الحجّ من طريق العامّة
التاج الجامع للاصول: عن ابن عدي: مَن مات ولم يحج حجّة الإسلام في غير مرض حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر فليمت أيّ الميتتين شاء إمّا يهودياً أو نصرانياً.
وعن عليّ (عليه السلام) عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): من ملك زاداً أو راحلةً تُبلغُهُ إلى بيت?الله ولم يحجّ فلا عليه أن يموت يهوديّاً أو نصرانيّاً وذلك لقول الله في كتابه: (ولله على النّاس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلا)(9).
الحج في نظر الفقيه ـ قال السيد في العروة: الحجّ أحد أركان الدين، ومن أوكد فرائض المسلمين، وهو واجب على كلّ من استجمع الشرائط بالكتاب والسنّة والإجماع من جميع المسلمين بل بالضرورة.
علّة وجوب الحجّ
الإمام أبو الحسن الرضا (عليه السلام): إنّ علّة الحجّ الوفادة إلى الله عزّوجلّ، وطلب الزيادة، والخروج من كلّ ما اقترف، وليكون تائباً مما مضى مستأنفاً لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان، وحظرها عن الشهوات واللّذات والتقرّب في العبادة إلى الله. والخضوع والاستكانة والذلّ، شاخصاً في الحرّ والبرد، والامن والخوف، دائباً في ذلك دايماً.. وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله عزّ وجلّ.
ومنه ترك قساوة القلب، وخساسة الأنفس، ونسيان الذكر، وانقطاع الرجاء والأمل، وتجديد الحقوق، وحظر الأنفس عن الفساد، ومنفعة مَن في المشرق والمغرب، ومَن في?البرّ والبحر ممّن يحجّ وممّن لا يحجّ; مِن تاجر وجالب وبايع ومشتر وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الاطراف، والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها، كذلك (ليشهدوا منافع لهم)(10).
وعنه (عليه السلام) في علّة الطواف بالبيت: أنّ الله تبارك وتعالى قال للملائكة: (إنّي جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يُفسد فيها ويسفك الدماء) فردّوا على الله هذا الجواب، فعلموا أنّهم أذنبوا فندموا فلاذوا بالعرش فاستغفروا. فأحبّ الله أن يتعبّد بمثل ذلك العباد، فوضع في السماء الرابعة بيتاً بحذاء العرش يُسمّى الضُراح، ثم وضع في السماء الدنيا بيتاً يسمّى (البيت المعمور) ثم أمر آدم فطاف به، فتاب الله عليه، وجرى ذلك في ولده الى يوم القيامة(11).
اختبار الخلق بالكعبة المقدّسة
في الخطبة القاصعة من نهج البلاغة، قال الإمام عليّ(عليه السلام): .. ولكنّ الله ـ??سبحانه ـ أراد أن يكون الاتّباع لرسله، والتّصديق بكتبه، والخشوع لوجهه، والاستكانة لأمره، والاستسلام لطاعته، أموراً له خاصّةً لا تشوبُها من غيرها شائبة. وكلّما كانت البلوى والاختبار أعظم، كانت المثوبة والجزاء أجزل.
ألا ترون أنّ الله ـ سبحانه ـ اختبر الأوّلين من لدن آدم ـ صلوات الله عليه ـ إلى الآخرين من هذا العالم; بأحجار لاتضرّ ولا تنفع، ولاتبصر ولاتسمع، فجعلها بيته الحرام (الذي جعله للنّاس قياماً). ثم وضعه بأوعر بقاع الأرض حجراً، وأقلّ نتائق الدنيا مدراً، وأضيق بطون الاودية قطراً. بين جبال خشنة، ورمال دَمِثَة، وعيون وشلة، وقرًى منقطعة، لايزكو بها خفٌ ولا حافر ولا ظلف. ثم أمر آدم (عليه السلام)وولده أن يثنوا أعطافهم نحوه، فصار مثابة لمنتجع أسفارهم، وغاية لملقى رحالهم، تهوي إليه ثمار الإفئدة من مفاوز قفار سحيقة، ومهاوي فجاج عميقة، وجزائر بحار منقطعة، حتّى يهزّوا مناكبهم ذللا يُهلّلون لله حوله، ويرملون على أقدامهم شُعثاً غُبراً له، قد نبذوا السّرابيل وراء ظهورهم، وشوّهوا بإعفاء الشعور محاسن خلقهم، ابتلاءً عظيماً وامتحاناً شديداً،
واختباراً مبيناً، وتمحيصاً بليغاً، جعله الله سبباً لرحمته، ووصلة الى جنّته. ولو أراد ـ سبحانه ـ أن يضع بيته الحرام، ومشاعره العظام، بين جنّات وأنهار، وسهل وقرار جمّ الاشجار، داني الثمار، ملتفّ البنى، متّصل القرى، بين بُرّة سمراء، وروضة خضراء، وأرياف محدقة، وعراص مغدقة، ورياض ناضرة، وطرق عامرة، لكان قد صغر قدر الجزاء على حسب ضعف البلاء. ولو كان الإساس المحمول عليها، والاحجار المرفوع بها، بين زمرّدة خضراء، وياقوتة حمراء، ونور وضياء، لخفّف ذلك مصارعة الشك في الصدور، ولوضع مجاهدة إبليس عن القلوب، ولنفى معتلج الريب من النّاس، ولكن الله يختبر عباده بأنواع الشدائد، ويتعبّدهم بأنواع المجاهد، ويبتليهم بضروب المكاره، إخراجاً للتكبر من قلوبهم، وإسكاناً للتذلّل في نفوسهم، وليجعل ذلك أبواباً فُتُحاً إلى فضله، وأسباباً ذُلُلا لعفوه(12).
الامام الصادق (عليه السلام) سئل عليه السلام عن علّة الحج، فقال: إنّ الله خلق الخلق، وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب; ليتعارفوا، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد الى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وتعرف أخباره، ويذكر ولاينسى، ولو كان كلّ قوم إنّما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد، وسقطت الجلب والارباح وعميت الاخبار، ولم تقفوا على ذلك، فذلك علّة الحجّ(13).
القسم الأوّل
الحرم المكي
فيه
ثمانية أبواب وخاتمة
الباب الأول
في فضل الحج والعمرة
وفيه أمور
1 ـ (واتمّوا الحج والعمرة لله)
فضلهما في روايات العترة
أقول: كفى في فضلهما واجباً ومندوباً ما وردت عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) من وفود العبد على سيّده، ونزوله في بيته، ومحل ضيافته وأمنه، فعن الصادق (عليه السلام): الحاج والمعتمر وفد الله، إن سألوه أعطاهم، وإن دعوه أجابهم، وإن شفعوا شفعهم، وإن سكتوا ابتدأهم ـ ويعوّضون بالدرهم ألف درهم(15).
وفي حديث، مَن أمّ هذا البيت وهو يعلم أنّه البيت الذي أمره الله به، وعرفنا أهل البيت حق معرفتنا كان آمناً في الدنيا والآخرة(16).
وعن علي أمير المؤمنين (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من أراد دنياً وآخرة فليؤم هذا البيت، ما أتاه عبد فسأل الله دُنياً إلاّ أعطاه منها، أو سأله آخرة إلاّ ذخر له منها(17).
وعنه (عليه السلام) عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): أيّها الناس عليكم بالحج والعمرة. فتابعوا بينهما فإنّهما يغسلان الذنوب، كما يغسل الماء الدرن، وينفيان الفقر كما ينفي النار خبث الحديد(18).
وعنه، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): العمرة إلى العمرة كفّارة ما بينهما، والحجّة المتقبّلة ثوابها الجنّة، ومن الذنوب ذنوب لاتغفر إلاّ بعرفات(19).
الإمام الباقر (عليه السلام)، عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غدير خم: معاشر الناس! حجّوا البيت فما ورده أهل بيت إلاّ استغنوا، ولاتخلّفوا إلاّ افتقروا. معاشر الناس! ما وقف بالموقف مؤمن، إلاّ غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته(20).
فضلهما في روايات أهل السنّة
البخاري عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): العمرة الى العمرة كفّارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلاّ الجنّة(21).
أسرار الحجّ للغزالي; قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): حجة مبرورة خير من الدنيا وما فيها، وحجة مبرورة ليس لها جزاء الاّ الجنة.
وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن حجّ البيت فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمّه.
وفي التاج الجامع للاصول: من أراد الحج فليتعجّل، فإنّه قد يمرض المريض وتضلّ الراحلة وتعرض الحاجة(22).
2 ـ الحجّ وما يترتب عليه
الإمام الصادق (عليه السلام): مَن حجّ حجّة الإسلام فقد حلّ عقدة من النار من عنقه، ومَن حجّ حجّتين لم يزل في خير حتى يموت، ومَن حجّ ثلاث حجج متوالية، ثم حجّ أو لم يحج فهو بمنزلة مدمن الحجّ(23).
3 ـ قصر العمر في ترك الحجّ
رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): مَن خرج من مكّة وهو لايريد العود إليها اقترب أجله ودنا عذابه(24).
4 ـ طول العمر مع نيّة العود
الإمام الصادق (عليه السلام)، عبد الله بن سنان، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: مَن رجع من مكّة وهو ينوي الحجّ من قابل زيد في عمره(25).
5 ـ الحاج في ضمان الله تعالى
الإمام الصادق (عليه السلام): الحاج والمعتمر في ضمان الله، إن مات متوجهاً غفر الله له ذنوبه، وإن مات محرماً بعثه الله ملبّياً، وإن مات بأحد الحرمين بعثه الله من الآمنين، وإن مات منصرفاً غفر الله له جميع ذنوبه(26).
6 ـ أقل ما يرجع به الحاج
الإمام الصادق (عليه السلام): إنّ أدنى ما يرجع به الحاج الذي لايقبل منه، أن يحفظ في أهله وماله. قال الراوي: قلت: بأي شيء يحفظ فيهم؟ قال (عليه السلام): لايحدث فيهم إلاّ ما كان يحدث فيهم وهو مقيم معهم(27).
7 ـ الحاج ثلاثة
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحاج ثلاثة: فأفضلهم نصيباً رجل غفر له ذنبه; ما تقدّم منه وما تأخّر، ووقاه عذاب القبر، وأمّا الذي يليه فرجل غفر له ذنبه; ما تقدّم منه، ويستأنف العمل فيما بقي من عمره، وأمّا الذي يليه فرجل حفظ في أهله وماله(28).
8 ـ الحجّ في كلّ سنة
عيسى بن أبي منصور: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام): يا عيسى إنّي أحبّ أن يراك الله ـ عزّ وجلّ ـ فيما بين الحجّ إلى الحج وأنت تتهيّأ للحجّ(29).
عذافر عن?الصادق (عليه السلام): ما يمنعك من الحجّ كلّ سنة؟ قلت: جعلت فداك العيال، فقال (عليه السلام): إذا متّ فمَن لعيالك؟ أطعم عيالك الخلّ والزيت، وحجّ بهم كلّ سنة(30).