المبحث الرابع: تجهيز الميّت
وهي تهيئة أسباب رحيله إلى قبره ومقره يجب كفاية على كافة المكلفين المؤمنين وغيرهم وإن لم يصح ما كان عبادة منه إلاّ من المؤمنين الأولياء منهم وغيرهم مع عدمهم أو مع الاستئذان منهم القيام بما يجب للميت المؤمن وما بحكمه من سقط أو بعض أو تابع لنسب ولو من زنا أو لمُلك أو وجود مؤمن في أرض المؤمنين وأرض فيها مؤمن يمكن أن يكون هو الميت أو من أبعاضه ولا يسقط الوجوب عن الناس بمجرد الشروع بل بعد إتمام العمل، وإنما يرتفع به وجوب المبادرة، وإذا لم يؤت بالواجب عوقب جميع المكلفين القادرين العالمين بالحال، ويختلف الواجب وحدةً وكثرةً باختلاف المتعلق فالتجهيز الواجب قد يكون بمجرد الدفن أو مع اللف بخرقة أو مع الصلاة كالشهيد بين يدي الإمام أو مطلقاً في المعركة ويُدرَك ولا رمق فيه ذَكَراً كان أو لا، صغيراً أو لا مقتولاً بحديد أو لا ولو بسلاح نفسه، وكذا المقتول حدّاً كان أو قصاصاً فإنه يكتفي بالأعمال المتقدمة له وقد يكون أكثر من ذلك كما سيجيء تفصيله. ولو حصل التعارض بين الأعمال قُدِّم الدفن ثم التغسيل ثم الصلاة ثم الكفن ثم التحنيط، ولابد من الإتيان بالممكن من الواجبات ولا يسقط وجوب بعضها لعجز عن غيره لا كلاً ولا بعضاً، وفي تبعيض الغسل والصلاة وجهان أقواهما نعم. ولا تجهيز وجوباً ولا ندباً لغير المؤمن مسلماً كان أو لا، وبطون الكلاب ومواضع الخلا أحق به. والواجب فيه القيام بالأعمال البدنية دون المالية، فلا يجب على الناس بذل المال في واجب من الواجبات ولا في شيء من المقدمات. نعم يستحب ذلك استحباباً مؤكداً وقد يجب للرحم في بعض المقامات ويخرج من أصل ماله مقدماً على الديون والحقوق الإلهية والوصايا والمواريث فيقدم ماء الغسل أو قيمته وكذا خليطاه وكافور الحنوط والكفن وقيمة أرض الدفن ولو توقف على شرائها، وأجرة الأعمال مع فقد المتبرع وما يندفع به المانع من ظالم أو غيره كل ذلك في ما يكون بقدر الواجب.
وأما المستحب فلا يخرج إلاّ تبرعاً أو من الثلث مع الوصية به، ويجب بذلها جميعاً للمملوك والزوجة الدائمة غير الناشزة، والأحوط عدم الفرق، ولا يجب بذل غير الواجب ولو أوصت به أُخرِج من ثلثها ولو عسر الزوج عن بذل الواجب أُخرِج من أصل مالها ويرجع به وارثها على الزوج بعد إيساره ولو لم يكن للميت مال ولا باذل جُهِّز من بيت المال أو الزكاة على الأقوى ويجب على المكلفين فعل ما يجب عليهم قبل حصول الفساد لبدنه أو حصول ما يُظَن مانعيَّته عن القيام بواجبه أو مضي زمان متجاوز للعادات بحيث يعدّ تهاوناً في أمره، ويستحب تعجيله فوق ذلك ففي الخبر النبوي «لا يُنتظَر بمن مات نهاراَ ليلٌ ولا بمن مات ليلاً نهارٌ» وعنه صلّى الله عليه وآله وسلّم «إذا مات أول النهار فلا يقيل إلاّ في قبره» ويستثنى من ذلك أمور منها:
الانتظار به لمَصالِحِهِ كطلب المكان الموافق أو السرير أو الكفن الجيد أو الحنوط الكامل أو الماء المشرَّف فإنه ربما يرجح لها التأخير ما لم ينته إلى فساد ونحوه.
ومنها ما لو كان التأخير لخوف عليه من نبش أو إحراق أو تمثيل أو هتك حرمة بجعله غرضاً للنشاب أو ملعبة للصبيان أو نحو ذلك، أو لخوف عليه من شدائد الآخرة وهو أولى من الأول بالملاحظة فينقل إلى مشاهد الأئمة(F) أو من مشهد إلى أفضل منه وربما يلحق بذلك مقابر الأولياء والشهداء بل مقابر المؤمنين ويجوز حينئذ نقله كلاً أو بعضاً لحماً منفرد أو مجتمعاً مع العظم بعد الدفن وقبله، ولا بأس بشقِّ بطنه والتمثيل به إذا توقف النقل عليه، والأولى في الشهيد دفنه في محلِّه.
ومنها ما لو شُكَّ في موته لعروضه فجأة بإغماء أو دهشة أو حرق أو غرق أو صعق أو غلبة بخار أو نحوها فيُنظَر به أحد الأمرين: أما يقين الموت لمجموع علامات أو إمارات به كحدوث الرائحة وانخساف الصدغين وميل الأنف وامتداد جلدة الوجه وانخلاع الكف من الذراع واسترخاء القدمين وتقلص الأنثيين إلى فوق وتدلي جلدتهما وزوال النور عن بياض العين وسوادها وزوال حركة النبض وانتفاخ البطن واصفرار بالبدن إلى غير ذلك، أو انتظار ثلاثة أيام مع الليلتين المتوسطتين فقط على الأقوى والكسر يُجبَر من الليلة الرابعة أو يومها على الأصح.
ومنها لو كان مصلوباً فإنه يجوز أن يؤخر ثلاثة أيام لتعتبر به الناس ولا يزاد على ذلك.
ومنها أن تكون حاملاً وفي بطنها ولد حي فإنه يجب التأخير حتى تشق بطنها من الجانب الأيسر ويخرج منها ثم يخاط ويؤتى بالأعمال ونحوه ما لو كان مبتلعاً لمال ضارٍ وفي الجواز مطلقاً إشكال، ولعلَّ الشق هنا من وسط البطن أولى، ولو كان الولد ميتاً في بطنها وهيَ حية فيقطع ويخرج من فرجها قطعة قطعة، والمتولي لتلك الأعمال فيما يتوقف على النظر إلى العورة ومسِّها من جاز نظره إليها أو مسه إياها كأحد الزوجين مع قابليتهما للقيام بذلك وفي غير ذلك يقدم المماثل ثم المحرم فإن تعذر الجميع تولاه غيرهم للضرورة ثم ما كان من غير العبادات التي يعتبر ] فيها نية القربة يصحّ وقوعها من أي متولّي كان مؤمناً أو غيره بالغاً أو لا عاقلاً أو لا بأذن الولي وبدونه وإن فعل حراماً بالمباشرة فيما فيه الولاية. وأما ما كان من العبادات فلا يتولى شيئاً منها سوى المؤمن العاقل البالغ مع إذن الولي فيما له ولايته وإن وقع من المميز صُحَّ، ولم يسقط تكليف المكلفين إلاّ مع الاطلاع الباطني، واشتراط العوَض لا يفسد شيئاً من القسم الأول وإن خلا الفعل عن نيّة القربة إلاّ إن الاشتراط والأخذ في الواجب محظور، وفي قسم العبادات كالغسل والصلاة والذكر والقراءة والدعاء لا مانع من اشتراطه وأخذه على المندوبات منها أو من أجزائها أو مقدماتها ولا ينافي التقرب، وأما الواجب منها فيحرم فيه الشرط والأخذ إلاّ إنّ أخذ المال حراماً متقدماً أو متأخراً لا ينافي قصد القربة إلاّ أن يُعلَم عدم إرادة التقرب وأنّى لنا بذلك وأفعال المسلمين تبنى على الصحة؟ وأما لو كان الدفع على وجه الهبة فلا بأس به على كل حال ولا يجب الفحص عن حال ميت وضعه المسلمون للصلاة أو أرادوا دفنه في أنه غُسِّل أو لا، كفن أو لا، حنط أو لا، بل البناء على الصحة ويسقط بذلك التكليف عن المكلفين.