الجزء الخامس من كتاب بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع تأليف الامام علاء الدين ابي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي الملقب بملك العلماء المتوفى سنة 587 هجرية ( الطبعة الاولى )1409 ه 1989 م الناشر المكتبة الحبيبية كانسي رود حاجي غيبي شوك كوئته باكستان
(2)
بسم الله الرحمن الرحيم ( كتاب الاستصناع )يحتاج لمعرفة مسائل هذا الكتاب إلى بيان صورة الاستصناع و معناه و إلى بيان جوازه و إلى بيان حكمه و إلى بيان صفته .( فصل )أما صورة الاستصناع فهي أن يقول إنسان لصانع من خفاف أو صفار أو غيرهما اعمل لي خفا أو آنية من أديم أو نحاس من عندك بثمن كذا و يبين نوع ما يعمل و قدره وصفته فيقول الصانع نعم و أما معناه فقد اختلف المشايخ فيه قال بعضهم هو مواعدة و ليس ببيع و قال بعضهم هو بيع لكن للمشتري فيه خيار و هو الصحيح بدليل ان محمدا رحمه الله ذكر في جوازه القياس و الاستحسان و ذلك لا يكون في العدات و كذا أثبت فيه خيار الرؤية و أنه يختص بالبياعات و كذا يجرى فيه التقاضي و انما يتقاضى فيه الواجب لا الموعود ثم اختلفت عباراتهم عن هذا النوع من البيع قال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة و قال بعضهم هو عقد على مبيع في الذمة شرط فيه العمل وجه القول الاول ان الصانع لو احضر عينا كان عملها قبل العقد و رضى به المستصنع لجاز و لو كان شرط العمل من نفس العقد لما جاز لان الشرط يقع على عمل في المستقبل لا في الماضي و الصحيح هو القول الاخير لان الاستصناع طلب الصنع فما لم يشترط فيه العمل لا يكون استصناعا فكان مأخذ الاسم دليلا عليه و لان العقد على مبيع في الذمة يسمى سلما و هذا العقد يسمى استصناعا و اختلاف الاسامى دليل اختلاف المعاني في الاصل و اما إذا أتى الصانع بعين صنعها قبل العقد و رضى به المستصنع فانما جاز لا بالعقد الاول بل بعقد آخر و هو التعاطى بتراضيهما ( فصل )و اما جوازه فالقياس ان لا يجوز لانه بيع ما ليس عند الانسان لا على وجه السلم و قد نهى رسول الله صلى الله عليه و سلم عن بيع ما ليس عند الانسان و رخص في السلم و يجوز استحسانا لاجماع الناس على ذلك لانهم يعملون
(3)
ذلك في سائر الاعصار من نكر و قد قال عليه الصلاة و السلام لا تجتمع أمتي على ضلالة و قال عليه الصلاة و السلام ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن و ما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح و القياس يترك بالاجماع و لهذا ترك القياس في دخول الحمام بالاجر من بيان المدة و مقدار الماء الذي يستعمل و فى قطعه الشارب للسقاء من بيان قدر المشروب و فى شراء البقل و هذه المحقرات كذا هذا و لان الحاجة تدعو اليه لان الانسان قد يحتاج إلى خف أو نعل من جنس مخصوص و نوع مخصوص على قدر مخصوص وصفة مخصوصة و قلما يتفق وجوده مصنوعا فيحتاج إلى ان يستصنع فلو لم يجز لوقع الناس في الحرج و قد خرج الجواب عن قوله انه معدوم لانه ألحق بالموجود لمساس الحاجة اليه كالمسلم فيه فلم يكن بيع ما ليس عند الانسان على الاطلاق و لان فيه معنى عقدين جائزين و هو السلم و الاجارة لان السلم عقد على مبيع في الذمة و استئجار الصناع يشترط فيه العمل و ما اشتمل على معنى عقدين جائزين كان جائزا ( فصل )و اما شرائط جوازه ( فمنها )بيان جنس المصنوع و نوعه و قدره وصفته لانه لا يصير معلوما بدونه ( و منها )أن يكون مما يجرى فيه التعامل بين الناس من أوانى الحديد و الرصاص و النحاس و الزجاج و الخفاف و النعال و لجم الحديد للدواب و نصول السيوف و السكاكين و القسى و النبل و السلاح كله و الطشت و القمقمة و نحو ذلك و لا يجوز في الثياب لان القياس يأبى جوازه و انما جوازه استحسانا لتعامل الناس و لا تعامل في الثياب ( و منها )أن لا يكون فيه أجل فان ضرب للاستصناع أجلا صار سلما حتى يعتبر فيه شرائط السلم و هو قبض البدل في المجلس و لا خيار لواحد منهما إذا سلم الصانع المصنوع على الوجه الذي شرط عليه في السلم ( و هذا )قول ابى حنيفة رحمه الله و قال أبو يوسف و محمد هذا ليس بشرط و هو استصناع على كل حال ضرب فيه اجلا أو لم يضرب و لو ضرب للاستصناع فيما لا يجوز فيه الاستصناع كالثياب و نحوها اجلا ينقلب سلما في قولهم جميعا ( وجه )قولهما ان العادة جارية بضرب الاجل في الاستصناع و انما يقصد به تعجيل العمل لا تأخير المطالبة فلا يخرج به عن كونه استصناعا أو يقال قد يقصد بضرب الاجل تأخير المطالبة و قد يقصد به تعجيل العمل فلا يخرج العقد عن موضوعه مع الشك و الاحتمال بخلاف ما لا يحتمل الاستصناع لان ما لا يحتمل الاستصناع لا يقصد بضرب الاجل فيه تعجيل العمل فتعين ان يكون لتأخير المطالبة بالدين و ذلك بالسلم و لابي حنيفة رضى الله عنه انه إذا ضرب فيه أجلا فقد أتى بمعنى السلم اذ هو عقد على مبيع في الذمة مؤجلا و العبرة في العقود لمعانيها لا لصورة الالفاظ ألا ترى ان البيع ينعقد بلفظ التمليك و كذا الاجارة و كذا النكاح على أصلنا ( و لهذا )صار سلما فيما لا يحتمل الاستصناع كذا هذا و لان التأجيل يختص بالديون لانه وضع لتأخير المطالبة و تأخير المطالبة انما يكون في عقد فيه مطالبة و ليس ذلك الا السلم إذا لا دين في الاستصناع ألا ترى ان لكل واحد منهما خيار الامتناع من العمل قبل العمل بالاتفاق ثم إذا صار سلما يراعى فيه شرائط السلم فان وجدت صح و الا فلا .( فصل )و أما حكم الاستصناع فهو ثبوت الملك للمستصنع في العين المبيعة في الذمة و ثبوت الملك للصانع في الثمن ملكا لازم على ما سنذكره ان شاء الله تعالى .( فصل )و أما صفة الاستصناع فهي انه عقد لازم قبل العمل في الجانبين جميعا بلا خلاف حتى كان لكل واحد منهما خيار الامتناع قبل العمل كالبيع المشروط فيه الخيار للمتبايعين ان لكل واحد منهما الفسخ لان القياس يقتضى أن لا يجوز لما قلنا و انما عرفنا جوازه استحسانا لتعامل الناس فبقى اللزوم على أصل القياس ( و أما )بعد الفراغ من العمل قبل أن يراه المستصنع فكذلك حتى كان للصانع ان يبيعه ممن شاء كذا ذكر في الاصل لان العقد ما وقع على عين المعمول بل على مثله في الذمة لما ذكرنا انه لو اشترى من مكان آخر و سلم اليه جاز و لو باعه الصانع و أراد المستصنع ان ينقض البيع ليس له ذلك و لو استهلكه قبل الرؤية فهو كالبائع إذا استهلك المبيع قبل التسليم كذا قال أبو يوسف فأما إذا احضر الصانع العين على الصفة المشروطة فقد سقط خيار الصانع و للمستصنع الخيار لان
(4)
الصانع بائع ما لم يره فلا خيار له و اما المستصنع فمشترى ما لم يره فكان له الخيار و انما كان كذلك لان المعقود عليه و ان كان معدوما حقيقة فقد الحق بالموجود ليمكن القول بجواز العقد و لان الخيار كان ثابتا لهما قبل الاحضار لما ذكرنا ان العقد لازم فالصانع بالاحضار أسقط خيار نفسه فبقى خيار صاحبه على حاله كالبيع الذي فيه شرط الخيار للعاقدين إذا أسقط أحدهما خياره انه يبقى خيار الاخر كذا هذا ( هذا )جواب ظاهر الرواية عن ابى حنيفة و أبى يوسف و محمد رضى الله عنهم و روى عن ابى حنيفة رحمه الله ان لكل واحد منهما الخيار و روى عن ابى يوسف انه لا خيار لهما جميعا ( وجه )رواية ابى يوسف ان الصانع قد افسد متاعه و قطع جلده و جاء بالعمل على الصفة المشروطة فلو كان للمستصنع الامتناع من اخذه لكان فيه اضرار بالصانع بخلاف ما إذا قطع الجلد و لم يعمل فقال المستصنع لا أريد لانا لا ندري ان العمل يقع على الصفة المشروطة أو لا فلم يكن الامتناع منه اضرار بصاحبه فثبت الخيار ( وجه )رواية ابى حنيفة رحمه الله ان في تخيير كل واحد منهما دفع الضرر عنه و انه واجب و الصحيح جواب ظاهر الرواية لان في إثبات الخيار للصانع ما شرع له الاستصناع و هو دفع حاجة المستصنع لانه متى ثبت الخيار للصانع فكل ما فرع عنه يتبعه من المستصنع فلا تندفع حاجة المستصنع و قول ابى يوسف ان الصانع يتضرر بإثبات الخيار للمستصنع مسلم و لكن ضرر المستصنع بإبطال الخيار فوق ضرر الصانع بإثبات الخيار للمستصنع لان المصنوع إذا لم يلائمه و طولب بثمنه لا يمكنه بيع المصنوع من غيره بقيمة مثله و لا يتعذر ذلك على الصانع لكثرة ممارستة و انتصابه لذلك و لان المستصنع إذا غرم ثمنه و لم تندفع حاجته لم يحصل ما شرع له الاستصناع و هو اندفاع حاجته فلا بد من إثبات الخيار له و الله سبحانه و تعالى الموفق فان سلم إلى حداد حديدا ليعمل له إناء معلوما بأجر معلوم أو جلدا إلى خفاف ليعمل له خفا معلوما بأجر معلوم فذلك جائز و لا خيار فيه لان هذا ليس باستصناع بل هو استئجار فكان جائزا فان عمل كما امر استحق الاجر و ان افسد فله ان يضمنه حديدا مثله لانه لما أفسده فكانه اخذ حديدا له و اتخذ منه آنية من اذنه و الاناء للصانع ألان المضمونات تملك بالضمان .( كتاب الشفعة )الكلام في هذا الكتاب يقع في مواضع في بيان سبب ثبوت حق الشفعة و في بيان شرائط ثبوت حق الشفعة و فى بيان ما يتأكد به حق الشفعة و يستقر و فى بيان ما يبطل به حق الشفعة بعد ثبوته و فى بيان ما يملك به المشفوع فيه و فى بيان طريق التمليك و بيان كيفيته و فى بيان شرط التملك و فى بيان ما يتملك به و فى بيان المتملك و فى بيان المتملك منه و فى بيان حكم اختلاف الشفيع و المشترى و فى بيان الحيلة في إبطال الشفعة و فى بيان انها مكروهة ام لا ( اما )سبب وجوب الشفعة فالكلام فيه في موضعين أحدهما في بيان ماهية السبب و الثاني في بيان كيفيته ( اما )الاول فسبب وجوب الشفعة احد الاشياء الثلاثة الشركة في ملك المبيع و الخلطة و هي الشركة في حقوق الملك و الجوار و ان شئت قلت احد الشيئين الشركة و الجوار ثم الشركة نوعان شركة في ملك المبيع و شركة في حقوقه كالشرب و الطريق و هذا عند اصحابنا رضى الله عنهم و قال الشافعي السبب هو الشركة في ملك المبيع لا فلا تجب الشفعة عنده بالخلطة و لا بالجوار احتج بما روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال انما الشفعة في ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود و صرفت الطرق فلا شفعة فصدر الحديث إثبات الشفعة في المقسوم و نفيها في المقسوم لان كلمة انما لاثبات المذكور و نفى ما عداه و آخره نفى الشفعة عند وقوع الحدود و صرف الطرق و الحدود بين الجارين واقعة و الطرق مصروفة فكانت الشفعة منفية و لان الاخذ بالشفعة تملك مال المشترى من رضاه و عصمة ملكه و كون التملك اضرارا يمنع من ذلك فكان ينبغى ان لا بثبت حق الاخذ أصلا الا انا عرفنا ثبوته فيما لم يقسم بالنص معقول المعنى فبقى الامر في المقسوم على الاصل أو ثبت مطلوبهم بدفع ضرر خاص و هو ضرر القسمة لكونه ضررا لازما لا يمكن دفعه الا
(5)
بالشفعة فأما ضرر الجوار فليس بلازم بل هو ممكن الدفع بالرفع إلى السلطان و المقابلة بنفسه فلا حاجة إلى دفعه بالشفعة ( و لنا )ما روى انه سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ارض بيعت و ليس لها شريك و لها جار فقال عليه الصلاة و السلام الجار أحق بشفعتها و هذا نص في الباب و روى عن رسول الله صلى الله عليه و سلم انه قال الجار أحق بصقبه و الصقب الملاصق أى أحق بما يليه و بما يقرب منه و روى الجار أحق بشفعته و هذا نص في الباب و لان حق الشفعة بسبب الشركة انما يثبت لدفع اذى الدخيل و ضرره و ذلك متوقع الوجود عند المجاورة فورود الشرع هناك يكون ورودا هنا دلالة و تعليل النص بضرر القسمة سديد لان القسمة ليست بضرر بل هى تكميل منافع الملك و هي ضرر واجب الدفع لان القسمة مشروعة و لهذا لم تجب الشفعة بسبب الشركة في العروض دفعا لضرر القسمة ( و أما )قوله يمكن دفع الضرر بالمقابلة بنفسه و المرافعة إلى السلطان فنقول و قد لا يندفع بذلك و لو اندفع فالمقابلة و المرافعة في نفسها ضرر و ضرر الجار السوء يكثر وجوده في كل ساعة فيبقى في ضرر دائم و اما الحديث فليس في صدره نفى الشفعة عن المقسوم لان كلمة انما لا تقتضي نفى المذكور قال الله تبارك و تعالى انما انا بشر مثلكم و هذا لا ينفى ان يكون غيره عليه الصلاة و السلام بشرا مثله و آخره حجة عليه لانه علق عليه الصلاة و السلام سقوط الشفعة بشرطين وقوع الحدود و صرف الطرق و المعلق بشرطين لا يترك عند وجود أحدهما و عنده يسقط بشرط واحد و هو وقوع الحدود و ان لم تصرف الطرق ثم هو مؤول و تأويله فإذا وقعت الحدود فتباينت و صرفت الطرق فتباعدت فلا شفعة أو لا شفعة مع وجود من لم ينفصل حده و طريقه أو فلا شفعة بالقسمة كما لا شفعة بالرد بخيار الرؤية لان في القسمة معنى المبادلة فكان موضع الاشكال فأخبر انه لا شفعة ليزول الاشكال و الله سبحانه و تعالى أعلم بالصواب ( و أما )بيان كيفية السبب فالكلام فيه في موضعين أحدهما يعم حال انفراد الاسباب و اجتماعها و الثاني يخص حالة الاجتماع ( اما )الذي يعم الحالين جميعا فهو ان السبب أصل الشركة لا قدرها واصل الجوار لا قدره حتى لو كان للدار شريك واحدا وجار واحد اخذ كل الدار بالشفعة كثر شركته و جواره أو قل و على هذا يخرج قول اصحابنا رضى الله عنهم في قسمة الشفعة بين الشركاء عند اتحاد السبب و هو الشركة أو الجوار انها تقسم على عدد الرؤوس لا على قدر الشركة و عند الشافعي رحمه الله على قدر الشركة في ملك المبيع حتى لو كانت الدار بين ثلاثة نفر لاحدهم نصفها و للاخر ثلثها و لاخر سدسها فباع صاحب النصف نصيبه كانت الشفعة بين الباقين نصفين عندنا على عدد الرؤس و عنده أثلاث ثلثاه لصاحب الثلث و ثلثه لصاحب السدس على قدر الشركة ( وجه )قوله ان حق الشفعة من حقوق الملك لانه ثبت لتكميل منافع الملك فيتقدر بقدر الملك كالثمرة و الغلة ( و لنا )ان السبب في موضع الشركة أصل الشركة و قد استويا فيه فيستويان في الاستحقاق و الدليل على ان السبب أصل الشركة دلالة الاجماع و المعقول اما دلالة الاجماع فلان الشفيع إذا كان واحدا يأخذ كل الدار بالشفعة و لو كان السبب قدر الشركة لتقدر حق الاخذ بقدرها و اما المعقول فلان حق الشفعة انما يثبت لدفع اذى الدخيل و ضرره و الضرر لا يندفع الا بأخذ كل الدار بالشفعة فدل ان سبب الاستحقاق في الشركة هو أصل الشركة و قد استويا فيه فبعد ذلك لا يخلو اما ان يأخذ أحدهما الكل دون صاحبه و اما ان يأخذ كل واحد منهما الكل لا سبيل إلى الاول لانه ليس أحدهما بأولى من صاحبه و لا سبيل إلى الثاني لاستحالة تملك دار واحدة في زمان واحد من اثنين على الكمال فتنصف بينهما عملا بكمال السبب بقدر الامكان و مثل هذا جائز فان من هلك عن إبنين كان ميراثه بينهما نصفين لان بنوة كل واحد منهما سبب لاستحقاق كل الميراث الا انه لا يمكن إثبات الملك في مال واحد لكل واحد منهما على الكمال لتضايق المحل فينصف بينهما فكذا هذا و كذلك إذا كان لدار واحدة شفيعان جاران جوارهما على التفاوت بأن كان جوار أحدهما بخمسة أسداس الدار و جوار الاخر لسدسها كانت الشفعة بينهما نصفين لاستوائهما في سبب الاستحقاق و هو أصل الجوار و على هذا يخرج ما إذا كان للدار شفيعان فأسقط أحدهما الشفعة ان للآخر ان يأخذ كل الدار
(6)
بالشفعة لوجود سبب الاستحقاق للكل في حق كل واحد منهما و انما القسمة للتزاحم و التعارض على ما بينا فإذا أسقط أحدهما زال التزاحم و التعارض فظهر حق الآخر في الكل فيأخذ الكل و كذلك لو كان الشفعاء جماعة فأسقط بعضهم حقه فللباقين ان يأخذوا الكل بالشفعة لما قلنا و لو كان للدار شفيعان واحدهما غائب فللحاضر ان يأخذ كل الدار بالشفعة لان سبب ثبوت الحق على الكمال وجد في حقه و قد تأكد حقه بالطلب و لم يعرف تأكذ حق الغائب لانه محتمل يحتمل ان يطلب و يحتمل ان لا يطلب أو يعرض فلم يقع التعارض و التزاحم فلا يمنع الحاضر من استيفاء حقه الثابت المتأكد بحق يحتمل التأكد و العدم بل يقضى له بالكل عملا بكمال السبب من تعارض بخلاف ما إذا كان لرجلين على رجل ألف درهم فهلك الرجل و ترك ألف درهم واحد صاحبي الدين غائب انه لا يسلم إلى الحاضر الا خمسمأة لان هناك حق كل واحد منهما يساوى حق الا آخر في التأكد فيقسم بينهما على السوية لوقوع التعارض و التزاحم و كذلك لو كان للدار شفعاء بعضهم غائب و بعضهم حاضر يقضى بالدار بين الحضور على عدد رؤوسهم لما قلنا و لو جعل بعضهم نصيبه لبعض لم يصح جعله في حق غيره و سقط حق الجاعل و قسمت على عدد رؤوس من بقي لان حق الشفعة مما لا يحتمل النقل لانه ليس بأمر ثابت في المحل فبطل الجعل في حق غيره و سقط حقه لكون الجعل دليل الاعراض و بقى كل الدار بين الباقين فيقسمونها على عدد الرؤس لما ذكرنا و لو كان أحدهم حاضرا فقضى له بكل الدار ثم جاء آخر يقضى له بنصف ما في يد الحاضر فان جاء ثالث يقضى له بثلث ما في يد كل منهما لوقوع التعاض و التزاحم لاستواء الكل في سبب ثبوت الحق و تاكده فيقسم بينهم على السوية و لو اخذا الحاضر الكل ثم قدم الغائب و أراد ان يأخذ النصف فقال له الحاضر انا اسلم لك الكل فاما ان تأخذ أو تدع فليس له ذلك و للذي قدم ان يأخذ النصف لان القاضي لما قضى للحاضر بكل الدار تضمن قضاؤه بطلان حق الغائب عن النصف و صار الغائب مقضيا عليه في ضمن القضاء للحاضر بالكل فبعد ذلك و ان بطل القضاء لكن الحق بعد ما بطل لا يتصور عوده و لو قضى بالدار للحاضر ثم وجد به عيبا فرده ثم قدم الغائب فليس له ان يأخذ بالبيع الاول الا نصف الدار سواء كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضأ و سواء كان قبل القبض أو بعده لما ذكرنا انه لما قضى القاضي للحاضر بكل الدار بالشفعة فقد أبطل حق الغائب عن النصف و صار هو مقضيا عليه ضرورة القضاء على المشترى فبطلت شفعته في هذا النضف فلا يحتمل العود سواء كان الرد بالعيب بقضاء أو بغير قضأ لانه انما بطل حقه في النصف بالقضاء بالشفعة و بالرد بالعيب لا يتبين ان القضاء بالشفعة لم يكن و كذا يستوى فيه الرد قبل القبض و بعده لما قلنا و لو أراد الغائب أن يأخذ كل الدار بالشفعة برد الحاضر بالعيب و يدع البيع الاول ينظر ان كان الرد بغير قضأ فله ذلك لان الرد بغير قضأ بيع مطلق فكان بيعا جديدا في حق الشفعة فيأخذ الكل بالشفعة كما يأخذ بالبيع المبتدأ هكذا ذكر محمد و اطللق الجواب و لم يفصل بينما إذا كان الرد بالعيب قبل القبض أو بعده من مشايخنا من قال ما ذكر من الجواب محمول على ما بعد القبض لان الرد قبل القبض بغير قضأ بيع جديد و بيع العقار قبل القبض لا يجوز على اصله و انما يستقيم إطلاق الجواب على أصل ابى حنيفة و أبى يوسف رحمهما الله ( و منهم )من قال يستقيم على مذهب الكل لان رضا الشفيع ههنا معتبر لكونه مجبورا في التمليك فكان رضاه ملحقا بالعدم و ان كان بقضاء فليس له ان يأخذ لانه فسخ مطلق و رفع العقد من الاصل كانه لم يكن و الاخذ بالشعفة يختص بالبيع و لو إطلع الحاضر على عيب قبل ان يقضى له بالشفعة فسلم الشفعة ثم قدم الغائب فان شاء اخذ الكل و ان شاء ترك لان القاضي إذا لم يقض بالشفعة للحاضر لم يبطل حق الغائب بل بقي في كل الدار لوجود سبب استحقاق الكل الا انه لم يظهر لمزاحمة الحاضر في الكل و بالتسليم زالت المزاحمة فظهر حق الغائب في كل الدار و لو رد الحاضر الدار بالعيب بعد ما قضى له بالشفعة ثم حضر شفيعان اخذا ثلثي الدار بالشفعة و الحكم في الاثنين و الثلاث سواء يسقط حق الغائب بقدر حصة الحاضر لما قلنا و كذا لو كان الشفيع الحاضر اشترى الدار من المشترى ثم حضر الغائب فان شاء اخذ كل الدار بالبيع الاول و ان شاء اخذ كلها بالبيع