المبحث الرابع عشر: التعزية
ينبغي لصاحب التعزية أو المصيبة أن يجلس للعزاء ثلاثة أيام، والأفضل أن يضيف إلى ذلك ما يقتضي إكرام المعزين من وضع الطيب والماء والقهوة والتنباك ووضع الفرش المناسبة، وأن يضاف إلى ذلك ترحيم وفاتحة كما يصنع اليوم، وهي مستحبة قبل الدفن وبعده وأجرها عظيم روي (أن من عزى مصاباً كان له مثل أجره) وروي أيضاً (من عزى أخاه المؤمن كُسيَ حُلّة) وروي (أن من عزى حزينا ألبسه الله من لباس التقوى وصلى على روحه في الأرواح) وروي (أن من مسح على رأس يتيم كتب الله بكل شعرة مرت يده عليها حسنة ومن سكّت يتيما من البكاء أوجب الله تعالى له الجنة) قال النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (التعزية تورث الجنة) إلى غير ذلك. ويستحب أن يقول: (جبر الله وهنكم وأحسن عزاءكم ورحم متوفاكم) ويكفي في تحققها مجرد الحضور عنده لإدخال السرور عليه، والفضل أن يحضر إلى ثلاثة أيام وفوق ذلك أن يظهر لهم شفقته وأنه مصاب بما أصابهم ويجوز المبالغة في ذلك ولو كانت كذباً، ويستحب للجيران إطعام أهل المصيبة ثلاثة أيام ويتمشى في الأصدقاء وغيرهم بل جميع الأخوان، وينبغي أن يُتلى عليه ما يبعث على تسليته وأقواه ذم الدنيا وذكر معايبها مفصلة وبيان قرب السفر وسرعة الوصول إلى الراحلين وأن ما ذهب من الأقارب والأحباء أكثر من الباقين، وهم لنا منتظرون وعن قريب نحن بهم لاحقون، ثم ذكر ما جرى على الأنبياء والأوصياء وخصوصاً ما جرى على سيد الشهداء وأهل بيته وأصحابه في كربلاء وما جرى على العلماء والملوك والأُمراء وسائر من طحنهم البلاء، وعن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «من أصيب بمصيبة فليذكر مصيبته فيَّ فأنها من أعظم المصائب» ويذكر بعض من صبر ممن لا يرجى منه ذلك كأن ينقل قضية أعرابي كان عنده ضيف ومات له ولدان تساقطا في البئر حين حمل الطعام إلى الضيف فأتم الضيافة ولم يعلم الضيف حتى سار عن محله، فوجد النعشين في الطريق ولم تتغير بشرة أبيهما ولا سمع صوت أمهما أو أحد أرحامهما، ووقع مثله في زماننا لبعض العلماء الأواخر الساكنين في أرض الجوازر أو يذكر قصة بدوي شيخ كبير السن له ولزوجته ولد واحد فمرض الولد وكلما دخل أبوه على أمه وسألها عن حاله تحمد الله تعالى وتقول: هو في أحسن حال، حتى قبض فوضعت عليه ثوبا حتى جاء أبوه وسألها عن حاله فحمدت الله وقالت هو على أحسن حال على نحو ما كانت تقول، ثم أخرجت طيبا فتطيبت ولاعبته حتى دنا منها دنو الرجل من المرأة فقالت له: يا أبا فلان إنك تخون الودائع: فقال معاذ الله، فقالت: إن أبنك فلاناً وديعة الله عندك وقد أستردها فقضى حزنهما، ووقع لبعض النساء في أيامنا هذه، أو يذكر بدوياً أخبر بقتل ولده أو بموته وهو يقص على القوم ويحدثهم عن بعض أحاديث السلف، فأخبر بقتل ولده فأمر بتجهيزه ولم ينقطع كلامه إلى غير ذلك، ثم يتلو ما ورد من الآيات الدالة على ما أعدّ الله للصابرين من الأجر والثواب وأنه تعالى صلى على من أصيب بمصيبة فصبر فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ثم يذكر بعض الروايات المتعلقة بهذا الباب.
منها ما روي عن الصادق عليه السلام أنه رأى رجلا أشتد جزعه على ولده فقال: (يا هذا أجزعت للمصيبة الصغرى وغفلت عن المصيبة الكبرى) وعنه عليه السلام عزّى رجلا بولده فقال له: (الله خير لابنك منك وثواب الله خير لك منه) فلما بلغه جزعه عليه عاد إليه فقال له: (قد مات رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فما لك به أسوة…) الخبر. وعنه عليه السلام أنه عزّى رجلاً فقال له: (لو أن الله قال لك هل ترضى بما أرضى به ما كنت قائلاً؟) فقال: أرضى برضاء الله فقال: (هذا رضاء الله).
ومنها أن يتلو عليه ما روي ففيما أعد الله للمصاب من الأجر والثواب كما روي عن الصادق عليه السلام (إن من أصيب بمصيبة صبر عليها أو لم يصبر كان ثوابه من الله الجنة) وعن الباقر عليه السلام (إن من صبر على مصيبته زاده الله عزّاً إلى عزّه وأدخله جنته مع محمد وآله) وعنه عليه السلام (من بلي من شيعتنا ببلاء فصبر كتب الله له مثل أجر ألف شهيد) وعن علي عليه السلام عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم (إن الله يقول من لم يرضَ بقضائي ولم يشكر نعمائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ رَبّاً سواي) وقال (من أصبح حزيناً على الدنيا أصبح ساخطاً على الله ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشتكي من الله) وقال: (فيما أوحى الله عز و جل إلى عزير إذا نزلت بك مصيبة فلا تشتكي إل?