* من الأمهات (جويرية) بنت الحارث الخزاعية سباها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة بني المصطلق، وكانت امرأة حلوة ملاّحة، لا يراها أحد الاّ أخذت بنفسه، فأتت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تستعينه في كتابتها قالت: يا رسول الله انا جويريه بنت الحارث سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك، وقد كاتبت على نفسي، فأعني على كتابتي، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أو خير من ذلك، أودي عنك كتابك واتزوجك، فقالت: نعم، ففعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فبلغ الناس انّه قد تزوّجها، فقالوا: اصهار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فارسلوا ما كان في ايديهم من بني المصطلق، فلقد اعتق بها مئة اهل بيت من بني المصطلق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما اعلم امرأة اعظم بركة منها على قومها! ومات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يصب منها ولداً(571).
وعن ابن عباس أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ عليها، وهي في مسجدها، ثم مرّ عليها قريباً من نصف النهار، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم)لها: مازلت على حالك؟ قالت: نعم، قال: ألاّ اعلمك كلمات تقولينها: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله عدد خلقه ـ سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله رضى نفسه ـ سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله زنة عرشه ـ سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته، سبحان الله مداد كلماته(572).
* من الامهات (أم حبيبة بنت أبي سفيان) بن حرب، خرجت من مكّة مهاجرة الى أرض الحبشة مع زوجها عبيد الله بن جحش، فتنصّر ومات في الحبشة، وثبتت على الإسلام، وتزوجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)بعد موت زوجها، وكان لأم حبية ـ حين قدم بها المدينة ـ بضع وثلاثون سنة(573).
ومن طرائف حالها انّه دخل ابو سفيان على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش، فاهوت على الفراش فطوته، فقال: يا بنية ارغبتي بهذا الفراش عني؟ فقالت نعم، إنّ هذا فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما كنت لتجلس عليه، وانت رجس مشرك.
* من الأمهات (عايشة بنت ابي بكر) عن صحيح البخاري: أن عايشة أوصت عبد الله بن الزبير: لا تدفني معهم تعني النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وصاحبيه، وادفني مع صواحبي بالبقيع(574) تزوّجها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قبل الهجرة بسنتين وتوفيت سنة سبع وخمسين، سبع عشرة ليلة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن بالبقيع، فدفنت وصلّى عليها ابو هريرة، ولما توفّي النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان عمرها ثمان عشرة سنة.
عن الاستيعاب في باب عائشة بإسناده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله لنسائه، ايّتكنّ صاحبة الجمل يقتل حولها قتلى كثير، وتنجو بعد ما كادت، قال ابن عبد البرّ: هذا من اعلام نبوته (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتوفّيت في سنة سبع وخمسين للهجرة، وعمرها اربع وستون سنة ودفنت بالبقيع.
* من الأمهات (حفصة) بنت عمر بن الخطاب، كانت حفصة من المهاجرات، فلمّا توفّي زوجها بالمدينة وانقضت عدّتها، خطبها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، لأنّ عمر عرضها على ابي بكر وعثمان فلم يقدما على التزويج، وتوفّيت حفصة سنة إحدى واربعين أو خمس واربعين(575).
عن الواحدي عن ابن عباس: كان رسول الله جالساً مع حفصة فتشاجرا بينهما، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): هل لكِ أن اجعل بيني وبينك رجلا؟ قالت: نعم، فأرسل الى عمر، فلّما أن دخل عليهما قال (صلى الله عليه وآله وسلم): تكلّمي، قالت: يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تكلّم ولا تقل إلاّ حقاً، فرفع عمر يده فوجي وجهها، ثم رفع يده فوجي وجهها، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)كفّ يا عمر، فقال عمر: (يا عدوة الله) النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لايقول إلاّ حقاً، والذي بعثه بالحق لولا مجلسه ما رفعت يدي حتى تموتي، فقام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فصعد الى غرفته، فمكث فيها شهراً لا يقرب شيئاً من نسائه، يتغدى ويتعشى فيها فأنزل الله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحيوة الدنيا) الآية(576).
مِن المدفونين في البقيع
* (عثمان بن عفّان) في الوفاء للسمهودى الشافعي: حملوا جنازة عثمان الى البقيع فمنعهم من الدفن ابن بجره فانطلقوا به الى حش كوكب وهو (بستان بالمدينة) فصلّى عليه جبير ودفنوه هناك، وانصرفوا، وقيل: صلى عليه حكيم بن حزام وقيل آخر، فكان على هذا الحال حتّى استعمل معاوية مروان بن الحكم على المدينة ادخل الحش في البقيع، وحمل المهراس فجعله على قبر عثمان (وقال عثمان وعثمان) فدفن الناس حول عثمان. والمهراس هو الحجر الذي جعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على رأس عثمان بن مظعون علامة لقبره ليدفن أهله الى جنبه.
وفي الجامع لابن ظهيرة القرشي المخزومي الحنفي: اختلف أهل السير في سنّ عثمان فقيل: ثمانون سنة وقيل تسعون، وكان قتله يوم الاربعاء ودفنه يوم السبت، وروي انّه مكث مطروحاً يومه الى الليل وقيل: ثلاثة ايام.
اقول: بلديّة المدينة وسّعت البقيع في عصرنا هذا ولاسيما في سنة 1412 الهجرية، ووقع مدفن عثمان في البقيع في الجانب الشرقي.
* (قبر صفية بنت عبد المطلب) في مرآة الحرمين من القباب (المنهدمة في البقيع) قبّة عمّتي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) صفية وعاتكة.
* (اسد الغابة) صفيّة بنت عبد المطلب عمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أم الزبير بن العوام، لم يختلف في اسلامها وتوفيت سنة عشرين في خلافة عمر بن الخطاب ولها ثلاث، وسبعون سنة، ودفنت بالبقيع، ولمّا قتل اخوها حمزة وجدت عليه وجداً شديداً، وصبرت صبراً عظيماً، وتأتي قصتها قريباً.
ومما روي عن صفية قالت: لمّا سقط الحسين (عليه السلام) من بطن أمّه فاطمة (عليها السلام)وكنت ولّيتها، قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): يا عمّة هلمّي إليّ ابني، فقلت: يا رسول الله إنّا لم ننظّفيه بعد، فقال يا عمّة أنت تنظّفيه؟ إنّ الله قد نظفه وطهّره.
* (عاتكة) بنت عبد المطلب القرشية الهاشمية عمّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأت رؤيا، صدق الله رؤياها. ذكر ابن الاثير رؤياها في أسد الغابة فراجع.
* (أم البنين) المعروف أنّ ام البنين والدة ابي الفضل العباس (عليه السلام) مدفونة في البقعة المنسوبة الى صفية بنت عبد المطلب.
(مقاتل الطالبين) أم البنين بنت حزام والدة العباس بن علي وأخوته عبدالله وجعفر وعثمان وكلّهم قتلوا في كربلاء انتصاراً للحسين (عليه السلام)، كانت أمّ البنين تخرج الى البقيع فتندب بنيها بأشجى ندبة واحرقها، فيجتمع الناس اليها يسمعون منها، فكان مروان يجيء «فيمن يجيء» لذلك فلا يزال يسمع ندبتها ويبكي.
(وفي العباس يقول الشاعر)
احق الناس أن يبكي عليه إذا بكي الحسين بكربلاء
اخوه وابن والده عليّ ابو الفضل المضرّج بالدماء
ومن واساه لا يثنيه شيء وجاد له على عطش بماء
* (حليمة السعدية) وهي أمّ رسول الله من الرضاعة، لها بقعة معروفة في اقصى البقيع.
في السفينة: جاء في الاخبار انّ حليمة جاءت الى مكة تلتمس الرضيع، فمّن الله عليها بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم)فأخذته فحصل لها من بركته ما لا يحصى، وقدمت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد الاسلام فأسلمت هي وزوجها.
من أخبارها (على ما في أسد الغابة): أنّها قالت: قدمت في مكّة في نسوة من بني سعد نلتمس الرضعاء. في سنة شهباء، فقدمت على اتان قمراء كانت ادمت بالركب، ومعي صبّي لنا وشارف لنا، والله ما ننام ليلنا ذلك أجمع مع صبياننا، ذاك ما يجد في ثديي ما يغنيه، ولا في شارفنا ما يغذيه، فقدمنا مكّة، فوالله ما علمت منّا امراة إلاّ وقد عرض عليها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فإذا قيل يتيم تركناه، وقلنا ماذا عسى أن تصنع إلينا أمّه؟ إنّما نرجو المعروف من أب الولد، فلمّا لم اجد غيره قلت لزوجي: إنّي لأكره ان ارجع من بين صواحبي ليس معي رضيع، أنطلق الى ذلك اليتيم فلآخذنه، فقال: لا عليك، فذهبت فأخذته، فما هو إلاّ أن اخذته فجئت برحلي، فاقبل على ثدياي بما شاء من لبن، وشرب اخوه حتى روي، وقام صاحبي الى شارفي تلك فإذا بها حافل، فحلب ما شرب وشربت حتى روينا، فبتنا بخير ليلة فقال لي صاحبي: يا حليمة والله انّي لاراك اخذت نسمة مباركة.
* قبور شهداء في الوفاء، ج2،ص900 من شهداء أحد: خنيس بن حذاقة نالته جراحة يوم احد، فمات بسببها بالمدينة ودفن بالبقيع عند عثمان بن مظعون وفيه قال ابن اسحاق: كان ناس من المسلمين قد احتملوا قتلاهم الى المدينة فدفنوهم بها، فنهى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك، وقال: ادفنوهم حيث صرعوا اقول: وقعت بقعة بين مدفن ابراهيم بن رسول الله والحليمة السعدية يقال: إنها مدفن عدة من شهداء احد، حملوهم الى المدينة، ينبغي زيارتهم في تلك البقعة رجاء واكثر شهداء احد، مدفونون في أحد ويستحب زيارتهم هناك.
الفصل الحادي عشر
في المشاهد المعروفة خارج البقيع
أحدها، مشهد سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ويأتي بعض أخباره.
ثانيها، المشهد المعروف بالنفس الزّكية وهو السيد الشريف محمّد الملقّب بالمهدي من أولاد عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) قتل في أيام المنصور، وهذا المشهد شرقي جبل سَلع، وهو داخل مسجد كبير مهجور، وهذا المشهد معروف بين أهل المدينة. خرج على المنصور بعد حبسه لأبيه وأقاربه، فبايعه كثير من الناس، فجهّز اليه المنصور عيسى بن منصور في أربعة آلاف، فقالوا له: يا محمد لك الأمان فصاح بهم (والله ما تفوز والموت في عزّ خير من الحياة في ذلّ) فاغتسل هو ومن بقي من أصحابه وتحنّطوا وهم ثلاثمائة وبضعة عشر، وحملوا على عيسى وأصحابه فهزموا ثلاثاً، ثمّ تكاثروا عليهم فقتلوهم، وأتوا عيسى برأس محمد، ووارت أخته زينب وابنته فاطمة جسده بالبقيع على قول، وقد استفاض بين أهل المدينة أنّ مشهده شرقي جبل سلع كما قدّمنا ذكره.
ثالثها، مشهد مالك بن سنان والد أبي سعيد الخدري في غربي المدينة، قيل: إنّه ممّن استشهد في أُحد ونقل جسده الى هذا المكان(577).
الفصل الثاني عشر
في فضل أُحد والشهداء
قال السمهودي في تاريخه: روينا في الصحيحين وغيرهما عن أنس أنّ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)قال لأُحد لمّا بدا له: هذا جبل يحبّنا ونحبّه، انّ أُحداً هذا لعلى باب من أبواب الجنّة فإذا جئتموه فكلوا من شجره ولو من عضاهه.
وفي السفينة عن الساعدي قال: أقبلنا مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة: قال هذه طابة وهذا جبل أحد يحبّنا ونحبّه.
وجه التسمية قيل: سمى أحداً لتوحّده وانقطاعه عن جبال أُخرى، وقيل: لما وقع من أهله من نصر التوحيد، وقيل إنّه على حذف مضاف أي أهل أُحد وهم الأنصار لأنّهم جيرانه ـ وقيل شيء آخر.
وأمّا معنى المحبّة وإن اختلفت فيها الأقوال إلاّ أنّ الأولى اجراء الحديث على ظاهره، ولا ينكر وصف الجمادات بحبّ الأنبياء وأهل الطاعة كما حنّت الأسطوانة لمفارقته (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى سمع القوم حنينها، فلا ينكر أن يكون جبل أُحد، وجميع أجزاء المدينة تحبّه وتحنّ الى لقائه(578).
شهادة الرسول
(صلى الله عليه وآله وسلم) لشهداء أُحدلمّا انكشف الناس يوم أُحد وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مصعب بن عمير فقال: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلا).
(اللّهمّ إنّ عبدك ونبيّك يشهد أنّ هؤلاء شهداء) فأتوهم وسلّموا عليهم فلن يسلّم عليهم أحد ما قامت السموات والأرض إلاّ ردّوا عليه(579).
وفيه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأتي قبور الشهداء بأُحد على رأس كلّ حول، فيقول: (سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار) ويقول: فنعم أجر العاملين.
وعن ابن عمر، انّه قال مَن مرّ على هؤلاء الشهداء فسلّم عليهم، لم يزالوا يردّون عليه الى يوم القيامة.
البيهقي في الدلائل عن (العطاف) ما ملخّصه: زارت خالتي قبور الشهداء، قالت: جئت الى قبر حمزة فصلّيت ما شاء الله ولا والله ما في الوادي داع ولا مجيب يتحرّك، وغلامي قائم آخذ برأس دابتي، فلمّا فرغت من صلاتي قمت فقلت: السلام عليكم وأشرت بيدي، فسمعت ردّ السلام عليّ من تحت الأرض، أعرفه كما أعرف أنّ الله خلقني، واقشعرّت كلّ شعرة منّي، فدعوت الغلام وركبت دابتي وذكر نظير ذلك عن هاشم بن محمد العمري.
وفيه:أنّ?فاطمة?بنت?رسول?الله(صلى الله عليه وآله وسلم)كانت?تزورقبورالشهداءبين?اليومينوالثلاثة، وزاد في خبر آخر: أنّها تصلّي هناك وتدعو وتبكي حتى ماتت، وروى الحاكم عن عليّ (عليه السلام) أنّ فاطمة كانت تزور قبر عمّها حمزة كلّ جمعة فتصلّي وتبكي عنده.
وفيه الّذين أكرمهم الله بالشهادة يوم أحد سبعون رجلا، وقيل: أكثر، وقيل: أقل فمن المهاجرين حمزة بن عبد المطّلب، وعبد الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان، والباقي من الأنصار.
أقول: من أراد أن يعرف الجميع بأسمائهم فليراجع الوفاء للسمهودي الشافعي ج2 ص933.
كيفية دفن الشهداء
عن جابر بن عبد الله: انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يجمع بين الرجلين من قتلى أُحد في الثوب الواحد، ثمّ يقول: أيّهم أكثر أخذاً للقرآن؟ فإذا أشير الى أحد قدّمه في اللحد، وأمر بدفنهم بدمائهم(580).
مشهد سيد الشهداء حمزة، أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدفنه في الربوة التي هو بها اليوم، وكفّنه في بردة، وكفّن مصعب بن عمير في أخرى، ودفنهما في قبر واحد.
وقال عبد العزيز: والغالب عندنا انّ مصعب بن عمير، وعبد الله بن جحش دفنا تحت المسجد الذي بني على قبر حمزة، وانّه ليس مع حمزة أحد في القبر. قال السمهودي: ينبغي أن يسلّم عليهما مع حمزة بمشهده; لأنّهما إن لم يكونا معه فبقربه، وينبغي أن يسلّم على باقي الشهداء عند قبر حمزة.
وفيه: أنّ عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو الأنصاريين كانا في قبر واحد، وكانا ممّن استشهد يوم أحد، وكان قبرهما ممّا يلي السيل، فحفر عنهما ليغيرا عن مكانهما، فوجدا لم يتغيّرا كأنّما ماتا بالأمس، وكان أحدهما قد جرح فوضع يده على جرحه فدفن وهو كذلك، فاميطت يده عن جرحه، ثم ارسلت فرجعت كما كانت، وكان بين يوم احد ويوم حفر عنهما ست واربعون سنة(581).
جملة في فضل حمزة
في الخبر، يدفع يوم القيامة الى عليّ لواء الحمد، والى حمزة لواء التكبير، والى جعفر لواء التسبيح.
وفي خبر آخر: أنّه يؤتى يوم القيامة بالرمح الذي كان يقاتل به حمزة أعداء الله في الدنيا فيناوله إيّاه ويقول: يا عمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذر الجحيم عن أوليائك برمحك(582).
وفي الوفاء: وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على حمزة وقد مثل به، جدع أنفه وأُذناه وبقر بطنه عن كبده، فقال: لن أُصاب بمثلك أبداً، ما وقفت موقفاً قط أغيظ اليّ من هذا.
اسد الغابة ج5 ص492: لمّا قتل حمزة وجدت عليه أُخته صفيّة وجداً شديداً، وصبرت صبراً عظيماً، أقبلت الى أحد لتنظر الى أخيها حمزة، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)لابنها الزبير: ألقها فارجعها لا ترى ما بأخيها، فلقيها الزبير، وقال: يا امّه انّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يأمرك أن ترجعي، قالت ولِمَ؟ فقد بلغني انّه مثّل بأخي وذاك في الله لأصبرنّ ولأحتسبنّ إن شاء الله، فلمّا جاء الزبير الى رسول الله فأخبره قول صفيّة فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): خلّ سبيلها، فأتته فنظرت اليه واسترجعت واستغفرت له.
وممن ضرب حمزة (عليه السلام) ابو سفيان فإنّه ضرب في شدق حمزة بزج الرمح، قال المحدث القمي (رحمه الله): لقد اقتدى بأبي سفيان حفيده يزيد في فعله، لمّا حضر الرأس (رأس الحسين (عليه السلام)) بين يديه جعل ينكث عليه بالخيزران ويقول:
ليت اشياخي ببدر شهدوا...
مجيء الصديقة فاطمة (عليها السلام) بأُحد
عن محمود بن لبيد: لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كانت فاطمة تأتي قبور الشهداء، وتأتي قبر حمزة وتبكي هناك، فلمّا كان في بعض الأيام أتيت قبر حمزة فوجدتها تبكي هناك فأمهلتها حتى سكنت، فأتيتها وسلّمت عليها، وقلت: يا سيدة النسوان قد والله قطعت أنياط قلبي من بكائك، فقالت: يا أبا عمرو يحقّ لي البكاء، فلقد أصبت بخير الآباء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وا شوقاه الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثمّ أنشأت:
اذا مات يوماً ميّت قل ذكره وذكر أبي مذمات والله أكثر
وعن فخر المحققين في الرسالة الفخرية: يستحبّ زيارة حمزة بأُحد وباقي الشهداء لمّا روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: من زارني ولم يزر عمّي حمزة فقد جفاني.
مدفن أبوذر الغفاري
اسد الغابة ج5 ص186: أبوذر الغفاري كان من كبار الصحابة وفضلائهم قديم الإسلام، قيل: أسلم بعد الأربعة وكان خامساً، عن ابن عباس: لمّا بلغ أباذر مبعثُ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قدم مكّة فأتى المسجد فالتمس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو لا يعرفه، وكره أن يسأل عنه حتى أدركه بعض الليل اضطجع في مكان، فرآه علي (عليه السلام)وعرف انّه غريب، فقال له: ألا تحدّثني ما الذي أقدمك؟ قال: إن أعطيتني عهداً أو ميثاقاً ترشدني فعلت، فأعطاه العهد فأخبره، فقال: إنّه حق وانّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
فإذا أصبحت فاتّبعني، فلمّا أصبح اتّبع علياً حتى دخل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): فسمع من قوله?(صلى الله عليه وآله وسلم)وأسلم مكانه، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): ارجع الى قومك فأخبرهم حتى يأتيك أمري، قال: والذي نفسي بيده ولأصرخنّ بها بين ظهرانيهم، فخرج الى المسجد، فنادى بأعلى صوته أشهد أن لا اله إلاّ الله وأنّ محمداً عبده ورسوله، فقام القوم اليه فضربوه حتى أضجعوه، وأتى العباس فأكبّ عليه وقال: ويلكم ألستم تعلمون انّه من غفار، وانّه طريق تجارتكم الى الشام؟ فأنقذه منهم.
من أخباره: عن ابن مسعود، لمّا سار رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)الى تبوك جعل لا يزال يتخلّف الرجل فيقولون: يا رسول الله تخلّف فلان، فيقول: دعوه إن يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم وإن يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه، حتى قيل: يا رسول الله تخلّف أبوذر، فلمّا سمع أبوذر ذلك تلوّم على بعيره. فلمّا أبطأ عنه بعيره، أخذ متاعه فجعله على ظهره، ثمّ خرج يتّبع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ماشياً، ونظر ناظر من المسلمين فقال: إنّ هذا الرجل يمشي على الطريق، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): كن أباذر فلمّا تأمّله القوم قالوا: يا رسول الله هو أبوذر فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): يرحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده ويحشر وحده، فضرب الدهر من ضربه، وسير أبوذر الى الربذة وعاش هناك وحده ومات وحده.
وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): أبوذر في أُمّتي على زهد عيسى بن مريم ـ وقال عليّ: وعى أبوذر علماً عجز الناس عنه، ثمّ أوكأ عليه فلم يخرج منه شيئاً.