ولعل الآيات التي تحدثت عما جرى لآدم عليه السلام في مواجهة مكر إبليس، وفيها قوله تعالى: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى}[5]، هي الأوفر حظاً، والأكثر تردداً على ألسنة السائلين والمجادلين، الذين يترددون ما بين قوسي صعود ونزول.فمن السؤال البريء، الطالب لنيل الحقيقة، والراضي بها..إلى سؤال يسعى إلى إشباع شهوة حب الظهور، من خلال الاستغراق في المراء والجدال العقيم، بهدف إسقاط الطرف الآخر في دوامة من العجيج والضجيج المرهق والجريء إلى حد الوقاحة، وتجاوز كل الحدود.. وانتهاء بما يسعى إليه الكثيرون من أصحاب النوايا السيئة، من اهتبال الفرصة لإثارة الشبهة، وزعزعة يقين الطيبين من الناس، ثم جرهم إلى أباطيل، وأضاليل، وأفائك يقدمونها إليهم على أنها البديل الصالح، والبلسم الشافي، في حين أنها السم الزعاف، وما أدراك ما السم..
القرآن.. وترشيد الفكر البشري:
والملاحظ أن آيات القرآن الكريم في سياق عرضها لما جرى بين آدم عليه السلام، وإبليس لعنه الله.. وهي أخطر قضية ترتبط بأمر اعتقادي بالغ الحساسية، وله مساس عميق جداً بالتكوين الفكري، وبالنظرة، وبالتعامل، والسلوك، والتعاطي مع الأنبياء، ومع تعاليمهم، وله تأثير على حقيقة الارتباط بهم صلوات الله عليهم..نعم.. إن القرآن الكريم قد عرض هذه القضية بطريقة تهدف ـ فيما تهدف إليه ـ إلى ترشيد الفكر البشري، وتحريك العقل الإنساني، وفتح آفاق المعرفة أمام الإنسان، وتعميق الرؤية لديه، وإطلاقه من أسار السطحية القاتلة، التي تشل حركته، وتسلبه أقوى مبررات وجوده.وهذا هو ما عوّدناه القرآن الكريم في سياساته البيانية في مختلف المقامات والأحوال. فهو يريدنا أن نصبح قادرين على إدراك أكبر قدر ممكن مما تختزنه الألفاظ، في مفرداتها وفي تراكيبها من إيحاءات وإلماحات، تفيد في تنمية الفكر، وتعمق الوعي الإيماني لدى الإنسان، ليقوم الإيمان على أسس راسخة وقوية..