وبعد البيان الذي قدمناه، فإنه لا يبقى محل للتساؤلات التي قد تثار، من أنه كيف يصدق النبي آدم إبليس، مع أن تصديقه له معناه سوء الظن بالله، وترك التسليم له تعالى، واعتقادهما بنصح إبليس، يستلزم الاعتقاد بأن الله قد غشهما، ونجح مخطط إبليس..نعم، لا يبقى مجال لهذا: فقد قدمنا:أولاً: إنه ليس ثمة ما يدل على معرفتهما بأن نفس هذا الذي يخاطبهما هو نفس ذلك الذي حذرهما الله منه.. وذلك لإمكان أن يكون إبليس نجح في التخفي عنهما، والظهور بصورة تختلف عن صورته التي كان عليها حين التحذير، كما أشارت إليه بعض الروايات..بل قد أشرنا إلى أن من المحتمل أن يكون إبليس قد كادهما بأحد جنوده، وربما يؤيد ذلك: أنه لا يوجد في جميع الآيات أي تصريح باسم إبليس، بل التعبير في الجميع، هو بكلمة «الشيطان» ـ ويصح نسبة فعل ذلك الشيطان إلى إبليس أيضاً، لأنه هو الموجه والمدبر..ثانياً: إنه إنما يلزم من تصديق إبليس سوء الظن بالله، واعتقاد الغش فيه والعياذ بالله، لو كان الأمر دائراً بين النفي والإثبات، بأن يكون النبي آدم قد ناقض أمر الله تعالى بحرفيته، وبعمق مضمونه..أما إذا تكونت قناعة تقول: إن النواهي الإلهية قد تكون إلزامية، وقد تكون لأجل التسهيل، والتخفيف..ثم رجح الاحتمال الثاني بالقسم.. الذي يؤكد على أن النهي الإلهي كان متوجهاً إلى شخص الشجرة..ثم أيدت ذلك القرينة الكلامية، وهي استخدام اسم الإشارة الذي يحتاج إلى الإشارة الحسية لشخص شجرة محددة، حيث قال:{وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}..