوضـوعـة لقصد الحكاية كما انها ليست موضوعة للثبوت الخارجي -اي نفس النسبة الخارجية -
لـيلزم ان لا يكون في مورد كذب المتكلم استعمال اصلا. بل الموضوع له والمستعمل فيه للهيئة هي
صورة النسبة الخارجية .
ولـكـن هذه الصورة ليس لها استقلال بل متدلية في اطرافها وخصوصية لها على نسق ما ذكرنا في
معاني الحروف , وقداغمض في وضع الهيئات عن كون تلك الصورة في افق النفس , كما هو الحال في
وضـع الاسماء وغيرها, ومعنى دلالة الهيئة على تلك النسبة انتقال تلك الصورة الى ذهن سامع الهيئة
فـي ضـمـن سماع اسامي الاطراف والمواد, فان كان غرض المتكلم من احضار تلك الصورة (التي
تـلاحـظ مراة للخارج ) ارادة تفهيم فعلية ذي الصورة مع قطع النظر عن الاستعمال المفروض كان
ذلك اخبارا وان كان غرضه حصول ذي الصورة بذلك الاستعمال والاحضار كان انشاء.
وثـانيا: ان ما ذكره (ره ) من ان الجملة الخبرية مفادها التصديق , وتلك الصورة من قبيل التصور لا
التصديق .
فـفـيه : ان الاعتقاد بثبوت شي ء لشي ء خارجا تصديق بالاصطلاح المنطقي , وغير داخل في مدلول
الـجملة الخبرية بوجه , والتصديق في مدلول الجملة الخبرية هو التصديق باصطلاح علماء الادب ,
وهـو الدلالة على النسبة التي يصح سكوت المتكلم عليها, وهذا حاصل في استعمال الجملة الخبرية
لا محالة فهو تصديق بالاصطلاح الادبي , وان كان تصورا بالاصطلاح المنطقي .
وثـالـثا: ان ما ذكره (ره ) من ان الامور الانشائية يكون حصولها بالاعتبار القائم بالنفس ولا يحتاج
الى اللفظ, بل اللفظ مبرزلذلك الاعتبار, لا يمكن المساعدة عليه , فان الانشائيات وان كان اعتبارها
بـالنفس , الا انها امور ابرازية ايضا, فما لم يكن في البين ابراز لا يحصل ذلك الامر الاعتباري حتى
فـي اعتبار المعتبر, فلو اعتبر الدائن براءة ذمة المديون , ولكن لم يبرزاصلا, لم يكن ابراء بوجه ,
حـتـى بـنـظـره (ره ), فـلـو سـالناه عن ابرائه ذمة زيد -مثلا فلا يصح له ان يقول اخبارا (انه
بـري ءالـذمة ) ويصح ان يقول : (انه بري ء الذمة ) انشاءا, فابراء الذمة لم يحصل حتى بنظر المعتبر
قبل الابراز, فكيف يعتبره موجودا قبل الابراز؟
فـالمختار في المقام هو ان الموضوع له و المستعمل فيه للهيئة هي صورة النسبة الخارجية , ولكن
هذه الصورة ليس لها استقلال بل متدلية في اطرافها وانها خصوصية لها على نسق ما ذكرنا في معاني
الحروف , وقد اغمض في وضع الهيئات عن كون تلك الصورة في افق النفس كما هو الحال في وضع
الاسماء وغيرها.
ومـعنى دلالة الهيئة على تلك النسبة انتقال تلك الصورة الى ذهن سامع الهيئة في ضمن سماع اسامي
الاطـراف والـمـواد, فان كان غرض المتكلم من احضار تلك الصورة (التي تلاحظ مراة للخارج )
ارادة تـفـهيم فعلية ذي الصورة مع قطع النظر عن الاستعمال المفروض , كان ذلك اخبارا, وان كان
غرضه حصول ذي الصورة بذلك الاستعمال والاحضار,كان انشاء.
وقد ظهر مما ذكرنا ان قول المخبر (بعت داري بكذا) في مقام الاخبار, وقول منشي ء البيع في مقام
انشائه (بعت داري بكذا) لا يختلفان في المستعمل فيه , بل المستعمل فيه في كلا المقامين هوصورة
وقوع البيع خارجا, ولكن الغرض من القاء تلك الصورة الى ذهن المخاطب يختلف , ففي مقام الاخبار
يكون غرضه ان يفهم السامع الوقوع الخارجي , مع قطع النظر عن هذا الاستعمال , سواء كان السامع
بـعد التفاته الى وقوعه بصورته جازما به او ظانا او شاكا او حتى جازما بالعدم , ولذا يصح ان ينسب
الى المتكلم انك ذكرت لنا وقوع البيع , كمايصح للمتكلم ان يقول : ذكرت لكم وقوع البيع , وفي مقام
الانشاء يكون غرضه من احضار صورة وقوع البيع هو ان يتحقق ذو الصورة خارجا بذلك الاحضار
بالتكلم او بغيره , فلو باع الوكيل متاعا وحين انشاء الوكيل البيع قال المالك لشخص اخر: (بعت مالي )
اخـبـارا بـبـيع وكيله , لم يكن قول المالك انشاءا, بل هو اخبار, يخالف قول وكيله لمشتري المتاع :
(بعت ) فانه انشاء.
وبـالـجـمـلـة الانشاء هو احضار صورة وقوع الشي ء بالتكلم او بغيره , لغرض تحقق ذي الصورة
خـارجـا بـالاعتبار, سواء كان احضار تلك الصورة بنحو المعنى الحرفي او بنحو المعنى الاسمي ,
فـقـولـه للمخاطب : (اضرب زيدا) وقوله : (اطلب منك ضرب زيد) انشاءا كلاهما احضار لصورة
الـبـعـث المتعلق بضرب المخاطب الاانـه في الاول بنحو المعنى الحرفي , وفي الثاني بنحو المعنى
الاسمي , وبكل منهما يحصل البعث خارجا ولو بالاعتبار.
نـعم مقتضى ما تقدم هو ان الانشائية والاخبارية انما تنشئان من الغرض من نقل صورة وقوع الشي ء
خـارجـا الـى ذهـن الـسامع , لا ان الهيئة في الجملات لا دلالة لها على تعيين الغرض من الاحضار
بـالـوضـع , فان هذا امر لا يمكن انكاره , فهيئة ويمكن ان يقال المستعمل فيه في مثل اسماء الاشارة
(1).
(اضرب ) وان كانت توجب انتقال صورة بعث المخاطب نحو الضرب ولو بنحو المعنى الحرفي , الا
انها تدل ايضا على تعيين الغرض وهو ايجاد الطلب خارجا.
كـمـا ان الجملة الخبرية بهيئتها تدل على ان الغرض من الاحضار حكاية حصول ذي الصورة , ولذا
تـكـون ارادة الانشاء من الجملة الخبرية محتاجة الى القرينة ولكن لايصح ارادة الاخبار من الهيئة
الـمـوضوعة للانشاء فلا يصح قوله للمخاطب (بع المال ) اخبارا بالبيع , لان الكلام الدال على طلب
الـبـيـع من المخاطب لا يناسب اخباره به , فان الطلب منه يستلزم عدم حصول البيع فعلا, والاخبار
والـحـكـايـة يتوقف على الفراغ عن حصوله , فالاخبار بوقوع شي ء بالجملة الانشائية يشبه طلب
الحاصل الركيك , بخلاف استعمال الجملة الاخبارية لغرض انشاء طلبه , فان التعبير عن طلب شي ء
بـوقـوعـه ولـو مـستقبلا يناسب شدة الطلب والشوق والوثوق بالفاعل , وهذه مناسبة توجب حسن
استعمال الجملة الخبرية في مقام الانشاء.
الوضع في اسماء الاشارة
(1) ظـاهـر كـلامـه (ره ) ان الموضوع له والمستعمل فيه في اسماء الاشارة والضمائر وسائر الاسـمـاء الـمبهمة كالموصولات ,هو معنى عام كالمفرد المذكر, بان يكون لفظ (هذا) مرادفا للفظ
الـمفرد الموصوف بالتذكير, غاية الامر الاختلاف بينهمابالوضع حيث ان لفظ (هذا) موضوع لذلك
الـمـعنى العام على ان يشار اليه عند استعماله فيه بالاشارة الخارجية , كما ان الضمير الغائب كلفظ
(هـو) مـوضـوع لـه بـشـرط ان يـشـار اليه بالاشارة المعنوية , ولم يؤخذ في ناحية الموضوع
لـه والـمستعمل فيه قيد, وانما اخذ في ناحية نفس الوضع , كما تقدم في معاني الحروف , وعلى ذلك
فـضمير المخاطب مثلا يكون لنفس ذلك المعنى العام يعني الفرد الموصوف بالتذكير, ويكون وضعه
له مشروطا بالتخاطب معه عنداستعماله في ذلك المعنى .
وبـالـجـملة دعوى ان الموضوع له والمستعمل فيه في الاسماء المفروضة كالوضع فيها عام وانما
الـخـصوصية والتشخص ناشئة من الاشارة والتخاطب , حيث ان الاشارة لا تكون الا الى الشخص ,
والخطاب لا يكون الا مع الشخص , غيربعيدة .
اقـول : لا يـنـبغي التامل في ان لفظ (هذا) لا يكون مرادفا للمفرد المذكر المشار اليه او معنى لفظ
المفرد المذكر عندالاشارة اليه , نعم لو قيل : ان (هذا) اسم لما يصح اطلاق عنوان المفرد المذكر
عـلـيـه عـنـد الاشارة اليه , صح , سواء كان مايطلق عليه من قبيل الموجود الخارجي او الموجود
الذهني او معنى من المعاني المفردة او التركيبية .
ولا يعتبر في استعمال (هذا) كون الاشارة خارجية , بل ربما تكون الاشارة معنوية , كما في قولك :
(الانسان مدرك للكليات ), وبهذا يمتاز عن سائر الحيوانات حيث ان الاشارة بهذا في المثال معنوية ,
وكما في قولك : (الانسان كلي يصدق على كثيرين , وهذه الكلية ليس موضعها الانسان الخارجي ).
نـعـم ضـمـيـر الغائب كهو تكون الاشارة فيه معنوية الى السابق ذكرا او ذهنا, بخلاف ضمير
الخطاب , فانه للاشارة الى المخاطب الحاضر حقيقة او ما يكون بمنزلة الحاضر, وبما ان خصوصية
الاشـارة مـسـتـفـادة مـن اللفظ, فكيف لا تكون داخلة في معناه ولو بنحو التقيد؟ ثم ان الاشارة في
اسـتـعـمـال (هـذا) في الخارجيات بمثل الاصبع ونحوه انما هو لتعيين المشار اليه لا لخصوصية
الاشارة , كما يظهر للمتدبر.
صحة استعمال اللفظ فيما يناسب ما وضع له بالطبع او بالوضع (1).
ومما ذكرنا يظهر ان الوضع في تلك الاسماء عام , والموضوع له خاص , ولانعني بالخاص , الجزئي
الـخـارجـي , بل ماينطبق عليه عنوان الفرد المذكر ولو كان في نفسه معنى من المعاني وطبيعة من
الطبائع , كما لا يخفى .
الاستعمال المجازي
(1) الـمراد بصحة الاستعمال حسنه عند اهل المحاورة , بان لا يستهجن عندهم استعمال اللفظ في الـمـعـنـى الـمفروض ,وهل الصحة محتاجة الى الوضع بمعنى ترخيص الواضع في خصوص ذلك
الاسـتعمال (ويسمى بالوضع الشخصي ) اوترخيصه في نوع ذلك الاستعمال بان يرخص الاستعمال
فـيـمـا كانت بين الموضوع له والمستعمل فيه احدى العلاقات المعروفة , او لا تحتاج الى شي ء من
ذلـك , بل كل استعمال لايكون مستهجنا عنداهل اللسان وكان استعمالا للفظ فيمايناسب معناه عندهم
فـهـو صـحـيـح , حـتـى مـع مـنـع الـواضع عنه فضلا عن عدم ترخيصه , وكل مايكون مستهجنا
عندهم ولاتقبله الطباع فهو غير صحيح حتى لو رخص الواضع فيه .
قـال سـيدنا الاستاذ (ره ): ان البحث في ان المجاز محتاج الى وضع شخصي او نوعي , يتوقف على
امرين :
احـدهـمـا: ثبوت الاستعمالات المجازية , بان يستعمل اللفظ الموضوع لمعنى في غير ذلك المعنى ,
وامـا بناء على ما ذهب اليه السكاكي في باب الاستعارة من ان اللفظ يستعمل دائما في معناه الموضوع
لـه ويـكـون تطبيقه على غيرمصداقه , بدعوى انه فرده , فلا يبقى مجال لهذا البحث , والصحيح ما
ذهـب الـيـه الـسكاكي والوجه فيه انـه يفهم الفرق بين قول القائل : (زيد اسد, او انـه قمر) وبين
قـولـه : (زيـدشجاع , او انـه حسن الوجه ) حيث يفهم المبالغة من الاول دون الثاني , ولو كان لفظ
(اسد) او (قمر) مستعملا في معنى الشجاع او حسن الوجه لما كان بينهما فرق .
ثـانـيهما: الالتزام بان الوضع غير التعهد والالتزام بارادة المعنى الفلاني عند ذكر هذا اللفظ, والا
فبناء على مسلك التعهديكون كل مستعمل متعهدا بارادة ذلك المعنى منه عند ذكره بلا قرينة وارادة
مـنـاسـبـه عند ذكره مع القرينة سواء كان تعيين ذلك المعنى المناسب ايضا بالقرينة كما في الوضع
النوعي , او بما عينه اولا, كما في الوضع الشخصي ((26)) .
اقـول : مـا ذهـب الـيـه الـسكاكي من الالتزام بالعناية والمجاز في الاسناد والتطبيق , لا يعم جميع
الاستعمالات المجازية ليقال ان امر التطبيق خارج عن شان الواضع , بل ذكر ذلك في الاستعارة وهي
مـا يكون بعلاقة المشابهة في اظهرالاوصاف والخواص , واما في موارد سائر العلاقات فلا ينبغي
انكار استعمال اللفظ في غير معناه الموضوع له , كما في قوله : (من قتل قتيلا) وقوله : (راس القوم )
وارادة رئيـسهم , و(عين القوم ) وارادة حارسهم , و(اعتق رقبة ) وارادة العبدوالمملوك , الى غير
ذلـك مـن الـمـوارد الـتـي لا يـنتقل ذهن السامع فيها الى المعاني الاولية للالفاظ, وانما ينتقل الى
المعاني التي يستعمل فيها اللفظ (ولو بالقرينة ), حتى مع جهله بالمعاني الحقيقية , وهذا بخلاف (زيد
اسد) او (ان وجهه قمر).
واما عدم جريان النزاع على مسلك التعهد فلا يتم ايضا, وعلى تقديره ايضا يكون للبحث مجال , وذلك
لان الوضع ينسب الى المتعهد الاول , ولذا يقال في كما اذا قيل ضرب مثلا فعل ماض (1).
او صنفه كما اذا قيل (زيد - في ضرب زيد - فاعل ) اذا لم يقصد شخص القول او مثله كضرب في
المثال فيما اذاقصد.
جـواب مـن سـال : من سمى الولد بهذا الاسم ؟ سماه ابوه , ولو لم يكن الوضع مستندا الى السابق في
التعهد لم يكن للسؤال والجواب مجال , وعلى ذلك يقع الكلام في ان استعمال اللفظ المفروض في معنى
اخر يحتاج الى رخصة الشخص المفروض شخصا او نوعا, او ان كل ما تقبله الطباع من الاستعمال
يصح ولو مع منع ذلك الشخص .
استعمال اللفظ في اللفظ
(1) الـتـزموا بصحة استعمال اللفظ في اللفظ, بان يكون اللفظ دالا على ارادة اللفظ الاخر, فيكون اللفظ الاخر مدلولاوصححوه في استعمال اللفظ في نوعه واستعماله في صنفه واستعماله في مثله .
فـالاول كما اذا قيل : (ضرب فعل ماض ) اذ من الظاهر ان الملفوظ ليس بالفعل الماضي بل هو مبتدا
في الكلام ,والذي هو فعل ماض ما يقال عند الاخبار بوقوع الضرب بنحو التحقق , واذا اراد المتكلم
بـقـوله (ضرب ) طبيعي لفظضرب (الذي يقال عند الاخبار بوقوع الضرب بنسبة تحقيقية ) يكون
ذلك الطبيعي من قبيل المعنى لما تلفظ به , فيكون الملفوظ دالا وذلك الطبيعي مدلولا.
والثاني فيما اذا قال : (زيد في ضرب زيد, فاعل ) ولم يرد شخص ما ذكره من (ضرب زيد) بل كان
مـراده : ان كـلماذكر زيد بعد (ضرب ) في مقام الاخبار فهو فاعل , وعليه فان لفظ زيد الذي ذكره
اولا دال وزيد الثاني مدلول , وهو من قبيل ارادة الصنف لا النوع اذ لا يشمل كل افراد لفظ زيد حتى
الـواقـعة غير فاعل , مثل (زيد ضرب ), بل خصوص افراده الواقعة فاعلا في مقام الاخبار من اي
متكلم , فالمراد الصنف من لفظ زيد لا النوع .
والـثـالـث نفس المثال , فيما اذا اراد من لفظ زيد الذي ذكره اولا, لفظ زيد فيما تكلم به من شخص
القول وهو من قبيل استعمال لفظ زيد في مثله .
ومـما ذكرنا يظهر ان قول المصنف (ره ): كضرب في المثال فيما اذا قصد من سهو القلم , ولابد
من تبديله الى قوله ك(زيد في المثال فيما اذا قصد شخص القول ).
ثـم اراد (ره ) بـقوله : و قد اشرنا الى ان صحة الاطلاق ... الخ ما تقدم منه في الامر الثالث من ان
صـحـة اسـتعمال اللفظ في غير ما وضع له بالطبع , وزاد عليه بالاستشهاد له بوقوع هذا النحو من
الاستعمال في الالفاظ المهملة , كما اذا قيل (ويز)مهمل . ودعوى ان الالفاظ المهملة انما يطلق عليها
الـمـهـملة لعدم وضعها لمعنى على حد سائر الالفاظ, ولا ينافي ذلك كونها موضوعة للاستعمال في
نوعها او صنفها او شخصها, واضحة البطلان .
واختلفوا فيما اذا ذكر لفظ واريد منه شخصه , كما اذا قيل : (زيد لفظ) واريد منه شخص الملفوظ
لا نـوعـه وصـنفه ومثله ,فان كون ذلك من قبيل استعمال اللفظ في المعنى محل اشكال , لان شخص
الـمـلـفـوظ ان كـان دالا ومدلولا لزم اتحادالدال والمدلول , وان كان دالا فقط, لزم تركب القضية
الـمـحـكـيـة مـن جـزئيـن المحمول والنسبة , مع ان تلك القضية لابد من تركبها من ثلاثة اجزاء:
الموضوع , والمحمول , والنسبة , فانه لا يمكن تحقق النسبة بدون المنتسبين .
واجاب الماتن (ره ) عن الاشكال بوجهين :
الاول : انـه يكفي في تعدد الدال والمدلول , تعددهما بالاعتبار, ولا يلزم التعدد الخارجي , فاللفظ بما
انـه صادر عن لافظه دال وباعتبار انه بنفسه وبشخصه مراد, يكون مدلولا.
والثاني : ان القضية المعقولة وان امتنع تركبها الا من ثلاثة اجزاء, الا ان القضية الملفوظة لا يمتنع
تـركـبها من جزئين ,وبيان ذلك انه اذا امكن للمتكلم احضار الموضوع في القضية المعقولة في ذهن
الـسـامـع بـلا توسيط استعمال اللفظ, كانت الاجزاء في القضية المعقولة تامة بلا حاجة الى الاتيان
بـالـحاكي عنه , وفيما اذا تلفظ بلفظ واريد شخصه في ثبوت المحمول له تتم القضية المعقولة , ولا
يكون في ناحية الموضوع استعمال للفظ في المعنى اصلا.
اقـول : اما الجواب الاول فهو لا يفيد شيئا, لان الكلام في المقام في الدلالة اللفظية واستعمال اللفظ,
بـان يـكون خطور اللفظ الى ذهن السامع اولا, وخطور معناه بتبعه ثانيا, ولو ببركة القرينة , وهذه
الـدلالة تحتاج الى تعدد اللفظوالمعنى حقيقة , واما دلالة صدور اللفظ من لافظه على ارادة اللافظ
ذلك اللفظ, فهي دلالة عقلية , فان اللفظ في كل مورد صدر من متكلم عاقل , يكون كاشفا عقلا عن تعلق
ارادة الـلافـظ ولـحاظه به , ولا يختص ذلك بالتلفظ بل يجري في كل فعل صادر عن فاعل مختار,
فـيـكون صدوره كاشفا عن تعلق قصد فاعله به ولحاظه اياه , واين هذا من الدلالة اللفظية واحضار
المعنى الى ذهن السامع بتبع احضار اللفظ؟
ومـما ذكرنا يظهر انه لا يمكن المساعدة على ما ذكر المحقق الاصفهاني (ره ) في المقام في توجيه
كفاية التعدد الاعتباري بين الدال والمدلول , من ان التضايف بين الشيئين لا يقتضي التقابل بينهمامطلقا
بان يكون لكل من المتضائفين وجود مستقل , بل التقابل ينحصر بالموارد التي يكون بين الشيئين تعاند
وتـنـاف فـي الاتـحـاد, كـما في العلية والمعلولية والابوة والبنوة , لا في مثل العالمية والمعلومية
والمحبية والمحبوبية , فان النفس من كل انسان عالمة ومعلومة لها, ومحبة لها ومحبوبة لها, والدلالة
-اي كـون الـشـي ء دالا ومدلولا من هذا القبيل , ولذا وردفي دعاء ابي حمزة الثمالي : وانت دللتني
عليك ((27)) .
ووجـه الظهور ان الكلام في المقام في الدلالة اللفظية واستعمال لفظ في معنى , والمراد بها ما تقدم ,
مـن انـتـقـال ذلـك المعنى الى ذهن السامع بنقل اللفظ اليه , وهذه تكون من قبيل العلية والمعلولية في
الانتقال , فلا يعقل اتحاد الدال والمدلول خارجا, واما الدلالة في دعاء ابي حمزة الثمالي وانت دللتني
عليك فهي كون شي ء منشا للعلم به .
ومـن الـظـاهر ان اللّه سبحانه نفسه منشا لعرفان الخلائق اياه , فانه الذي هو خالق الاشياء ومكون
الاجرام الفلكية والكونية ومركب الانسان وغيره من سائر الحيوانات , فيكون كل ذلك معرفا لقدرته
وعـظـمته وجبروته وحكمته , فان البناء بعظمته يكشف عن مهارة بانيه وبالتالي تظهر مهارة الباني
بمهارته نفسه .
وامـا مـا ذكـره في الجواب ثانيا من احضار الموضوع والقائه الى ذهن السامع بلاتوسيط استعمال
الـلفظ, فهو امرصحيح , لان الاستعمال انما يحتاج اليه فيما اذابل يمكن ان يقال انه ليس ايضا من هذا
الباب ما اذا اطلق اللفظ واريد به نوعه او صنفه (1).
لـم يـمكن القاء المعنى ونقله الى ذهن السامع بلا توسيط, واما اذا كان مقصود المتكلم ومراده نفس
الـلفظ والحكم عليه ,فلا موجب للاستعمال بل لا مصحح له , وعليه فلا يكون من باب استعمال اللفظ
في المعنى , كما تقدم .
(1) ثـم انه (ره ) قد اجرى ما ذكره في ذكر اللفظ وارادة شخصه -من عدم كون ارادة الشخص
من قبيل استعمال اللفظ, بل من القاء الموضوع بلا توسيط الاستعمال - على ما اذا ذكر اللفظ واريد به
نوعه او صنفه , وذكر انه يمكن في موارد ارادة النوع او الصنف ان يحكم على اللفظ -اي الملفوط-
بـمـا هو فرد ومصداق من الطبيعي , فيقال : زيد ثلاثي , او بما هو فردمن صنف نوعه بان يقال : زيد
المذكور في اول الكلام مرفوعا مبتدا, الى غير ذلك .
ولـكـن قـد التزم باستعمال اللفظ في اللفظ في موارد ارادة المثل كما انه التزم في اخر كلامه بانه
يـمـكن في مواردارادة النوع او الصنف كونه بنحو القاء الموضوع كما تقدم , ويمكن كونه من قبيل
اسـتـعمال اللفظ في المعنى , كما اذا جعل اللفظ مراة وحاكيا عن نوعه او صنفه , فانه كموارد ارادة
المثل , يكون مستعملا في المعنى وحاكيا عنه .
ثم ذكر (ره ) ان الاستعمالات المتعارفة في موارد ارادة النوع ليست من قبيل القاء الموضوع حيث
ان الحكم المذكور في الكلام ربما لا يعم نفس الملفوظ كما في قولنا: (ضرب فعل ماض ) حيث ان ما
تـلـفـظ به ليس بفعل ماض , بل هو مبتدا في الكلام . ومن الظاهر ان ما ذكره في النوع من عدم عموم
الـحـكـم يـجـري فـي ارادة الـصـنـف ايضا, فهذه المواردتكون من قبيل استعمال اللفظ في اللفظ
ولكن الاستعمال فيها ليس بحقيقة , لعدم الوضع , كما انـه ليس بمجاز, لعدم لحاظ العلاقة بين المعنى
الـحـقـيقي والمستعمل فيه , لجريان الاستعمال في المهملات ايضا, وهذا هو المراد من قوله (ره )
فيما ياتي في بحث الحقيقة الشرعية : وقدعرفت سابقا انه في الاستعمالات الشائعة في المحاورات
ما ليس بحقيقة ولا مجاز ((28)) .
لا يـقـال : مـا الـفرق بين ارادة المثل وقد التزم (ره ) فيه بالاستعمال وبين ارادة الصنف فالتزم فيه
بامكان الوجهين من الاستعمال والقاء الموضوع بنفسه .
فـانـه يـقـال : كانه (ره ) نظر الى ان مقتضى كون شي ء مثلا للاخر هو الاثنينية فيهما, ولذا يلزم
اجتماع المثلين , بخلاف موارد ارادة الصنف , فانه يمكن وجود فرد من الصنف والحكم عليه بما هو
فرد, كما اذا قيل : زيد في اول الكلام مبتدا,ولذا يكون الحكم المذكور شاملا لنفس ذلك اللفظ.
اقـول : الصحيح عدم الفرق بين موارد ارادة الشخص وبين موارد ارادة المثل والصنف والنوع , فان
شيئا منها ليس من قبيل استعمال اللفظ في اللفظ, وذلك لانـه كما يكون المعنى كليا ويرد عليه التقييد
بـحيث لا ينطبق معه الا على واحد, كذلك نفس اللفظ واذا اريد طبيعي الملفوظ يعني زيد مع هيئته
وقـيد بكونه بعد شخص (ضرب ) ينطبق على الواقع بعده ولا يعم غيره , فيكون الحكم في القضية
على فرد خاص لا بصورته الخاصة , بل بالعنوان المنطبق عليه خاصة , ولو ببركة التقييد.
لا يـقـال : الـقابل للتقييد والانطباق على الفرد هو الطبيعي , لا الشخص , وبالتلفظ بلفظ زيد, يوجد
الـشـخـص لاالطبيعي القابل للتقييد, ففي مورد ارادة المثل لا ريب في كون الالفاظ موضوعة بازاء
معانيها (1).
لابد من الالتزام بالاستعمال .
فـانه يقال : تقييد الطبيعي بقيد بحيث لا ينطبق معه الا على واحد يكون في موطن النفس , فلا ينافي
ذلـك كـونه شخصابالتلفظ به , فهو -مع قطع النظر عن تشخصه باللفظ- يكون كليا في افق النفس ,
وقد قيد فيه وحكم عليه بما ذكر.
وبالجملة الاطلاقات المتعارفة في موارد الحكم على اللفظ كلها من قبيل القاء الموضوع في الخارج
بـنفسه لابلفظه . وما ذكره (ره ) من ان الحكم في القضية قد لا يعم شخص اللفظ كما مثل له بقوله :
ضـرب فعل ماض , وان الملفوظمبتدا لا فعل ماض , لا يمكن المساعدة عليه , حيث ان (ضرب ) فيما
اذا اسـتعمل في معناه الموضوع له يكون ماضيا,واما مع عدم استعماله في المعنى المفروض وارادة
نـفـس الـصـيـغـة كما هو المفروض يمكن الحكم عليه فيكون مبتدا.وبتعبير اخر: يكون المراد
(ضـرب ) فـي المثال السابق على تقدير استعماله في معناه الموضوع له فعلا ماضيا لا مطلقا,كما لا
يخفى . نعم يمكن الحكم عليه بما اذا لم يقيد بحال استعماله في المعنى , كما في قولنا: (ضرب لفظ).
خروج القصد عن المعنى
(1) وبـيـانـه انــه يتحقق الاستعمال بامرين : الاول لحاظ المتكلم المعنى , وثانيهما كون قصده من الاستعمال الالتفات اليه بان يحضر ذلك المعنى الى ذهن السامع بتبع التفاته الى اللفظ اولا, وقد ذكر
(ره ) سابقا خروج الامر الاول -يعني لحاظالمعني - عن حريم الموضوع له والمستعمل فيه , وان
المستعمل فيه اللفظ كالموضوع له , نفس المعنى .
ويذكر في المقام خروج الامر الثاني عن حريمهما وان القصد المفروض كاللحاظ غير ماخوذ في
معاني الالفاظ,واستشهد للخروج بامور:
الاول : ان القصد المفروض مقوم للاستعمال ومحقق له فلا يؤخذ في الموضوع له والمستعمل فيه ,
كاللحاظ.
والـثاني : صحة الحمل والاسناد في الجمل بلا تصرف في اطرافها, فان الالفاظ لو كانت موضوعة
لـلـمعاني بما هي مرادة , لما صح الاسناد والحمل فيها بلا تجريد في اطرافها, مع ان المحمول على
زيد في (زيد قائم ) والمسند اليه في (ضرب زيد) نفس القيام والضرب لا بما هما مرادان , وكذلك
الامر في ناحية الموضوع والفاعل , فان الموضوع والفاعل هو زيد لا بما هو مراد.
والـثـالث : ان اللازم على تقدير اخذ القصد المفروض في المعاني هو كون الوضع في عامة الالفاظ
خاصا,والموضوع له خاصا, لان ما يتوقف عليه الاستعمال بل مقومه ليس هو مفهوم الارادة والقصد,
بل ما يكون بالحمل الشائع ارادة وقصدا واخذ واقع القصد في معنى اللفظ يوجب جزئيته .
اقـول : كـلامه كما ذكرنا ناظر الى خروج قصد المعنى عن الموضوع له والمستعمل فيه , واما ان
الـقـصد المفروض ليس شرطا في ناحية الوضع نظير ما التزم به في المعنى الحرفي والاسمي من
كـون اللحاظ الالي شرطا في وضع الحرف ,والاستقلالي شرطا في وضع الاسم , فليس في كلامه
تـعرض لابطال ذلك . ولقائل ان يقول : بما ان الوضع في الالفاظ امربنائي , فلا محالة يختص بصورة
خاصة , وهي ذكر اللفظ في مقام قصد المعنى وارادة انتقاله الى ذهن السامع .
وامـا مـع ذكره في غير هذا المقام فلم يتعلق باللفظ تعيين وقرار, فيكون نفس الوضع مقيدا بصورة
اراده التفهيم لاالموضوع له والمستعمل فيه , ليرد عليه لزوم التجريد في مورد الحمل او الاسناد
او كون الوضع في عامة الالفاظ عاماوالموضوع له خاصا.
وما ذكر من خطور المعنى الى الذهن عند سماع اللفظ ولو من غير شاعر لاينافي اشتراط الوضع
بـالـقـصـد, فـان الخطورالمفروض لا يستند الى الوضع , بل الى انس الاذهان بتلك المعاني من تلك
الالـفاظ, ولذا يخطر المعنى ولو مع تصريح الواضع باختصاص وضعه بصورة قصد التفهيم , وحيث
ان قـصد التفهم لابد من احرازه بوجه , فلو احرز تكون الالفاظمعينة للمعاني بمقتضى قرار الوضع
والتعيين , وقد جرت سيرة اهل المحاورات عند صدور كلام عن متكلم عاقل على حمله على ارادة
التفهيم ما لم يكن في البين قرينة على الخلاف .
والـحـاصل ان الدلالة التصديقية التي ذكرها المصنف في ذيل كلام العلمين 0 عين الدلالة الوضعية
وان الدلالة التصورية -يعني خطور نفس المعني من نفس اللفظ عند سماعه باي نحو كان - ناشئة عن
انس الذهن بالاستعمال ولا يكون في اشتراط الوضع بذلك شي ء من المحاذير المتقدمة .
ولكن الصحيح انه كما لا اشتراط في ناحية المستعمل فيه كذلك لا اشتراط في ناحية الوضع ايضا,
وذلـك لانـه ان كان الماخوذ في ناحية الوضع مطلق ارادة التفهيم في مقابل التلفظ غفلة وبلا ارادة ,
فهذا لا يحتاج الى الاشتراط, لان الاستعمال لايكون بدون تلك الارادة وانما يمكن اشتراط شي ء في
الوضع اذا امكن استعمال اللفظ بدونه لو لاالاشتراط, والا يكون الاشتراط لغوا, وان كان الماخوذ
ارادة خاصة كما توهمه بعض الافاضل (1).
كـالارادة الـمتعلقة بتفهيم المعنى الفلاني مثلا, فاشتراطها في الوضع غير معقول , لانـه على ذلك
يـلـزم عـلى السامع احرازان المتكلم يريد المعنى المفروض من الخارج لانـه شرط دلالة اللفظ,
وهـذا فـي الحقيقة ابطال لدلالة الالفاظ, فتحصل من جميع ذلك ان اللفظ في مقام الوضع يتعين لذات
المعنى , من غير ان يؤخذ اللحاظ او الارادة والقصد في ناحية المعنى او في ناحية الوضع .
تبعية الدلالة للارادة
(1) وحاصل التوهم هو ان ما حكي عن العلمين 0 من تبعية الدلالة للارادة , ظاهره ان ثبوت المدلول لـلكلام تابع وموقوف على ارادة المتكلم له , بان يكون قصد المعنى قيدا للمعنى , والا لم يكن المدلول
موقوفا وتابعا للارادة .
وبـتعبير اخر: حيث ان ظاهر كلام العلمين 0 توقف ثبوت المدلول للكلام على ارادة المتكلم بحيث
لا يثبت المدلول فيما لم يكن له ارادة , يلزم اخذ الارادة في معانى الالفاظ.
ودفع (ره ) التوهم بان للكلام مدلولين :
الاول : المدلول التصوري , وهو الناشى من العلم بوضع الالفاظ, بان يكون سماع اللفظ موجبا للانتقال
الى معناه فيما كان السامع عالما بوضعه , وهذا المدلول ثابت للكلام على كل تقدير, وغير موقوف على
قصد المتكلم وارادته .
والثاني : المدلول التصديقي , وهو كون المتكلم قاصدا لتفهيم المعاني المقررة في وضع تلك الالفاظ,
وهـذه الـدلالة لا تثبت بمجرد العلم بالوضع , ولذا لابد فيها من احراز كون المتكلم في مقام التفهيم
لـيحرز قصده تلك المعاني من تلك الالفاظوكلام العلمين 0 ناظر الى هذه الدلالة الموقوفة والتابعة
للقصد والارادة .
لا يـقـال : هـذه الدلالة ايضا لا تتبع قصد المتكلم , فان المدلول التصديقي يثبت في موارد عدم ارادة
المتكلم , كما في مقام الخطا والاعتقاد بارادة شي ء مع انـه لم يكن ذلك الشي ء مرادا للمتكلم .
فانه يقال : لا يكون في هذه الموارد دلالة حقيقة , بل تخيل دلالة يحسبها الغافل دلالة .
اقول : الدلالة التصديقية ايضا على قسمين :
الاول : الـدلالة التصديقية الاستعمالية , وهذه الدلالة تتبع قصد التفهيم , فانه اذا قصد المتكلم تفهيم
امر واتى بالكلام على وفق وضع الالفاظ المقررة للمعاني ثم جزم السامع بان ما افهمه المتكلم بكلامه
امر اخر, يكون ذلك من خطا السامع وتخيله , لا من المتكلم .
والـثـانـي : الـدلالة التصديقية , بالمراد الجدي يعني كشف المراد الجدي باصالة التطابق بين مراده
الاسـتـعمالي ومراده الجدي وهذه الدلالة -المعبر عنها باصالة التطابق تثبت ولا تتبع ارادة المتكلم
جـدا, لـما افهم بكلامه كما في موارد الافتاء تقية . وبتعبير اخر: هذه الدلالة لا تتبع ارادة المتكلم
واقـعـا وجـدا, ولا يـنـافـيها عدم ارادته كذلك , وانما ينافيهاالعلم بالخلاف او نصبه القرينة على
الخلاف , كما لا يخفى . وعلى ذلك فان اراد العلمان 0 تبعية هذه الدلالة التصديقية لارادة المتكلم , فقد
ذكرنا عدم تبعيتها لها, وان اراد التبعية في ثبوت الدلالة الاستعمالية فلها وجه , كما تقدم .
لا وجه لتوهم وضع المركبات غير وضع المفردات (1).
الوضع في المركبات
(1) بـان يـقال : المركب بما هو مركب -مادة وهيئة - قد وضع لمعنى بوضع اخر زائدا على وضع مفرداته في ناحية موادها شخصيا, وفي ناحية هيئات مفرادته نوعيا, وقوله (ره ): ومنها خصوص
هيئات المركبات عطف على قوله :بهيئاتها المخصوص يعني من الهيئات الطارئة على المواد هيئات
المركبات , كهيئة المبتداوالخبر, مع ا داة التاكيد او مع غيرها او بدونهما.
ثـم ان ظـاهـر كلامه وكلام غيره ان الوضع في مثل (زيد قائم ) و(ضرب زيد عمرا) في ناحية
موادهما شخصي وفي جهة الهيئات نوعي .
ولنا ان نتسائل : كيف صار الوضع في ناحية المواد شخصيا, وفي ناحية الهيئات نوعيا؟
فـان قـيل : بان الواضع حين وضع المواد لاحظ مادة مخصوصة بحيث لا تعم سائر المواد ووضعها
لمعنى , ولذا صارالوضع في ناحية الماده شخصيا.
فيقال : بان الوضع في ناحية الهيئات ايضا كذلك , فان الواضع حين الوضع لاحظ هيئة خاصة بحيث لا
تعم سائرالهيئات , مثلا لاحظ هيئة (الفاعل ) بخصوصها ولم يكن الملحوظ شاملا لهيئة (مفعول ) او
غيرها.
وان قـيـل : ان الـملحوظ حين وضع هيئة (فاعل ) كان شاملا لجميع جزئياتها الطارئة على المواد
المختلفة بالنوع وبهذا الاعتبار سمي وضعها نوعيا.
فـانـه يـقـال : الـمـلحوظ عند وضع المادة ايضا كان شاملا لجميع جزئياتها الطارئة عليها الهيئات
الـمـخـتلفة بالنوع ,وبالجملة لم يظهر وجه لتسمية الوضع في ناحية الهيئة نوعيا وفي ناحية المادة
شخصيا.
واجـيـب عـن الاشـكال : بان حال الهيئات -حتى في مقام اللحاظ- حال العرض في الخارج , فكما ان
الـعـرض لايـتحقق بلاموضوع كذلك الهيئة لاتكون ملحوظة الافي ضمن مادة , حيث لا يمكن حين
وضـعـها لحاظها بنفسها بخلاف المواد فانهاقابلة للتصور بنفسها, بمعنى انه يمكن للواضع ملاحظة
مـادة من المواد, عارية عن جميع الهيئات المعروفة الموضوعة في مقابل المواد, وعليه فاللازم في
وضع الهيئات احد امرين : اما ملاحظتها طارئة على عنوان جعلي مشير الى الموادالمختلفة بالنوع ,
كـمـا يعبرون عن ذلك ب(ف ع ل ) ويجعلونه مشيرا الى المواد المختلفة . واما ملاحظتها طارئة على
مادة فتوضع هي وما يماثلها من الهيئات لمعناها.
اقـول : عـدم امـكـان لـحاظ الهيئة مستقلا والاحتياج عند وضعها الى احد الامرين لا يكون موجبا
لافـتـراقـهـا عـن المادة بحسب الموضوع , حيث ان الموضوع في كل منها كما ذكرنا هو النوع لا
الـشـخص في احدهما والنوع في الاخر وامكان لحاظ المادة بلا هيئة لا يفيد فيما ذكر في الفرق ,
فـان علماء الادب القائلين بوضع المادة شخصيا والهيئة نوعيا قدصرحوا بان الاصل في الكلام -اي
الـمـشـتقات - هو المصدر او الفعل الماضي , ومرادهم من الاصل ان المادة حين وضعها لوحظت في
ضمن هيئة المصدر او هيئة الفعل الماضي .
وعـلى ذلك فالموضوع ليس خصوص المادة الملحوظة مع هيئة المصدر او الفعل , بل هي وما يكون
منها في ضمن سائر الهيئات فيكون وضعها ايضا نوعيا كالوضع في ناحية الهيئة .
واستدل الماتن (ره ) على عدم وضع اخر للمركب بما هو مركب بامرين :
بداهة انه لولا وضعه لما تبادر (1).
الاول : عدم الحاجة اليه بعد وفاء الوضع في ناحية مواد المركب وهيئاتها لغرض الوضع .
والـثاني : بان لازم ثبوت وضع اخر للمركب بما هو مركب تعدد الانتقال , فباعتبار الوضع في مواده
وهيئاته يكون الانتقال تفصيليا, وباعتبار وضعه بما هو مركب يكون الانتقال اجماليا, كما ينتقل الى ما
يـراد مـن لفظ الدار من المعنى اجمالا بسماع لفظ الدار, وينتقل اليه تفصيلا فيما اذا ذكر العرصة
التي عليها الجدران وفيها البيوت وسائر المرافق ومدخلها من الباب .
التبادر
(1) بـعدما ثبت بطلان الدلالة الذاتية , بحيث يكون اللفظ دالا على معنى بلاجعل قرار, فانه لو كان الـلـفـظ بنفسه مقتضياللانتقال الى معناه لما كان احد جاهلا باللغات , يكون التبادر والانسباق معلولا
لـلعلم بالوضع , ولا ى -كفي فيه ثب -وت الوضع واقعا, فانه من الواضح انه لو لم يكن علم بالوضع لم
يكن انسباق وتبادر, فالانسباق معلول للعلم بالوضع , ولوكان العلم بالوضع ايضا حاصلا من الانسباق ,
كما هو مقتضى جعل التبادر علامة للوضع , لتوقف احراز الوضع على احرازه , وهو الدور.
واجـابـوا عـن ذلـك كما في المتن بان العلم الحاصل من التبادر غير العلم بالوضع الذي يتوقف عليه
الـتـبـادر, فـان الاول عـلـم تـفـصـيـلـي , والـثـاني -يعني ما يتوقف عليه التبادر- علم اجمالي
ارتكازي ,والمراد بالعلم الاجمالي الارتكازي عدم الالتفات فعلا الى المعنى وخصوصياته من سعته
وضيقه , لا الجهل به راسا,واهل اي لغة واصطلاح يعلمون معاني لغتهم بالارتكاز ويلتفتون اليها عند
سماع الفاظها.
اقول : ما يترتب على التبادر كما ذكر لا اهمية له , فان تشخيص المراد الاستعمالي للمتكلم موقوف
عـلى العلم الاجمالي الارتكازي باوضاع الالفاظ هيئة ومادة , لا على العلم التفصيلي , والمفروض ان
العلم الاجمالي لا يحصل بالتبادر, بل التبادر يحصل به .
ثـم ان هذا فيما اذا اريد كون التبادر عند المستعلم (بالكسر) امارة عنده على وضع اللفظ, واما اذا
اريـد كـون التبادرعند اهل المحاورة امارة للمستعلم الجاهل بوضعه , فلا مجال لتوهم الدور, فان
عـلـم الـمـسـتعلم موقوف على التبادر,والتبادر عند اهل المحاورة موقوف على علمهم , وفي هذا
الـفـرض يـستكشف المستعلم من التبادر عندهم وضع اللفظولكن في خصوص ما احرز ان التبادر
عندهم غير مستند الى قرينة خاصة او عامة .
ولا يـفيد مع احتمال الاستناد الى القرينة اصالة عدم القرينة , لان اصالة عدم القرينة او الحقيقة او
غـيـرهما من الاصول اللفظية انما تعتبر فيما شك في مراد المتكلم , لا فيما احرز مراده وشك في
انـه بالقرينة ام بالوضع .
مثلا اذا احرز ظهور كلام الشارع او غيره فعلا, ولكن شك في ان الكلام زمان صدوره ايضا كان
ظـاهرا في هذاالمعنى او كان ظاهرا في غيره لاحتمال النقل او كان والتفصيل ان عدم صحة السلب
عـنـه وصـحة الحمل عليه بالحمل الذاتي الذي كان ملاكه الاتحاد مفهوما علامة كونه نفس المعنى
(1).
زمان صدوره مجملا لاشتراك اللفظ في ذلك الزمان , ثم هجرت سائر معانيه بعد ذلك , ففي مثل ذلك
بـمـا ان الـشك في مراد المتكلم زمان صدور كلامه , تجري اصالة عدم النقل او عدم الاشتراك او
اصالة عدم القرينة الى غير ذلك .