ولكن كان على النبي آدم أن يحتاط لنفسه، فيختار الأكل من سنخ الشجرة، لا من شخص المنهي عنه، ليكون بذلك قد امتثل النهي الإلهي تأدباً مع الله سبحانه، ثم احتاط لنفسه بمقاسمة إبليس على صحة ما يدعيه..المقاسمة تفرض الأكل من الشجرة فقد كان من الطبيعي: أن يلاحق النبي آدم عليه السلام هذه الاحتمالات، ويسعى لتأكيدها، ولو عن طريق فرض القسم على إبليس لعنه الله. وإخراج الأمر من يده ليصبح في عهدة الله تعالى، ليكون هو الكافل والضامن..هذا وقد أشارت كلمة «قاسمهما» التي هي مثل ضارب في الدلالة على صدور الفعل من الطرفين، إلى وجود قسَمين: أحدهما، من آدم عليه السلام وزوجه. والآخر، من إبليس لعنه الله.لقد كان على آدم عليه السلام الإنسان الكامل أن يسعى للتأكد من صحة الاحتمال الذي ذكره له مخاطبه، لأنه مهم جداً ومصيري بالنسبة إليه، لانسجامه مع حبه لله تعالى، ومع سعيه لنيل مقامات القرب والكرامة منه عز وجل. وإن أي تقصير في هذا الأمر سوف يلحق به أعظم الضرر، ويوقعه في أشد خطر..وكان طريقه الوحيد لضمان الصدق, ولتحصيل الرجحان، هو أن يسوق من يخاطبه بهذه الأمور إلى القسم. ففعل ذلك، متشدداً معه غاية التشدد، حيث لم يكتف بطلب القسم منه، بل أقسم هو عليه أن يصدقه القول أيضاً، وكان المفروض بالطرف الآخر، أن يبرّ بقسمه؛ فكيف إذا زاد على ذلك بأن أكد قوله بقسم جديد على أنه ناصح وصادق؟![49].