وبعد، فإن آدم عليه السلام هو ذلك الإنسان الإلهي، الذي خلقه الله تعالى من تراب ـ وفي التراب المزيد من الخير والعطاء والزيادة ـ وقد أراد تعالى لآدم عليه السلام أن يكون ذلك الإنسان الكامل، الخالص، والصفوة، والرضي في صفاته وحالاته. والعاقل المدرك، والحكيم، والمتوازن، والمدبر، الذي يستحق أن يكون أبا للبشر كلهم، ونموذجاً للكمال الإنساني، بحيث يرتفع إلى درجة نبي، له طموحات، وتطلعات الأنبياء، لا يعيش لنفسه، ولا تحركه شهواته ولا غرائزه بل يعيش لله تعالى، ولا يفكر إلا في نيل رضاه، والحصول على درجات القرب والزلفى منه..والحلول في منازل الكرامة لديه..وقد جعله الله في الجنة تعزيزاً له وتكريماً، وليظهر فضله وكرامته، وعظمته، لكل مخلوقاته، وخوَّله أن يمارس حياته فيها وفق ما يحب ويختار..رغداً:ولذلك قال تعالى له ولزوجه: {وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا}..فالرغد موجود في أي زمان أو مكان حصل فيه الأكل، وقوله: «رَغَداً»، أي كثيراً واسعاً طيباً، رفيهاً، لا يتعب فيه ولا يعيا.وهذا الوصف كان هو المناسب لمحيط تلك الجنة وحالاتها، وطبيعة الحياة فيها، ومن حيث كون الجسد يمتلك الخصائص التي تتناسب مع هذا المحيط، وتحقق الرغد بمعناه الواقعي.
تعهدات حول مستقبل النبي آدم عليه السلام في الجنة:
وحين أسكن الله سبحانه آدم عليه السلام الجنة، قال له: {إِنَّ لَكَ أَلا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى * وَأَنَّكَ لا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى}..